- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2560
التدخل لمساعدة السوريين الفارين: مَنْ وماذا وأين ولماذا وكيف؟
على الرغم من إعلان وزير الخارجية الأمريكي جون كيري مؤخراً عن "وقف الأعمال العدائية" في سوريا، إلا أنه لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به للتكلم عن "التقدم المحرز على الصعيد الإنساني" بما يتجاوز نية "تسريع إيصال المساعدات الإنسانية وتوسيع نطاقها". وفي حين أن إنشاء الممرات الإنسانية أو الملاذات الآمنة أو المناطق الآمنة أو المناطق العازلة أو مناطق الحظر الجوي يمكنه أن يحقق انفراجة في الأزمة الانسانية في سوريا، إلا أن بإمكانه أيضاً أن يطرح مضاعفات كثيرة ويخلق العديد من الآثار من الدرجة الثانية والثالثة في المنطقة. وفي الواقع، أن سياسة الولايات المتحدة لا تدعم حالياً هذه الخطوات، إلاّ أنّ الاعتبارات والمخاوف الإنسانية بشأن تأثير اللاجئين في الدول الحليفة للولايات المتحدة - أو رفض سوريا وروسيا وإيران الالتزام بوقف إطلاق النار - قد تجبر واشنطن على إعادة النظر في موقفها وتقييمها لأجوبتها على أسئلة تتعلق بـ مَنْ وماذا وأين ولماذا وكيف يمكن أن يحصل هذا النوع من التدخلات في سوريا. فيما يلي تفاصيل هذه السيناريوهات.
مَنْ
عند طرح هذا السؤال، لا بد للمرء أن يدرك المتاهة التي يُدخله فيها عدد الإجابات المحتملة. فبدرجة لا يستهان بها يتعين على الجهات الفاعلة المحتملة أن تنظر في تأثير الملاذات الآمنة أو المناطق الآمنة في شؤونها السياسية الداخلية. فالسؤال التالي الذي يطرح نفسه من باب المنطق هو من سيتولى إدارة الملاذات/المناطق الآمنة على أرض الواقع لضمان تحلي الأشخاص المشردين داخلياً واللاجئين بالأمان والسلام وتلبية احتياجاتهم بالشكل الملائم. وهنا تنظر الجهات الفاعلة الإقليمية إلى الوضع على النحو التالي تقريباً:
· لطالما دعمت تركيا بعض هذه الملاذات أو المناطق، كما حصل في عام 2012 عندما مثلت أمام مجلس الأمن الدولي ولاقت توصيتها الرفض. فتركيا قلقة جداً بشأن إمكانية وصول عدد أكبر من اللاجئين إلى أراضيها، فضلاً عن تعقيد الحياة السياسية العرقية والدينية في المنطقة إذا انتقل اللاجئون العرب إلى مناطق سورية ذات أغلبية تركمانية أو كردية أو إلى مناطق من تركيا ذات أعداد كبيرة من السكان العرب أو الأكراد.
· لقد شرعت إسرائيل في بذل جهود لتقديم المساعدات الانسانية، إلا أنه سيتعين عليها أن تقيّم بعناية تأثير وقيود اضطلاعها بدور أكبر في هذا الشأن.
· الأردن، مثلها مثل تركيا، قلقة بشأن الأعداد الكبيرة من اللاجئين الإضافيين فضلاً عن التأثيرات الداخلية للاجئين في توازنها الديموغرافي. وقد ركزت الأردن على المناشدة للحصول على مساعدات مالية من المجتمع الدولي، حيث حذّر العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني من أنّ "السدّ سينفجر إن عاجلاً أو آجلا". ووفقاً لـ "مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين"، يقيم في المملكة الأردنية الهاشمية ما يقرب من 750 ألف سوري مسجل، وهو ثاني أعلى معدل للاجئين للفرد الواحد في العالم، بعد لبنان.
· لم يكن الأكراد في «حكومة إقليم كردستان» العراق أو المنطقة الكردية الناشئة في سوريا بحكم الأمر الواقع متحمسين بشأن قبول أعداد كبيرة من اللاجئين العرب. ومع ذلك، تأوي «حكومة إقليم كردستان» أكثر من 1.5 مليون شخص غير كردي مشرد داخلياً من أجزاء أخرى من العراق، الأمر الذي يشكل عبءاً ثقيلاً - إلاّ أنه من الصعب تخيّل انتهاء الأمر بأعداد كبيرة من العرب في مناطق يديرها الأكراد في سوريا في ظل استمرار الصراع.
