
- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 4009
المزاج الوطني المتوتر في إيران قد يُعقد انخراط الولايات المتحدة

عندما يتعلق الأمر بمعالجة المشاكل الخطيرة في الاقتصاد والطاقة والقطاعات الأخرى، كان الإصلاحيون غير فعالين تمامًا كالمتشددين، مما أدى إلى تقويض أي شرعية قد يدعونها لإعادة فتح المفاوضات النووية مع واشنطن.
بينما يستعد الإيرانيون للاحتفال بـ"عيد النيروز" في 21 آذار/مارس، وهو موسم تقليدي للاحتفال والتسوق ، فإن المزاج الوطني مشحون بالتوتر. وقد تجلَّى حجم الاستياء الشعبي خلال مناقشات مجلس الشورى في الثالث من آذار/مارس، التي أسفرت عن إقالة وزير الاقتصاد، عبد الناصر همتي، بأغلبية 182 صوتًا مقابل 89 صوتًا. نظرًا لإخفاق السياسيين الإصلاحيين، كهمتي والرئيس مسعود بيزشكيان، أو تقاعسهم عن التصدي للمشاكل العميقة في البلاد، فقد انهارت مصداقيتهم تمامًا، شأنهم شأن المتشددين. وينعكس هذا الواقع على جاهزية البلاد للتفاعل مع المقترحات الإصلاحية في السياسة الخارجية، بما في ذلك أي مفاوضات محتملة مع الولايات المتحدة.
جهود إصلاح غير الفعالة
وبالنظر إلى قطاع الطاقة في طهران، أدى نقص الكهرباء والتلوث الناجم عن تشغيل مولدات تعمل بالوقود الثقيل إلى قيام السلطات بإغلاق المدارس لمدة 50 يومًا من أصل 100 يوم في هذا العام الدراسي، في حين أغلقت المكاتب الحكومية في معظم المحافظات مرارًا وتكرارًا. وقد وجدت الشركات الصناعية نفسها عالقة في حلقة مفرغة خاصة بها. فقد أدى انخفاض أسعار الطاقة إلى زيادة الاستهلاك بشكل مفرط، مما تسبب في انقطاع كبير في إمدادات الغاز الطبيعي والنفط الثقيل والكهرباء. وقد ساهم ذلك في تفشي ظاهرة التهرب من السداد، الأمر الذي جعل منتجي الطاقة غير قادرين على تحمل تكاليف تحديث منشآتهم وخطوط نقل الطاقة القديمة وغير الفعالة. وقد تفاقمت كل هذه الأزمات بسبب الفساد، لا سيما في الشركات الكبرى المرتبطة بـ"الحرس الثوري الإيراني". على الرغم من النمو الذي شهدته قدرة توليد الكهرباء في إيران بنسبة 20% خلال العقد الماضي، إلا أن ذروة الاستهلاك ارتفعت بنسبة 74%، مما أسفر عن بروز فجوة واسعة في العرض.
ولم يتخذ المسؤولون أي خطوات متواضعةلمعالجة هذه المشاكل. فهم يشتكون، على سبيل المثال، من أن تهريب البنزين يُفاقم النقص الوطني ويجبرهم على الإبقاء على الدعم المكلف؛ إذ تُشير الحكومة إلى أنه يتم تهريب 20 مليون لتر من البنزين يوميًا لإعادة بيعه في البلدان ذات الأسعار المرتفعة، وتقدر بعض المصادر أن المشكلة أكثر حدة بكثير. ومع ذلك، يتردد المسؤولون في رفع أسعار البنزين خوفًا من اندلاع احتجاجات واسعة النطاق (كما حدث في عام 2019)، ولم يفكروا في حلول أقل خطورة، مثل زيادة قيمة بطاقات التموين الشهرية التي تصدرها الحكومة لأصحاب السيارات مع إلزامهم بدفع السعر الكامل في السوق لأي استهلاك إضافي.
وعلى الصعيد الاقتصادي، يراقب الكثير من الإيرانيين سعر الصرف في السوق الحرة كدليل على سير الأمور. فقبل عقد من الزمن، كان هذا السعر 32,000 ريال مقابل الدولار الواحد، بينما وصل اليوم إلى 930,000 ريال. ويُعزى الانخفاض السنوي المتوسط البالغ 40.1% إلى التضخم الذي بلغ متوسطه 27.7% سنويًا، والذي تفاقم بسبب العجز الحكومي الهائل (والذي يعود في حد ذاته إلى انخفاض دخل النفط وارتفاع الإنفاق خارج الميزانية). فعلى سبيل المثال: إذا قام شخصا ما بتحويل 1000 ريال إلى دولارات في عام 2015 واحتفظ بتلك الدولارات، يمكنه الآن تحويلها إلى 29,000 ريال. وحتى بعد التعديل لمراعاة التضخم، فإن هذا المبلغ يعادل قيمة ضعف الريال الذي تم إنفاقه قبل عقد من الزمن. ولا عجب في أن الإيرانيين - الذين لا يستطيعون العثور على دولارات لشرائها من السوق الحرة - في طريقهم لشراء أكثر من 500 ألف قطعة ذهبية هذا العام (وهي وسيلة تحوط تقليدية ضد التضخم، ويبيعها البنك المركزي بأسعار مزاد أعلى بنسبة 30% من قيمتها المعدنية الحقيقية). وقد دفعت هذه الأمثلة، إلى جانب أمثلة أخرى على عدم كفاءة التكنوقراط الذين يصفون أنفسهم بذلك، إلى التشكيك في قدرتهم على فهم الواقع، بما في ذلك في مجال السياسة الخارجية.
