- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3161
الصفقة الأمريكية حول المنطقة الآمنة قد تساعد تركيا على التوصل إلى تفاهم مع «حزب العمال الكردستاني» و«وحدات حماية الشعب»
في السابع من آب/أغسطس، اتفقت أنقرة وواشنطن على "إقامة مركز عمليات مشتركة في تركيا في أقرب وقت ممكن من أجل تنسيق إنشاء منطقة آمنة وإدارتها" في سوريا. وقد يساعد هذا التطوّر على إعادة تنظيم العلاقة بين «حزب العمال الكردستاني» في تركيا وفرعه السوري «وحدات حماية الشعب»، وهي جماعة تسيطر على مساحات شاسعة من الحدود الشمالية لسوريا. وقد تساعد هذه الخطوة بدورها على حلّ مشكلة كبيرة في العلاقات الأمريكية-التركية.
منذ عام 2014، اعتمدت واشنطن على «وحدات حماية الشعب» لمحاربة وجود تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا، مما عزز بشكل كبير من قوة الجماعة الكردية وقبضتها الإقليمية خلال العملية. لكن هذه السياسة تصطدم مع أولوية أمريكية أخرى، وهي: استئناف محادثات السلام المنهارة بين تركيا الحليفة في "الناتو" و«حزب العمال الكردستاني»، وهي جماعة تعتبرها أنقرة التهديد المحلي الرئيسي لها. غير أنه من المستبعد أن يوقف «حزب العمال الكردستاني» استفزازاته في تركيا أو أن يعود إلى طاولة المفاوضات طالما أن فرعه في سوريا متفوّق. لحسن الحظ، تنطوي ترتيبات المنطقة الآمنة المقترحة حتى الآن على تقليص وجود «وحدات حماية الشعب» على طول الحدود - مما يشكّل نقطة انطلاق جيدة لكبح جماح «حزب العمال الكردستاني»، وتحسين العلاقات الأمريكية مع أنقرة، وتجنب التدخل التركي المدمر المحتمل في سوريا.
قلب العلاقة بين «وحدات حماية الشعب» و«حزب العمال الكردستاني» رأساً على عقب
إن «وحدات حماية الشعب» هي الجناح العسكري لـ«حزب الاتحاد الديمقراطي»، وهي جماعة تمخضت عن «حزب العمال الكردستاني» عام 2003. وكان هذا الأخير قد شنّ حرباً على الحكومة التركية لعقود من الزمن، مما دفع بواشنطن وأنقرة إلى تصنيفه كياناً إرهابياً. إلا أن أنقرة هي الوحيدة التي تعتبر «وحدات حماية الشعب» جماعة إرهابية، حيث تراها مرادفة لـ«حزب العمال الكردستاني».
ولسنوات، اضطلع «حزب العمال الكردستاني» بدور المنظمة الأم في علاقاته مع «حزب الاتحاد الديمقراطي»، حيث رسم بشكل ملحوظ معالم سياسات هذا الأخير. وعلى نحو مماثل، لطالما حفزت النجاحات العسكرية لـ «حزب العمال الكردستاني» في تركيا القاعدة الكردية لـ «حزب الاتحاد الديمقراطي» في سوريا.
لكن الحرب في سوريا غيّرت هذه الديناميكيات. ففي عام 2012، قدّمت أنقرة دعمها للثوار الذين يعارضون نظام الأسد، مما دفع بالأسد إلى لعب الورقة الكردية - حيث سحب جنوده من المناطق ذات الأغلبية الكردية في الشمال، الأمر الذي سمح لقوات «وحدات حماية الشعب» بملء الفراغ كميزة ضدّ تركيا.