ماذا
وتبرز بعد ذلك مسألة وجود اختلافات حقيقية بين الخيارات المتاحة، فهناك الملاذات/المناطق الآمنة؛ أو المناطق العازلة؛ أو الممرات الإنسانية أو مناطق الحظر الجوي. وحتى بعد أن يتم تحديد هذه الاختلافات، يتعين تقييم مزيج المهام الواجب تحقيقها - سواء وقف الهجمات أو تقديم المساعدات الإنسانية أو دعم الشؤون اللوجستية للمناطق الآمنة أو توفير المأوى للقوات المعارضة وتدريبها. وعلى سبيل التعريف:
· "الملاذ الآمن"، المعروف أيضاً بالمنطقة الآمنة، يكون عادةً مكاناً محدداً يقع على مقربة من منطقة تمزقها الصراعات، حيث يتم توصيل المساعدات الإنسانية وحيث يمكن للاجئين الفارين أن يقيموا لفترة طويلة. يتطلب إنشاء مثل هذه الملاذات الآمنة توفير الأمن على الأرض لضمان سلامة العمليات.
· "المنطقة العازلة" تشير في العادة إلى منطقة منزوعة السلاح وافق الخصوم على الانسحاب منها لتحل محلها قوة مراقبة محايدة مثل قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة لرفع التقارير. وخير مثال على ذلك هي المناطق بين قبرص التركية واليونانية وبين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية.
· "الممر الإنساني" يشمل مناطق يمكن فيها لموظفين معينين - عادة تحت راية الأمم المتحدة أو المنظمات غير الحكومية المقبولة - تمرير مساعدات إنسانية في مناطق النزاع.
· "منطقة الحظر الجوي" تنطوي على بذل مجهود عسكري يهدف إلى إبقاء منطقة معينة خالية من الطائرات المعادية - الدوارة والثابتة الجناحين على حد سواء - وذلك أحياناً لحماية مجموعة سكانية معينة أو لتعزيز العمليات البرية.
أين
يجدر بالذكر أنّ الشقين السياسي والجغرافي للملاذات/المناطق الآمنة المحتمل إقامتها في شمال وجنوب سوريا يستحقان دراسة مفصلة. وقد أشارت مقترحات إلى مواقع على أراضٍ سورية وأراض أجنبية ومناطق حدودية بين نقاط التفتيش الحدودية السورية والأجنبية. وهنا، تركز مجموعة من الأفكار على الحدود التركية مع شمال غرب سوريا، حيث يتركز الحديث حول المنطقة الواقعة شمال حلب بدلاً من المنطقة الواقعة على طول المحافظة التركية هاتاي، غرب حلب. وتتعلق مجموعة أخرى من الأفكار بالمنطقة التي يسيطر عليها تنظيم «الدولة الإسلامية» («داعش») شمال شرق حلب على طول الحدود التركية، غرب نهر الفرات مباشرةً. بيد، هناك احتمال آخر يشمل المنطقة الكردية المنشأة بحكم الأمر الواقع في شمال شرق سوريا، على الحدود مع تركيا شمالاً ومع «حكومة إقليم كردستان» شرقاً. ويقترح خيار أخير منطقةً في جنوب سوريا على الحدود مع الأردن. إلاّ أنّ الحديث لم يتطرق كثيراً في هذه الأثناء إلى الحدود السورية مع إسرائيل أو لبنان.
لماذا - أو لماذا لا
نظراً إلى أنّ تدفقات اللاجئين إلى أوروبا تشكل مصدر قلق كبير للسياسات في الغرب، فمن الضروري البحث في موضوع تأثير الملاذات الآمنة/المناطق الآمنة أو المناطق العازلة أو الممرات الإنسانية في تدفق اللاجئين إلى أوروبا. ويتمثل الهدف الأكثر طموحاً المرجو تحقيقه من هذه المبادرات في إقناع اللاجئين "بالعودة من" أوروبا إلى هذه المناطق. ومن المهم أيضاً تقييم جدوى هذا التوجه.
يمكن تعلّم الكثير هنا من تاريخ الملاذات/المناطق الآمنة التي أقيمت في صراعات أخرى، كتلك التي أُنشئت في دولة يوغوسلافيا السابقة أو في العراق خلال عهد صدام حسين. وفي هذا الإطار، من المفيد دراسة فعالية المساعدات المقدمة من خلال الممرات الإنسانية إلى السكان المقيمين بدلاً من الفارين منهم؛ وغالباً ما تستفيد الفئة الأولى من الدعم ذي الصلة أكثر بكثير من السكان الفارين.
كما يجب البحث في ردود فعل كل من النظام السوري وروسيا وإيران إزاء الملاذت/المناطق الآمنة. ففي عام 2012، عارض حلفاء النظام بشدة مثل هذه المبادرات، بإشارتهم إلى أنّ المناطق الآمنة تشكل تهديداً لسيادة سوريا وسلامة أراضيها. لذلك سيكون من المجدي للغاية التخطيط للرد على ردود الفعل السلبية المماثلة مستقبلاً وتقييم الاقتراحات المتعلقة بكيفية التخفيف من وطأتها.
