- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3006
الرد على الأسلحة والتدريبات البحرية الإيرانية الجديدة في الخليج
في 2 آب/أغسطس، بدأ السلاحان الجوي والبحري لـ«الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني تمارين عسكرية كبيرة غير معلنة في الخليج العربي ومضيق هرمز الاستراتيجي. وجاءت هذه الخطوة بعد الجولة الأخيرة من التهديدات والتهديدات المضادة بين إيران والولايات المتحدة حول حرية الملاحة في المضيق، حيث حذرت واشنطن من التسبب بتوقف شبه تام في صادرات النفط الإيرانية في إطار تجديد العقوبات النووية، بينما صرّحت طهران بأنها ستنتقم بإغلاق الممر المائي الضيق بوجه كافة شحنات النفط الأخرى. وفي الوقت نفسه، كان «الحرس الثوري» قد قام باختبار أو نشر أنظمة أسلحة جديدة يمكنها توسيع نطاق التهديدات التي تشكلها على الأهداف العسكرية والمدنية في الخليج وخارجه.
أول تمرين رئيسي منذ ثلاث سنوات
باستثناء المراجعة التي أجرتها قوات البحرية التابعة لـ«الحرس الثوري» في آب/أغسطس 2017 لنحو 110 زوارق سريعة، لم تجرِ إيران تدريبات بحرية واسعة النطاق في الخليج منذ آذار/مارس 2015. ولكنها بشكل غير اعتيادي، أطلقت جولة التدريبات الأخيرة دون أي من الدعايات المحلية المعتادة. وقد لاحظت البحرية الأمريكية الاستعدادات لهذه التدريبات قبل فترة وجيزة من بدئها، ولكن المسؤولين العسكريين الإيرانيين لم يؤكّدوها إلا بعد انتهائها. وقد وصفها «الحرس الثوري» بالتدريب المقرر على "مراقبة ورصد المضيق" بهدف إظهار استعداد إيران لمواجهة "أي عمل عدائي" في الخليج بشكل متناسب مع التهديد.
وقد تم نشر تفاصيل قليلة حول طبيعة هذه التدريبات التي استمرت أربعة أيام، على الرغم من أن قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال جوزف فوتيل قال للصحفيين في 8 آب/أغسطس بأن نطاق تلك التدريبات يتماشى مع التمارين السابقة الواسعة النطاق، ووصفها بأنها "تحذير" للولايات المتحدة، بإشارته إلى أن الإمكانيات الإيرانية "الإشكالية" مثل الألغام البحرية والزوارق المفخخة والصواريخ المضادة للسفن قد تثير مخاوف إذا ما حاولت بحرية «الحرس الثوري» إغلاق المضيق.
دور صاروخ "فتح مبين"
خلال إحدى مراحل التدريبات، أجرى «الحرس الثوري» اختبارات على الصاروخ الجديد "فتح مبين"، وهو صاروخ باليستي موجّه ومتعدد الاستعمالات يتم تطويره ضمن مجموعة "فتح-110". ولم تؤكد إيران رسمياً وجود هذا الصاروخ - كما فعلت في ما يخص التدريبات نفسها - إلا في 13 آب/أغسطس، أي بعد يومين من قيام وسائل الإعلام الأمريكية بنشر الأخبار حوله.
ويدّعي «الحرس الثوري» أن بإمكان صاروخ "فتح مبين" اختراق منظومات الدفاعات الصاروخية للعدو مستفيداً من خفّيته وقدرته على المناورة، مما يؤدي إلى ضرب الأهداف البرية والبحرية بدقة فائقة ليلاً ونهاراً. ويظهر في فيديو الاختبار صاروخٌ يصيب هدفه بزاوية شبه عمودية، مستخدماً على ما بدا أنه رأساً موجهاً بالأشعة تحت الحمراء. وإذا تم صقل خصائص هذا الصاروخ ليصبح منظومةً عملية، فقد يعرّض السفن والبنى التحتية الساحلية في الخليج لتهديدات أكبر.
