- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2979
الميليشيات الإيرانية في مجلس النواب العراقي: النتائج السياسية والرد الأمريكي
من بين الفائزين في انتخابات مجلس النواب العراقي التي أجريت في 12 أيار/مايو كانت «عصائب أهل الحق»، وهو أسرع فصيل صاعد ضمن ائتلاف قوي يضمّ الأحزاب العراقية الحليفة لإيران. وفي الأيام التي أعقبت الانتخابات، أقرّ المشرعون الأمريكيون مشروع قانون معدّل لتفويض الدفاع [الوطني] الذي مهد الطريق أمام وزارة الخزانة الأمريكية لفرض عقوبات مالية باهظة على الجماعة وغيرها من الوكلاء الإيرانيين المتهمين. ورغم أنها الخطوة الصحيحة الواجب اتخاذها، إلّا أنه لا بدّ من صياغة أي عقوبات بحذر ودقة وتوقيتها بشكل يحول دون أي ردود فعل معادية للولايات المتحدة خلال عملية تشكيل الحكومة الفوضوية أساساً في العراق.
انهيار التحالف الإيراني
تشكّل «عصائب أهل الحق» جزءاً من "ائتلاف الفتح" ["تحالف الفتح"] الذي أحرز بين 40 و47 مقعداً في الشهر الماضي، أي نسبة تكفي لاحتلاله المركز الثاني بين كافة المتنافسين (بانتظار نتيجة إعادة فرز الأصوات المزمعة في العراق). وقد فازت «عصائب أهل الحق» بين 13 إلى 15 مقعداً من هذه المقاعد أو ما يقارب 30 في المائة من إجمالي مقاعد الائتلاف.
ويتزعم هادي العامري "ائتلاف الفتح"، وهو قائد "منظمة بدر" التي يمكن القول إنها أقدم الجماعات الشيعية العراقية التابعة لإيران وأكبرها وأكثرها أهمية من الناحية الإيديولوجية والسياسية والدينية. ويتكون الائتلاف بشكل أساسي من جماعات تمّ تشكيلها على غرار نموذج الميليشيا/الحزب الذي لطالما استخدمه «حزب الله» في لبنان. وناهيك عن أنها تشكّل نواة «الحشد الشعبي»، تُعتبر هذه الجماعات أيضاً العناصر الأكثر نفوذاً ضمن التأثير الإيراني المباشر على الساحة السياسية العراقية.
وتشمل أحدث المكاسب الانتخابية التي حققها "ائتلاف الفتح" ما يلي:
- إثنان وعشرين مقعداً لصالح "منظمة بدر"
- ثلاثة عشر مقعداً لصالح «عصائب أهل الحق»، وهي جماعة منشقة خاضعة للسيطرة الإيرانية كانت مرتبطة سابقاً بمقتدى الصدر
- ثلاثة مقاعد لصالح "المجلس الأعلى الإسلامي العراقي"، الذي اضطلع في ما مضى بدور مهم في السياسة الشيعية إلى حين خروج زعيمه عمار الحكيم (انظر أدناه لمعرفة المزيد عن هذا الانشقاق)
- مقعدان لصالح "حركة الجهاد والبناء"، وهي حزب متجذر ضمن "منظمة بدر" ومقرب من "المجلس الأعلى الإسلامي العراقي"
- مقعدان لصالح "كتائب بابليون"، وهي جماعة مسيحية شكّلتها "كتائب الإمام علي" الخاضعة للسيطرة الإيرانية؛ وبالتالي حصل الحزب على مقعدين من أصل خمسة مقاعد مخصصة للمسيحيين العراقيين
- مقعد واحد لصالح "كتائب سيد الشهداء"، وهي جماعة انفصلت عن «كتائب حزب الله» التي صنفتها الولايات المتحدة جماعة إرهابية
- مقعد واحد لصالح "حركة العراق الإسلامية" التي انشقت عن "حركة الدعوة" في أواخر ثمانينيات القرن الماضي وكانت جزءاً من "فيلق بدر" حتى عام 2003
- مقعد واحد لصالح "تجمع الشبك الديمقراطي" التابع لـ"منظمة بدر" الذي يمثل الأقلية العرقية من الشبك شمالي العراق
ويبرز توجهان واضحان من هذه النتائج: القفزة السريعة لـ «عصائب أهل الحق»، وهي أحد أكثر العناصر جموحاً ضمن "ائتلاف الفتح"، وعدم التقدّم المفاجئ لـ "منظمة بدر"، بعد أن بدت مستعدةً للتوسع.
