- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3838
السنوار ومشعل ومعضلة إسرائيل في "اليوم التالي"
بالنسبة لإسرائيل، سيكون صراعها السياسي طويل الأمد ضد "حماس" صعباً بنفس القدر مثل حملتها العسكرية الحالية.
في الوقت الذي يسعى فيه المفاوضون إلى التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين "حماس" وإسرائيل، والذي من شأنه أن يسهل إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين والسجناء الفلسطينيين إلى جانب زيادة المساعدات الإنسانية، فإن التوصل إلى نهاية حقيقية للحرب يظل بعيد المنال. وتصر إسرائيل على مطالبها الأولية ما بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر بتفكيك حُكم "حماس" وقدراتها العسكرية بشكل كامل إلى جانب إعادة الرهائن، في حين تدعو "حماس" إلى إبرام صفقة من ثلاث مراحل (45 يوماً لكل منهما) تنسحب بموجبها إسرائيل من قطاع غزة وتطلق سراح 1500 أسير فلسطيني، من بينهم 500 محكوم عليهم بالسجن المؤبد. وبالمثل، تسعى "حماس" للحصول على ضمانات من الجهات الفاعلة العربية والدولية بأن إسرائيل ستفي بالتزاماتها.
لكن لا ينبغي الإخطاء في فهم موقف "حماس" على أنه موحد. ولا يعرف المراقبون ما يكفي عن علاقات القوة داخل "حماس" وما قد تقبله مختلف الأطراف. ومع ذلك، هناك الكثير من الأدلة التي تشير إلى وجود توترات بين قيادتها في غزة، برئاسة يحيى السنوار، وقيادتها السياسية الخارجية التي يمثلها خالد مشعل في قطر. ويجدر بالذكر أن إسماعيل هنية - الذي حل محل مشعل كرئيس للمكتب السياسي لـ "حماس" في عام 2017 وانتقل إلى الدوحة - لا يزال مخلصاً للسنوار، وينصاع له بصورة كاملة.
وقبل أن تقدّم "حماس" مطالبها الأخيرة، أشارت التقارير إلى أن السنوار يعارض وقف إطلاق النار بالكامل في الوقت الحالي، إذ يفضل فترات الهدنة المؤقتة، التي يعتبرها بمثابة فرص لإعادة تنظيم الجناح العسكري للحركة. وفي المقابل، أعلن مسؤولو "حماس" في قطر بالفعل عن استعدادهم لوقف إطلاق النار والانتقال إلى المحادثات السياسية. وقال عضو المكتب السياسي لحركة "حماس" في الدوحة حسام بدران لصحيفة "وول ستريت جورنال": "نحن لا نقاتل لمجرد أننا نريد القتال... نريد إقامة دولة فلسطينية في غزة والضفة الغربية والقدس".
علاوةً على ذلك، في 21 كانون الثاني/يناير، أصدرت القيادة الخارجية لـ"حماس" وثيقة باللغتين العربية والإنجليزية بعنوان "هذه روايتنا.. لماذا «طوفان الأقصى»؟"، مؤكدةً أن هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر كان يهدف إلى الضغط على إسرائيل لإنهاء الاحتلال والسماح للشعب الفلسطيني بتقرير مستقبل غزة. وتشير الوثيقة ضمنياً إلى أن "حماس" لن تمنع عودة "السلطة الفلسطينية" إلى القطاع، لكن أي قيادة سياسية مستقبلية في غزة يجب أن تكتسب الشرعية من خلال الانتخابات، مما يشير بشكل أكبر إلى استعداد (الحركة) للانتقال إلى المسار السياسي.
وفي غضون ذلك، تعتبر إسرائيل أن شروط "حماس" غير مقبولة ولن تؤدي إلى أي نتيجة. إلا أن فهم الاختلافات بين نهجَي السنوار ومشعل يمكن أن يساعد على تفسير التحدي الذي تواجهه إسرائيل، فضلاً عن احتمالات "اليوم التالي" للحرب.