ومع أنه لا يُتوقّع أن يتعدى مدى صاروخ "فتح مبين" 200 إلى 300 كلم، ألمح مؤخراً وزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي إلى إمكانية تكييف تكنولوجيا التوجيه النهائي الخاصة به لتطبيقها على صاروخ "ذو الفقار" الذي يتراوح مداه وفقاً للتقارير ما بين 700 و800 كلم، وكان يُستخدَم خلال الصيف الماضي في الضربات الموجهة ضد أهداف تنظيم «الدولة الإسلامية» في شرق سوريا. وإذ كشفت هذه الضربات عن مشاكل في دقة الاستهداف في صاروخ "ذو الفقار"، فإن إضافة مكونات "فتح مبين" إليه قد تؤدي نظرياً إلى تحسين فعاليته. كما أشار العميد حاتمي إلى إمكانية إطلاق صاروخ "فتح مبين" من البحر - وهذا ادعاء مقلق نوعاً ما نظراً لأن طول الصاروخ البالغ 9 أمتار قد يتيح تحميله في حاوية شحن ذات قياس معياري بطول 40 قدم (أي 12,2 متر) إلى جانب منصة إطلاق مصنوعة خصيصاً له.
طائرات وصواريخ موجهة [قذائف إنسيابية] جديدة
لتعزيز قوتها الرادعة وقدرتها الهجومية، أعلنت القوة الجوية الفضائية التابعة لـ«الحرس الثوري» في 25 تموز/يوليو أن عشر طائرات مقاتلة- قاذفة نفاثة من طراز "سوخوي سو-22" كانت عائدة للعراق سابقاً قد بدأت بدخول الخدمة بعد سنوات من أعمال الإصلاح، بمساعدة خبراء سوريين وبيلاروسيين وأوكرانيين وفقاً لتعض التقارير. وقد ذكرت مجلة "كومبات إيركرافت" خلال شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي أن عدة طائرات نفاثة يتراوح عددها بين 16 و22 طائرة يمكن إعادتها إلى الخدمة خلال السنوات القليلة المقبلة، والكثير منها سيُطرح للاستعمال قريباً.
والجدير بالذكر أن الحفل الإعلامي الذي رافق الإعلان الشهر الماضي ألقى الضوء على مجموعة من الأسلحة التي تم تطويرها محلياً والتي يمكن تسليح الطائرات بها، من ضمنها قنابل شراعية بوزن 500 باوند، وجراب استهداف مطور محلياً، وصواريخ "بينا" موجهة بالليزر مع رأس حربي بوزن 500 كلغ ومدى يبلغ 20 كلم، بالإضافة إلى نسخة إيرانية من القنبلة العنقودية البريطانية "بي أل-755" التي تحمل اسم "سيمرغ". كما يدّعي «الحرس الثوري» أن مقاتلة "سوخوي" قادرة على تلقي بيانات استهداف من طائرات بدون طيار تحلّق على مسافة قريبة منها.
وعلى الرغم من أن منظومة صواريخ "سو-22" أصبحت قديمة، إلا أنها هبة من السماء بالنسبة لدولة مثل إيران تعذّر عليها الاستحواذ على طائرات حربية حديثة أو تطويرها لعقود من الزمن. وقد وضعت القوة الجوية الفضائية الطائرات النفاثة الجديدة في قاعدة "سيّد الشهداء" في شيراز، مع إمكانية نشرها في الخطوط الأمامية في مدن بوشهر أو بندر عباس أو جاسك أو كنارك وفقاً للضرورة. وتستطيع المقاتلة من نوع "سو-22 أم-4" ضرب أهداف سطحية بشحنة متفجرة وزنها 2000 كلغ ومدى يصل ما بين 600 - 700 كلم في مهمة ذات ارتفاع منخفض، وما يصل إلى 1150 كلم إذا كان الجزء الهجومي فقط من المهمة منفّذ على ارتفاع منخفض. وبالتالي، حتى إذا كانت المقاتلات المسلحة من طراز "سوخوي سو-22 فيتر" تعمل انطلاقاً من قاعدتها الرئيسية، فهي قادرة على بلوغ مسافات بعيدة تصل إلى الرياض، وهذا المدى يشمل كافة مناطق الدوريات ومحطات الناقلات والقواعد التابعة للبحرية الأمريكية في الخليج.