غير أن أنقرة لم تتخذ موقفاً عدائياً إزاء تحركات «وحدات حماية الشعب» في بادئ الأمر، ويعود السبب جزئياً إلى أن المسؤولين الأتراك كانوا في خضم دخول محادثات سلام مع «حزب العمال الكردستاني» في عام 2013. لكن بعد مرور عام، برزت «وحدات حماية الشعب» إلى الواجهة خلال محاصرة كوباني، حيث لم تعمد الجماعة إلى التصدي لغزاة تنظيم «الدولة الإسلامية» فحسب، بل فازت أيضاً بالولايات المتحدة حليفة لها في الحملة الأوسع نطاقاً ضد المنظمة الجهادية. وبدعم من الولايات المتحدة، استولت «وحدات حماية الشعب» في وقت لاحق على مساحات شاسعة من الأراضي في شمال سوريا، من بينها ما يقرب من 50 في المائة من حقول النفط السورية والعديد من حقول الغاز الطبيعي. ثم أعلنت "الحكم الذاتي" في كوباني وغيرها من المدن الشمالية الخاضعة لسيطرتها. وهذه المكاسب، إلى جانب الدعم العسكري الأمريكي المستمر والدعم الضمني من روسيا، منحت «وحدات حماية الشعب» ثقة كبيرة فيما يتعلق بمستقبلها.
وفي الوقت نفسه، يبدو أن تغيّر حظوظ «وحدات حماية الشعب» عدّل حسابات «حزب العمال الكردستاني» بشأن عملية السلام وعرقل العلاقة الأمريكية-التركية. وبينما استفادت «وحدات حماية الشعب» من نجاحها العسكري ما بعد كوباني، أطلق «حزب العمال الكردستاني» حملة جديدة من الاعتداءات في الداخل التركي، متسبباً بانهيار المحادثات مع أنقرة في تموز/يوليو 2015. ويبدو أن قادة «حزب العمال الكردستاني» يهدفون إلى إقامة "نموذج كوباني"، على أمل الاستيلاء على المدن التركية ذات الأغلبية الكردية وإعلان الحكم الذاتي هناك بنفس الطريقة التي فعلت بها «وحدات حماية الشعب» في شمال سوريا.
ويُظهر هذا التطوّر وغيره من التطورات اللاحقة مدى نجاحات «وحدات حماية الشعب» في تنشيط سياسات «حزب العمال الكردستاني» - في انعكاس تام لديناميكية ما قبل الحرب. وطالما يرتفع نجم «وحدات حماية الشعب» في سوريا، فمن غير المرجح أن يضع «حزب العمال الكردستاني» حداً للهجمات المنتظمة التي ينفذها ضد قوات الأمن التركية منذ عام 2015. بعبارة أخرى، ساهمت سياسة واشنطن إزاء سوريا في تمكين «حزب العمال الكردستاني» بشكل غير متعمد.
لذلك يتعيّن على المسؤولين الأمريكيين ضمان مساهمة جهودهم المقبلة بشأن اتفاقية المنطقة الآمنة وغيرها من الأمور المرتبطة بالسياسات في تقويض «وحدات حماية الشعب» وليس تقويتها. وعلى وجه الخصوص، يجدر بهم متابعة تطبيق "نموذج منبج" في المناطق الشمالية الشرقية التي تسيطر عليها الجماعة - أي نقل الحكم من «وحدات حماية الشعب» إلى المجتمعات المحلية (بما في ذلك الأكراد، الذين ما زال بإمكانهم شغل مناصب رسمية في مدن المناطق الآمنة، ولا سيما المجتمعات ذات الأغلبية الكردية، طالما أنهم ليسوا أعضاء رسميين في «وحدات حماية الشعب» أو «حزب الاتحاد الديمقراطي».
التوصيات
إن اتفاقية المنطقة الآمنة هي خطوة إيجابية، ولكنها تترافق مع تحديات كبيرة. وخلال العمل على الفكرة، على واشنطن وأنقرة أن توليا الأولوية للأهداف التالية:
تحسين الروابط الثنائية. ذكر إعلان النوايا الصادر في السابع من آب/أغسطس أن السلطات ستستعى إلى نقل السيطرة على المجتمعات داخل المنطقة الآمنة إلى عناصر من خارج «وحدات حماية الشعب» باعتبار ذلك أحد شؤون السياسة الأمريكية. وتعود مثل هذه الإعلانات بالفائدة فقط على العلاقات الأمريكية-التركية، بما أن «حزب العمال الكردستاني» لن يخفف من حدة التوترات داخل تركيا قبل تقويض فرعه السوري بالكامل. إن هذه الفوائد مهمة حتى وإن كان تخفيض التواجد العسكري الأمريكي يقلّص نفوذ واشنطن على الأحداث في سوريا، بما في ذلك التدخل العسكري المحتمل من جانب تركيا أو نظام الأسد.
