- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2507
الصيغة الانتخابية الجديدة في مصر ستسفر عن نتائج مألوفة
من شبه المؤكد أن تؤدي الانتخابات البرلمانية في مصر التي انطلقت في جولتها الأولى في نهاية الأسبوع المنصرم، إلى تدعيم المسار الاستبدادي في البلاد، حيث أن الصيغة الانتخابية تفضل فئتان هامتان هما: السياسيين المقربين من الأجهزة الأمنية، والمرشحين من مراكز القوى الريفية. وبالتالي فإن النتائج ستدعم حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي على المدى القريب، وتزيد من تماسكها الداخلي مع بسط نفوذها في الريف.
الطريق الطويل إلى "شارع مجلس الشعب"
هذه الانتخابات البرلمانية هي الأولى في مصر منذ ما يقرب من أربع سنوات. ففي 14 حزيران/ يونيو 2012، تم حل المجلس التشريعي السابق عندما حكمت "المحكمة الدستورية العليا" بأن جولتي الانتخابات اللتان جرتا في تشرين الثاني/ نوفمبر 2011 وكانون الثاني/ يناير 2012، والتي فاز فيهما الإسلاميون بحوالي ثلاثة أرباع مقاعد "مجلس الشعب"، غير دستوريتان لأنهما لم تتضمنان تمثيلاً كافياً للمستقلين. وعلى الرغم من أن زعيم جماعة «الإخوان المسلمين» محمد مرسي، الذي انتخب رئيساً بعد عشرة أيام [من ذلك] القرار تعهد بإلغائه، إلا أن القضاء منع محاولته دعوة البرلمان إلى الانعقاد في تموز/ يوليو [من ذلك العام]. كما أن المحكمة ألغت أيضاً إجراءين ذوي صلة هما: قانون انتخابات كانون الثاني/ يناير 2013 المثير للجدل الذي أقره "مجلس الشورى" الذي يسيطر عليه «الإخوان»، والذي سمح بتنظيم الحملات الدينية ومكّن المشرعين من تغيير انتماءاتهم بعد الانتخابات؛ وإعلان رئاسي يدعو لإجراء انتخابات برلمانية في آذار/ مارس 2013.
وعندما رد الجيش المصري على الاحتجاجات الواسعة من خلال خلع مرسي في تموز/ يوليو 2013، شملت العملية إجراء انتخابات تشريعية جديدة [لتحديد] خارطة طريق ما بعد مرسي، إلى جانب وضع دستور معدل وإجراء انتخابات رئاسية جديدة. وبينما أُلغي "مجلس الشورى" نهائياً في ظل الدستور الجديد، سعت الحكومة جاهدة لإيجاد صيغة انتخابية لما سميّ بـ "مجلس النواب" تلقى التأييد القضائي. وفي وقت سابق من هذا العام، اعترضت "المحكمة الدستورية العليا" على تقسيم المناطق في إطار "القانون" الانتخابي الذي أعلن عنه السيسي، مما أدى إلى تأجيل الانتخابات البرلمانية لمجلس واحد من آذار/ مارس 2015 حتى الوقت الحالي.
الصيغة تحدد المنتصرين
هذه الانتخابات التشريعية هي الثالثة على التوالي التي تختبر مصر من خلالها صيغة انتخابية جديدة. وحتى لو أُجريت الانتخابات بطريقة شرعية، فإن ما شهدته البلاد مؤخراً يُثبت أن الصيغة غالباً ما تحدد النتيجة.
في الفترة بين عامي 1990 و 2005، تم تقسيم مصر إلى 222 دائرة انتخابية، انتخبت كل منها عضوين من "مجلس الشعب"، أحدهما من الخبراء، والآخر من العمال أو الفلاحين. كما عيّن الرئيس عشرة أعضاء إضافيين، ليصل المجموع إلى 454 عضواً. وفي الانتخابات الأخيرة التي أُجريت في عهد الرئيس حسني مبارك عام 2010، تم إضافة 64 مقعداً خُصصت جميعها للنساء. ولهذا الجزء من الانتخابات، تم تقسيم البلاد إلى 32 محافظة اختارت كل منها إمرأتين، ليصل المجموع إلى 518 مقعداً.
