- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3571
المعركة على "سجن الصناعة": التهديد المستمر لتنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا
أظهر الرد العسكري على الهجوم الكبير على السجن قوة الشراكة بين الولايات المتحدة و«قوات سوريا الديمقراطية»، غير أنّه سلط الضوء أيضاً على أوجه القصور المستمرة في جهود مكافحة الإرهاب.
في 26 كانون الثاني/يناير، أعلنت «قوات سوريا الديمقراطية» («القوات») المدعومة من الولايات المتحدة انتهاء المعركة التي استمرت سبعة أيام في مدينة الحسكة بعد أن هاجم تنظيم «الدولة الإسلامية» («داعش»/التنظيم) "سجن الصناعة" في عملية اعتبرت الأكثر دموية والأكثر تعقيداً للجماعة الإرهابية في سوريا منذ سقوط "خلافتها" في آذار/مارس 2019. ووفقاً لـ "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، خلفت المعركة مقتل ما لا يقل عن 79 عنصراً من «قوات سوريا الديمقراطية» و7 مدنيين و246 من مقاتلي التنظيم، إلى جانب تشرّد 45 ألف نسمة من سكان المنطقة وفقاً للأمم المتحدة.
ويوضح نطاق المعركة قوة تنظيم «داعش» وقدرته على الاستمرار، فضلاً عن فشل المجتمع الدولي في معالجة المشاكل الأساسية التي تبقي التنظيم صامداً. ففي حين ردّت «قوات سوريا الديمقراطية» والتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة بقوة على الهجوم، إلاّ أنّ الحادثة كشفت في الوقت نفسه عن أوجه قصور لا يُستهان بها من حيث توقع مثل هذه الهجمات الكبيرة، والتنافس في فضاء المعلومات، والحد من حرية التنظيم بالتنقل إلى سوريا وداخلها. ولمواجهة هذه التحديات، على الولايات المتحدة أن تواصل شراكتها القوية مع «قوات سوريا الديمقراطية» وأن تعمل في الوقت نفسه مع حكومات أخرى لعمل المزيد بشأن السجناء واللاجئين.
المعركة على "سجن الصناعة"
حالما قاربت الحملة العسكرية الإقليمية ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» النهاية في عام 2019، بدأت «قوات سوريا الديمقراطية» في تنفيذ حملة عنيفة لمكافحة الإرهاب بمساعدة التحالف. وأدى ذلك إلى تراجع عدد هجمات التنظيم إلى أدنى مستوياته، فاقتصرت بشكل رئيسي على ضربات صغيرة النطاق لم تسفر عن سقوط أكثر من عدد قليل من الضحايا. ومع ذلك، فإن الهجوم على "سجن الصناعة" - أكبر سجن في شمال شرق سوريا، يضم ما يصل إلى 5000 عنصر مرتبط بتنظيم «الدولة الإسلامية»، معظمهم من العراق وسوريا، من بينهم ما يصل إلى 850 فتى جلبهم آباؤهم إلى "دولة الخلافة" - كان تصعيداً هائلاً للأحداث. وفي الهجوم اقترب حوالي 300 مهاجم من عدة محاور، وتمت الاستعانة بسيارتين مفخختين، حيث اخترقت قنبلة السيارة الأولى محيط السجن وألحقت الثانية أضراراً بمستودع وقود قريب، لتشتيت الأنظار على الأرجح. ووفقاً لـ "المرصد السوري لحقوق الإنسان" احتل مقاتلو التنظيم بعد ذلك بعض أبنية السجن، بينما قام السجناء بأعمال شغب منسقة واحتجزوا ما يقرب من خمسين رهينة. أما خارج السجن، فاخترق بعض المهاجمين حي غويران وحي الزهور في مدينة الحسكة، وهاجموا تعزيزات «قوات سوريا الديمقراطية» بالأسلحة الخفيفة وراجمات الصواريخ والقناصة.
ورداً على ذلك، خصصت «قوات سوريا الديمقراطية» 10 آلاف مقاتل لاستعادة السجن واجتياح الأحياء التي تم اختراقها في معارك صغيرة وفي مساحة تبلغ حوالي كيلومترين مربعين. ولعرقلة هذه الحملة، نفذت خلايا تابعة لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» في أماكن أخرى من مناطق «قوات سوريا الديمقراطية» هجمات تضامناً مع الهجوم على السجن.
