إلى متى سيبقى قيس الخزعلي مختبئًا في إيران؟
يُقيم زعيم ميليشيا "عصائب أهل الحق" خارج البلاد منذ أسابيع، مما يستدعي مراقبة تحركاته وتحركات نائبيه عن كثب.
على مدار الأسابيع القليلة الماضية، اختفى قيس الخزعلي - زعيم ميليشيا "عصائب أهل الحق" العراقية المدعومة من إيران، والمصنف من قبل الولايات المتحدة إرهابيًا ومرتكبًا لانتهاكات حقوق الإنسان - عن الأنظار، مما أثار شائعات حول مقتله أو إصابته في غارة بطائرة مسيرة. ولتفنيد هذه الشائعات، صرح رئيس مكتب"عصائب أهل الحق "في طهران، غدير شريف، للصحفيين في 21 كانون الأول/ ديسمبر أن "الخزعلي يقيم في الجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ فترة، حيث استقر لفترة في مدينة مشهد شمال شرق إيران، والتي يوجد فيها مرقد الإمام علي بن موسى الرضا. ثم انتقل بعد ذلك إلى مدينة قم في وسط إيران لمواصلة دراسته الحوزوية الفردية".
وكثيرًا ما يزور الخزعلي مشهد وقم، وهما مدينتان مقدستان لدى المسلمين الشيعة، مما يجعل الأمر غير مستغرب. ومع ذلك، فإن ادعاء شريف بأن الخزعلي موجود في إيران بغرض الدراسة الدينية يبدوا أمرا غير معتاد لسببين. أولاً، رغم زيارات الخزعلي المتكررة، تعد هذه هي المرة الأولى التي يُبرر فيها وجوده هناك بانه مرتبط بالدراسات الدينية. ثانيًا، عمل الخزعلي بشكل حثيث خلال السنوات الأخيرة على تصوير نفسه كقائد ميليشياوي وسياسي نشط وعملي. لذا فإن تحوله المفاجئ إلى دراسات الحوزة يمثل تطورًا غير متوقع تمامًا.
قيس يغادر في الوقت الذي تشتد فيه الحاجة إليه.
بالنظر إلى النفوذ الكبير الذي تتمتع به ميليشيا "عصائب أهل الحق" داخل الحكومة العراقية، يُفترض منطقيًا أن يكون الخزعلي شخصًا شديد الانشغال. وبالفعل، شُوهد الخزعلي بشكل متكرر وهو يعقد اجتماعات مع جهات فاعلة عراقية ودولية، فضلاً عن إلقائه الخطابات وظهوره في العديد من البرامج التلفزيونية. إلا أن هذا النمط شهد تغييرًا خلال الأشهر الأخيرة في خضم الصراع الإقليمي الآخذ في الاتساع الذي بدأ في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023- خصوصًا بعد الانتكاسات الكبيرة التي تعرض لها ما يسمى بـ “محور المقاومة" الإيراني في أواخر عام 2024. والمثير للاهتمام أن الخزعلي يبدو وكأنه يقلل من ظهوره في الساحة السياسية العراقية، في وقت بدأت فيه الأحزاب التحضير للانتخابات العامة المقررة في تشرين الأول/أكتوبر 2025، مما يثير المزيد من التساؤلات حول هذه الخطوة..
والجدير بالذكر أنه في 23 كانون الأول/ديسمبر، نشرت حسابات تابعة لـ"عصائب أهل الحق" لقطات للخزعلي أثناء زيارته لمدينة كربلاء العراقية، في محاولة واضحة لدحض شائعات وفاته (الشكل 1). وعلى الرغم من أن ذلك قد يشير إلى عودته مؤخرًا إلى العراق، إلا أنه لا يؤكد بقاءه هناك، كما لا يعني أن إقامته الطويلة في إيران ستنتهي في القريب العاجل. ومن المرجح أنه لجأ إلى إيران إلى أجل غير مسمى، تجنبا لاستهدافه بضربة إسرائيلية أو أمريكية.
استشراف المستقبل
تُذكّرنا خطوة الخزعلي بقرار مقتدى الصدر في عام 2008 بالانتقال إلى إيران من أجل "الدراسات الدينية". في تلك الحالة (وكذلك في عام 2012)، حذر المسؤولون الإيرانيون الصدر من احتمال استهدافه من قبل الولايات المتحدة في عام 2008، ثم – وللمفارقة – من قبل "عصائب أهل الحق" في عام 2012. وبعد أن وفرت له طهران ملاذًا آمنًا، أعلن الصدر انسحابه من المشهد السياسي، إلا أنه عاد لاحقًا إلى الوطن في مناسبات متعددة ولعب أدوارًا حاسمة في انتخابات 2018 و2021. ومن اللافت أن "دراساته" في إيران لم تدُم طويلًا بما يكفي لرفع رتبته الدينية.
وفقًا لتقييم موقع "الأضواء الكاشفة للميليشيات"، من غير المرجح أيضًا أن يتنحى الخزعلي عن السياسة تمامًا أو يقلّص أنشطته بشكل دائم. ومع ذلك، فإن غيابه والتصريحات الإعلامية اللاحقة لمسؤولي"عصائب أهل الحق" تشير إلى حدوث تطورات غير اعتيادية ومثيرة للاهتمام في عالم المقاومة العراقية المسلحة. هناك شيء غير عادي يحدث، إذ تستحق الفصول القادمة في هذه الدراما المثيرة المتابعة عن كثب. ففي ظل غياب الخزعلي، سيصبح شقيقه ليث – المدرج أيضًا على لائحة الإرهاب الأمريكية والمصنف كمنتهك لحقوق الإنسان – وسيطاً قوياً داخل الجماعة، إلى جانب (وربما في تنافس مع) نائب زعيمها محمد الطباطبائي، الذي يشغل هذا المنصب منذ فترة طويلة. وسيكون من المهم مراقبة كيفية تفاعل هذين القائدين في ظل غياب الخزعلي