- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2623
التسليم الجوي للمساعدات الإنسانية في سوريا: الخيارات والقيود
شكّل استخدام نظام الأسد للغذاء كسلاح، سمة أساسية في الحرب الأهلية السورية. إذ استخدمت قوات النظام منهجية "الاستسلام أو الموت جوعاً" لإثارة تأثير كبير. وقد تم مراراً عرقلة جهود الإمدادات الإنسانية من قبل قوات النظام، فضلاً عن قوات تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش») وبعض الجماعات المتمردة والعناصر الإجرامية. ووفقاً للأمم المتحدة، فإن 408,200 شخص في المجتمعات المحاصرة أو التي يصعب الوصول إليها يعيشون الآن في ظروف عنوانها الحاجة.
بالتالي، في ختام اجتماع 17 أيار/ مايو، دعت «المجموعة الدولية لدعم سوريا»، «برنامج الأغذية العالمي» التابع للأمم المتحدة إلى إنشاء "جسور جوية وعمليات إنزال جوي لجميع المناطق المحتاجة" إذا ما "[استمر] منع القوافل البرية للأمم المتحدة من إيصال المساعدات الإنسانية إلى ... المناطق المحاصرة" بعد 1 حزيران/ يونيو.
في هذا الإطار، يبدو أن الأمل يكمن في أن يدفع التهديد بخط تموين إنساني جوي الحكومة السورية إلى السماح بعبور المزيد من القوافل البرية. بيد أن الماضي لا يدعو إلى التفاؤل وبما أن الأمر كذلك، ما الذي سيحققه خط التموين الإنساني الجوي في سوريا وما هي التحديات التي قد يواجهها؟
ومع ذلك، هناك مشكلة مستعصية أخرى
حدد البيان الصادر عن «المجموعة الدولية لدعم سوريا» في 17 أيار/ مايو سبعة أحياء في الضواحي الشرقية والجنوبية الغربية من دمشق (مجموع السكان 250 ألف-300 ألف) تمت محاصرتها من قبل قوات الحكومة السورية وهي بحاجة إلى الإغاثة الفورية وهي: عربين، داريا، دوما، شرق حرستا، المعضمية، زبدين، وزملكا. (منذ ذلك التاريخ، سقطت زبدين بيد القوات الحكومية، ووصلت قوافل المساعدات أخيراً في الأسبوع الثالث من أيار/مايو إلى شرق حرستا ودوما). كما وحددت تسعة مجتمعات محتاجة أخرى، سبعة منها محاصرة من قبل القوات الحكومية، وهذه التسعة هي: الفوعة، كفريا، كفر بطنا، عين ترما، حموريه، جسرين، مضايا، الزبداني، واليرموك. يُذكر أن المجموعة تنظر الآن في عمليات النقل الجوي للمساعدات الإنسانية لهذه المناطق. فحتى ولو تم فتح ممرات برية إضافية، قد تكون عمليات النقل الجوي ضرورية لزيادة القوافل البرية في بعض المناطق، وربما تشكّل الخيار الوحيد في مناطق أخرى. ولكن إذا كانت الحكومة السورية غير مستعدة للسماح بمرور القوافل، فإنه من غير المحتمل أن توافق على عمليات النقل الجوي، ومن المرجح أن يحاول «برنامج الأغذية العالمي» القيام بذلك من دون موافقة النظام.
تسليم المساعدات الإنسانية جواً
بشكل عام، يُعتبر النقل البري الطريقة الأكثر موثوقية وفعالية من حيث التكلفة لإيصال المساعدات الإنسانية. ولكن في زمن الحرب، قد يتم قطع الممرات البرية أو قد يمسي استخدامها خطراً جداً. في مثل هذه الظروف، يمكن استكمال الجهود المبذولة لإعادة الإمداد البري أو الاستعاضة عنه بعمليات النقل الجوي، وإيصال الإمدادات عبر "جسر جوي" أو عملية إنزال جوي.
الجسور الجوية. عند الحد من تسليم المساعدات عبر المطارات والطرق السريعة المجهزة لهبوط الطائرات، أو المطارات غير المحسنة، يمكن للجسور الجوية زيادة المساعدات البرية والمساعدة على تخفيف المخاطر التي تواجهها القوافل البرية الطويلة. في بعض الحالات، قد تتطلب الجسور الجوية حماية أمنية برية كبيرة لحماية المطارات والموظفين والمعدات ومرافقة قوافل توزيع هذه الإمدادات للمجتمعات المحلية.
