- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
القول أسهل من الفعل: تجديد الضغوط القصوى على إيران
Also published in "جيروزاليم ستراتيجيك تريبيون"
من شأن الحقائق الاستراتيجية الجديدة والتحدي الدائم المتمثل في فرض العقوبات أن يجعلوا من الصعب إعادة إحياء أنظمة العقوبات الدولية الثقيلة التي شُهِدت في السنوات الماضية.
في تموز/يوليو 2015، تنفست أغلب دول العالم الصعداء مع الإعلان عن التوصل إلى اتفاق نووي بين الولايات المتحدة، وشركائها، وإيران. وعلى الرغم من أن شروط الاتفاق، المعروف باسم "خطة العمل الشاملة المشتركة"، كانت ولا تزال مثيرة للجدل، إلا أن الاتفاق حرم إيران من القدرة على الحصول على أسلحة نووية لمدة لا تقل عن عشر سنوات عندما ستنتهي القيود الرئيسية. وبالمثل، بالنسبة للكثيرين (بما في ذلك كاتب هذا المقال)، برر الاتفاق استخدام العقوبات لخلق نفوذ لدعم الدبلوماسية. وكانت العقوبات - وخاصة استخدام ما يسمى بـ "العقوبات الثانوية" من قبل إدارة أوباما ضد الدول والشركات التي تتعامل مع إيران - قد وضعت إيران في موقف يفرض عليها تقديم تنازلات جادة بشأن برنامجها النووي.
وقالت إدارة ترامب أن "خطة العمل الشاملة المشتركة" لن تمنع إيران من الحصول على أسلحة نووية في النهاية وأنها فشلت في معالجة برنامج إيران للصواريخ الباليستية أو أنشطتها الإرهابية في المنطقة. وانسحبت الإدارة الأمريكية من "خطة العمل الشاملة المشتركة" في أيار/مايو 2018، سعياً إلى التفاوض على اتفاق أفضل مع الإيرانيين، وطبّقت خلال العامين والنصف التاليين "أقصى قدر من الضغط" على أمل تحقيق ذلك. لكن هذه الجهود فشلت في تأمين اتفاق. وفي عام 2021، سعت إدارة بايدن إلى إعادة الولايات المتحدة إلى "خطة العمل الشاملة المشتركة"، إلا أن تلك الجهود لم تنجح أيضاً.
وكانت إحدى نتائج هذه التطورات هي الاهتمام المتجدد باستخدام العقوبات والدعوة إلى توسيعها وتكثيف استخدامها. ومع ذلك، يقلل هذا الاهتمام من صعوبة شن حملة عقوبات مماثلة حالياً فضلاً عن الظروف المختلفة تماماً التي قد تواجه من سيتولى تنفيذها.
النظر إلى بطة تحت الماء
على عكس بعض الانطباعات، إلّا أنه من الصعب تصميم، ومراقبة وتنفيذ العقوبات، كما أن الحملات المرتبطة بها تستهلك وقتاً هائلاً وطاقة كبيرة. وقد تبدو العقوبات سلسة كالبطة التي تنزلق على الماء، ولكن تحت السطح هناك تجديف عنيف.
لقد بدأت حملة العقوبات على إيران - التي بلغت ذروتها في "خطة العمل الشاملة المشتركة" عام 2015 - بشكل جدي في عام 2005، مع إصدار إدارة الرئيس الأمريكي بوش "للأمر التنفيذي 13382" والعقوبات التي استهدفت كيانات وأفراد إيرانيين، وسوريين وكوريين شماليين متورطين في برامج أسلحة الدمار الشامل. وتبع ذلك "الأمر التنفيذي" خلال السنوات العشر التالية أربعة تشريعات على الأقل، وأكثر من ستة أوامر تنفيذية، وأربع قرارات لمجلس الأمن الدولي. وقد حددت كل وثيقة أهدافاً جديدة للعقوبات، شملت أفراداً، وكيانات، وصناعات ستكون خاضعة لقيود ومحظورات مختلفة. وقد تم وصف تاريخ (هذه القرارات) بمزيد من التفصيل في كتاب "فن العقوبات"، الذي يحدد أيضاً الطريقة التي تم بها تنفيذ هذه العقوبات والعمل الذي تم بذله لجعل العقوبات فعالة.