أثر الضغوط الأمريكية
كان السياسيون الإيرانيون يتحدثون بحزم عن قدرتهم على تحمل الضغوط الأمريكية. فخلال النقاش الذي دار في مجلس الشورى الإسلامي حول همتي، دافع بيزشكيان عن وزيره مؤكدًا إن إيران في خضم "حرب شاملة" مع الولايات المتحدة، مدعيًا أن حرب الثمانينيات مع العراق "لم تكن شيئًا" بالمقارنة. ومع ذلك، لم يقدم أي مقترحات ملموسة لتخفيف الضغط الأمريكي. وردًا على الاتهامات بأنه كان يخطط لإجراء محادثات جديدة مع واشنطن، قال بيزشكيان: "عندما قال المرشد الأعلى إننا لا نتفاوض مع الولايات المتحدة، أعلنت أننا لن نتفاوض مع الولايات المتحدة. هذه هي نهاية القصة". وبالفعل، حتى الشائعات عن تأييده للمفاوضات مع الولايات المتحدة قد تكون ضارة للغاية بالنسبة للسياسيين الإيرانيين في الوقت الراهن. ففي اليوم نفسه الذي أقيل فيه همتي، استقال نائب الرئيس محمد جواد ظريف - الذي شغل منصب وزير الخارجية خلال المفاوضات النووية عام 2015 - بعد أن نصحه رئيس السلطة القضائية غلام حسين محسني إيجئي بأن هذه هي أفضل طريقة "لمنع المزيد من الضغوط على الحكومة.
وإلى حد ما، فإن الألم حقيقي. وكما أقرّ بيزشكيان أمام المجلس، فإن ناقلات النفط الإيرانية "تكافح من أجل تفريغ حمولاتها" في الخارج، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى تشديد الولايات المتحدة على العقوبات المفروضة على ناقلات النفط الخام الكبيرة جدًا التي تستخدمها إيران لتصدير معظم نفطها. بالإضافة إلى ذلك، أجاز "قانون وقف إيواء النفط الإيراني (SHIP) “لعام 2024 فرض عقوبات جديدة على الكيانات التي تسهل تجارة النفط الإيراني وتمويله.
ومع ذلك، وجد التجار ببساطة المزيد من الطرق للتحايل على القيود الأمريكية وتلبية الشهية الكبيرة التي يُظهرها بعض المستوردين الصينيين للنفط الإيراني الرخيص. فقبل بضعة أشهر، منعت مجموعة موانئ شاندونغ المملوكة للدولة في الصين ناقلات النفط الخاضعة للعقوبات الأمريكية من استخدام موانئها. ومع ذلك، وجدت العديد من الناقلات الإيرانية موانئ بديلة، مثل ميناء هويتشو في الجنوب. وعلى الرغم من انخفاض إجمالي الواردات الصينية من النفط الإيراني من 1.57 مليون برميل يوميًا في كانون الأول/ديسمبر الماضي إلى 847 ألف برميل في كانون الثاني/يناير، إلا أنه يبدو أن هذه الواردات قد عادت للانتعاش في الشهر التالي.
وفي 4 شباط/فبراير، وقّع الرئيس ترامب مذكرة الأمن القومي الرئاسية رقم ( 2)، التي تضمنت أوامر "بممارسة أقصى قدر من الضغط على جمهورية إيران الإسلامية". وغالبًا ما يتندر الخبراء بالقول إن إيران لا تستجيب للضغوط، بل تستجيب للضغوط الكبيرة. ويعني هذا عمومًا أن واشنطن يجب أن تُثبت أنها ليست "مستنفدة العقوبات" من خلال اتخاذ مزيد من الإجراءات الجديدة مثل ما يلي:
- استهداف المزيد من ناقلات النفط العملاقة بالعقوبات. لا يوجد سوى عدد قليل من هذه السفن في العالم، ومن شأن فرض عقوبات على المزيد منها أن يقلل بشكل كبير من خيارات التصدير الإيرانية.