في خلال الجسر الجوي فوق برلين ما بين العامين 1948 و1949، سلمت الطائرات الأمريكية والبريطانية حوالي 2,325,000 طن من البضائع لمليوني شخص من سكان برلين الغربية، الذين كانوا يرزحون تحت حصار القوات السوفياتية. وفي خلال الحرب في البوسنة (بين 1992 و1995) تم تكليف قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة بتأمين مطار سراييفو، وإنشاء ممرات آمنة، وحراسة قوافل الغذاء التي توصل المساعدات إلى سكان تلك المدينة المحاصرة، وبعد ذلك خارجها.
الإنزال الجوي. إن إيصال المساعدات بالمظلات هو الخيار غير المحبذ. فغالباً ما يشمل هدراً كبيراً عندما يلحق الضرر بصناديق البضائع أو تتم سرقتها أو نهبها أو تحويلها أو عندما تقع في الأيدي الخطأ. إضافة إلى ذلك، فإن المستفيدين المستهدفين غالباً ما يعرّضون أنفسهم للخطر من خلال التجمهر في مناطق الهبوط أو محاولة استرداد الامدادات من المناطق الخطرة أو التي يصعب الوصول إليها (مثل المناطق التي تحتوي على ذخائر غير منفجرة). وأخيراً، وبناءً على نوع الطائرات، عادة ما تكون كمية المساعدات المقدمة في الطلعة الواحدة عبر الإنزال الجوي أقل، وفي بعض الأحيان أقل بكثير، من تلك التي يمكن تسليمها في طلعة واحدة عبر الجسر الجوي، وذلك بسبب قيود تعبئة البضائع وتركيب الحبال والتحميل. ولكن إذا كانت الظروف ملحّة جداً، فإن الفوائد تفوق المخاطر.
من جهتها، تتمتع الولايات المتحدة بخبرة واسعة جداً في إجراء عمليات الإنزال الجوي العسكرية والإنسانية. ففي أفغانستان (2001 - الوقت الحاضر)، أجرت عشرات الآلاف من عمليات الإنزال الجوي لإمداد القوات الأمريكية التي أُعيد نشرها في مناطق أخرى، باعتمادها على الاتصالات القوية والمخططين ذوي الخبرة، والعاملين على تعبئة البضائع وتركيب الحبال، وأنظمة تسليم موجهة بنظام التموضع العالمي، والطائرات ذات القدرة العالية مثل "بوينغ سي-17 غلوب ماستر 3" لتسهيل إعادة التزويد بدقة في المناطق الوعرة. وقد تم تنفيذ هذه العمليات بدعم من عناصر برية مسلحة قادرة على التواصل مع طائرات النقل وتوجيهها لضمان عمليات تسليم دقيقة والاسترجاع الناجح للإمدادات. لكن في معظم الحالات، تتكون قوات الامداد مما لا يزيد عن بضعة عشرات الجنود.
إن الأنظمة الموجهة بنظام التموضع العالمي مثل "نظام الإنزال المظلي الدقيق" المكلف والنادر، غالباً ما تُستخدم عندما تكون الدقة أو عمليات الإنزال عن ارتفاعات عالية والمواجهة مطلوبة. مع ذلك، بما أن الولايات المتحدة تعيد استعمال هذه الأنظمة، فإنها لا تشكل خياراً مناسباً عندما لا يمكن استرداد وحدة التوجيه. بالإضافة إلى ذلك، ونظراً إلى أنه تم الحصول على نظام الإنزال المظلي الدقيق لإمداد الوحدات العسكرية التي تتألف عادة من عشرات الأفراد، بدلاً من التجمعات المدنية التي عدد أفرادها بالآلاف، فإنه يمكن لمعظم النماذج تقديم حمولات صغيرة نسبياً فقط.
وقد أجرت الولايات المتحدة والمجتمع الدولي أيضاً عمليات إنزال جوي للمساعدات الإنسانية في سياقات أخرى، بما في ذلك المرحلة الأولى من مهمة مساعدة اللاجئين الأكراد شمال العراق في عام 1991؛ وخلال الاستجابة للمجاعة التي كانت من صنع الإنسان في السودان في عام 1998، والتي شكلت أكبر إنزال غذائي يقدمها «برنامج الأغذية العالمي» في تاريخه؛ وبعد زلزال هايتي المدمر عام 2010.