تطرف السنوار
وفقاً للسنوار، كان من المفترض أن يكون هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر الذي قادته "حماس" بمثابة بداية "المعركة الكبرى" التي تهدف إلى القضاء على إسرائيل. وفي مؤتمرٍ عُقد في غزة في أيلول/سبتمبر 2021 - ناقش فيه كبار أعضاء "حماس" ومسؤولون فلسطينيون آخرون الدولة الفلسطينية بعد "حرب التحرير" - أوضح السنوار وجهات نظره قائلاً "إن "تحرير فلسطين تحريراً كاملاً من نهرها إلى بحرها هو جوهر رؤية «حماس» الاستراتيجية".
ومن شبه المؤكد أن السنوار لم يكن يتوقع حجم النجاحات الأولية التي حققتها "حماس"، ومن بينها اختراق السياج الحدودي ومداهمة المستوطنات الإسرائيلية دون التعرض لرد عسكري إسرائيلي سريع. لكن النجاح لم يتحقق على كافة الجبهات. فقد اعتقد السنوار على ما يبدو أن التسلل الذي قادته "حماس" سيؤدي إلى شن هجوم متعدد الأبعاد (بحري، جوي، بري) ضد إسرائيل ينضم إليه فلسطينيو الضفة الغربية والقدس الشرقية والعرب الإسرائيليون، والجماعات الحليفة مثل "حزب الله" على طول الحدود الشمالية لإسرائيل مع لبنان. إلا أن ذلك لم يحدث.
ويتمثل الفشل الثاني في استخفاف السنوار بالتضامن الإسرائيلي. ويبدو أنه اعتقد أن الأزمة المحيطة باقتراح الإصلاح القضائي من شأنها أن تؤدي إلى شلل إسرائيلي أثناء الحرب، تشمل عدم الرغبة في دعم توغل بري طويل الأمد في غزة.
ومع ذلك، يستطيع السنوار أن يفتخر حالياً بتحقيق إنجازات كبيرة، من بينها التصور في جميع أنحاء الشرق الأوسط ومناطق أخرى بأن "حماس" ألحقت أضراراً جسيمة بإسرائيل وحصلت على دعم واسع النطاق من الجمهور في المنطقة. وفي هذا السياق، أعاد القضية الفلسطينية إلى الساحة العالمية، بما في ذلك من خلال الإجراءات أمام "محكمة العدل الدولية". وفي الوقت الحالي على الأقل، أخّرت "حماس" أيضاً التطبيع بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل.
النصر حياً أو ميتاً
يخوض السنوار معركة من أجل البقاء على قيد الحياة والصمود سياسياً. فهو يدرك أنه إذا عاش على المدى القصير، فإن مستقبله سوف يشمل الاختباء في أنفاق غزة لكي يتجنب الضربات الإسرائيلية الحتمية.
وبشكل عام، يدرك السنوار بلا شك حجم الدمار في غزة ويعرف أن "حماس" ستواجه، معه أو بدونه، صعوبة في الحفاظ على الحُكم بينما تسيطر إسرائيل على تدفقات المساعدات والأمن، وتتمتع أيضاً بالقدرة على ضرب الأهداف الإرهابية. ومع ذلك، لا يبدو في هذه المرحلة أنه مستعد للوقف الكامل للأعمال العدائية، أو للاعتقلاد بأن الضمانات الدولية ستكفل بقاءه على قيد الحياة. علاوةً على ذلك، فمن المرجح أنه يشعر أن الوقت يعمل لصالحه بفضل النفوذ الذي يوفره له الرهائن المتبقين. وقد يعتقد أيضاً أن أي تأخير سيسمح ببذل الجهود لإرهاق المجتمع الإسرائيلي بشكلٍ أكبر: من خلال الهجمات التي تقودها "حماس" على الجنود الإسرائيليين، وإطلاق الصواريخ وما يرتبط بذلك من تأخير في عودة السكان إلى منطقة الحدود مع غزة، وتعميق المناقشات الإسرائيلية الداخلية حول الرهائن، وإلحاق أضرار بالاقتصاد الإسرائيلي.
