- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2656
عام بعد «خطة العمل المشتركة الشاملة»، وليس بعد رفع العقوبات
"صادف الرابع عشر من تموز/يوليو الذكرى السنوية الأولى لتوقيع الاتفاق النووي مع إيران المعروف بـ «خطة العمل المشتركة الشاملة». وهذا المقال هو جزء من سلسلة من المراصد السياسية التي تقيّم الكيفية التي أثّر فيها الاتفاق على المصالح المختلفة للولايات المتحدة".
في 12 تموز/يوليو، كان من المقرر أن يجتمع مسؤولو وزارة الخزانة الأمريكية مع المسؤولين عن البنك المركزي الإيراني والبنوك العالمية التي تتخذ من لندن مقراً لها لمناقشة كيفية العمل في ظل القيود المستمرة على التجارة مع إيران. يُذكر أنه في غضون أسابيع من تنفيذ الاتفاق النووي في كانون الثاني/ يناير 2016، دعا المسؤولون الإيرانيون واشنطن إلى طمأنة البنوك الأوروبية بأنه أصبح بإمكانها أن تعاود التعاون مع إيران. وفي 4 شباط/ يناير، شدد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف على الفكرة التالية أمام جمهور "معهد تشاتام هاوس" في لندن قائلاً: "نحن بحاجة إلى ضمانات واضحة ودقيقة بأنه يمكن للبنوك إجراء أعمال تجارية مع إيران. وآمل أن نحصل عليها بسرعة لأنه إذا لم يتم ذلك فسنواجه مشكلة على صعيد التنفيذ".
وبينما تعمل إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما على تعزيز إنجازها البارز في السياسة الخارجية، تباطأت وتيرة العقوبات ضد إيران في ظل السلطات المتبقية. وعلى الرغم من التأكيدات بأن الولايات المتحدة سوف "تفرض العقوبات بقوة ضد الأنشطة الإيرانية التي تتم خارج نطاق «خطة العمل المشتركة الشاملة»، من بينها تلك المتعلقة بدعم إيران للإرهاب، وزعزعة الاستقرار الإقليمي، وانتهاكات حقوق الإنسان، وبرنامج الصواريخ الباليستية"، إلا أن واشنطن لم تتخذ الإجراءات ضد هذه التحركات سوى ثلاث مرات منذ "يوم التنفيذ" في 16 كانون الثاني/ يناير، وما مجموعه ست مرات خلال العام الماضي. ورغم أن إيران لم تخفف من سلوكها الاستفزازي في العام الماضي، إلا أنه لم يتم تصنيف سوى حوالي عشرين شخصاً جديداً مرتبطين بإيران، مقارنة مع "أكثر من مائة" تصنيفات خلال فترة الاتفاق المؤقت التي امتدت على فترة دامت ثمانية عشر شهراً.
العقوبات ما بعد «خطة العمل المشتركة الشاملة»
فُرضت العقوبات الأبرز لهذا العام بعد مرور 24 ساعة فقط على تنفيذ الاتفاق مع إيران في 16 كانون الثاني/ يناير. وقد استهدفت هذه العقوبات، التي طال انتظارها رداً على التجارب الصاروخية الإيرانية في تشرين الأول/ أكتوبر 2015، شبكة مشتريات تعمل نيابة عن برنامج إيران للصواريخ الباليستية، فضلاً عن عدد من كبار المسؤولين الإيرانيين المشاركين في تنسيق عمليات مرتبطة بالصواريخ الباليستية مع كوريا الشمالية. وهذه الخطوة، التي تجلت في إدراج 11 شخصاً وكياناً، أدت إلى كشف شبكة تعمل سراً لشراء المواد ذات الاستخدام المزدوج لدعم خطة إيران لإنتاج ألياف الكربون، فضلاً عن تسليط الضوء على تعاون إيران المستمر مع الناشرين المخادعين. وقد تسربت هذه العقوبات في البداية في أواخر كانون الأول/ ديسمبر عندما ظهرت إلى العلن وثيقة الإشعار المسبق لهذه الخطوة المرسلة إلى الكونغرس الأمريكي. ونتيجة لذلك، سحبت الإدارة الأمريكية الإشعار المسبق، متذرعة بعطل فني، ولكن ذلك لم يتم قبل إبداء مسؤولون إيرانيون اعتراضهم على فرض عقوبات جديدة. واتضح في وقت لاحق أن التأخير في اتخاذ الإجراءات كان مربوطاً بالإفراج عن العديد من الأمريكيين المحتجزين في السجون الإيرانية. بيد أن هذا الحدث سلط الضوء على الصعوبات التي تواجه صنّاع القرار في العمل على العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران بعد «خطة العمل المشتركة الشاملة».