مكاسب مفاجئة لعصائب أهل الحق
فاقت «عصائب أهل الحق» العديد من التوقعات، لا سيما بعد فوزها بمقعد واحد فقط في انتخابات عام 2014. يُذكر أن الجماعة متفرعة من الحركة الإسلامية الشعبية لمقتدى الصدر "سائرون" التي فازت بأكبر عدد من المقاعد في الشهر الماضي (بين 54 و 56 مقعداً). وكُلِّفت «عصائب أهل الحق»، التي تشكلت بين عاميْ 2006 و2007 بمساعدة «حزب الله»، بمهمة محاربة احتلال العراق الذي قادته الولايات المتحدة، ولاحقاً بإرسال آلاف المقاتلين إلى سوريا.
وفي الوقت الحالي، يتراوح عدد مقاتلي الجماعة بين 7 و10 آلاف مقاتل، مجهزين بدبابات وعربات مدرعة خفيفة وقطع مدفعية قديمة وصواريخ وذخائر صاروخية يدوية الصنع. وفضلاً عن الحفاظ على موقفها المناهض للغرب، اتُهمت بارتكاب عمليات قتل وحشية في جميع أنحاء العراق ضد مواطنين من الشيعة أمثالها وضد طوائف أخرى.
ويتمثّل التلخيص الأكثر بروزاً لهذه الأسس في فوز حسن سالم، أحد مرشحي هذه الجماعة في دائرة بغداد الانتخابية، وهو قائد ميداني سابق في "جيش المهدي" الذي كان تابعاً لمقتدى الصدر [قبل تجميد أنشطة التنظيم]. وبعد أن أفادت التقارير عن إدارته عصابات قتل ("كتائب موت") طائفية بهذه الصفة، انضم إلى «عصائب أهل الحق» ليكون أحد أبرز قادة الميليشيات ويساعد في مساعي التعبئة الأولية للمشاركة في الحرب السورية.
ويمكن أن يُعزى النجاح الانتخابي الكبير للجماعة إلى عدة عوامل:
- تمتعها بمهارات قتالية. تَعتبر «عصائب أهل الحق» أنها تنبأت بما سيحصل واتخذت إجراءات مبكرة وفعالة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» خلافاً لمقاربة التلكؤ التي انتهجتها الحكومة العراقية وإخفاقاتها العسكرية (مثل سقوط الموصل).
- تنظميها حملات تركز على الرسائل الاستراتيجية. من خلال اتباعها نموذج شبكة تلفزيون "المنار" التابعة لـ «حزب الله» وعدد من المواقع الإلكترونية، أظهرت «عصائب أهل الحق» نهجاً احترافياً وحديثاً ومتنوعاً بشكل متزايد تجاه وسائل الإعلام. فقد عمدت الجماعة من خلال قناة "العهد" الفضائية الإعلامية التابعة لها، ومن خلال تركيز مساعيها المتقدمة في مجال وسائل التواصل الاجتماعي، إلى بثّ برامج منمقة واسعة النطاق ومقاطع فيديو موسيقية وغيرها من المنتجات تسخر من كل شيء اعتباراً من فساد النخبة ووصولاً إلى الأكراد. وتحرص بعض هذه البرامج على إظهار «عصائب أهل الحق» وكأنها الصوت الصارخ للعراقيين المهملين. فعلى سبيل المثال، قدّم وجيه عباس، أحد مرشحي «عصائب أهل الحق» الفائزين في بغداد، برنامج "كلام وجيه" الليلي الذي اجتذب حوالي مليون مشاهد وتضمن خطاباً طائفياً مثيراً للفتنة وانتقادات للنخب الحاكمة.
- وصف نفسها بقوة خارجية تسعى لمحاربة الفساد. من المحتمل أن يكون تواجد الجماعة الصغير سابقاً في مجلس النواب قد أعطى الناخبين شعوراً بتهميشها، وبالتالي تُعتبر غير فاسدة بالمقارنة مع الأحزاب الأكبر حجماً. وقد حرص مرشحو «عصائب أهل الحق» على التشديد على هذا النمط من التفكير مراراً وتكراراً خلال الحملة الانتخابية، متهمين الأحزاب القائمة بالفساد المستشري.
- إيلاء أهمية للناخبات. لا بدّ من أن يكون ربع مقاعد مجلس النواب العراقي مخصصاً للمرشحات من النساء. ومن بين المرشحين الفائزين الثلاثة عشر من «عصائب أهل الحق»، هناك ثلاث نساء. وعلى الرغم من غياب انكشافهن العلني أو تاريخهن العسكري مقارنةً بنظرائهم من الرجال، فقد تمكنن من ضمان مقاعد في بغداد وكربلاء والمثنى. ويعزى هذا النجاح جزئياً إلى واقع أن «عصائب أهل الحق»، على غرار «حزب الله» إلى حدّ كبير، قد دعمت النساء من خلال "القسم النسوي" المندرج في إطار مساعي الجماعة الأوسع نطاقاً لبناء "ثقافة المقاومة". وفي آذار/مارس 2017، جمعت «عصائب أهل الحق» مسارها لمكافحة الفساد مع تركيزها على النساء من خلال إنشاء حركة "نساء متحدات ضد الفساد".
الفصائل الأخرى في "ائتلاف فتح"
بعد تأسيس "منظمة بدر" في أوائل الثمانينات من القرن الماضي، سارعت الجماعة إلى الحفاظ على أقسامها العسكرية والحصول على نصيب في الحكومة العراقية بعد الإطاحة بصدام حسين عام 2003. وفي وقت لاحق، خاضت انتخابات عام 2014 كجزء من "ائتلاف دولة القانون" بزعامة نوري المالكي، وحصلت على 22 مقعداً في مجلس النواب وسيطرت على وزارة الداخلية. وفي موازاة هذه القوى الرسمية، تمكنت من السيطرة على عمليات غالبية ألوية «قوات الحشد الشعبي»، وأنشأت وحدات ميليشيا جديدة لجماعات الأقلية العرقية الشيعية في شمال العراق، وأرسلت مقاتلين إلى سوريا.
وبالتالي، قد يبدو عجز "منظمة بدر" عن الحصول على المزيد من المقاعد هذا العام مفاجئاً. فعلى الأرجح، إنه ببساطة جزء من الاتجاه الأوسع نطاقاً الذي ميز هذه الانتخابات: على وجه الخصوص، معاقبة الناخبين للأحزاب الراسخة التي اعتمدت برامج تقليدية.
ولم تكن "منظمة بدر" العضو الوحيد في "ائتلاف الفتح" الذي حقق نتائج باهتة: فقد فاز "المجلس الأعلى الإسلامي العراقي"، وهو الهيئة الأم السابقة لـ"منظمة بدر"، بثلاثة مقاعد فقط. وكما ذكرنا سابقاً، انفصل رئيس المجلس عمار الحكيم قبيل الانتخابات ليشكل "تيار الحكمة الوطني". وقد ركّز برنامج هذا الحزب الجديد على بناء دولة مدنية، وتعزيز المواقف القومية العراقية، وفصل نفسه عن "الحرس القديم" التابع لـ "المجلس الأعلى الإسلامي العراقي" والموالي لإيران والحليف لـ"منظمة بدر" الذي اتُهم مراراً بالفساد. وقد فاز الفصيل التابع للحكيم بتسعة عشر مقعداً وتحالف منذ ذلك الحين مع معسكر الصدر.
ومن المؤكد أنّ "منظمة بدر" لا تزال تسيطر على مقاعدها الاثنين والعشرين وبإمكانها التأثير إلى حدّ كبير على المقاعد الخمسة والعشرين الباقية التي يملكها "ائتلاف الفتح"، مما يمنحها بشكل أساسي مقاعد أكثر من أي فصيل شيعي آخر باستثناء لائحة تحالف "سائرون" بزعامة مقتدى الصدر. ورغم ذلك، تشعر المنظمة حتماً بالتهديد الذي يطرحه اتساع شعبية «عصائب أهل الحق» وزعيمها قيس الخزعلي، وهو طالب سابق لدى والد مقتدى الصدر الراحل محمد صادق الصدر. ففي بغداد، على سبيل المثال، حصل حسن سالم مرشح «عصائب أهل الحق» على ثاني أعلى نسبة أصوات بعد الأمين العام لـ"منظمة بدر" هادي العامري. أما في بابل، فقد فازت «عصائب أهل الحق» بنفس عدد المقاعد (مقعدين) كـ"منظمة بدر".
وبصرف النظر عن ذلك، ونظراً إلى هيمنة إيران الشاملة على الجماعتين، فقد تتمكن طهران من رأب أي صدع بينهما. فعلى الأرجح، ستبقى "منظمة بدر" المفضلة لدى طهران لقيادة "ائتلاف الفتح"، رغم أن فوز «عصائب أهل الحق» قد يعني بدء بروزها على الساحة السياسية في العراق.
