- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2527
القمع المتزايد في إيران يضغط على روحاني
يشير توقيف العديد من الصحفيين والناشطين ورجال الأعمال الإيرانيين خلال الأسابيع الأخيرة إلى التوتّرات المتزايدة بين الرئيس الإيراني حسن روحاني والفريق المحافظ في إيران في أعقاب الاتفاق النووي مع «مجموعة الخمسة زائد واحد». وعلى الرغم من أنّ مستوى القمع الكامل ليس واضحاً بعد، يحمل الدور المتزايد لـ «منظمة مخابرات فيلق الحرس الثوري الإسلامي» [«منظمة مخابرات الحرس الثوري»] تضمينات مهمّة لروحاني وحلفائه عشيّة الانتخابات البرلمانية وانتخابات "مجلس الخبراء" في شباط/فبراير ٢٠١٦.
البروز المجدد لمخابرات «فيلق الحرس الثوري الإسلامي»
تأسست «منظمة مخابرات الحرس الثوري» على يد آية الله علي خامنئي عام ١٩٩٧ بعد انتخاب الرئيس الإصلاحي محمّد خاتمي، وذلك كمنظمة بديلة مع مهام توازي "وزارة الاستخبارات والأمن الوطني". وقد استولت «منظمة مخابرات الحرس الثوري» إلى حد كبير على الأمن الوطني، على الرغم من أنّ "وزارة الاستخبارات والأمن الوطني" تتشارك مسؤوليّات إحباط الإصلاحيين بشكل فاعل ومنع نشوب اضطرابات داخلية.
وبعد فترة وجيزة على تأسيسها، يبدو أنّه كان لـ «منظمة مخابرات الحرس الثوري» دور أساسي في قمع انتفاضات الطلّاب عام ١٩٩٩. وفي تمّوز/ يوليو من ذلك العام، كشفت صحيفة «كيهان» اليومية المتشددة أنّ ضبّاطاً من «الحرس الثوري الإسلامي» قدّموا رسالة إلى خامنئي قبل إجراءات القمع محذّرين من خطر "تقبّل الإصلاح" ومن «منافقين ومعارضين... يتجمّعون بأفواج باسم "الطلّاب"». وقد ادّعى الضبّاط أنّهم سيتّخذون الاجراءات اللازمة لحماية الجمهورية الإسلامية، مضيفين، "مع الاحترام الكامل والتحبب إلى معاليه [خامنئي]، نعلن نفاذ صبرنا، وبأنّنا لن نسمح لأنفسنا بالمزيد من التسامح أمام تراخيكم". ومؤخّراً، وخلال مؤتمر صحفي عُقد في نيسان/ أبريل ٢٠١٤، أعلن قائد «الحرس الثوري الإسلامي» محمد علي جعفري: "كما رأينا، في عام ١٩٩٩ [ملمّحاً إلى قمع اضطرابات طلّابية واسعة النطاق في طهران]، عارض القائد [خامنئي] بشدّة زرع بذور الشكّ، وشدّد على الحاجة إلى البقاء المستمرّ لـ «الحرس الثوري الإسلامي» من أجل استمرارية النظام وتقدّمه".
بعد الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها عام ٢٠٠٩، وجّه خامنئي عملية إعادة تنظيم رئيسية وسّعت من القدرات الاستخباراتية والأمنية لـ «منظمة مخابرات الحرس الثوري». وفي تمّوز/ يوليو ٢٠٠٩، عيّن خامنئي حسين طائب، الموالي للنظام والمؤتمن على أسراره، وسابقاً نائب قائد (مستشار رئيس) قسم مكافحة التجسس في "وزارة الاستخبارات والأمن الوطني" (١٩٨٩-١٩٩٧) والقائد لقوات التعبئة ("الباسيج") (٢٠٠٨- ٢٠٠٩)، لترأس «منظمة مخابرات الحرس الثوري». وقد كان طائب تلميذ خامنئي في الأيّام الأولى من الثورة الإسلامية عام ١٩٧٩ وأصبح صديقاً لابن خامنئي خلال الحرب الإيرانية العراقية. وبصفته مسؤولاً كبيراً في "وزارة الاستخبارات والأمن الوطني"، طوّر طائب سمعته كأحد المحققين الأكثر عنفاً في المخابرات المضادة في النظام وأحد العناصر "المحرّضين على الفتنة".
وبشكل متزايد، أصبح طائب منفّذ أوامر خامنئي نظراً لولوجه المباشر للقائد الأعلى وروابطه الشخصية به. وتحت قيادة طائب، اعتقلت «منظمة مخابرات الحرس الثوري» واستجوبت آلاف الإيرانيين المتّهمين بانتمائهم إلى «الثورة المخملية» التي حرّض عليها الغرب للإطاحة بـ "الجمهورية الإسلامية". وقد استخدمت «منظمة مخابرات الحرس الثوري» خطر الاندساس الغربي لتبرير توسيع سلطات الاستجواب والاعتقال، مكثّفةً بذلك دورها الرقابي على الإعلام، ومشددة الرقابة على نظام الفضاء الإلكتروني.