على أي حال، يبدو أن السنوار غير مستعد كثيراً للتوصل إلى تسوية، ويبدو أن يفضل قبول الموت على المنفى في الخارج، وهي النتيجة التي تتعارض مع مبادئ "حماس" ومبادئه. وعلى المدى القصير، وبسبب نظره إلى الرهائن باعتبارهم بوليصة التأمين الخاصة به، فإنه لن يُظهر أي اهتمام بإطلاق سراحهم جميعاً ـ على الأقل ليس بسرعة.
مساعي مشعل على المدى الطويل
منذ عهد مؤسس "حماس" أحمد ياسين، كانت الانقسامات قائمة بين مختلف مراكز القوة ضمن الحركة (على سبيل المثال، القيادة الخارجية مقابل المحلية، والعسكرية مقابل السياسية). لكن التنافس الحالي بين يحيى السنوار وخالد مشعل له أيضاً بُعد شخصي. فقبل كل شئ، اعتبر كلٌ منهما نفسه قائداً مستقبلياً للشعب الفلسطيني بأكمله. وبشكل أكثر وضوحاً، يرى مشعل - الذي ترأس المكتب السياسي لحركة "حماس" لأكثر من عشرين عاماً (1996-2017) - أن السنوار قد غيّر ميزان القوى في الحركة وعزز قطاع غزة على حساب كل من القيادة الخارجية ومشعل على وجه الخصوص.
وفي حين أن الهدف المشترك الذي يسعى السنوار ومشعل إلى تحقيقه هو إقامة دولة فلسطينية إسلامية من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط، إلّا أن وسائلهما المفضلة للقيام بذلك لطالما كانت مختلفة. وعلى الصعيد الجيوسياسي، يميل مشعل إلى التودد إلى الدول العربية السنّية، مبتعداً عن "محور المقاومة" الشيعي الذي تقوده إيران، في حين ينظر السنوار إلى هذا المحور كركيزة استراتيجية وشريك كامل في الحرب ضد إسرائيل. فضلاً عن ذلك، يختلف مشعل عن السنوار في اعتقاده بأن المقاومة قد تتخذ أشكالاً متعددة لا تقتصر على العنف، كما أوضح خلال مؤتمر "رواد بيت المقدس" في أيار/مايو 2023، بقوله: "إن "حماس" لا تخوض المعارك عبر السلاح والمقاومة فقط بل تديرها في الداخل والخارج بحزم واقتدار، مشيراً إلى أن تكتيكات المقاومة وأعمالها والمواجهة من هنا وهناك من أجل التجهز لمعركة التحرير..."
وعلى الرغم من اختلاف نهج مشعل، لا ينبغي أن ينخدع المرء بشأن أهدافه. فهو يتَصَوّر أن يؤدي الصراع إلى إنشاء دولة فلسطينية على أساس خطوط وقف إطلاق النار قبل حرب عام 1967، على الرغم من أن ذلك لن يمثل نهاية الصراع. ومن ناحية أخرى فإن وقف إطلاق النار الذي يدوم لعدة سنوات (أي الهدنة) سوف يكون مصحوباً بالسيطرة الفلسطينية على القدس الشرقية، وإخلاء مستوطنات الضفة الغربية، ومنح "حق العودة" للّاجئين الفلسطينيين. وعلى غرار السنوار، لم يُظهر مشعل أي ميل لقبول حل الدولتين أو حق إسرائيل في الوجود، لكن المسؤول المقيم في الدوحة يعلم أنه عليه الإشارة إلى استعداده للتفاوض في سياق الحرب الحالية، خاصةً في ظل الدمار الذي لحق بغزة وحواره المستمر مع قطر وتركيا. ويدرك مشعل أيضاً أنه إذا لم تُبدِ "حماس" على الأقل مرونة ظاهرية، فقد تفقد الحركة قوتها التفاوضية بشأن "اليوم التالي". وعلى الصعيد الداخلي، يعترف مشعل بأن الدخول في مؤسسات "منظمة التحرير الفلسطينية" والمشاركة في الانتخابات قد يسمحان لـ "حماس" بالبقاء في مرحلة ما بعد الحرب ويعززان موقفها فيما يتعلق بالهيمنة الوطنية على المدى الطويل.