إن الجزء الأكثر إزعاجاً في الأمر كان تنفيذ العقوبات نفسها. فقد تكون العقوبات ذاتية التنفيذ من الناحية النظرية، ولكن هذا ليس ما يحدث في الواقع. فإيران، على سبيل المثال، لن تحترم حظراً على استيرادها لأجزاء الصواريخ، كما أن الشركات، والناقلين والبنوك لن تلتزم بذلك تلقائياً. يجب إبلاغ هذه الجهات بالحظر وما هو مطلوب منها. وعندما تخالف القواعد، يجب التحقيق معها وإخضاعها للعواقب. وقد تصبح إدارات الامتثال أكثر قدرة على اكتشاف الحيل الإيرانية، والشركات أكثر استجابة لمتطلبات العقوبات، لكن ذلك يتطلب وقتاً ويقظة مستمرة من قبل الجهات التي تفرض العقوبات.
وإدراكاً منها لتعقيدات عملية التنفيذ، بدأت الولايات المتحدة في عام 2006 في التأكيد للحكومات والشركات والبنوك ومقدمي الخدمات على مخاطر تجاهل العقوبات (أو في بعض الحالات، إخفاء تورطهم مع إيران بشكل فعال). وهددت الولايات المتحدة بفرض عقوبات على من يُقدّم "دعماً مادياً" لجهات إيرانية مشبوهة. وفي النهاية، جعلت الولايات المتحدة هذه التهديدات ذات مغزى من خلال هيكل "العقوبات الثانوية"، حيث أن أي عمل مع الجهات الإيرانية المدرجة (على قائمة العقوبات) سيُعرّض البنوك (والشركات في النهاية) لخطر العزلة عن الولايات المتحدة. (كانت العقوبات "ثانوية" لأنها تتعلق بأنشطة أشخاص غير أمريكيين، على عكس العقوبات الأولية التي تركز على الأمريكيين). وقد أدّت الغرامات الضخمة المفروضة على البنوك إلى تعزيز هذا التهديد.
ولكي تنجح هذه الخطوات، شاركت الولايات المتحدة في حملة واسعة النطاق ذات هدف واحد شملت جميع مستويات الحكومة الأمريكية، بدءاً من الرئيس وصولاً إلى المسوؤلين الاقتصاديين العاملين في السفارات الأمريكية في الخارج. وتمت مناقشة مسائل إنفاذ العقوبات على إيران على أعلى مستويات الحكومة الأمريكية بشكل مستمر تقريباً وعلى مستوى من التفصيل يتجاوز الروتين المعتاد بكثير. وأعطت الولايات المتحدة أولوية لمسألة إنفاذ العقوبات في الأمم المتحدة، وفي هيئات أخرى متعددة الأطراف مثل "مجموعة العمل المالي"، وفي تعاملاتها الدبلوماسية في جميع أنحاء العالم لسنوات. وقد استفادت الولايات المتحدة من اقتصادها بشكل كبير في هذا المسعى، وخاصة نظامها المصرفي، وكانت مستعدة لتعريض تعافي الاقتصاد الأمريكي بعد الركود الكبير للخطر من أجل استهداف صادرات النفط الإيرانية حتى قبل ظهور ثورة النفط الصخري.
وقد تم اتخاذ جميع هذه الخطوات لأول مرة في العديد من النواحي، مع اتباع نهج مبتكر واستهداف فاجأ إيران. فقد أضافت الولايات المتحدة صناعات جديدة إلى قائمة أهدافها بانتظام، الأمر الذي جعل معظم التجارة الإيرانية المشروعة خاضعة للعقوبات بحلول منتصف عام 2013 وهو ما كان له عواقب عميقة على الاقتصاد الأوسع نطاقاً.
أصعب مما يبدو
كما يتضح من هذا العرض، كانت حملة العقوبات على إيران التي بلغت ذروتها في "خطة العمل الشاملة المشتركة" هائلة وصعبة الهندسة. وسيكون من الصعب للغاية القيام بذلك مرة أخرى، خاصة في الوقت الحالي بعد أن أصبحت إيران وغيرها من الخصوم أكثر وعياً بنقاط ضعفهم والمخاطر التي تواجههم. وسيرد الإيرانيون هذه المرة لحماية أنفسهم وأصولهم بشكل أكثر فعالية. وإلى حد ما، يثبت نهج "الضغط الأقصى" الذي اتبعته إدارة ترامب هذا الأمر. فقد كان له تأثيرات اقتصادية كبيرة على إيران، لكنه لم يؤد إلى اتفاق نووي جديد بحلول الوقت الذي غادر فيه ترامب منصبه.