في خطاب في ١٥ أيلول/ سبتمبر موجّه إلى قادة «الحرس الثوري الإسلامي»، ادّعى روحاني بأنّ «الحرس الثوري» ليس الوصي الوحيد على الثورة الإسلامية، مشيراً إلى أنّ "المهمّة نفسها قد تمّ تحديدها لممثّلي البرلمان، و«المجلس الأعلى للأمن القومي»، والقوّات المسلّحة، والمؤسسات الأخرى". إنّ محاولات روحاني الحدّ من دور «الحرس الثوري» في السياسات المحلّية، وتفادي، في الوقت نفسه، الخطوط الحمراء للمرشد الأعلى حول فتح الأجواء السياسية في البلاد، قد لقيت مقاومة عنيدة من قبل المتشدّدين.
وفي ١٦ أيلول/ سبتمبر، وفي ما اعتُبر ردّة فعل على انتقاد روحاني لـ «الحرس الثوري الإسلامي»، أصرّ خامنئي على أنّ لا فاعل آخر يتحمّل "المسؤولية المؤسساتية لحماية الثورة الإسلامية كما «الحرس الثوري»" ودعا «منظمة مخابرات الحرس الثوري» إلى "مراقبة كافّة القضايا باستمرار ورصد التهديدات" ضدّ الجمهورية الإسلامية. ومنذ ذلك الحين، قادت «منظمة مخابرات الحرس الثوري» التحقيق والاعتقالات اللاحقة لإيرانيين متّهمين بروابط مع وكالات استخبارات غربية.
الاعتقالات الأخيرة
في الأسابيع القليلة الماضية، قادت «منظمة مخابرات الحرس الثوري» حملة ضدّ "موجة جديدة من التحريض والفتنة" يُقال إنّها أكبر حملة تقوم بها الدولة منذ عام ٢٠٠٩. فقد قامت باعتقال تسعة صحفيين وناشطين ورجال أعمال على الأقل. وفي ١٦ تشرين الأوّل/أكتوبر، أفادت "وكالة أنباء فارس" التابعة لـ «الحرس الثوري الإسلامي» أنّ «جيرداب» - وحدة الجرائم الإلكترونية التابعة لقسم الإنترنت في «منظمة مخابرات الحرس الثوري» استُخدمت لنشر صور متظاهرين وتحديد هوياتهم أثناء حملة القمع في عام ٢٠٠٩ - قد اعتقلت ١٧٠ شخصاً إضافياً مرتبطين بمواقع التواصل الاجتماعي ومتّهمين بنشر دعاية مناهضة للنظام.
لقد انتقد مسؤولون كبار تسييس الاعتقالات وغياب محاسبة «منظمة مخابرات الحرس الثوري» وفتحها أمام الرقابة الحكومية العادية. فعلى سبيل المثال، في ٢٤ تشرين الأوّل/ أكتوبر، قام علي مطهري، عضو محافظ في "المجلس" (البرلمان) الذي له علاقات مع معسكر روحاني، بانتقاد الدور المتزايد لـ «منظمة مخابرات الحرس الثوري» متسائلاً، "لماذا نفّذت «منظمة مخابرات الحرس الثوري» الاعتقالات الأخيرة؟ أليس لدينا وزارة استخبارات؟ يقول «الحرس» إنّهم سيفعلون ما يشاؤون". وفي افتتاحية صدرت في ٩ تشرين الثاني/ نوفمبر في صحيفة «رسالت» اليومية المحافظة، ردّ المتشدّدون على هذه الاتهامات من خلال دعوة "وزارة الاستخبارات والأمن الوطني" إلى السير على خطى «منظمة مخابرات الحرس الثوري»: "إنّ الشعب الإيراني مرتبك حول تواني "وزارة الاستخبارات" في تنفيذ مهامها، ويسأل حول العلاقة بين فساد وزيرها وغياب تصرّف الوزارة في مواجهة التسلل الغربي".
وفي ٣ تشرين الثاني/نوفمبر، قبل يوم من الذكرى السنوية لاقتحام السفارة الأمريكية عام ١٩٧٩، أصدرت «منظمة مخابرات الحرس الثوري» بياناً أعلنت فيه أنّه "تم إلقاء القبض على عدد من أعضاء شبكة مندسّة مرتبطة بحكومتَي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة". وفي مقابلة هاتفية مع التلفزيون الذي تديره الدولة، ادّعى شخص عُرّف بـ "اختصاصي في «منظمة مخابرات الحرس الثوري»" أنّ المنظمة قد كشفت عن شبكة سعت إلى التأثير على الرأي العام الإيراني و"تلويث بعض المنشورات المحلّية" بهدف "تجميل صورة أمريكا... وتمهيد الأرضية لوجود أمريكا الرسمي في إيران".
