- تحليل السياسات
- تنبيه سياسي
التقارب بين مصر وتركيا يقيّد «الإخوان المسلمين»
بعد أن أطاح الجيش المصري بحكومة محمد مرسي بقيادة «الإخوان المسلمين» في عام 2013، أصبحت تركيا ملاذاً للعديد من الشخصيات المعارضة الرئيسية، مما سمح لهؤلاء المعارضين بإطلاق قنوات تلفزيونية تنتقد الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي. إلّا أن التفاهمات الأخيرة بين القاهرة وأنقرة أثارت قلق العديد من الأفراد المنفيين من «الجماعة» بشأن مستقبلهم على الأراضي التركية.
في 19 آذار/مارس، أفادت وكالة «أسوشيتد برس» أن "السلطات التركية طلبت من ثلاث قنوات تلفزيونية معارضة مصرية مقرها في إسطنبول تخفيف تغطيتها السياسية الانتقادية للحكومة المصرية، في حين تسعى تركيا لإصلاح العلاقات المتوترة مع القاهرة". وتم تأكيد ذلك خلال مقابلة أجرتها قناة "الجزيرة" مع الشخصية السياسية المصرية المنفية أيمن نور، الذي هو رئيس قناة "الشرق" - إحدى القنوات الثلاث المستهدفة إلى جانب "مكملين" و "وطن"، والمعروف أنها مرتبطة بجماعة «الإخوان المسلمين». ورحب وزير الإعلام المصري أسامة هيكل بالخطوة ووصفها بأنها نقطة انطلاق لحل الخلافات التي نشأت مع أنقرة في السنوات القليلة الماضية.
لماذا تضغط تركيا على «الإخوان المسلمين» الآن؟
بعد أن أطاح الجيش المصري بحكومة محمد مرسي بقيادة «الإخوان المسلمين» في عام 2013، أصبحت تركيا ملاذاً للعديد من الشخصيات المعارضة الرئيسية، مما سمح لهؤلاء المعارضين بإطلاق قنوات تلفزيونية تنتقد الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، الذي حل محل مرسي. ووفقاً لبعض التقارير، يبلغ عدد أعضاء هذا المجتمع الإعلامي المنفي حوالي 500 شخص، على الرغم من أنهم ليسوا موحّدين بشكل جيد. وفي عام 2018، أدى الخلاف المستمر والدعاوى القضائية إلى تشكيل "رابطة الإعلاميين المصريين بالخارج" لحل نزاعاتهم الداخلية.
وأبرز قناتين هما "الشرق" و "مكملين"، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى شعبية الإعلامييْن غير الإسلامييْن البارزيْن في هاتين القناتين، معتز مطر ومحمد ناصر، على التوالي. وفي مناسبات عديدة، وصف السيسي هؤلاء المعلقين بـ "الأشرار" بسبب خطابهم التحريضي المستمر ضد حكومته.
وعلى مدار العامين الماضيين، ازدادت أنقرة قناعةً تدريجياً بأن المعارضة المشرذمة من جماعة «الإخوان المسلمين» في المنفى كانت رهاناً خاسراً لم يعد من الممكن استخدامه لترهيب السيسي، لا سيما في أعقاب سلسلة الاحتجاجات الصغيرة وغير الفعالة التي أثارها في مصر المقاول المنفي محمد علي عام 2019. بالإضافة إلى ذلك، بدأ البلدان مؤخراً بتعميق تفاهمات متبادلة حول القضايا الرئيسية في المنطقة. على سبيل المثال، وفقاً لتقرير حديث لوكالة "رويترز"، عندما فتحت القاهرة المشاركة في العطاءات لمشاريع النفط والغاز الطبيعي في 24 مجمعاً في شباط/فبراير، أشاد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو بمصر لاحترامها معايير الجرف القاري لبلاده. وعندما استضافت القاهرة الاجتماع الوزاري الأول لمنتدى غاز شرق المتوسط في وقت سابق من هذا الشهر، لم تصدر أي تصريحات تنتقد تركيا. كما تقدر أنقرة التحوّل الذي طرأ على سياسة مصر تجاه ليبيا - أي الابتعاد عن النهج العدائي الذي تنتهجه الإمارات العربية المتحدة.
التغيير في خطابات «الإخوان المسلمين»
امتنعت شخصيات إعلامية معارضة بارزة بشكل عام عن انتقاد تركيا بسبب هذه الخطوات، وبدلاً من ذلك وصفتها بأنها مفهومة. حتى أن بعض المعلّقين أعادوا تأكيد امتنانهم لأنقرة لمنحهم منصة على مر السنين على الرغم من الضغوط المستمرة من مصر وبعض دول الخليج التي تعارض بشدة جماعة «الإخوان المسلمين». وكما صرح محمد ناصر خلال مقابلة أجراها مع قناة "الجزيرة" في 21 آذار/مارس، ستبقى رسالتهم على ما هي، لكنهم على استعداد للتعبير عنها بشكل غير مباشر لتجنب إحراج البلد المضيف.