ورد التحالف بسرعة أيضاً، حيث أرسل مروحيات من طراز "أباتشي" وطائرات "أف-16" لشن غارات جوية بينما ساعدت القوات البرية الأمريكية والبريطانية في تطويق المنطقة بمركبات مدرعة وقناصة. وأظهرت مقاطع فيديو للعملية تسيير دوريات متنقلة مشتركة بين «قوات سوريا الديمقراطية» والتحالف، حيث نشرت وحدات «القوات» دبابات "تي-62" ومركبات مصفحة أخرى خاصة بها. كما قامت فرق «قوات سوريا الديمقراطية» بشكل منهجي بتطهير المناطق السكنية من المقاتلين بأسلحة صغيرة ومركبات خفيفة بدعم من التغطية الجوية للتحالف، مما أشار إلى احتفاظ «قوات سوريا الديمقراطية» الراسخ بتكتيكات القتال في الأماكن الحضرية التي تم تحسينها في الحرب ضد تنظيم «داعش» في الفترة 2014-2019.
أما داخل السجن، فقد تقدم مقاتلو «قوات سوريا الديمقراطية» مبنى بعد آخر بينما كانوا يتفاوضون مع محتجزي الرهائن من تنظيم «داعش» عبر مكبرات الصوت، وأفاد "المرصد السوري لحقوق الإنسان" أنه بحلول 26 كانون الثاني/يناير، كانت «قوات سوريا الديمقراطية» قد استعادت الجزء الأكبر من السجن، وحررت معظم الرهائن، وأجبرت حوالي 1600 من عناصر «داعش»على الاستسلام. ولا يزال إخلاء الأحياء مستمراً حتى كتابة هذه السطور، في حين لا يوجد تأكيد على عدد الفارين من عناصر التنظيم.
التحضير للهجوم
كيف نجح تنظيم «الدولة الإسلامية» في تنفيذ مثل هذه العملية الكبيرة بعد ما يقرب من ثلاث سنوات من الجهود العنيفة لمكافحة الإرهاب؟ لقد تم تجميع خلايا المقاتلين من مناطق مختلفة، مما يدل على التماسك التنظيمي الواسع لـ «داعش» ومرونته الكبيرة. وعلى الرغم من أنّ بعض هذه الخلايا كانت على الأرجح متمركزة في شمال شرق سوريا منذ بعض الوقت، إلّا أنه من المحتمل أن يكون التنظيم قد سحب عناصر أكثر خبرة من مناطق أخرى، من بينها مناطق نظام الأسد، وشمال العراق، وأجزاء من سوريا تسيطر عليها القوات التركية أو وكلاء التنظيم. ووفقاً لـ «قوات سوريا الديمقراطية»، ذكر مقاتلو «داعش» الذين تم القبض عليهم أن العملية استغرقت ستة أشهر للتحضير.
وعلى عكس ما هو الحال في مناطق «قوات سوريا الديمقراطية»، كان تمرد «داعش» يجري على قدم وساق في مناطق النظام السوري قبل هجوم السجن بكثير. فقد كانت خلايا تنظيم «الدولة الإسلامية» التي تضم أحياناً عشرات المقاتلين في كل خلية تتسبب بانتظام في خسائر بالعشرات في صفوف القوات الموالية للأسد على الرغم من الدعم الجوي والبري الكبير الذي تقدمه له إيران أو تقوم به هذه الأخيرة. ونتيجة ذلك، يتمتع تنظيم «داعش» الآن بالحرية شبه الكاملة للتنقل في منطقة البادية الصحراوية الوسطى. ووفقاً لتقرير غريغوري ووترز من معهد "نيولاينز" في آب/أغسطس 2020، قام المقاتلون القدامى في البادية بتجنيد وتدريب عشرات العناصر في وقت واحد في معسكرات متنقلة، ثم قاموا بإدخالهم في أراضي «قوات سوريا الديمقراطية» ومناطق أخرى، مما سهل تحركاتهم من خلال رشوة جنود النظام.
