- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2443
المشهد السياسي عقب الانتخابات التركية (الجزءالثاني): خيار «حزب العدالة والتنمية» و «حزب الحركة القومية»
في 24 حزيران/يونيو، عقد البرلمان التركي جلسته الأولى منذ انتخابات 7 حزيران/يونيو التي خسر فيها «حزب العدالة والتنمية» الحاكم الأغلبية التي حافظ عليها ثلاثة عشر عاماً. [وبعد تقديم بعض الأحزاب لمرشحيهم لرئاسة البرلمان قبل الاقتراع الذي سيجري في 30 حزيران/يونيو]، سيتفرّق النواب لحين تشكيل حكومة جديدة. وإذا لم يتم ذلك في غضون خمسة وأربعين يوماً، فسوف تُجرى انتخابات برلمانية جديدة وفقاً للدستور.
ونظراً إلى أن أياً من الأحزاب الأربعة في المجلس التشريعي لم يفز بأغلبية المقاعد، يجب على أي حكومة يتم تشكيلها خلال الشهر والنصف القادمين أن تكون حكومة ائتلافية. وفي هذا السياق، يعتقد المحللون الأتراك أن إحدى الخيارات المعقولة يقوم على تشكيل تحالف بين «حزب العدالة والتنمية» ونظيره من الجناح اليميني «حزب العمل القومي» الذي يُعرف أيضاً بـ «حزب الحركة القومية» (تمت مناقشة خيار «حزب العدالة والتنمية» و«حزب الشعب الجمهوري» في الجزء الأول من هذا المرصد السياسي؛ وسوف تتم مناقشة خيار «حزب العدالة والتنمية» و «حزب ديمقراطية الشعوب» في الجزء الثالث). وفيما يلي ما قد تبدو عليه تركيا في ظل هذه الشراكة.
أغلبية قوية، ولكن من دون رئيس يتّبع رئاسة تنفيذية
بما أن الحزبين يسيطران على 338 مقعداً من أصل مقاعد البرلمان الـ 550، فإن تحالف «حزب العدالة والتنمية» و «حزب الحركة القومية» سيحوز على أغلبية كبيرة وبإمكانه إقرار التشريعات بكل سهولة. ومع ذلك، سيكون هذا العدد أكثر بثمانية مقاعد فقط من أغلبية الـ 330 مقعداً المطلقة اللازمة لتعديل الدستور. لذلك فإن تحقيق حلم الرئيس رجب طيب أردوغان بتحويل الحكومة التركية إلى نظام رئاسي سيكون صعباً إن لم يكن مستحيلاً. وحتى لو أقر البرلمان التعديلات اللازمة، فستبقى هناك حاجة إلى الموافقة عليها من خلال استفتاء شعبي.
والأهم من ذلك، من غير المرجح أن يدخل «حزب الحركة القومية» مثل هذا التحالف ما لم يوافق زعيم «حزب العدالة والتنمية» السابق أردوغان على أن يبقى رئيساً بصلاحيات تنفيذية محدودة. إذ سيكون تشكيل حكومة ومن ثم دعم التعديلات الدستورية أو غيرها من الخطط التي من شأنها أن تسمح لأردوغان تجاوز تلك الحكومة، انتحاراً سياسياً بالنسبة لـ «حزب الحركة القومية».
سياسات قومية ومحافظة اجتماعياً
سيشكل التحالف بين «حزب العدالة والتنمية» و«حزب الحركة القومية» نسبة لا بأس بها تبلغ 57 في المائة من أصوات الناخبين، الأمر الذي يدرج جميع الأطياف السياسية اليمينية تقريباً تحت حكومة واحدة للمرة الأولى منذ أربعة عقود. ومن خلال تمتعها بتفويض شعبي قوي، وإن كان يمينياً بكل معنى الكلمة، ستذكرنا هذه الحكومة بحقبة السبعينيات، حين تشكلت حكومة "الجبهة الوطنية" من ائتلاف مكوّن من يمين الوسط والإسلاميين والأحزاب القومية. وعلى وجه الخصوص، ستتحرك هذه الحكومة وفق جدول أعمال محافظ اجتماعياً حول دور المرأة في المجتمع، والإسلام في الحكومة، والقومية في السياسة الخارجية.
بعض الضغوط على شبه جزيرة القرم وسوريا والعراق
منذ توليه السلطة في عام 2002، اتّبع «حزب العدالة والتنمية» مبدأً في السياسة الخارجية يقوم على التضامن الإسلامي والقومية التركية المكتفية ذاتياً. وعادة ما يحصل الشريك الأصغر في الحكومات الائتلافية التركية على حقيبة الشؤون الخارجية. وإذا اتبع «حزب الحركة القومية» هذا المسار، فمن المرجح أن تمنعه اتجاهاته القوية ذات الطابع القومي -المحافظ من تشكيل تحدٍ كبير للسياسة الخارجية لـ «حزب العدالة والتنمية».
بيد أن «حزب الحركة القومية»، بصفته حزباً قومياً، لديه مصلحة كبيرة في المجتمعات التركية في الخارج. وبالتالي من المرجح أن يصرّ على أن يرسم السياسة في ثلاث قضايا بارزة، الأمر الذي قد يخلق مشاكل لـ «حزب العدالة والتنمية».
