- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2653
العمر القصير لـ «خطة العمل المشتركة الشاملة»
"يصادف الرابع عشر من تموز/يوليو الذكرى السنوية الأولى لتوقيع الاتفاق النووي مع إيران المعروف بـ «خطة العمل المشتركة الشاملة». وهذا المقال هو جزء من سلسلة من المراصد السياسية التي تقيّم الكيفية التي أثّر فيها الاتفاق على المصالح المختلفة للولايات المتحدة. وستصدر المقالات المقبلة في الأيام التي تسبق الذكرى".
في أواخر حزيران/يونيو، زار وفد إيراني "معهد الأبحاث النووية الدولية" الخاص بـ "المفاعل النووي الحراري التجريبي الدولي" (ITER) في فرنسا. وبعدها، ذكر كبير المفاوضين الإيرانيين في الملف النووي علي أكبر صالحي احتمال انضمام دولته إلى المشروع، الذي يركز على الاندماج النووي. وقد رحبت الدول الأخرى المنخرطة في "المفاعل النووي الحراري التجريبي الدولي" بالعضوية المحتملة للجمهورية الإسلامية. وفي الواقع، هذا هو بالذات السلوك الإيراني المنشود من قبل مؤيدي الاتفاق النووي العام الماضي - بعبارة أخرى، تشديد طهران على الأبحاث النووية السلمية وسعيها للعمل مع أعضاء الأسرة الدولية الآخرين. ولكن بالنسبة إلى منتقدي الاتفاق، تُعتبر زيارة "المفاعل النووي الحراري التجريبي الدولي" العكس من ذلك تماماً، إذ تفترض انضمام إيران إلى الأسرة النووية الدولية على الرغم من استمرار الشكوك وانعدام الشفافية بشأن أنشطتها النووية السابقة وأبحاثها النووية الحالية ونواياها المستقبلية وسلوكها الإقليمي الخطير.
ويعتمد هذا النقاش في خضمّه على مدى رغبة الرئيس أوباما بجعل الاتفاق النووي جزءاً من إرثه ومدى استعداد خلفه وطهران لإبقاء هذا الجزء من التاريخ سليماً. ففي المرحلة القادمة، ستواجه «خطة العمل المشتركة الشاملة» للبرنامج النووي الإيراني عدة مخاطر سياسية ناجمة عن بيانات جديدة بشأن تاريخ الاتفاق والعوامل الفنية الكامنة وراء تنفيذه والتي غالباً ما يساء فهمها، بالإضافة إلى الدور المحتمل للقوى النووية من الأطراف الثالثة.
هل يجدر إعادة تقييم تاريخ الاتفاق؟
كما أشار نائب وزير الخارجية الأمريكي السابق ويليام برنز الأسبوع الماضي، "لم تكن «خطة العمل المشتركة الشاملة» نتيجة مثالية بل أفضل النتائج المتوفرة". ومع مرور الوقت، سينكشف المزيد من التفاصيل حول تطور الاتفاق ومستوى التنازلات التي قدمها كل فريق.
على سبيل المثال، إن كتاب مارك لاندلر الذي نُشر مؤخراً بعنوانAlter Egos ("الأنا الأخرى") كشف بالكامل عن دور عُمان كقناة خلفية لإيران عام 2009. فقد قيل للمسؤولين الأمريكيين إن طهران كانت تعرض التفاوض، ما خفف على الأرجح من حدة استجابة واشنطن لأعمال الشغب التي اجتاحت الشوارع وأعمال القمع العنيفة التي هزت الجمهورية الإسلامية إثر إعادة انتخاب الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد عن طريق الغش ذلك العام. وفي ذلك الوقت، التقت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون ومسؤولون آخرون مباشرةً بالوسيط العُماني، كما قام بالشئ نفسه السيناتور آنذاك جون كيري، الذي قدم العرض غير الرسمي ولكن الجوهري بالسماح لإيران بمواصلة تخصيب اليورانيوم بصفة أو بأخرى.