في اجتماع للحكومة في ٤ تشرين الثاني/ نوفمبر، وفي أوّل تعليق رسمي له على الاعتقالات، أدان روحاني المتشددين لـ "سوء استخدامهم" لتعليقات المرشد الأعلى حول اعتقال المعارضين وترهيبهم: «لا سمح الله أنّ يحاول بعض الناس استغلال العبارات والمصطلحات [الصادرة عن المرشد الأعلى] لاتّهام كل من يعارضون، أو محاولة تهميش بعض الفئات... علينا محاربة أي تسلل من قبل الأجانب بطريقة حقيقية وجدّية بدلاً من العبث بكلمة "تسلل"». ولاحقاً، في ٨ تشرين الثاني/ نوفمبر وأثناء تحدّثه في معرض للصحافة في طهران كان قد قاطعه العديد من وسائل الإعلام المحافظة، انتقد روحاني منح "امتيازات خاصّة" لبعض وسائل الإعلام التي تعمل كـ "شرطة سرّية"، في حين أنّ وسائل إعلام أخرى "تواجه عقوبات قاسية"- في إشارة مبطّنة قليلاً إلى الصحفيين الإصلاحيين الذين اعتُقلوا على يد «منظمة مخابرات الحرس الثوري».
وفي حين أدانت وسائل الإعلام المتشدّدة المرتبطة بـ «الحرس الثوري الإسلامي» على الفور تصريحات روحاني، هبّ عدد من المسؤولين إلى الدفاع عنه. فعلى سبيل المثال، أكّد أمين "المجلس الأعلى للأمن القومي" علي شمخاني: "أنّ اعتقال بعض الأشخاص الناشطين في مجال الإعلام... في أعقاب «خطة العمل المشتركة الشاملة» [للبرنامج النووي الإيراني] يطرحها البعض كتصفية حسابات سياسية... إنّني أشاركهم هذا الرأي". كما أعرب وزير الاستخبارات محمود علوي عن دعمه لروحاني محذّراً من أنّه يجب استخدام كلمة "تسلُّل" بشكل ملائم "وليس بطريقة تقلّل من قيمتها فتصبح قضية تافهة". وتُعدّ تعليقات علوي قيّمة نظراً إلى أنّها تعيد ترسيخ التنافس البيروقراطي القائم منذ فترة طويلة بين "وزارة الاستخبارات والأمن الوطني" و«منظمة مخابرات الحرس الثوري»؛ وفي حين يشرف روحاني على "وزارة الاستخبارات والأمن الوطني" ويعيّن كبار مسؤوليها، إلا أنه لا يمارس أي سلطة على «منظمة مخابرات الحرس الثوري» أو قائد «الحرس الثوري الإسلامي».
التوقعات
سيكون للأجواء المتشدّدة المتزايدة بعد الاتفاقية النووية تداعيات محلّية سلبية، إلا أنه لم يكن لها حتى الآن تأثيراً مباشراً على الاتفاقية النووية - التي هي صفقة لا تزال إيران بحاجة إليها لإصلاح اقتصادها المتداعي. ومع ذلك، فإن تمكين خامنئي لـ «منظمة مخابرات الحرس الثوري» سوف يؤدي إلى استمرار تخويف الإيرانيين الذين يدعمون الإصلاحات المحلّية والعلاقات المحسّنة مع الغرب. وفي مثل هذا المناخ السياسي، فإن حدّة نشاطات «منظمة مخابرات الحرس الثوري» تبعث برسالة قويّة ستدفع المعسكر المحافظ على استخدام القوّة الغاشمة لمقاومة المحاولات الهادفة إلى إدخال الاعتدال إلى الجمهورية الإسلامية. وهناك احتمال مثير للقلق في هذا السياق وهو ما إذا كانت «منظمة مخابرات الحرس الثوري» ستستخدم نفوذها لتشديد الأمن بشكل أكبر على برنامج إيران النووي، الأمر الذي سيشكّل تطوّراً قد يعقّد الوصول إلى مواقع حسّاسة ويعرقل تنفيذ الاتفاق النووي.
نعمة جيرامي هو زميل باحث في "مركز دراسة أسلحة الدمار الشامل" في "جامعة الدفاع الوطني". الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس السياسة الرسمية أو موقف "جامعة الدفاع الوطني"، أو وزارة الدفاع الأمريكية، أو حكومة الولايات المتحدة.