وتولّد الملاذات أوالمناطق الآمنة أو المناطق العازلة أو الممرات الإنسانية أيضاً مجموعةً متنوعة من المشاكل القانونية. ويشكل احتمال إصدار قرار جديد من قبل مجلس الأمن الدولي يجيز مثل هذه المبادرة موضع تساؤل. إذ يطرح ذلك سؤالاً حول ما يمكن القيام به بموجب قرارات مجلس الأمن القائمة، مثل تلك التي تتناول مسؤولية حماية السكان المعرضين للخطر، في حين أنّ الدول المجاورة مثل تركيا والأردن تُعدّ في وضع جيد يخوّلها الإدعاء بالدفاع عن النفس كسبب لمساهمتها في إنشاء مناطق آمنة أو آليات ذات صلة.
ويمكن للملاذات/المناطق الآمنة أنّ تؤثر إلى حد كبير في مبادرات أخرى ساعية لمعالجة الحرب السورية، سواء كانت محادثات السلام في جنيف أو اتفاقات محتملة لوقف إطلاق النار على الصعيد المحلي أو الوطني. وفي هذا السياق، يتعين تقييم قوة هذه المبادرات فضلاً عن الآثار الضارة أو المفيدة المحتملة للملاذات/المناطق الآمنة عليها.
كيف
من شأن الملاذات/المناطق الآمنة أن تفرض الكثير من المتطلبات الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية والإنسانية. ويمكن أن تشمل هذه الدور الإنساني المحتمل للمنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية، بما فيها وكالات الأمم المتحدة في غياب قرار جديد من مجلس الأمن. ومن ثم، لا بد من تناول طبيعة الالتزامات العسكرية والأمنية اللازمة، سواء خارج المنطقة لحمايتها أو في داخلها، فضلاً عن الطرف الذي من شأنه أن يوفر هذه الموارد. وسيتحلى دور الدول المجاورة ودول المنطقة والسكان المحليين السوريين الذين يتلقون الدعم بأهمية خاصة - سواء كانوا قد تلقوا التدريب أو التجهيز أو الأسلحة أو التمويل - من جهات خارجية إما علناً أو سراً.
وقبل الشروع في أي مبادرة، على المخططين أن يبنوا سياسات للتوصل إلى الردود المحتملة أو ردعها سواء من نظام الأسد أو حلفائه أو تنظيم «الدولة الإسلامية» أو «جبهة النصرة» أو غيرهما من الجماعات. كما أنّه من الضروري إعداد استراتيجيات للانسحاب.
إلى ذلك، فبينما من الضروري تحليل خيارات المناطق الآمنة التي تمت مناقشتها أعلاه، لا يكفي ذلك لتبرير اتخاذ الإجراءات اللازمة. إذ على المخططين أن يقيّموا أيضاً الحالة العامة والخيارات البديلة، مثل الوضع النهائي المرجح للاجئين السوريين في حال عدم التدخل.
أما بالنسبة إلى الحالة الأمنية العامة في المنطقة، فقد تدهورت بشكل كبير بسبب عدد من العوامل هي: تدفق اللاجئين المزعزع للاستقرار إلى الدول الأوروبية الحليفة لأمريكا في "حلف شمال الأطلسي" ("الناتو")؛ وظهور تحالف دبلوماسي عسكري بين روسيا وإيران وسوريا والجماعات الشيعية بهدف محتمل على الأقل يتمثل في الحلول محل نظام الأمن الإقليمي الذي تتزعمه الولايات المتحدة ومع قدرة كبيرة على تحقيق هذه الغاية؛ وصمود تنظيم «الدولة الإسلامية»، حتى لو تم احتواؤه في العراق وسوريا، وذلك بجزء منه عن طريق الانتشار في أماكن أخرى وتهديد دول في جميع أنحاء العالم بشنّ الهجمات الارهابية. وتترافق هذه التطورات مع خيبة أمل جادة بواشنطن من قبل حلفائها الرئيسيين، من بينها تركيا وإسرائيل ودول الخليج. إذ أن عدم استعداد الإدارة الأمريكية لاتخاذ إجراءات فعالة ومحفوفة بالمخاطر في أي ظرف من الظروف تقريباً يعتبر أمراً يساهم في تمكين التحالف الذي تقوده روسيا وإيران.
وعلى المستوى النفسي، ونظراً لتصورات الأصدقاء والأعداء بأن الولايات المتحدة لن تتخذ أي إجراءات عسكرية حاسمة، فإنّ أي تحرك عسكري أمريكي أساساً، إذا لم يتم بشكل متهور، من شأنه أن يساعد في طمأنة الشركاء الإقليميين وإلحاق بعض الخوف بتحالف روسيا-إيران. أما إذا تحرك الجيش الأمريكي بشكل متهور أو غير مدروس، فسيؤدي إلى تراجع مكانة الولايات المتحدة في المنطقة وإضعاف الولايات المتحدة وحلفائها على حد سواء.
نورا ماركوس، هي عقيد في الجيش الأمريكي، وزميلة عسكرية زائرة في معهد واشنطن.