وفي العراق، يعتمد تنظيم «الدولة الإسلامية» على القوة البشرية باستخدام طريق تهريب عبر منطقة الأنبار المضطربة وحدودها مع سوريا التي تقل حراستها نسبياً. ومن المرجح أن يكون مثل هؤلاء النشطاء من ذوي الخبرة، لأن تنظيم «داعش» يتبنى شن هجمات في العراق أكثر من أي دولة أخرى. وخلال حملة السجن، أفادت «قوات سوريا الديمقراطية» بأنها ألقت القبض على مقاتلين من تنظيم «داعش» قدموا من العراق.
كما تدّعي مصادر «قوات سوريا الديمقراطية» أن بعض المقاتلين الأسرى قدموا من مناطق في سوريا تحت سيطرة تركيا، حيث كانت هذه الأخيرة قد شكلت وجهةً للكثير من عناصر تنظيم «الدولة الإسلامية» بعد انهيار الخلافة، لذلك لن يكون من المستغرب إذا كان التنظيم لا يزال لديه شبكات نشطة تمتد من تركيا أو من مناطق في سوريا متاخمة لتركيا.
وأخيراً، أفاد "المرصد السوري لحقوق الإنسان" أن بعض مهاجمي السجن كانوا مقاتلين أجانب غير عراقيين، يعملون في سوريا على الأرجح منذ بعض الوقت. وبما أن معظم كوادر تنظيم «الدولة الإسلامية» الأجانب قدموا في الفترة 2014-2016، فإن ذلك قد يجعلهم يتمتعون بخبرة كبيرة حقاً.
التداعيات السياسية
يُظهر الهجوم على "سجن الصناعة" أن تنظيم «الدولة الإسلامية» لا يزال يحتفظ بنسبة كبيرة من تماسكه التنظيمي ولا يزال يشكل تهديداً كبيراً على المنطقة. وفي حين أنّ شمال شرق سوريا لا يزال بعيداً عن عودة «داعش» بالكامل إليه، إلاّ أنّ تكرار هذه الحادثة قد يكون مقلقاً. فليس من الصعب تصوّر نتيجة أسوأ بكثير للهجوم لو لم تكن قوات التحالف متواجدة [في المنطقة]. ومن ثم، فإن أهم عبرة لواشنطن هي أنّ إبقاء قواتها على الأرض لدعم «قوات سوريا الديمقراطية» لا يزال يوفر مزايا سياسية كبيرة مقارنة بتكاليف الحفاظ على تواجدها.
وكان هذا التآزر بين الشريكين واضحاً خلال المعركة - حيث عمل مقاتلو «قوات سوريا الديمقراطية» عن كثب مع قوات التحالف واستخدموا التكتيكات التي طوروها معاً خلال الحرب في الفترة 2014-2019، ومنها تكتيكات التطويق والتفتيش المنهجية، وإقامة الحواجز على الطرق التي يحتمل أن تستهدفها السيارات المفخخة، واستخدام الجرافات المصفحة لحماية جنود المشاة أثناء عمليات الاختراق. وكان هذا الرد الماهر بلا شك نتاج سبع سنوات من التعاون الوثيق بين الطرفين. لذلك يجب على الولايات المتحدة أن تواصل تعميق هذه الشراكة التي لا تدعمها اليوم بشكل فعال سوى بـ 900 عنصر من القوات الأمريكية.
وفي الوقت نفسه، فإن واقع كَوْن مثل هذه العملية المعقدة في أكبر مركز احتجاز تابع لـ «قوات سوريا الديمقراطية» قد فاجأ الشركاء يكشف عن فجوة استخبارية كبيرة. فقد كان خبراء الأمن والعاملون في المجال على دراية تامة بأن منشآت «قوات سوريا الديمقراطية» ضعيفة وأن تنظيم «الدولة الإسلامية» كان عازماً على تحرير السجناء وأن خلايا «داعش» لا تزال نشطة في السجون ومخيمات اللاجئين (أبرزها مخيم الهول)، وأن هذه الخلايا قادرة على التواصل مع الشبكات الخارجية. بالإضافة إلى ذلك، يستغل التنظيم بانتظام الاضطرابات في مناطق «قوات سوريا الديمقراطية» ويستخدم أساليب الترهيب والابتزاز لاستقطاب السكان المحليين - وهي تكتيكات ربما استخدمها لدعم هجومه على السجن. لذلك على الولايات المتحدة التحقيق فيما إذا كانت القوات الحليفة لها تتحلى بأمن عملياتي كافٍ، وما إذا كان تنظيم «الدولة الإسلامية» قادراً على التسلل أو رشوة حراس سجون «قوات سوريا الديمقراطية» وإلى أي مدى تمكّن التنظيم من التسلل إلى جماعات السكان المدنيين في الأحياء القريبة.
