- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2756
الرئيس ترامب والشرق الأوسط: وجهات نظر من إسرائيل
"في 30 كانون الثاني/يناير، خاطب تساحي هنغبي وايتمار رابينوفيتش منتدى سياسي في معهد واشنطن. وهنغبي هو وزير للتعاون الإقليمي في الحكومة الإسرائيلية وعضو الكنيست عن حزب الليكود. ورابينوفيتش هو السفير الإسرائيلي السابق في واشنطن والرئيس المؤسس لـ "معهد إسرائيل". وفيما يلي ملخص المقرر لملاحظاتهما".
تساحي هنغبي
على الرغم من الخلاف الجدي بين الولايات المتحدة وإسرائيل بين الحين والآخر، كانت العلاقة الأمريكية-الإسرائيلية مستقرة نسبياً على مدى عقود، بغض النظر عن أي من الحزبين كان في السلطة في أي من البلدين. لكن هذا الأمر تغير مع إدارة أوباما. فقد بقيت العديد من أوجه العلاقة الملموسة قوية، مثل تبادل المعلومات الاستخباراتية والتعاون العسكري، ودعم إسرائيل في المحافل الدولية، ومذكرة التفاهم حول المساعدات الأمنية، التي سوف تجلب لإسرائيل 38 مليار دولار على مدى السنوات العشر المقبلة. ومع ذلك، فإن العداوة بين أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فاقت التوقّعات الإسرائيلية، وخاصة بشأن قضية المستوطنات والاتفاق النووي مع إيران.
غير أنه ليس من المتوقع أن تستمر هذه الدرجة من التوتر خلال إدارة ترامب. ففي حين أدان أوباما كافة أنشطة البناء الاستيطاني، حتى في المناطق الأقل إثارة للجدل، التزم دونالد ترامب الصمت حول هذه القضية حتى الآن. كما أن جهود أوباما قد أرغمت المسؤولين الفلسطينيين على اتخاذ موقف أكثر تشدداً، إذ لم يرغبوا في أن يعتبر شعبهم أنهم [يتخذون موقفاً] أكثر توفيقياً مع إسرائيل من الولايات المتحدة. وفي المقابل، يبدو أن ترامب يفهم أين تقف إسرائيل ويستبشر المسؤولون خيراً من العمل معه.
وعندما سيعقد ترامب ونتنياهو اجتماعهما المرتقب، من غير المرجح أن تكون المستوطنات والقضايا الفلسطينية على رأس جدول أعمالهما. وبدلاً من ذلك، سيركزان على الأرجح على علاقات إسرائيل مع الدول السنية وإنفاذ الاتفاق مع إيران في المستقبل.
وفي الحقيقة، تتمثل مصلحة إسرائيل الأساسية في تعزيز علاقاتها مع العالم العربي السني عبر جعل تعاونهما السري القائم حالياً أكثر علنيةً. وتستند هذه العلاقات جزئياً على واقع أن لدى الطرفين أعداء مشتركين، هما : إيران وتنظيم «الدولة الإسلامية». ومن خلال زيادة التعاون العلني، سيتمكن كلا الجانبين من بناء قاعدة أقوى يمكنهما انطلاقاً منها مواجهة هذه التهديدات، مع توفير الغطاء للفلسطينيين في الوقت نفسه من أجل التراجع عن مواقفهم المتطرفة في المفاوضات والتقارب من إسرائيل.
أما على صعيد الاتفاق النووي مع إيران، فإن إسرائيل والرئيس ترامب يدركان الأخطاء التي تضمنها. فمن وجهة نظرهما، تخلت الولايات المتحدة عن نفوذها الهائل وأبرمت اتفاقاً دون المستوى المطلوب؛ ونتيجةً لذلك، ستكون إيران على بُعد بضعة أسابيع فقط من الانعتاق النووي إذا التزمت بالكامل بالاتفاق على مدى السنوات الثماني المقبلة، لأن بعض أحكامه الرئيسية تنتهي في ذلك الحين. وتشكل إيران أكبر تهديد استراتيجي لإسرائيل، ويأمل المسؤولون الإسرائيليون أن تفهم الإدارة الجديدة هذه المخاوف لكي يتمكنوا من التعاون معها بشكل بنّاء لحماية أمنهما المشترك.