وفي وقت لاحق، في آذار/ مارس، وبعد يومين متتاليين من التجارب الصاروخية الإيرانية التي كانت قد أُجريت في وقت سابق من ذلك الشهر، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية إدراج كيانيْن مقرهما إيران يشاركان في برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني. وقد ثبت أن هذه التجارب الصاروخية شكّلت أول اختبار لقرار مجلس الأمن رقم 2231، الذي أقر «خطة العمل المشتركة الشاملة»، وألغى في "يوم التنفيذ" ستة قرارات سابقة كانت تهدف إلى تقييد البرنامج النووي والصاروخي الإيراني. وكانت المادة ذات الصلة المستخدمة في القرار 2231 قد "دعت إيران" إلى الامتناع عن إجراء اختبارات الصواريخ "المصممة لتكون قادرة" على حمل رؤوس نووية. وذكرت مادة سابقة في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1929 أنه "لا يجب" على إيران اختبار الصواريخ القادرة على حمل رؤوس نووية. ومن جهتها، ادّعت إيران أن الصواريخ كانت تشكل أحد مصادر "الدفاع الشرعي" وأنها ليست مصممة لحمل الأسلحة النووية. وقد انضمت فرنسا وبريطانيا إلى الولايات المتحدة في تقديم خطاب شديد اللهجة إلى الأمم المتحدة، ولكن أياً من الاتحاد الأوروبي أو الأمم المتحدة لم يتخذ إجراءات لفرض عقوبات جديدة بعد الاختبارات.
وفي الوقت نفسه، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية عن [فرض] عقوبات جديدة على الشركات الداعمة لشركة «ماهان للطيران»، والتي تم إدراجها في عام 2011 على لائحة سلطات الإرهاب بتهمة العمل بالنيابة عن «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني. وفي بيان صحفي كشفت الوزارة عن تفاصيل الممارسات المالية المضللة للشركة، بما في ذلك استخدام "المعاملات المعقدة من خلال سلسلة من الشركات والأفراد الوسيطة ... للتفاوض على عقود البيع، ولم تكشف هذه الشركات عمداً عن «ماهان للطيران» كمستخدم نهائي للمعدات التي يتم شراؤها". أما الإدراجات [التسميات] الأخرى التي تمت منذ التوقيع على الاتفاق، فقد استهدفت بشكل حصري عميل إيران الإرهابي الرئيسي، «حزب الله»، وفرض عقوبات على شبكات شراء الطائرات من دون طيار، والاستثمارات التجارية، والمسؤولين الداعمين لنظام الأسد في سوريا.
ردود الايرانيين والأوروبيين
أعربت إيران عن اعتراضها على الإدراجات الجديدة، لاسيما تلك التي تستهدف برنامجها الصاروخي، واستمرت في الادعاء بأن الولايات المتحدة لم تنفذ التزاماتها برفع العقوبات أو تتأكّد بحسن نية على أنه يمكن لإيران استئناف العلاقات الاقتصادية مع أوروبا بشكل خاص. وفي مؤتمر صحفي مشترك عُقد في نيسان/ إبريل مع منسقة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، قال وزير الخارجية الإيراني ظريف إن "إيران والاتحاد الأوروبي سيضغطان على الولايات المتحدة لتسهيل التعاون بين البنوك غير الأمريكية وإيران". وتابع معتبراً أنه "من الضروري أن يفي الجانب الآخر، وخصوصاً الولايات المتحدة، بالتزاماته عملياً وليس على الورق فقط وأن يزيل العقبات وخاصة في القطاع المصرفي".
وفي حين قد يتحدث المسؤولون الإيرانيون بوضوح عن الجهود المشتركة بين إيران والاتحاد الأوروبي، فإن المسؤولين الأوروبيين أكثر تعارضاً في المواقف: فهم يشاطرون الاعتقاد في الوقت نفسه بأنه يمكن للولايات المتحدة أن توفر وضوحاً أفضل حول العمل في إطار القيود المتبقية التي تواجهها مصارفها، إلا أنهم يعربون عن الإحباط من استمرار المسؤولين الأمريكيين بدفع البنوك الأوروبية إلى الانخراط في الأعمال التجارية التي اعتبرتها واشنطن مخاطرة كبيرة جداً بالنسبة إلى البنوك الأمريكية. وهم يعترفون بأن نطاق الاتفاق اقتصر على القضية النووية، ويلاحظون أن عقوبات الاتحاد الأوروبي على انتهاكات حقوق الإنسان في إيران لا تزال قائمة، مع الإشارة إلى ما تبقى من العقوبات الأمريكية الثانوية "الخارجة عن القانون المحلّي" والتي تمثل عقبة أساسية للبنوك الأوروبية.