وفي الآونة الأخيرة، في سوريا والعراق، قامت الولايات المتحدة وبريطانيا بإنزال المساعدات إلى الآلاف من اليزيديين العراقيين الفارين من قوات تنظيم «الدولة الإسلامية» على جبل سنجار في عام 2014. وبعد بضعة أشهر، أنزلت الولايات المتحدة الإمدادات إلى القوات العسكرية العراقية المعزولة خارج بلدة بيجي شمال العراق. وفي العامين 2014 و2015، ألقت الولايات المتحدة طناً من الأسلحة والذخيرة للقوات الكردية والقوات الأخرى المناهضة للنظام شمال سوريا، على الرغم من أن مقاتلي تنظيم «داعش» استولوا، ولو لمرة واحدة على الأقل، على المعدات العسكرية من المنصات التي ضلت طريقها. وهذا العام، قام «برنامج الأغذية العالمي» فضلاً عن القوات الجوية السورية والروسية، بإنزال جوي على مدينة دير الزور المحاصرة من قبل تنظيم «الدولة الإسلامية» شرق سوريا. بيد، اشتكى سكان دير الزور من أن "الهلال الأحمر العربي السوري" و«الجيش العربي السوري» يجمعان ما يتم إنزاله من الغذاء ويخزنانه، بغية تقديمه إلى الموالين للنظام أو بيعه للآخرين بأسعار باهظة.
خيارات التموين الإنساني الجوي في سوريا
يمكن لاستخدام الجسور الجوية وعمليات الإنزال الجوي أن تتم على النحو التالي في السياق السوري:
الجسور الجوية. تقع 12 منطقة من أصل 17 منطقة محاصرة أو يصعب الوصول إليها المذكورة أعلاه في منطقة دمشق وهي مجاورة لما لا يقل عن خمس قواعد جوية رئيسية عاملة، أو تقع بالقرب منها نسبياً، وهذه القواعد هي: المزة، مطار دمشق الدولي (تستخدمه إيران لنقل القوات والأسلحة إلى سوريا)، مرج الرحيل، قاعدة مرج السلطان للطائرات المروحية، والضمير. ووفق المتصوّر، يمكن لهذه القواعد الخمسة أن تدعم عمليات الجسر الجوي، على افتراض الحصول على موافقة من القوات الحكومية والمعارضة السورية. (فقاعدة مرج السلطان وقاعدة الضمير تقعان في مناطق متنازع عليها، حيث تقع قاعدة الضمير في منطقة مهددة من تنظيم «الدولة الإسلامية» الذي لم يتعاون مع الجهود المبذولة في أماكن أخرى لتقديم المساعدات الإنسانية). هذا إلى جانب الطرقات السريعة التي يمكن للطائرات الهبوط عليها في هذه المنطقة. ولكن سيتوجب توزيع هذه المساعدات عن طريق القوافل، وإذا استمر النظام في عرقلة قوافل الإغاثة الإنسانية، كما يفعل منذ سنوات، فلا فرق فيما إذا دخلت المساعدات إلى سوريا براً أو عبر جسر جوي.
الإنزال الجوي. إن المناطق الاثني عشر المحتاجة في دمشق هي عبارة عن أحياء مكتظة من الضواحي أو المدن. وتشمل مناطق الهبوط المحتملة الحدائق الصغيرة والمواقف أو المساحات الشاغرة. بالتالي، من شأن استخدام أنظمة التوريد الموجهة بدقة، مثل نظام الإنزال المظلي الدقيق، أن يشكل عاملاً أساسياً لتحقيق النجاح. لكن من دون القدرة على استعادة وحدات التوجيه وإعادة استخدامها، لن يكون هذا الإجراء مستداماً نظراً إلى أن عدد هذه الأنظمة المتوفر غير كافٍ لدعم عمليات إنسانية كبرى وطويلة المدى. وعلى العكس من ذلك، من المرجح أن تلحق المنصات غير الموجهة الضرر بعناصر البنية التحتية الحضرية التي لا تزال قائمة (مثل خطوط الكهرباء)، كما أن العديد منها ستتضرر جراء حديد التسليح المكشوف والأنقاض، وبعضها قد تؤدي إلى أضرار جانبية من خلال الهبوط على المارة أو المباني السكنية المنهارة، كما أن قوات النظام قد تضع يدها على نسبة منها، مما يبين سبب عدم إمكان تنفيذ عملية إنزال جوي في المناطق المفتوحة المتاخمة لبعض هذه الأحياء. وأخيراً، تقع هذه الأحياء في قلب نظام الدفاع الجوي الوطني السوري. بالتالي سيكون من الضروري الحصول على موافقة الحكومة السورية لضمان سلامة عمليات الإغاثة.