وقد تسارعت المحادثات عام 2013 بعد إعادة انتخاب أوباما وتعيين كيري وزيراً للخارجية وانتخاب الرئيس حسن روحاني، الذي يُعتبر معتدلاً، في إيران. إلا أن الإطار الزمني ما قبل عام 2013 يتعارض مع المزاعم المكررة غالباً حول دور روحاني في الاتفاق، ومفادها بالتحديد أن انتخابه قد شجع الانفراجة الأساسية مع طهران وأن «خطة العمل المشتركة الشاملة» كانت ترمي جزئياً إلى تمكينه وحلفائه السياسيين. كما يطرح ذلك أسئلة حول مدى استعداد واشنطن آنذاك لتحمل سوء السلوك الإيراني حول القضايا غير النووية من أجل تجنب تعريض إنجاز بالغ الأهمية في السياسة الخارجية للرئيس الأمريكي إلى الخطر. وعلى الرغم من كلماته على العكس من ذلك، هناك انطباع عام بأن الرئيس أوباما كان يريد بشدة التوصل إلى اتفاق لدرجة أنه أعطى طهران فعلياً أفضلية تفاوضية.
القيود الفنية
ما زال هناك جهل مؤسف لبعض النواحي الفنية الأساسية لـ «خطة العمل المشتركة الشاملة»، بالرغم من التغطية الإعلامية التي حظيت بها هذه القضية لسنوات. على سبيل المثال، أوْلى بعض المعلقين أهمية كبرى لإيقاف التخصيب في منشأة "فوردو" التي كانت سرية في ما مضى، إلا أن إيران ما زالت تمارس أنشطة التخصيب في نطنز. فوفقاً لتقرير صادر عن "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" في 26 أيار/مايو، "واصلت إيران تخصيب غاز سادس فلوريد اليورانيوم (UF6) في محطة تخصيب الوقود في نطنز".
وأشارت "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" أيضاً إلى أنه "طوال الفترة المشمولة بالتقرير، لم تخصب إيران اليورانيوم بنسبة تتجاوز 3.67% من "يو-235" ". وقد يبدو هذا الرقم منخفضاً إلا أن العِلم يوحي بغير ذلك. فاليورانيوم الطبيعي يحتوي على نسبة 0.7% من نظيره "يو-235" و99.3% من نظيره "يو-238"، أو معدل 7:993. لاستخدامه كمادة نووية متفجرة، يجب أن تتجاوز نسبة "يو-235" 90%. ولكن حتى عند مستوى التخصيب الأقصى المسموح به في «خطة العمل المشتركة الشاملة» وهو 3.67%، تبلغ نسبة النظائر الناتجة 7:183، ما يعني أن ما يقارب 75% من العمل الضروري لإنتاج مواد صالحة للاستخدام في الأسلحة قد أُنجز (للحصول على شرح تقني أكثر تفصيلاً، انظر تقرير معهد واشنطن من عام 2015 إيران النووية، بتأليف كاتب هذه السطور مع أولي هاينونين). وفي حين توجد قيود على مخزون اليورانيوم المنخفض التخصيب الذي يحق لإيران تجميعه، لا تملك البلاد حاجة فعلية له. ففي الوقت الحاضر، إن السماح للعملية بالاستمرار في نطنز يزود ببساطة العلماء الإيرانيين بدروس قيّمة حول كيفية تحسين أجهزة الطرد المركزي البدائية نسبياً لديهم.
فضلاً عن ذلك، بالرغم من الوعود المتعلقة بنظام تفتيش صارم، تمكنت إيران من عرقلة التحقيق الكامل في موقع "بارشين" خارج طهران، حيث يُعتقد أنها أجرت اختبارات لتصميم جهاز متفجّر داخلياً في مرحلة معينة خلال الأعوام التي سبقت «خطة العمل المشتركة الشاملة». وتُستخدم هذه الأجهزة لضغط اليورانيوم العالي التخصيب أو البلوتونيوم ضمن كتل حاسمة، مما يولّد انفجاراً نووياً. وحتى في ظل القيود الإيرانية الصارمة، تمكنت "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" من استخدام عيّنات تربة من موقع "بارشين" لتبيّن وجود "جزيئتين يبدو أنهما جزيئات من اليورانيوم الطبيعي معدلة كيميائياً من قبل الإنسان". وفي 16 حزيران/يونيو، أفادت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن تلك الجزيئات كانت الدليل المادي الأول، بالإضافة إلى الصور الملتقطة عبر الأقمار الصناعية والوثائق التي تم الاستحواذ عليها من منشقين، الذي يثبت تهمة أن إيران سعت إلى تطوير قنبلة نووية في موقع "بارشين". ويمكن أن تكون الجزيئات قد أتت من مواد مستخدمة كبديل لليورانيوم العالي التخصيب في اختبارات لتصاميم مفجِرات القنابل الذرية.