وفي الوقت نفسه، بدأت بعض الأصوات داخل الهيئة السياسية لجماعة «الإخوان المسلمين» تدعو إلى الحوار مع الحكومة المصرية. وبذلك، وضعت جانباً مطلبها السابق بأن يقوم السيسي بالإفراج عن جميع السجناء والاعتراف بأنه تولى السلطة بشكل غير قانوني في عام 2013، وبدلاً من ذلك، طلبت هذه الجماعات ببساطة من السلطات تخفيف الوضع للمعتقلين السياسيين. وفي مقابلة أجراها القائم بأعمال المرشد العام ابراهيم منير في 20 آذار/مارس، صرح أن «الإخوان المسلمين» على استعداد للتواصل مع الحكومة من خلال وسيط تركي من أجل حل ما أسماه "المسائل المتنازع عليها"، دون استخدام كلمة "انقلاب".
وتعارض عناصر أخرى من جماعة «الإخوان المسلمين» هذا الموقف، مع إصرارها على استمرار التنظيم في تحدي الشرعية الدولية للحكومة ومطالبتها بالإفراج عن جميع السجناء. ويتألف هذا المعسكر من شخصيات رفيعة المستوى، أمثال المتحدث السابق باسم "حزب الحرية والعدالة" حمزة زوبا، إلى جانب أعضاء من ذوي المراتب المتوسطة المتهمين بجرائم إرهابية، وبالتالي فقدوا الأمل بالعودة إلى مصر دون الدخول إلى السجن. وفي غضون ذلك، تشير تقارير لم يتم التحقق منها من قبل قناة "العربية" المملوكة للسعودية إلى أن تركيا أوقفت عملية منح الجنسية ليحيى موسى وعلاء السماحي، المدرجان على قائمة الإرهاب الأمريكية والمتورطان في اغتيال النائب العام المصري هشام بركات عام 2015.
إلى أين سينتقل «الإخوان المسلمون» الآن؟
تتناقص الخيارات الإعلامية المتوفرة لـ «الإخوان المسلمين» أكثر فأكثر، ويميل الأعضاء المنفيون إلى الاعتقاد بأن أنقرة لن تتساهل بعد الآن بشأن السماح لهم باستئناف خطابهم التحريضي السابق. وبالتالي، من غير المرجح أن يبقى الكثير منهم في تركيا لفترة أطول، ومن الممكن أن تشهد الأشهر المقبلة على رحيل بعض الوجوه البارزة، خاصة بين الأفراد ذوي الثروات الكبيرة أو العلاقات السياسية في أماكن أخرى. ومع ذلك، قد لا تتوفر أمامهم أي خيارات في المنطقة - فحتى قطر المارقة تبدو وكأنها وجهة غير مؤكدة للشخصيات الرفيعة بالنظر إلى سجلها الحافل في طرد أقرانهم. وهذا يعني أنهم قد يتوجهون إلى الولايات المتحدة أو كندا أو بريطانيا، كما ذكر ناصر خلال مقابلته الأخيرة مع قناة "الجزيرة".
وفي المقابل، من المرجح أن تقع المعاناة الكبرى على كاهل الأعضاء ذوي المراتب المنخفضة والمتوسطة، لأن العديد منهم يملكون جوازات سفر مصرية منتهية الصلاحية ويعيشون في تركيا بتأشيرات مدتها عام واحد. وخلال المناقشات التي تدور عبر الإنترنت، اقترح هؤلاء قطر وماليزيا وبعض العواصم الأوروبية من بين الوجهات التي قد يقصدونها، حتى أن اليأس قد بلغ بأحد الصحفيين من «الإخوان المسلمين» إلى حد بحثه عن خلف بديل لم يكن وارداً منذ فترة قريبة تعود إلى عام 2018، وهو استكشاف فرص مهنية مع قنوات إخبارية إسرائيلية تبث باللغة العربية، وذلك في مؤتمر في تل أبيب.
ومن جهته، كان المعسكر الموالي للحكومة في مصر مسروراً بالصعوبات المتزايدة التي تواجهها المعارضة. ولم تقم وسائل الإعلام المتعاطفة بتسليط الضوء على هذه المشاكل من أجل الإضاءة على نجاح السيسي في احتواء «الإخوان المسلمين» فحسب، بل أيضاً من أجل توجيه رسالة إلى أعضاء المعارضة الآخرين الذين ما زالوا داخل مصر. وبالفعل، تبدو القاهرة غير مهتمة بالترحيب بأعضاء المعارضة وعودتهم إلى الوطن، معتبرةً معظمهم مصدراً محتملاً للضغط في قضايا حقوق الإنسان. لكن الحكومة ستواصل ملاحقة أولئك المتهمين بارتكاب جرائم إرهابية.
هيثم حسنين محلل لشؤون الشرق الأوسط وزميل "غليزر" السابق في معهد واشنطن.