وفيما يتعلق بالحرب السورية، ستضعف مكانة إيران إذا تمت الإطاحة ببشار الأسد من السلطة، إذ إن طهران سخرت جهودها لدعمه. لكن هذه المسألة تبقى نظرية بحتة بالنسبة لإسرائيل، لأنها لن تتدخل بشكل كبير في سوريا. وعوضاً عن ذلك، على الولايات المتحدة أن تبحث في احتمال الاعتراف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان. فلم يعد هناك وجود لدولة سوريا على الحدود الشمالية لإسرائيل، بل نظام الأسد وجماعات إرهابية أخرى فقط، لذا فإن الخلاف الطويل على الجولان لم يعد مطروحاً.
وأخيراً، يُعتبر وعد ترامب بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس تكراراً لوعود العديد من الإدارات السابقة، لكن الفرق أن ترامب قد يفي به. ولن تكون هذه الخطوة مفاجئة - ففي عام 1995، أقر الكونغرس الأمريكي قانوناً ينص على ضرورة نقل السفارة، على الرغم من أنه تضمن بنداً يسمح بتأجيل نقل السفارة، والذي تم توقيعه كل ستة أشهر منذ ذلك الحين. كما من شأن هذه الخطوة أن تصحح خطأ تاريخياً. فعندما وضعت الولايات المتحدة سفارتها في تل أبيب، لم يحتج الإسرائيليون ظاهرياً لأن العلاقة الثنائية لم تكن قوية كما هي عليه الآن، ولكن الزمن قد تغير. بالإضافة إلى ذلك، يمكن إجراء هذه الخطوة دون الضرورة إلى التحقق من شرعية مطالبة إسرائيل بالسيادة على القدس كلها.
إيتامار رابينوفيتش
لم تكن العلاقة الأمريكية-الإسرائيلية يوماً قائمة في العدم؛ فقد كانت دائماً جزءاً من إستراتيجية إقليمية أوسع نطاقاً. ولطالما سعى القادة الإسرائيليون إلى إثبات أن بلادهم تُعدّ من الأصول الإستراتيجية المهمة بالنسبة للولايات المتحدة فضلاً عن مشاركتها قيماً أمريكية أساسية. وبعد اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر، ازداد هذا الاعتقاد ترسخاً عندما اعتُبرت إسرائيل حليفاً في الحرب على الإرهاب. وبدورها ساهمت العلاقات الشخصية المتينة بين القادة في تعزيز ذلك، لا سيما بين بيل كلينتون واسحق رابين وبين جورج دبليو بوش وأرييل شارون.
غير أن أوباما ونتنياهو جمعتهما علاقة سيئة فاقمتها الخلافات الجوهرية حول نظرة كل منهما إلى الشرق الأوسط. فقد شجع أوباما إسرائيل على دعم "الربيع العربي" وانتقد بشدة المستوطنات، في خطوتين تعارضتا بشدة مع نظرة نتنياهو إلى العالم.
وفي الوقت نفسه، بدا أن الولايات المتحدة تتبع إستراتيجية الابتعاد التدريجي عن الشرق الأوسط خلال السنوات الثماني الأخيرة - وهي سياسة ألحقت الضرر الأكبر في أوضح أشكاله في سوريا. فالحرب المندلعة في تلك البلاد قد مكّنت روسيا من أن تصبح أكثر انخراطاً في الشرق الأوسط، في وقت تورط فيه لاعبون محليون نافذون على غرار تركيا وإيران بشكل أكبر في السياسة الإقليمية.
ووسط كل هذه التغيرات، ألم يتضح بعد كيف تُصوّر إدارة ترامب دورها في الشرق الأوسط الكبير؟ هل من الممكن التوصل إلى صفقة رابحة مع روسيا، وهل ستستلزم إرضاء الأسد في سوريا؟ وكيف سيكون رد فعل العرب السنة على مثل هذا الاتفاق؟ هناك شيء واحد يبدو واضحاً وهو أن الدول السنية قد ترحب على الأرجح بزيادة انخراط الولايات المتحدة في المنطقة.