إن نظام الترشيح الفردي موضع البحث، الذي كانت فيه كل محافظة صغيرة نسبياً، قد فضّل مركزين من مراكز القوى الرئيسية هما: رجال الأعمال الأثرياء في المناطق الحضرية الذين غالباً ما كانوا مقرّبين من أجهزة الأمن، ومراكز القوى الريفية، أي عشائر دلتا النيل والصعيد وسيناء والصحراء الغربية. وبالنسبة إلى رجال الأعمال، يضمن المقعد في البرلمان حصانة قانونية واسعة النطاق، وبالتالي حرية أكبر في القيام بأعمال تجارية في السوق الرمادية أو السوداء. أما بالنسبة إلى المرشحين في المناطق الريفية، فإن الفوز بمقعد يعزز أيضاً من نظام الزبائنية الذي دعم البرلمانيون في إطاره النظام مقابل إمكانية الوصول إلى موارد الدولة التي يمكنهم توزيعها على أنصارهم في الريف. وغالباً ما توافقت الدوائر الانتخابية مع المناطق التي تسيطر عليها العشائر والقبائل سياسياً واقتصادياً، لذا كان بإمكانها حشد الناخبين بفعالية أكبر بكثير من أحزاب المعارضة القانونية، التي كانت ضعيفة في المدن وغير مرئية عملياً خارجها.
وفي عهد الرئيس مبارك، مثلت جماعة «الإخوان المسلمين» التحدي الكبير الوحيد أمام هذين المركزين للسلطة، بحيث أن بنيتها الهرمية مكنتها من التعبئة على الصعيد الوطني كما لم يستطع أي فصيل آخر فعله (انظر "«الإخوان المسلمون» الجَمُوحُون: فرصٌ قاتمةٌ لمصر ليبرالية"). وخلال انتخابات عام 2005، أبقى مبارك التصويت حراً نسبياً خلال الجولات الأولى تحت ضغط من واشنطن، مما أتاح لـ «الإخوان المسلمين» بالفوز بـ 20 في المائة من المقاعد، وهي نسبة لم يسبق لها مثيل.
وبعد الإطاحة بمبارك عام 2011، تم إعداد صيغة انتخابية أكثر تعقيداً: يختار المصريون ثلثي أعضاء البرلمان (332 مقعداً) من خلال انتخاب القوائم الحزبية والثلث الآخر (166 مقعداً) من خلال سباقات ترشيح فردية، بينما يعيّن الرئيس 10 أعضاء، ليصل المجموع إلى 508 مقعداً. وبالنسبة إلى التصويت للقوائم الحزبية، تم إنشاء 46 محافظة، ترسل كل منها ما بين 4 و12 عضواً إلى البرلمان وفقاً لعدد سكانها. وتم تحديد الفائزين من خلال التمثيل النسبي. أما فيما يخص التصويت للمرشحين الفرديين، فقد تم إنشاء 83 محافظة، تنتخب كل واحدة منها ممثلَيْن: أحدهما من الخبراء والآخر من الفلاحين أو العمال.
إن تقليل عدد المحافظات يعني توسيع رقعتها، مما يضر بالعشائر والقبائل الريفية من خلال إرغامها على التنافس مع بعضها البعض. ورداً على ذلك، قرر العديد منها مقاطعة انتخابات عام 2011-2012. وفي الوقت نفسه، ساعدت المحافظات الأكبر الإسلاميين - نظراً إلى قدراتها على التعبئة الوطنية، فقد تسنى لها الأمر الفوز بما يقرب من ثلاثة أرباع من مقاعد البرلمان في عام 2012، مع فوز تحالف «الإخوان المسلمين» بالأكثرية بنسبة 47 في المائة وفوز السلفيين بالمركز الثاني بحصولهم على 24 في المائة من الأصوات.