وفي هذا السياق، يسعى مشعل - على غرار غيره من قادة "حماس" في الخارج - إلى إنهاء الحملة العسكرية وتوجيه الحركة نحو مسار سياسي من شأنه أن يسهّل حُكمها المستقبلي في غزة، وفي الضفة الغربية لاحقاً. وكما نقلت صحيفة "لو فيجارو" الفرنسية اليومية في أواخر كانون الأول/ديسمبر 2023، فقد أوضح مشعل أولوياته على أنها "إنهاء القتال، والانسحاب الإسرائيلي من القطاع، وتقديم المساعدات الإنسانية إلى غزة، ومن هناك، الدخول في مناقشات حول أي قضية، بشكل غير مباشر، مع إسرائيل، عبر وسطاء، وتشمل هذه القضايا شؤون الرهائن والأسرى وإنشاء ميناء في غزة –... لكن السؤال المركزي هو إنهاء الاحتلال".
ربما تدرس القيادة الخارجية في "حماس" الخيارات المبتكرة المتاحة أمام الحركة في مرحلة ما بعد الحرب، والتي تشمل تشكيل حكومة وحدة وطنية مع "فتح"، أو الانتقال إلى قيادة "تكنوقراطية" تشارك فيها "حماس" بهدوء، أو حتى الانضمام إلى "منظمة التحرير الفلسطينية" تحت اسم مختلف مع الحفاظ على العمليات المستقلة لجناحها العسكري. أما السنوار، فقد ينظر من جهته إلى "حزب الله" كنموذج للحفاظ على القدرات العسكرية في ظل غياب الحُكم الذي مارسته الحركة فعلياً في غزة منذ عام 2006.
الخاتمة
في إطار الواقع الحالي المتغير، يجب أن تُواصل إسرائيل تركيزها على إعادة ما تبقى من الرهائن في غزة، وفي الوقت نفسه القضاء على قيادة "حماس" وجناحها العسكري، الذي يشمل يحيى السنوار. إلا أن الهيكلية الإقليمية التي تعكف الولايات المتحدة وجهات فاعلة أخرى على رسم معالمها، والتي ستشمل دولة فلسطينية، قد تجعل المسار المفضل لمشعل أكثر خطورة على إسرائيل من مسار السنوار. يجب ألا تؤدي الهالة الدبلوماسية التي يتمتع بها مشعل إلى إعطاء انطباع خاطئ بأنه يخطط للتوصل إلى تسوية بشأن القضايا الأساسية، ومن بينها الاعتراف بإسرائيل. بالإضافة إلى ذلك، من المحتمل أن يؤدي نهجه إلى سيطرة "حماس" على جميع المؤسسات الفلسطينية.
وبشكل منفصل، تستعد "السلطة الفلسطينية"، التي تلعب عادةً لعبة لا غالب فيها ولا مغلوب مع "حماس"، إلى التوصل إلى اتفاق لمرحلة ما بعد الحرب مع القادة الخارجيين في الحركة. ويدرك كبار المسؤولين في السلطة الفلسطينية، مثل جبريل الرجوب، الخليفة المحتمل للرئيس محمود عباس، أنه لا يمكن تجاهل "حماس" كقوة سياسية. وحتى أن خصوم عباس، مثل محمد دحلان، أشاروا إلى اتصالاتهم اليومية مع مسؤولي الحركة، وقال هذا الأخير: "أنا لستُ صديقاً لـ«حماس»... ولكن هل تعتقد أن أحداً سيكون قادراً على الترشح لصنع السلام بدون «حماس»؟"
وبالتالي، لا يمكن أن تقتصر مهمة إضعاف "حماس" على تفكيك جناحها العسكري في قطاع غزة. وإلى جانب التحدي المتمثل في التعامل مع أيديولوجية الحركة، سيتعين على إسرائيل أن تركز على مناطق جغرافية أخرى، بما فيها الضفة الغربية، حيث ستستخدم "حماس" جميع الأدوات المتاحة لها - الدينية والاجتماعية والسياسية - لكي تصبح الحركة الفلسطينية المهيمنة وتحقق رؤيتها.
نعومي نيومان هي زميلة زائرة في معهد واشنطن والرئيسة السابقة لوحدة الأبحاث في "وكالة الأمن الإسرائيلية".