- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
الصين والنفوذ في الشرق الأوسط: التخفي في وضح النهار
Also published in "نيوزلوكس"
ما زالت الصين تعتمد إلى حد كبير على واردات الطاقة من الشرق الأوسط، مع ضُعف احتمال حدوث تحولات كبيرة قصيرة الأجل . ولا يزال لدى واشنطن أوراق جيدة لتلعبها فيما يتعلق بأنشطة إيران المزعزعة للاستقرار، والمظلة الأمنية الأمريكية على إمدادات الطاقة الخليجية، والرأي العام العربي تجاه الصين والولايات المتحدة.
على مدى العقد الماضي وأكثر، كانت السياسة الخارجية الأمريكية، تحت حُكم رئيسين ديمقراطي وجمهوري على حد سواء، تُكافح "للتنافس مع الصين" عبر الارتكاز إلى "محور آسيا" - والتحول بعيداً عن الشرق الأوسط. لكن الحقيقة هي أن هذا الشعار يهمل واقعين أساسيين عن عالم اليوم. أولاً، ما زال نفط الشرق الأوسط وغازه حيويين للاقتصاد العالمي (وبالتالي الأمريكي أيضاً)، كما تُظهر أزمة الإمداد الحالية والارتفاعات الحادة في الأسعار الراهنة. علاوة على ذلك، سيظل هذا هو الحال لعقود قادمة، حتى مع انتقال العالم تدريجياً بعيداً عن الوقود الأحفوري، سواء بسبب تغير المناخ أو التغير التكنولوجي أو لأسباب أخرى.
ثانياً، ما زالت الصين تعتمد إلى حد كبير على واردات الطاقة من الشرق الأوسط، مع ضُعف احتمال حدوث تحولات كبيرة قصيرة الأجل في ذلك المأزق. وهذا هو أيضاً حال اقتصادات كافة البلدان الآسيوية الكبرى تقريباً - ومعظمها من الحلفاء الأساسيين للولايات المتحدة، لكنها أيضاً من أهم الشركاء التجاريين للصين. وكنتيجة لذلك، فللصين مصلحة كبيرة في كل من الاستقرار الإقليمي الإجمالي وعلاقات العمل اللائقة مع أبرز الدول الإقليمية المنافسة: ابتداءً من إيران، ومروراً ببلدان الخليج العربي، ووصولاً إلى إسرائيل. علاوةً على ذلك، بالنسبة إلى الصين نفسها، سيعود مجرد الانتقال من الفحم إلى الغاز الطبيعي الخاص بالشرق الأوسط بأكبر وأسرع منفعة على المدى القصير من أجل تهدئة أزمة تغير المناخ في أنحاء العالم.
كل ذلك يجعل الشرق الأوسط ساحة مهمة جداً لكل من المنافسة بين القوى العظمى والتعاون العالمي، وليس إلهاءً عن هذين الأمرين. وفي الوقت نفسه، يجعل ذلك الصين أحد المنافسين الصاعدين للولايات المتحدة على إمكانية الوصول إلى تلك المنطقة وتحقيق النفوذ فيها. لكنه يعطي أيضاً الولايات المتحدة نفوذاً غير مباشر على الصين، بثلاث طرق نادراً ما تُفهَم بشكل مناسب.
أولاً، بينما تخرق إيران الآن بوضوح الاتفاق النووي لعام 2015، بإمكان الولايات المتحدة الإشارة إلى طيف المواجهة بشأن برنامج إيران النووي، الذي سيزعزع استقرار المنطقة بأكملها ويرفع أسعار الطاقة إلى الأعلى، من أجل إقناع الصين بالتعاون في هذه المشكلة الملحة. على واشنطن أن تقول لبكين بصراحة: "من الأفضل لنا جميعاً تفادي هذه المواجهة إذا أمكن، لكن إيران تدفع باتجاهها على أي حال".
من الواضح أن العقوبات الأمريكية الأحادية الجانب، سواء على الصين أو إيران، لن تكون كافية من أجل إعادة إيران إلى الامتثال النووي؛ إلا أن استمالة الصين عبر ذكر هذا الخطر المشترك قد تقلب الموازين، كما فعلت مع الاتفاق النووي الأصلي مع إيران. فانطلاقاً من محادثات عرضية مع خبراء ودبولوماسيين صينيين، يشك كاتب هذه السطور في تغاضي بكين حالياً عن احتمال حدوث هذا الضغط الشديد على إيران. غير أن مزيجاً من التصريحات الأمريكية الأكثر قوة، واختيار مبيعات الأسلحة وعمليات النشر، والمشاورات الخاصة يمكن أن تجعل حسابات الصين تتخذ مجدداً اتجاهاً أفضل.