القضية الأولى هي مجتمع التركمان في كركوك، العراق. فمنذ بروز تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية» في حزيران/يونيو 2014، سيطرت «حكومة إقليم كردستان» على هذه المدينة المتعددة الأعراق لدرء استيلاء الجهاديين عليها. وحتى الآن، ساعدت الروابط الاقتصادية القوية بين أنقرة و «حكومة إقليم كردستان» وعلاقات أردوغان الحميمة مع رئيس «حكومة إقليم كردستان» مسعود بارزاني على التخفيف من ردود الفعل القومية التركية لهذا الواقع من الهيمنة الكردية على تركمان العراق. لكن، في ظل تحالف بين «حزب العدالة والتنمية» و«حزب الحركة القومية»، سيعارض هذا الأخير السيطرة الكردية على المدينة، الأمر الذي من المحتمل أن يضر بالعلاقات بين تركيا و «حكومة إقليم كردستان».
أما القضية الثانية فهي شبه جزيرة القرم؛ فالاحتلال الروسي لشبه الجزيرة ترك مجتمع التتار هناك - الذي تربطه قرابة لغوية وتاريخية مع أتراك الأناضول - معرضاً للخطر. وقد لا يكون «حزب الحركة القومية» قادراً على إجبار «حزب العدالة والتنمية» على تخفيف علاقته الوثيقة مع روسيا، والتي تشمل قيام روابط وثيقة في مجالي الطاقة والتجارة وكذلك علاقة شخصية تربط أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ومع ذلك، فإن تركيز «حزب الحركة القومية» المستمر على التتار الذين يعانون من الروس قد يؤدي إلى قيام مشاكل مع موسكو، الأمر الذي سيضطر أردوغان إلى التعامل معها.
وبالنسبة للقضية الثالثة، فيمكن لـ «حزب الحركة القومية» أن يجعل الأمور [أكثر] صعوبة على «حزب العدالة والتنمية» في سوريا. فمنذ بداية الحرب الأهلية في سوريا المجاورة سعت تركيا وراء تحقيق هدف واحد وهو: إسقاط بشار الأسد. إن هذا الموقف قد جعل المخاوف الأخرى في سوريا ثانوية، بما فيها تنامي تنظيم «الدولة الإسلامية» وجماعات إسلامية متطرفة أخرى. واستفاضة في هذه النقطة، فإن انشغال أنقرة بالأسد قد طغى على المخاوف بشأن مصير250,000 من السكان التركمان في سوريا. ومن هنا، ستخصص حكومة «حزب العدالة والتنمية» و«حزب الحركة القومية» موارد أكبر بكثير لمساعدة وبناء قوة مقاتلة من التركمان السوريين. وفي الواقع، من المرجح أن يصر «حزب الحركة القومية» على منح الأولوية لقضية التركمان وتفضيلها على جوانب أخرى من السياسة تجاه سوريا - بما فيها القتال ضد نظام الأسد والتعاون الأمريكي التركي ضد تنظيم «داعش» - وخاصة في الحالات التي يرى فيها الحزب أن جهود هذه السياسة قد تضر بالتركمان.
وعلاوة على ذلك، من المرجح أن يعارض «حزب الحركة القومية» بقوة المساعدة الأمريكية -التركية لـ «حزب الاتحاد الديمقراطي»، الذي يقاتل تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا والمرتبط بـ «حزب العمال الكردستاني» في تركيا. وعلى الرغم من أن أنقرة وواشنطن تعتبران «حزب العمال الكردستاني» منظمة إرهابية، إلا أن الحكومة التركية تجري محادثات سلام مع هذه الجماعة منذ أواخر عام 2012 من أجل حل مشكلتها الكردية المحلية. ومع ذلك، يعارض «حزب الحركة القومية» هذه المحادثات بشدة، وينظر إلى «حزب العمال الكردستاني» و «حزب الاتحاد الديمقراطي» على أنهما يشكلان المجموعة نفسها في الأساس. ووفقاً لذلك، فإن استمرار المساعدة لـ «حزب الاتحاد الديمقراطي» أو التعاون معه - حتى ضد «داعش» - قد يشكل سبباً لـ «حزب الحركة القومية» لخرق الاتفاق في مجال السياسة الخارجية.
اضطرابات كردية واسعة النطاق
كشرط لا غنى عنه لدخول الائتلاف، سيُطالب «حزب الحركة القومية» بتجميد محادثات السلام مع «حزب العمال الكردستاني». إن ذلك سيستحث غضب القوميين الأكراد في تركيا، وربما يؤدي إلى إثارة اضطرابات واسعة النطاق في جنوب شرق البلاد ذات الأغلبية الكردية، مع احتمال قيام سياسة معادية لـ «حزب الاتحاد الديمقراطي» في سوريا. وفي الواقع، إذا سقطت حكومة مؤلفة من «حزب العدالة والتنمية» و«حزب الحركة القومية» قبل الدورة الانتخابية المقبلة، فربما تكون الاضطرابات الكردية هي السبب في ذلك. وبالتالي، يمكن لأي تدهور مماثل في الوضع الكردي في تركيا أن يزعزع العلاقات التي تربط أنقرة بـ «حكومة إقليم كردستان»، التي كانت دعامة أساسية فريدة للسياسة الخارجية التركية في ظل حكم «حزب العدالة والتنمية» ورئاسة أردوغان للحزب.
سونر چاغاپتاي هو زميل "باير فاميلي" ومدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن، ومؤلف كتاب "صعود تركيا: أول قوة مسلمة في القرن الحادي والعشرين".