أما بالنسبة للقضية الفلسطينية، فيبقى حلها مهماً بالنسبة للإسرائيليين، ويعود ذلك جزئياً إلى أنها تؤثّر في علاقاتهم مع باقي دول العالم. ويقيناً أن التفاوض بشأن حل نهائي للدولتين وتطبيقه غير ممكن في الوقت الراهن، ومن شأن المحادثات الفاشلة أن تتسبّب بردود فعل عنيفة كما حدث في عام 2001. لكن التوصل إلى حل مؤقت أمر ممكن إذا أدرك الفلسطينيون أن الوضع الراهن ليس في الواقع وضعاً قائماً بل تحولاً نحو ضمّ [أراضي إلى إسرائيل]. ومن شأن الموافقة على حل مؤقت أن توقف هذا التحول ولو أنه لن يمنحهم دولة. وإذا كان نتنياهو والفلسطينيون على استعداد للتوصل إلى حل مؤقت، فبإمكان الولايات المتحدة أن تلعب دوراً في الوساطة بين الجانبين.
ويتمثل الخيار الآخر بالتوصل إلى حل إقليمي، وهو ما يدعمه وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان وغيره من المسؤولين الإسرائيليين. فغالباً ما يُعتبر الاتفاق مع الفلسطينيين بمثابة لعبة لا رابح فيها ولا خاسر؛ وإذا ربح الفلسطينيون، خسر الإسرائيليون. غير أن التوصل إلى اتفاق مع عدد من الدول العربية من شأنه أن يغير هذه المعادلة ويكون نجاحه أكثر ترجيحاً إذ يمكن تقديم حوافز دبلوماسية أوسع نطاقاً وتوزيعها بالتساوي بين الدول.
غير أن إطلاق حملة لدفع الولايات المتحدة إلى الاعتراف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان قد يقضي على أي جهود إقليمية ترمي إلى حل القضية الفلسطينية. فالجمهور العربي حذر بشأن أي خطوة ينم عنها ضم [أراضي عربية] ويريد الحفاظ على السلامة الإقليمية لجميع الدول العربية، حتى تلك المتعثّرة. كما أن إثارة موضوع الجولان بشكل أحادي ستؤثّر سلباً على جهود السلام في المنطقة.
ومن المرجح أن يسفر نقل السفارة الأمريكية إلى القدس عن تداعيات مماثلة. فروابط إسرائيل مع الدول العربية [السنية] قائمة فقط على أعلى المستويات؛ غير أن ذلك لم يشمل بعد سكان هذه الدول. وفي غياب أي إجراءات وقائية مناسبة، قد يثير نقل السفارة سخط العالم العربي. من جهته، أعرب ترامب عن نيّته إرجاء مثل هذه الخطوة إلى حين إجراء المزيد من الدراسات بشأنها، وهو موقف يستحق الإشادة.
وتبقى إيران التهديد الأكبر لإسرائيل، لذا يبقى الأمل معلقاً على أن تركّز الولايات المتحدة على تطبيق الاتفاق النووي بصرامة بدلاً من التنصّل منه، لضمان عدم تعزيز قدرة طهران على صنع قنبلة نووية. كما أن ردع الرعاية الإيرانية للإرهاب هو الآخر في غاية الأهمية.
وفيما يتعلق بالحرب في سوريا، عملت إسرائيل بروح المسؤولية من خلال البقاء خارج النزاع عموماً. ومع ذلك، فإن احتمالات بقاء الأسد في السلطة أسوأ بالنسبة إليها من البديل- ليس فقط لأسباب أخلاقية، بل أيضاً لأن ذلك من شأنه أن يشكل انتصاراً للتحالف [القائم] بين إيران وروسيا و «حزب الله». إن استمرار وجود الأسد يقرّب أيضاً منطقة النزاع من إسرائيل، ويحتمل أن يورطها والأردن على السواء في هذه الحرب.
أعد هذا الموجز أرييه ميلمان.