حجم هذا الجهد ونطاقه. وفقاً للأرقام المنشورة والتي تعكس افتراضات التخطيط للعمليات الإنسانية، يمكن لـ 550 طن من المواد الغذائية أن توفر حصصاً جزئية لـ 100 ألف شخص لمدة ثلاثين يوماً، أي ما يعادل حوالي 1500 طن من المواد الغذائية شهرياً لـ 250 ألف- 300 ألف من سكان المناطق الستة الأكثر حاجة والتي لا تزال محاصرة حول دمشق. ويمكن لطائرة "إليوشن إي أل-76" الروسية، والمستخدمة من قبل «برنامج الأغذية العالمي» والقوات الجوية السورية والروسية، أن تحمل ما بين 40 إلى 50 طناً من البضائع. هذا وتعتمد القدرة الإجمالية على طراز الطائرة ونوع البضائع وطريقة التسليم. وهذا يعادل ما بين 10 إلى 15 طلعة جوية لطائرة "إليوشن إي أل-76" شهرياً. (على سبيل المقارنة، يمكن لطائرتي النقل العسكريتين الأمريكيتين "سي-130" و"سي-17" التي تستخدمها أيضاً العديد من القوات الجوية الإقليمية، أن تحمل على التوالي من 18 إلى 20 طناً ومن 82 إلى 85 طناً من البضائع). وبالتالي من خلال زيادة عدد الطلعات، يمكن خدمة عدد أكبر من المحتاجين.
الخلاصة
عادة ما تستخدم قوات الأسد المطارات والطرق حول دمشق بشكل روتيني لإدخال القوات والمعدات والإمدادات العسكرية من إيران وأماكن أخرى؛ وبالتالي ليس هناك سبب يحول دون استخدامها أيضاً لإدخال المساعدات الإنسانية. بيد أن إنشاء جسر جوي لا يحول دون الحاجة إلى قوافل برية لتقديم المساعدات، والتي غالباً ما عرقلها النظام كجزء من المنهجيات التي يعتمدها والقائمة على سياسة "استسلام التجويع"، أو لتحفيز الهدنة في المجالات الاستراتيجية. أما بالنسبة إلى عمليات الإنزال الجوي، فهي وسيلة تطرح إشكالية كبيرة وهي غير فعّالة لإيصال المساعدات إلى السكان في المناطق المبنية، وهي مرتبطة في النهاية بموافقة الحكومة السورية عليها.
وحتى الآن، لم تصل القوافل البرية سوى إلى جزء من المحتاجين في المناطق المحاصرة والتي يصعب الوصول إليها، فوفقاً للأمم المتحدة، وصل 12 في المائة في كانون الثاني/ يناير و25 في المائة في شباط/ فبراير، و21 في المائة في آذار/ مارس، و42 في المائة في نيسان/ إبريل و1 في المائة فقط في الأسبوع الأول من أيار/ مايو أو نحو ذلك. هذا ولم تتلقَ بعض المناطق المحاصرة المساعدات الغذائية منذ سنوات. بالإضافة إلى ذلك، ووفق «برنامج الأغذية العالمي»، يتلقى 4 ملايين شخص في سوريا حصصاً غذائية شهرية من أصل 8.7 مليون شخص بحاجة إلى المساعدات الغذائية. بالتالي، فإن هذه المجتمعات المحاصرة ليست سوى غيض من فيض هائل.
إذا لم تسمح دمشق لقوافل المساعدات الغذائية بالوصول إلى المناطق المحاصرة والتي يصعب الوصول إليها، لن تشكل الجسور الجوية أي فرق. تحقيقاً لهذه الغاية، يجب على واشنطن والمجتمع الدولي ممارسة أكبر قدر ممكن من الضغوطات على موسكو لتحقق التزاماتها في جنيف وفيينا في ما يتعلق بوصول المساعدات الإنسانية، والضغط على نظام الأسد للسماح بعبور قوافل المساعدات الغذائية. وإذا لم تتمكن موسكو من التأثير على الأسد في هذا السياق، فهي لكن تكون قادرة على الأرجح على التأثير على الأسد بشأن عملية الانتقال السياسي في سوريا.
وإذا استمرت إعاقة القوافل البرية، وتبيّن أنه من غير الممكن التوصل إلى حل سياسي للصراع في سوريا على المدى القريب، ينبغي على الولايات المتحدة أن تعتمد بسرعة وفعالية أكبر السبيل الوحيد للعمل الذي يعد بحل ممكن على المدى الطويل لسياسة النظام القائمة على "الاستسلام أو الموت جوعاً"، أي منح جماعات المعارضة السورية المعتدلة الوسائل اللازمة لكسر الحصار الذي تفرضه قوات النظام على مناطقها.
مايكل آيزنشتات هو زميل "كاهن" ومدير برنامج الدراسات العسكرية والأمنية في معهد واشنطن.