وبالطبع، قد لا تتمكن الطائرات الإيرانية الجديدة من الإفلات من أنظمة الدفاع الجوي الأكثر تطوراً والطائرات الاعتراضية وطائرات الإنذار المبكر التي تنشرها قوات دول الخليج والقوات الأمريكية. ولكن في الحرب الحديثة، قد يكون للأسلحة التي تحملها الطائرات أهمية أكبر من الطائرة نفسها، وبذلك تستطيع مقاتلات "سوخوي" أن تشكل منصةً لتوسيع مدى الصواريخ الجوالة. وقد زعم «الحرس الثوري» خلال حفل الإعلان عن الطائرات أنه يعمل على تطوير صاروخ كروز (جوال) يطلق من الجو ويناهز مداه 1500 كلم لاستخدامه في المستقبل على مقاتلات "سوخوي". وإذا صحّ الأمر، فمن الممكن للطائرات الإيرانية المنطلقة من "بندر عباس" أن تهدد يوماً ما بالهجوم الدقيق أهدافاً بعيدةً تصل إلى سيناء ومضيق باب المندب وبحر العرب المركزي.
وفي الوقت الحالي، لا يتطابق أيّاً من الصواريخ الإيرانية المعروفة بأنها قيد التطوير مع هذا الوصف لصاروخ جوال يُطلق من الجو والبالغ مداه 1500 كلم. ففي آذار/مارس 2015، كشفت وزارة الدفاع الإيرانية عمّا زعمت بأنه خط إنتاج لصواريخ "سومار" - وهي نسخة عن صواريخ كروز الروسية من طراز "خ-55". وتملك هذه المنظومة إمكانية بلوغ أهداف يصل مداها إلى 2500 كلم، ولكن حجمها الكبير يحول دون إمكانية نقلها في مقاتلات "سوخوي". فضلاً عن ذلك، يعمل «الحرس الثوري» على تطوير صاروخ كروز أصغر حجماً يُدعى "يا علي"، لكن وفقاً لبعض التقارير يبلغ مداه الأقصى 700 كلم ولذلك فهو بحاجة إلى التطويل والتحديث المكثف ليتمكن من بلوغ المدى الذي زُعم بأنه يستطيع بلوغه خلال حفل إزاحة الستارة الشهر الماضي على مقاتلات "سوخوي". وفي الوقت الحالي، يمكن تعديل الطائرات الجديدة بما يمكّنها من حمل الصواريخ الجوالة المضادة للسفن من نوع "قادر سي-803" والتي يتراوح مداها وفقاً للتقارير بين 200 و250 كلم وسبق تركيبها على مقاتلات "فانتوم أف-4 إي" المتمركزة في بندر عباس.
الخلاصة
على الرغم من أن المقاتلات الجديدة من طراز "سوخوي" تمنح إيران بعض الإمكانيات الإضافية، إلا أنها لن تغيّر قواعد اللعبة إلى أن ينتج «الحرس الثوري» صاروخاً جوالاً بعيد المدى لتحمله تلك الطائرات. بيد أن الأمر الأكثر إثارة للقلق في الوقت الحالي هو إمكانية انتشار الصواريخ الباليستية ذات التوجيه الدقيق مثل "فتح مبين"، التي يمكنها ضرب أهداف من البر أو البحر.
وتجدر الإشارة إلى أن الهدوء الذي تعاملت به إيران مع تدريباتها البحرية الأخيرة واختبارات "فتح مبين" لهوَ واقعة معبّرة. فقد يساور قادة النظام و «الحرس الثوري» القلق من أن تتسبب التمارين العسكرية الواسعة النطاق بإثارة غضب الشعب، بما أن العديد من المواطنين مستاؤون أساساً من تأثير الاستفزازات الإيرانية في الخارج على معيشتهم في البلاد. وهذا يوحي بأن على الحكومة الأمريكية العمل بفاعلية على لفت انتباه الشعب إلى أي مناورات عسكرية يبدو النظام حريصاً على التقليل من شأنها أمام جمهوره المحلي.
وأخيراً، تُظهر الإعلانات الأخيرة أن طهران قادرة على تطوير برنامجها الصاروخي تدريجياً حتى عندما تتجنب اختبار الصواريخ الباليستية الأبعد المدى التي تميل إلى إثارة الانتقادات والضغوط الدولية. فعلماء إيران يعملون على تقنيات جديدة يمكن أن تؤدي في نهاية المطاف إلى تحديث كامل مخزونها الصاروخي. من هنا، يجب على أي مفاوضات مستقبلية مع إيران بشأن الصواريخ أن تركّز على الدقة وكذلك على المدى، وأن تأخذ في الحسبان الصواريخ التي تطلق من الجو عند احتساب المدى.
فرزين نديمي هو زميل مشارك في معهد واشنطن، ومتخصص في الشؤون الأمنية والدفاعية المتعلقة بإيران ومنطقة الخليج.