وعلاوةً على ذلك، في 7 تموز/يوليو، كشف أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون في تقرير سري لمجلس الأمن وفقاً لبعض التقارير أن اختبارات الصواريخ التي أنجزتها إيران منذ العام الماضي "غير منسجمة مع الروح البناءة" للاتفاق النووي. (هذا ناهيك عن الواقع بأنها تتضارب بشكل فاضح مع المعايير الدولية. على سبيل المثال، كانت عبارة "يجب محو إسرائيل" مطبوعة باللغة العبرية على جانب صاروخ تم اختباره في نيسان/إبريل). وكشف تقرير جديد للاستخبارات الألمانية أن "أنشطة التوريد الإيرانية غير القانونية الحساسة من حيث الإنتشار النووي في ألمانيا... بقيت في عام 2015 على مستوى يُعتبر عالياً من الناحية الكمية، حتى بموجب المعايير الدولية. وينطبق ذلك بشكل خاص على السلع القابلة للاستخدام في حقل التكنولوجيا النووية... من هذا المنطلق، من الآمن التوقع بأن إيران ستواصل أنشطة التوريد المكثفة في ألمانيا، باستخدامها أساليب سرية لبلوغ أهدافها". ونظرياً، على إيران استخدام قناة توريد تحظى بموافقة الأمم المتحدة لكافة عمليات شراء المواد والمعدات النووية وذات الاستخدام المزدوج، إلا أن تقرير الاستخبارات الألمانية يفيد أنها تحاول التهرب من آليات المراقبة.
اللاعبون من الأطراف الثالثة
يخشى بعض المحللين أن تتمكن إيران من الالتفاف على قيود «خطة العمل المشتركة الشاملة» من خلال إرسال فنيين إلى كوريا الشمالية للتدريب على التخصيب وتصميم الأسلحة. فبالإضافة إلى برنامج الأسلحة الطموح الذي يتضمن تجارب نووية (كان آخرها في كانون الثاني/يناير) وعمليات إطلاق دورية لصواريخ بعيدة المدى، تستخدم بيونغ يانغ أجهزة الطرد المركزي الباكستانية من طراز "بي-2"، التي تشبه بتصميمها وقدراتها آلات "إي آر-2" الإيرانية.
وفي الواقع، يُعتبر الباكستانيون أيضاً شركاء سريين محتملين لإيران. فبالرغم من أنه غير المرجح أن تخاطر إسلام أباد من خلال التعاون المباشر مع إيران، أتت أجهزة الطرد المركزي "إي آر-1" الأكثر عدداً لدى إيران بالأصل من باكستان عبر عالمها النووي ع. ق. خان الذي أصبح اليوم سيء السمعة. وحتى في غياب التعاون الرسمي، قد ينغرّ الفنيون والمهندسون الباكستانيون السابقون الذين لديهم خبرة في أجهزة الطرد المركزي بعروض العمل المربحة في البنى التحتية النووية الإيرانية.
ويجب عدم استبعاد سيناريو آخر مبالَغاً فيه ولكن محتمل، وهو قيام كوريا الشمالية بتزويد إيران باليورانيوم العالي التخصيب أو البلوتونيوم. فبيونغ يانغ تملك المادتين وسبق أن حصل تزويد مماثل من قبل. في الثمانينات، زودت الصين باكستان بما يكفي من اليورانيوم العالي التخصيب لصنع قنبلتين نوويتين وبيانات التصميم لصنع الأجهزة، مما عزز بشكل ملحوظ من قدرات إسلام أباد مقارنةً مع خصمهما المشترك الهند.
المحصلة
تُعتبر ثقة واشنطن باستمرار نجاح «خطة العمل المشتركة الشاملة» متفائلة للغاية. فطهران ممتعضة من القيود المستمرة التي تعرقل جهودها الرامية إلى توسيع تجارتها. ومع أن هذه القيود ناتجة بمعظمها عن العقوبات غير النووية وإخفاقات إيران نفسها (على سبيل المثال، في القطاع المصرفي)، اتهم النظام الإيراني واشنطن بالرجوع عن الاتفاق. ومن جهتهم، يشكك حلفاء الولايات المتحدة بقدرة واشنطن على إنفاذ الاتفاق بحزم. وكما ورد على لسان دبلوماسي بريطاني في الأمم المتحدة وتكرر من قبل العديد من الدبلوماسيين الآخرين: "لم تعد الولايات المتحدة مُهابة من أعدائها أو محترمة من أصدقائها".
سايمون هندرسون هو زميل "بيكر" ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن.