الميليشيات العراقية تخشى بشدة إحياء ذكرى سليماني والمهندس بشكل كامل.
بالتزامن مع اقتراب تسلم ترامب لمنصبه، توخت الجماعات الإرهابية المدعومة من قبل إيران الحذر في طريقة إحيائها لذكرى قتلى كانون الثاني/ يناير 2020.
في خضم الانتكاسات الخطيرة التي لحقت بما يسمى" محور المقاومة" في الشرق الأوسط، يبدو أن فصائل المقاومة العراقية قد تبنّت خطابًا أقل عدائية. فعلى سبيل المثال، صرّح علي فضل الله، المحلل البارز في قناة الجنوب التلفزيونية - المملوكة لسرايا الجهاد، اللواء الرابع عشر في الحشد الشعبي - بأنه يفضل "بقاء القوات الأمريكية في العراق... لأن رحيل الأمريكيين قد يؤدي إلى ضغوط سياسية ودولية عليكم. إنهم حاليًا يعاملونكم بلطف ويحاولون حمايتكم، ليس حبًا فيكم، بل لأن ذلك يخدم مصالحهم". (الشكل 1)
لا يرتبط فضل الله بالمليشيات بشكل مباشر، لكنه ينتمي إلى فريق إعلامي يُستخدم كأداة دعائية لها ويسهم في تعزيز رسائلها الإعلامية. وتشير ملاحظات فضل الله إلى أن بعض فصائل المقاومة على الأقل تفضل بقاء الولايات المتحدة في العراق “لحمايتهم ".
تحركات حذرة لكتائب حزب الله
يتجلى هذا التحول في لهجة البيانات الرسمية الأخيرة الصادرة عن الميليشيات، التي افتقرت إلى النبرة التهديدية المعتادة. ففي الثالث من كانون الثاني/يناير وبمناسبة الذكرى السنوية لمقتل الجنرال الإيراني قاسم سليمانيومؤسس ”كتائب حزب الله“ أبو مهدي المهندس على يد الولايات المتحدة، أصدرت” كتائب حزب الله “بياناً متحفظاً يخلو من أي تهديدات أو لغة تصعيدية. عوضًا عن ذلك، حثّ البيان الحكومة العراقية إلى” اتخاذ الإجراءات اللازمة ضد كل من يتجرأ على الإساءة إلى مكانة الشهداء أو الانتقاص من تضحياتهم“. (الشكل 2).
يظهر الاختلاف بوضوح عند مقارنة البيان الأخير لـ "كتائب حزب الله" بالبيان الصادر في كانون الثاني/يناير 2024 بمناسبة إحياء ذكرى سليماني والمهندس، حيث اتسم الأخير بخطاب أشد حدة، حيث جاء فيه:" اليوم، تشرع المقاومة بهدم عروش الأعداء، وجُدُرهم الواهية، وتذيقهم النار التي أرادوا بها حرق المنطقة. وها هي اليوم عادت المقاومة لتوجه ضربات موجعة لبقايا الاحتلال، الذي ظن أن إبعاد قواعده إلى بعض مناطق العراق سيحميهم من الأذى). الشكل 3)
كتائب سيد الشهداء تخفف أيضًا من حدة التهديدات
وبالمثل، بدا خطاب أبو آلاء الولائي، زعيم "كتائب سيد الشهداء “، في 4 كانون الثاني/يناير 2025، أقل تصعيدًا من المعتاد حيث قال:” إن الوضع في المنطقة يتطلب منا أن نكون مستعدين وان نتخذ الاحتياطات اللازمة ونبقى متيقظين مع الاستمرار في مراقبة الأحداث عن كثب“. (الشكل 4).
ويتناقض هذا بشكل حاد مع تصريحاته السابقة في كانون الأول/ديسمبر 2021، عندما أعلن عن خطة لتجنيد آلاف المقاتلين استعداداً” لساعة الحسم والمعركة الكبرى“، محدداً” مواجهة حاسمة وتاريخية مع الاحتلال الأمريكي في 31 كانون الأول / ديسمبر 2021“. في ذلك الوقت، كانت وسائل إعلام المقاومة تضج بالحديث عن طرد القوات الأمريكية بحلول ذكرى مقتل المهندس وسليماني في الشهر التالي.
حركة النجباء تفضل الصمت الكامل
من اللافت أن حركة حزب الله النجباء امتنعت عن إصدار أي بيانات لإحياء الذكرى السنوية لقتلى كانون الثاني/يناير 2020. ويبدو أن هذا القرار غير المعتاد نابع من إحجام الحركة عن إصدار بيانٍ أقل حدة. فمن خلال التزام الصمت ببساطة، تجنبت الحركة استفزاز الولايات المتحدة، (وهو موقف يُرجح أن إيران وأطراف المقاومة الأخرى شجعت الحركة على اتخاذه)، لكن الحركة لم تبدِ أيضاً أي إشارة تدل على الخوف من خلال إصدار بيان حذر. ويُفترض أن صمت فصائل المقاومة كان يهدف إلى الإشارة إلى سوء النية الكامنة.
يبدو أن ميليشيات “المقاومة" مقتنعة بأنها قد تكون مستهدفة عسكريًا في المستقبل القريب، مما يجعلها حريصة على تجنب تأجيج الأوضاع، لا سيما في ضوء عودة ترامب الوشيكة إلى البيت الأبيض. وقد عبّر عن هذا القلق صراحةً أبو عزرائيل، القيادي في كتائب الإمام علي، خلال إحدى خطاباته المباشرة المميزة، عندما قال: "نحن وقادتنا سنتعرض للاغتيالات". (الشكل 5).
في هذا العام الانتخابي العراقي، قد تُركّز "المقاومة" جهودها على التصدي للتهديدات السياسية الداخلية، مستهدفة خصوماً لا يملكون القدرة على الرد عسكرياً، مثل نشطاء المجتمع المدني العزّل والشخصيات الإعلامية الذين يشكلون أهدافاً مفضلة لديها. وعندما تستأنف هذه الميليشيات مهاجمة هؤلاء الأشخاص بشكل جدي، ينبغي فضح هذه الجرائم بقوة. ومن المتوقع أن تبدأ فصائل المقاومة عملية إعادة تنظيم صفوفها قبل الاستحقاقات الانتخابية القادمة، تحت إشراف "فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي الإيراني"، بهدف تشكيل كيان أكثر تماسكًا. وقد يكون من السهل دفع قادة الميليشيات إلى الاختباء (غالباً في إيران) كلما ظهرت مؤشرات على احتمال استهدافهم من قبل إسرائيل أو الولايات المتحدة.