- استخدام قانون "وقف إيواء النفط الإيراني" للضغط على الموانئ التي تقبل السفن الخاضعة للعقوبات.
- الضغط على المزيد من البنوك الصينية. على الرغم من أن مصافي ”إباريق الشاي“ الصينية الصغيرة التي تشتري النفط الإيراني قد وجدت مصارف صغيرة مستعدة للعمل معها، إلا أن هذه المصارف تحتاج إلى علاقات عمل مع مصارف أكبر كي تعمل بفعالية. وفي معظم الحالات، تكون البنوك الأكبر عرضة للعقوبات الأمريكية، لذا فإن ممارسة مثل هذا الضغط يمكن أن يدفع بكين إلى حماية البنوك الأكبر من خلال فرض إجراءات صارمة على البنوك الأصغر.
- استخدام سياسة الترغيب والترهيب مع الإمارات العربية المتحدة. عملت الشركات التي تتخذ من الإمارات العربية المتحدة مقرًا لها مرارًا وتكرارًا كوسطاء في مبيعات النفط الإيراني. ويشكل فرض عقوبات على هذه الشركات أحد الخيارات. وفي حالات أخرى، يمكن لواشنطن أن تقدم عرضًا لمساعدة الإماراتيين في تحصيل التعويضات التي أمرت "محكمة التحكيم الدائمة" ومقرها لاهاي شركة النفط الوطنية الإيرانية بدفعها بعد صفقتها الفاشلة مع شركة "نفط الهلال" - 3.4 مليار دولار حتى الآن، ومن المرجح أن يكون هناك المزيد منها.
- مساعدة أوروبا على متابعة ”إعادة فرض العقوبات. حذّرت بريطانيا وفرنسا وألمانيا مؤخراً من أنه إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق نووي جديد بحلول الصيف، فسوف تطلق آلية ”إعادة فرض العقوبات“ التابعة للأمم المتحدة، والتي من شأنها تجديد العقوبات ضد أكثر من 300 كيان إيراني. وبموجب قرار مجلس الأمن الدولي الداعم للاتفاق النووي لعام 2015، تكون إعادة فرض العقوبات أمرًا تلقائيًا إذا طلبت أي من هذه الدول الأعضاء الثلاث ذلك قبل 18 تشرين الأول/أكتوبر - أي أن الصين وروسيا لا تستطيعان استخدام حق النقض. كما يجب على واشنطن وأوروبا أن توضحا لإيران بالضبط كيف ستضغطان على الحكومات في جميع أنحاء العالم لتطبيق تلك العقوبات.
ويقينًا، لا يوجد مسار عمل يقدم حلاً سحريًا، إذ ستتخذ إيران حتماً تدابير مضادة؛ وكل ما يمكن لواشنطن وشركائها القيام به هو الاستعداد لمواجهة تحركات النظام الأكثر احتمالاً. على سبيل المثال، مع فرض المزيد من العقوبات على الناقلات والموانئ والبنوك، من المتوقع أن تسعى طهران إلى الحفاظ على دخلها النفطي من خلال تصعيد تكتيكاتها التمويهية، مثل عمليات نقل البضائع بين السفن، وعمليات المزج السرية، والترتيبات المالية التي تتجنب التعامل مع البنوك (مثل تجارة المقايضة ومعاملات العملات المشفرة). وفي حال فشل هذه الإجراءات، قد يقرر النظام أيضاً اتخاذ خطوات نووية استفزازية مثل تخصيب اليورانيوم بنسبة 90% (”درجة صنع الأسلحة“) و/أو الانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. ولردع هذه الخطوات أو التخفيف من حدتها، ينبغي على واشنطن وشركائها الحفاظ على السيطرة في سياق التصعيد من خلال الرد على كل استفزاز إيراني برد فعل أقوى.
من ناحية، أصبحت خيارات الولايات المتحدة لممارسة "أقصى قدر من الضغط" محدودة اليوم أكثر مما كانت عليه خلال ولاية ترامب الأولى، عندما أدى الانسحاب من الاتفاق النووي إلى انخفاض حاد في دخل إيران من النفط وتراجع الحماس الأوروبي بشأن التعامل التجاري مع الجمهورية الإسلامية. من ناحية أخرى، أصبح الاقتصاد الإيراني الآن في وضع أسوأ بكثير مما كان عليه في ذلك الوقت، مع ارتفاع معدلات التضخم، وانخفاض نمو الناتج المحلي الإجمالي، ونقص كبير في الكهرباء والبنزين. ويعني ذلك أن الضغط الأمريكي الإضافي سيشعر به الشعب الإيراني الذي يعاني بالفعل من مزاج شديد التوتر .
الدكتور پاتريك كلاوسون هو زميل أقدم في برنامج الزمالة "مورنينجستار" ومستشار الأبحاث في معهد واشنطن.