ثانياً، بإمكان الولايات المتحدة الاستفادة قدر الإمكان من مظلتها الأمنية التي تحمي الخليج من أجل إقناع الصين، وبلدان الخليج العربي نفسها، باتخاذ خطوات أكثر حذراً هناك بشأن القضايا التي تهم واشنطن. فالصين تريد على الأرجح أن تحافظ على "استفادتها المجانية" فيما يخص أمن إمداداتها الحيوية من طاقة الشرق الأوسط. وتعرف دول الخليج أن الولايات المتحدة وحدها تقدّم لها تلك الحماية كملاذ أخير. لذلك، ففيما يتعلق بالقضايا الحساسة الخاصة باتفاقات الموانئ والبنى التحتية الأخرى، ومبيعات الأسلحة، وعمليات التحويل السيبرانية والعالية التكنولوجيا ذات الصلة، والاستخبارات، وما يشبهها، يمكن أن تستمر الولايات المتحدة في الهيمنة - كما فعلت عموماً في الحالات الموازية الخاصة بإسرائيل وغيرها في المنطقة.
ثالثاً، إن ما يثير الدهشة إلى أقصى حد هو محافظة الولايات المتحدة على موقعها الإقليمي القوي، بالنسبة إلى الصين، من حيث رأي النخبة والرأي العام. فصحيح أن الصين تقدمت شيئاً فشيئاً في المواقف الشعبية، كما تُظهر قياسات الاستطلاعات الفعلية التي كان كاتب هذه السطور يجريها بانتظام في أرجاء المنطقة على مدى العقد الماضي. وصحيح أيضاً، كما أعلم من المناقشات الخاصة مع محاورين عرب، أن الكثيرين منهم ليسوا متأكدين مؤخراً من اعتمادهم على الولايات المتحدة. حتى أن القليل منهم تحدث علناً عن رفضه "للخيار الخاطئ" بين الولايات المتحدة والصين.
ومع ذلك، تُثبت أحدث استطلاعات الرأي أن السكان المحليين يضعون الولايات المتحدة على الأقل على قدم المساواة مع الصين كدولتين أجنبيتين تُعتبَر "العلاقات الحسنة مهمة" معهما - بيد أن الكثيرين غير راضين عن سياسات أمريكية محددة. وتدعم أدلة أخرى هذا الرأي. فرغم كل الأحاديث الواهية عن "القوة الناعمة" التي تتمتع بها الصين، ما زالت شعوب الشرق الأوسط - سواء من العرب أو الإسرائيليين أو الأتراك أو الأكراد أو حتى الإيرانيين - تفضل بأغلبية ساحقة تَعلُّم اللغة الإنجليزية والدراسة في الولايات المتحدة ومشاهدة الأفلام والبرامج التلفزيونية ووسائل التواصل الاجتماعي الأمريكية - وليس الصينية.
وبالنسبة إلى الحكومات في المنطقة، يوفر ذلك هامشاً للمناورة التي تحتاج إليها من أجل الحفاظ على الرابط الأمريكي الذي تعرف أنه ما زال أساسياً لبقائها الخاص في منطقة صعبة للغاية. فمع إذعان الولايات المتحدة، بإمكان هذه الدول التمتع بعلاقات اقتصادية متينة مع الصين. لكنها ستقبل إلى حد كبير، وإن على مضض، بوضع بعض القيود على تلك العلاقة إذا تجاوزت الدعم الأمريكي.
علاوة على ذلك، في حالة الدولة العربية الوحيدة الأكبر، والتي تتمتع أيضاً بعلاقات متنامية مع الخليج - أي مصر، التي تجاوز مؤخراً عدد سكانها مائة مليون نسمة - ما زالت الولايات المتحدة تتقدم بوضوح على الصين. وهذا هو الحال، كما يشير كل من الاستطلاعات والندوات المتعمقة، على عدة مستويات ذات صلة: سواء من حيث المواقف الشعبية أو مواقف نخبة رجال الأعمال أو المواقف الرسمية. ويوفر ذلك بعض التأمين الإضافي على أن النفوذ الصيني لن يمتد إلى شمال إفريقيا أو البحر الأبيض المتوسط. وذلك يساعد بشكل غير مباشر على الأقل في احتواء التوسع الصيني في أماكن أخرى من المنطقة الأوسع نطاقاً، بما أن الدول العربية الصديقة تقليدياً للولايات المتحدة تسعى بشكل متزايد إلى تنسيق توجهاتها الدولية.
ومن المؤكد أن أياً مما سبق لن يحل المشاكل الجدية المتعلقة بالمنافسة الصينية الأمريكية على التجارة، وتايوان، وحقوق الإنسان، والعديد من القضايا الأخرى. وكل ذلك يتعدى نطاق هذا الجدال الموجز. ومع ذلك، في ساحة الشرق الأوسط التي تبقى حيوية بالنسبة لكلا القوتين العظميين، تتعدد الفرص الجيدة التي يمكن أن تنتهزها الولايات المتحدة. وإذا تم انتهاز هذه الفرص بشكل صحيح، ستكون لها آثار غير مباشرة مفيدة في منافسة القوى العظمى العالمية.
ديفيد بولوك هو "زميل برنشتاين" في معهد واشنطن ومدير "مشروع فكرة". وتم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع "نيوزلوكس".