الصيغة الجديدة، المنتصرون القدماء
إن صيغة الانتخابات الأخيرة تعيد من جديد رسم خريطة مصر الإنتخابية - ويصب ذلك إلى حد كبير في مصلحة أولئك الذين حققوا نجاحاً جيداً في عهد الرئيس السابق مبارك. ويتم توسيع البرلمان إلى 596 مقعداً، يعيّن السيسي فيه 28 عضواً. أما بالجزء الخاص بالترشح الفردي، فستختار 203 مقاطعة 448 ممثلاً (أو ما يقرب من ثلاثة أرباع مقاعد البرلمان)، أي أن المناطق ستكون أصغر بكثير. ووفقاً لمسؤول سابق في وزارة الداخلية يقدم المشورة الآن للحكومة في موضوع الانتخابات، تم إعداد هذا النظام مع أخذ العشائر والقبائل بعين الاعتبار (انظر "حرب العشائر في مصر"). ومن وجهة نظر القاهرة، إن تقسيم المحافظات على هذا الشكل لتلبية هذه المصالح الريفية سيمنع سكانها من التصادم فيما بينهم في يوم الانتخابات.
وفي الوقت نفسه، سيضم الجزء المتعلق بالقوائم الحزبية أربع دوائر انتخابية، ستصوت اثنتان منها على 15 مقعداً بينما تصوت الأخرتان على 45 مقعداً، ليصبح المجموع 120 مقعداً، أو خُمس عدد مقاعد البرلمان. وعلى الرغم من أن الحجم الهائل لهذه المناطق من شأنه أن يفيد الإسلاميين كما هو مألوف، إلا أنه من غير المتوقع أن تشكل مثل هذه الفصائل عاملاً رئيسياً في هذه الانتخابات. وقد أدى قمع الحكومة لـ «الإخوان المسلمين» إلى تضاؤل قدرات التعبئة لدى «الجماعة»، ولم يعد السلفيون موحدين سياسياً كما كانوا في عامي 2011 و 2012. إن «حزب النور» السلفي هو الفصيل الإسلامي الوحيد المشارك في الانتخابات، ولم يكن قادراً على تسجيل قوائمه في محافظتين من المحافظات الأربع. بالإضافة إلى ذلك، إن إطلاق حملة إعلامية ضخمة ضد الأحزاب الدينية قد تردع الناخبين عن دعم مرشحي «حزب النور» في ظل الظروف السياسية القمعية الحالية، في حين أن حظر ارتداء النقاب في مراكز الاقتراع سيمنع تصويت النساء السلفيات.
إن الفصيل الذي يتمتع بأكبر احتمال لملء الفراغ هو ذلك الذي يعرف بقائمة «في حب مصر»، الائتلاف الوحيد الذي سجل قوائمه الحزبية في المحافظات الأربع. إن هذه المجموعة المظلة، برئاسة اللواء السابق سامح سيف اليزل الذي كان في بعض الأحيان متحدثاً إعلامياً باسم الجيش المصري، تضم حوالي عشرين حزباً من غير الإسلاميين وتُعتبر مقربة من الأجهزة الأمنية المحلية، وتشمل «حزب الوفد» و «المصريين الأحرار» و «المؤتمر». كما تضم العديد من البرلمانيين السابقين من عهد الرئيس مبارك، فضلاً عن ممثلين عن مختلف الهيئات الحكومية والجامعية (الذين تتم الموافقة عليهم إجمالاً من قبل الأجهزة الأمنية قبل تعيينهم) ومسؤولين سابقين من الجيش والشرطة والاستخبارات.