ضمان استقرار تركيا. يمكن لتجدد المحادثات بين أنقرة و«حزب العمال الكردستاني» أن يعزز المصلحة الثنائية في تقليص التهديدات المحلية والخارجية التي [تواجه] تركيا. فمن جهة، قد يحرّك الحوار التركي الأوسع نطاقاً حول القضايا الكردية، مما يوفّر منفذاً تشتد الحاجة إليه للتوترات الإثنية الكبيرة في البلاد. كما سيساهم ذلك في نزع سلاح أي وكيل روسي محتمل - فقد ساعدت موسكو على إنشاء «حزب العمال الكردستاني» خلال الحرب الباردة وحافظت على روابط مع الجماعة وفروعها، وهو أمر قد تستخدمه ضدّ أنقرة. كما أن المحادثات مع «حزب العمال الكردستاني» قد تمنع وقوع «وحدات حماية الشعب» في أحضان نظام الأسد أو إيران وأن تصبح وكيلهما ضد تركيا.
تهيئة ظروف مناسبة لتسوية مؤقتة بين تركيا و«وحدات حماية الشعب». لا يمكن لأنقرة أن تتعايش مع وجود جيوب من «وحدات حماية الشعب» في سوريا ما لم يكن «حزب العمال الكردستاني» مستعداً لفتح محادثات سلام حقيقية مع الحكومة التركية. بعبارة أخرى، إذا اتخذت واشنطن الخطوات الصحيحة فيما يتعلق بـ «حزب العمال الكردستاني»، فبإمكانها تهيئة الظروف المناسبة للتعايش بين تركيا و«وحدات حماية الشعب» في النهاية. وحتى لو استغرق تحقيق هذا الهدف الأخير وقتاً أطول مما قد يرغب البعض، فإن الانفراج البطيء هو الأفضل من الحالة الراهنة للتهديدات المخيفة والتدخل العسكري التركي الوشيك ضد شريك قيّم للولايات المتحدة.
منع ظهور تنظيم «الدولة الإسلامية» من جديد. تشمل العديد من المناطق الخاضعة لسيطرة «وحدات حماية الشعب» مجتمعات سورية حيث يشكّل العرب الأغلبية أو الأكثرية. وإلى جانب كونها منظمة قومية كردية، فإن لـ «وحدات حماية الشعب» أيضاً نزعة يسارية متشددة تتعارض مع بعض التقاليد الإسلامية المحافظة التي يمارسها معظم السكان العرب الريفيين. وإذا استمرت الجماعة في الهيمنة على هذه المجتمعات، فقد تواجه ردود فعل ساخطة قومية عربية ودينية ومعادية لليسار، مما يزرع بذور تمرد آخر على غرار تنظيم «الدولة الإسلامية». ومن شأن اتفاق منطقة آمنة مطبّق بشكل ملائم أن يساعد الولايات المتحدة على تجنب مثل هذه السيناريوهات.
مواجهة تحدي اللاجئين. نظراً إلى العدد الهائل من اللاجئين السوريين في تركيا والاضطرابات الاجتماعية-الاقتصادية المتنامية التي تزامنت مع وجودهم، يتطلع الرئيس رجب طيب أردوغان إلى استخدام المنطقة الآمنة المقترحة كوسيلة لإعادتهم إلى سوريا. لكن معظم هؤلاء اللاجئين هم من العرب، لذا فإن نقلهم إلى مناطق كردية قد يؤدي إلى توترات إثنية وأعمال عنف. لذلك، يتعين على واشنطن وأنقرة تنسيق جهودهما عن كثب لمنع وقوع اشتباكات وضمان عدم تشريد المدنيين الأكراد في شمال شرق سوريا.
سونر چاغاپتاي هو زميل "باير فاميلي" في معهد واشنطن ومؤلف الكتاب المرتقب "إمبراطورية أردوغان: تركيا وسياسة الشرق الأوسط".