لقد ادعى مسؤولون سابقون في إدارة ترامب أنه لو تم منحهم المزيد من الوقت، لكان النجاح قد تحقق، واستشهدوا بالتدهور الكبير في الوضع الاقتصادي الإيراني كدليل على ذلك. ومن الصعب التأكد مما إذا كان ذلك صحيحاً أم لا. ويقيناً، في ظل إدارة بايدن، لم يكن التنفيذ قوياً كما كان الحال في ظل حملة عقوبات كاملة، ومن الممكن إجراء نقاش حسن النية حول حكمة السياسة الحالية. ومع ذلك، لم يتم تخفيف أي من العقوبات من الناحية الفنية، ولا يزال الاقتصاد الإيراني في حالة سيئة، سواء من الناحية القصصية أو التجريبية. (انظر، على سبيل المثال، أرقام "صندوق النقد الدولي" حول معدل التضخم المرتفع في إيران وانخفاض احتياطيات "البنك المركزي" كما هو موضح خلال أشهر الاستيراد). ولكن هذا الأداء الضعيف بشكل عام لم يؤد إلى انهيار إيران ولا إلى قبولها لشروط الاتفاق الذي كان على ما يبدو مطروحاً في آب/أغسطس 2022، مما يؤكد صعوبة ربط الضغوط الاقتصادية بالاستراتيجية.
كما أن قدرة إيران على الرد تختلف عما كانت عليه في الماضي. فاليوم، تمتلك إيران آلاف أجهزة الطرد المركزي العاملة والوسائل الواضحة لإنتاج مواد قابلة للاستخدام في الأسلحة (النووية) في غضون أيام، نتيجة للتوسع الذي بدأ في عام 2018.
إن السياق العالمي مهم أيضاً. فقد كانت حملة العقوبات التي شنتها إدارة أوباما على إيران، في معظم فترتها، بمثابة حملة العقوبات الوحيدة ذات الأهمية الاقتصادية العالمية. وكان ذلك قبل غزو روسيا لأوكرانيا، وقبل فرض العقوبات على فنزويلا، وقبل المنافسة الاقتصادية الاستراتيجية مع الصين. يجب أن تتم أي حملة عقوبات جديدة ضد إيران في سياق أنظمة العقوبات المتعددة والمطالب القائمة بالفعل لتلك الأولويات الأخرى.
علاوة على ذلك، يجب أن تجيب حملة العقوبات هذه على سؤال من حلفاء الولايات المتحدة وشركائها: ما هو الهدف؟ في عام 2010، كانت الولايات المتحدة قادرة على صياغة رؤية واضحة للنتيجة التي سعت إليها، وهي: التوصل إلى حل دبلوماسي للمشكلة النووية الإيرانية. وكانت الحِزَم التي عرضتها الولايات المتحدة وشركاؤها على إيران في عامي 2006 و 2008 تصف رؤية لهذه النتيجة، بما في ذلك أن نية هذه الدول كانت "التعامل مع البرنامج النووي الإيراني بنفس الطريقة التي تتعامل بها أي دولة غير نووية التي هي طرف في «معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية» بمجرد استعادة الثقة الدولية في الطبيعة السلمية الحصرية للبرنامج النووي الإيراني."
إن الضغط من أجل تكثيف العقوبات حالياً سوف يكون مثقلاً بحقيقة مفادها أنه "كان" هناك اتفاق ساري المفعول اعتباراً من عام 2015 ووافقت عليه الغالبية العظمى من المجتمع الدولي، على الرغم من أن الولايات المتحدة اعتبرته غير كافٍ. وقد لا يكون تجديد الجدل حول عدم كفايته مقنعاً لمعظم دول العالم، التي لا تشعر بالتهديد المباشر من البرنامج النووي الإيراني. كما أن حملة العقوبات الدولية تحتاج إلى تعاون دولي لكي تنجح.
إيجاد الدور الصحيح للعقوبات
هذا لا يعني أن العقوبات ليس لها فائدة ضد إيران حالياً أو أنها لن تلعب دوراً في السياسة الخارجية المستقبلية لأي إدارة أمريكية تجاه إيران. لكن يجب أن يُبنى دورها على فهم واقعي لمقدار النفوذ الذي يمكن أن توفره، وكيف ستُصنف إيران ضمن أولويات العقوبات الشاملة للولايات المتحدة، وكيف سيرد بقية العالم على تنفيذها. ومن الضروري القيام بعمل شاق لتصميم وتنفيذ عقوبات محددة لدعم أهداف سياسية محددة.
ريتشارد نيفيو انضم مؤخراً إلى معهد واشنطن كزميل مساعد بعد أن عمل كأول منسق لشؤون مكافحة الفساد العالمي في وزارة الخارجية الأمريكية منذ عام 2022. وقد نُشر هذا المقال في الأصل على موقع "Jerusalem Strategic Tribune".