وفي حين نفى اليزل دعم حكومة السيسي لائتلاف «في حب مصر»، إلا أنه قال بأن قائمته ستدعم الرئيس في البرلمان، ويشمل ذلك الموافقة على مئات القوانين التي أصدرها السيسي خلال الأشهر الستة عشر الأولى من تسلمه الرئاسة. وفي ظل الظروف السياسية الراهنة، فإن اتحاد القائمة الفعلي مع السيسي من المرجح أن يساعدها في صناديق الاقتراع. وبما أنه سيتم إعلان القوائم الفائزة وفقاً لنظام "الفائز يحظى بكل الغنيمة" وليس بناءً على نظام النسبية، فإن حصول «في حب مصر» على أغلبية ضئيلة يمكن أن يترجم إلى سيطرتها على خُمس البرلمان، مما يجعلها الكتلة التشريعية الوحيدة المتماسكة، وبالتالي الأكبر.
دفعة للسيسي
ستخدم هذه الانتخابات مراكز القوى تلك التي تدعم السيسي ولكنها لم تُدمج حتى الآن في إطار حكومته. ونتيجة لذلك، سيدعم التصويت نظام السيسي على المدى القريب. كما أن النجاح المتوقع لمراكز القوى الريفية سيؤدي إلى تمديد نفوذ نظامه في الريف، مما قد يؤدي إلى إعادة إحياء نظام الزبائنية الذي كان منتشراً في عهد الرئيس السابق حسني مبارك. وعلى نفس المنوال، فإن النجاح المتوقع لائتلاف «في حب مصر» من المرجح أن يمنح الرئيس دعماً يمكن الاعتماد عليه في البرلمان، ويؤدي في الوقت نفسه إلى إدخال بعض الأحزاب والشخصيات السياسية البارزة إلى محيطه السياسي.
ليس هناك شك في أن الانتخابات ستسفر عن انتقادات للفصائل المهمشة، وخاصة جماعة «الإخوان المسلمين» والناشطين الثوريين. كما يمكن للنتائج أن تؤدي إلى نفور السلفيين، وخاصة إذا كانت نتائج «حزب النور» سيئة كما هو متوقع. لكن على المدى القصير، لا يبدو أن أياً من هذه القوى قادرة على تغيير المسار السياسي في مصر لأنها غير قادرة على حشد كتلة كبيرة جداً من المواطنين. فبعد أربع سنوات من الاضطراب السياسي شبه المستمر، لا يهتم العديد من المصريين (وربما أكثرهم) بإشعال ثورة أخرى، وربما هم غير مبالين بالسياسة بشكل عام. لذلك، فإن الإقبال على التصويت في نهاية الأسبوع المنصرم كان منخفضاً، ولكن نسبة المشاركة في الاحتجاجات ضد الانتخابات ربما كان أقل بكثير.
إن توطيد المسار الاستبدادي في مصر من خلال الانتخابات سيقلق واشنطن إلى حد بعيد، وهي التي اعترضت بشكل محق على حملة السيسي ضد المعارضين والنقاد الإعلاميين والمجتمع المدني. ولكن يجب على إدارة الرئيس الأمريكي أوباما أن تأخذ بعين الاعتبار أنه لا يمكنها التأثير على السياسة الداخلية لمصر في اتجاه أكثر ديمقراطية في ظل الظروف الحالية. فالسيسي ومؤيدوه ما زالوا يعتقدون أنهم يخوضون صراع حياة أو موت مع جماعة «الإخوان المسلمين» التي دعت إلى موت السيسي وتعهدت بالانتقام على الإطاحة بمرسي. ونتيجة لذلك، فهم يعتبرون الحكم الاستبدادي ضرورياً للحفاظ على ذاتهم. وبالتالي، فبينما يجب على واشنطن ألا تبارك هذه الانتخابات، يجدر بها أن تدرك بأنه لا توجد فائدة كبيرة من انتقادها لها أيضاً.
إريك تراجر هو زميل "واغنر" في معهد واشنطن.