التداعيات السياسية
يجب على الولايات المتحدة أن تبقي تركيزها مُنصباً على «عصائب أهل الحق» نظراً إلى نموها السريع. وقد أقرّ مجلس النواب الأمريكي تعديل مشروع قانون إقرار الدفاع الوطني الصادر عن الكونغرس، الذي يستهدف أيضاً حليفة «عصائب أهل الحق»، «حركة حزب الله النجباء»، وتمّت إحالته حالياً إلى مجلس الشيوخ الأمريكي للتصويت عليه. ولا بدّ من الإشارة إلى أن هذا المشروع هو إجراء مستحق طال انتظاره وسيعيق حتماً القدرات المالية للجماعة، لكنه لا يرقى إلى إدراجها ضمن تصنيفات وزارة الخارجية الأمريكية للمنظمات الإرهابية الأجنبية. علاوةً على ذلك، يرتبط هذا الإجراء بشكل خاص بقضايا حساسة في الوقت الذي سيجاهد فيه العراق لتشكيل حكومته القادمة وتحديد معالم علاقاته الاستراتيجية والعسكرية المستقبلية مع واشنطن.
وسيبقى السؤال المطروح هنا فيما إذا كان من الحكمة فرض عقوبات على خمسة عشر نائباً في مجلس النواب العراقي في الوقت الراهن. وفي هذا السياق، قال عضو مجلس النواب الأمريكي تيد بو (جمهوري من ولاية تكساس)، الذي صاغ التعديل الذي صادق عليه مجلس النواب، لموقع "المونيتور" مؤخراً أن على الحكومة الأمريكية أن تتأكد فيما إذا كان "الجناح السياسي يشكل فرعاً أو كياناً خاضعاً لسيطرة «عصائب أهل الحق»". ورغم أن هذا التمييز قد يساعد على تجنب تصادم محتمل مع تكتل قوي في مجلس النواب العراقي، إلّا أنه مغامرة خطيرة قد تؤدي إلى نتائج عكسية.
وتنطوي مقاربة بديلة على فرض عقوبات على الجماعة ككل كما فعلت واشنطن مع «حزب الله» اللبناني، وهو المنظمة التي اقتدت بها «عصائب أهل الحق» و«حركة حزب الله النجباء» مباشرةً وقاتلت إلى جانبها وأخذت أوامرها منها. وقد استمرت العقوبات الأمريكية على «حزب الله» رغم مشاركته في الانتخابات اللبنانية منذ عام 1992 وفوزه بعدة مقاعد في مجلس النواب.
وفي الواقع، يتداخل "الجناحان" السياسي والعسكري في «عصائب أهل الحق» مع الفرق الداخلية ضمن منظمة متماسكة، وليس أقساماً مستقلة. فعلى سبيل المثال، كان سعد حسين الحسيني، وهو أحد الفائزين بمقاعد الجماعة في مجلس النواب، قائداً إدارياً للواء 41 ضمن «قوات الحشد الشعبي» منذ فترة ليست ببعيدة تعود إلى أواخر عام 2017. وبالفعل، كانت الألوية 41 و42 و43 من «قوات الحشد الشعبي» بمثابة المقرات الرئيسية للحملة [الانتخابية] لـ «عصائب أهل الحق» خلال الانتخابات، حيث دعمت بشكل ملموس مرشحيها وأشادت بإنجازاتها العسكرية السابقة، بما فيها الهجمات على القوات الأمريكية. وإذا كان باستطاعة قادة «عصائب أهل الحق» التنقل بهذه السهولة بين "الجناحين" العسكري والسياسي، فعندئذ من المنطقي أن تستهدفهما الحكومة الأمريكية - وإلا فقد تصبح العقوبات غير قابلة للتطبيق وغير مجدية.
ومع ذلك، فإن توقيت أي قرار من هذا القبيل يحمل أهميةً كبيرة. ففرض عقوبات على «عصائب أهل الحق» فوراً قد يطرح إشكالية كبيرة للجماعة وللحكومة العراقية، لا سيما إذا انتهى الأمر بسيطرة الجماعة على وزارة رئيسية تتطلب مساعدةً دولية كبيرة، أو ينطوي المنصب على رحلات دولية متكررة. ويعود الأمر حالياً لوزارة الخزانة الأمريكية وسائر الوزارات في إدارة ترامب لضمان تطبيق العقوبات بأكبر قدر من الفعالية. وبما أن العراق يواجه عملية إعادة فرز الأصوات المثيرة للجدل ومفاوضات بشأن الائتلافات الحاكمة، ينبغي على واشنطن النظر في إرجاء اتخاذ تدابير عقابية إلى ما بعد تشكيل الحكومة واتضاح دور «عصائب أهل الحق» فيها.
فيليب سميث هو زميل "سوريف" في معهد واشنطن ومؤلف دراسة "الجهاد الشيعي في سوريا وآثاره الإقليمية"