كما يسلط الحادث الضوء على النقص المستمر الذي يعاني منه التحالف في مجال الإعلام. فقد أحاط تنظيم «الدولة الإسلامية» مؤيديه بتقاريره الأولية عن الهجوم، حتى أنّ مزاعمه غير المؤكدة وصلت إلى صفحات الصحف الكبرى. وفي المقابل، لم تحظَ تقارير «قوات سوريا الديمقراطية» باهتمام كبير وتلطخت بالدعاية الصارخة التي تزعم دعم تركيا لعمليات «داعش». ولم يتمكن التحالف من الرد إلا في اليوم الرابع للمعركة حيث أصدر بيان صحفي رسمي أشاد بحق بـ «قوات سوريا الديمقراطية» وأعاد تأكيد التزام الولايات المتحدة. ولكن، لم يكن هناك الكثير غير ذلك ليواجه به سرد «داعش» للأمور. بالإضافة إلى ذلك، بعد أن سلّط محتجزو الرهائن الضوء علانية على العدد الكبير من الأطفال المحتجزين في مثل هذه السجون، فشلت «قوات سوريا الديمقراطية» في تقديم أي تفسير منطقي لذلك (على سبيل المثال، تم جلب الفتيان المحتجزين في "سجن الصناعة" إلى "الخلافة" من قبل آبائهم، وعلى الرغم من احتجازهم بمعزل عن الرجال، إلا أنهم ما زالوا يعيشون في ظروف مزرية - فـ «قوات سوريا الديمقراطية» لا تستطيع استيعابهم، ومجتمعاتهم الأصلية ترفض في الغالب إعادتهم إلى أوطانهم). وتحتاج «قوات سوريا الديمقراطية» إلى الشرعية للحكم وإبقاء تنظيم «الدولة الإسلامية» تحت السيطرة، لذلك على التحالف العمل مع شريكه لتحسين ردود هذا الأخير.
ولكن، في النهاية، هناك حدود لما يمكن لـ «قوات سوريا الديمقراطية» أن تفعله حتى مع دعم التحالف. فقد نفّذ الشريكان حملة جديرة بالثناء لمكافحة الإرهاب، لكنّ تنظيم «داعش» سيبقى قادراً على الصمود طالما أنه لا يزال حراً إلى حد كبير في نقل الأفراد في البادية، وعبور الحدود العراقية، وحشد العناصر من الأجزاء التي تسيطر عليها تركيا في سوريا. والأهم من ذلك، لا يمكن لـ «قوات سوريا الديمقراطية» أن تحتجز ما يقدر بـ 10 آلاف سجين مرتبط بـ «داعش» و 56 ألف لاجئ يقبعون حالياً في مواقع الاعتقال في شمال شرق سوريا إلى أجل غير مسمى.
ووفقاً لذلك، على الولايات المتحدة أن تعمل مع الحكومة العراقية لتعزيز أمن الحدود واستيعاب ما يقرب من 29 ألف عراقي في مخيم الهول. كما يجدر بها الضغط على تركيا لتحسين أمنها الحدودي، لا سيما مع استمرار هذه الأخيرة احتلال بعض أجزاء شمال سوريا ومهاجمة مواقع «قوات سوريا الديمقراطية». وفي حين يجدر بواشنطن الاستمرار بِحَث الدول على إعادة المقاتلين الأجانب المحتجزين في سوريا إلى أوطانهم، فقد حان الوقت لإطلاق محكمة دولية مخصصة تهدف إلى معالجة هذا المأزق الذي طال أمده.
عيدو ليفي زميل مشارك في "برنامج الدراسات العسكرية والأمنية" في معهد واشنطن.