إن السماح لإيران بالاستمرار في تحديد عمليات التخفيف الفعّال للعقوبات فقط من حيث ثقة البنوك الأجنبية يقلص من مسؤولية إيران عن مخاطر التمويل غير المشروع الذي تستمر في إدامته (انظر المرصد السياسي 2635، "من غير المتوقع حدوث تغيير كبير في البيان القادم لـ "فريق العمل المعني بالعمليات المالية" حول إيران "). إن فشل إيران في جعل قطاعها المالي يتماشى مع المعايير التنظيمية الدولية الحالية، وافتقارها إلى الشفافية، واعتمادها التقليدي على الممارسات الخادعة للقيام بالنشاط المالي المشروع وغير المشروع على حد سواء، تشكل عوامل ردع كبيرة للمؤسسات المالية الأجنبية والشركاء التجاريين الآخرين.
وقد جلب المسؤولون الأمريكيون مؤخراً الانتباه إلى مؤشرات أخرى على أن إيران تستفيد من تعليق العقوبات المتعلقة بالشأن النووي من خلال: زيادة إمكانية وصول إيران إلى الاحتياطيات الأجنبية وقدرتها على تحويلها، فضلاً عن الارتفاع في مبيعات النفط الإيرانية. وفي الواقع، نجحت إيران في إعادة بعض العلاقات المصرفية في أوروبا في حزيران/ يونيو، إذ أعلن محافظ "البنك المركزي" ولي الله سيف أن مائتي بنك صغير أعاد علاقات العمل المصرفي بالمراسلة مع إيران. مع ذلك، لا تزال البنوك غير الأوروبية تكافح من أجل تقديم المدفوعات المقوّمة باليورو المطلوبة إلى إيران. وذلك ليس بسبب مشاكل في تحويلات عملة محددة (انظر المرصد السياسي 2601، "توضيح أمريكي محتمل لأنظمة العقوبات المالية")، بل لأن البنوك الأوروبية الكبرى لا توفر خدمات مقاصة اليورو إلا لعملائها المباشرين، ووفقاً لجهات اتصال في القطاع المصرفي. ويكمن خطر اعتبار العلاقات الإيرانية المصرفية أو الوصول إلى الأصول أو مبيعات النفط كمؤشر على امتثال الولايات المتحدة لالتزاماتها في «خطة العمل المشتركة الشاملة» في أنه تفترض أن الوضوح بشأن فرض العقوبات الأمريكية هو العامل الوحيد الذي يؤثر على النتيجة. وبدلاً من ذلك، وكما يشير إحجام البنوك الأوروبية عن تقديم اليورو للبنوك غير الأوروبية، فإن المؤسسات المالية لم تُرسي الثقة بعد في العناية الواجبة من طرف ثالث [جهة خارجية] على المعاملات المتصلة بإيران.
توصيات سياسية
إن مقاربة العقوبات ذات الشقين التي تلي «خطة العمل المشتركة الشاملة»، أي القائمة على تعزيز عملية تخفيف العقوبات من جهة ومواصلة تنفيذ العقوبات المتبقية من جهة أخرى، ستستمر في طرح تحدٍ لصانعي السياسات. إذ إن توضيح استراتيجية العقوبات ما بعد «خطة العمل المشتركة الشاملة» وتنفيذها، بما في ذلك استهداف الدعم الإيراني للإرهاب، ومشتريات الصواريخ البالستية، وانتهاكات حقوق الإنسان، لن تبيّن فقط استمرار التركيز على معاقبة السلوك غير المشروع صراحة بل ستخفف أيضاً من بعض أوجه حالة عدم اليقين التي تواجه المؤسسات المالية. ويمكن لهذه الإجراءات أن تعزز من الوضوح للبنوك التي تحاول العمل في بيئة مقيدة. فإدراجات كانون الثاني/ يناير الخاصة بالصواريخ الباليستية وآذار/ مارس الخاصة بشركة «ماهان للطيران» خير مثال على الكيفية التي يمكن للعقوبات الهادفة أن تكشف استخدام إيران لشركات وهمية وتعطيل هذا الاستخدام الذي يهدف إلى إخفاء المستخدمين النهائيين، فضلاً عن تحديد الانتماءات غير العلنية السابقة، وتوفير أنماط النشاط المالي الإيراني غير المشروع. ويمكن أن تشمل الإجراءات المستقبلية عمليات التعرف الإضافية على الكيانات التجارية التابعة لـ «الحرس الثوري الإسلامي». وأخيراً، يمكن للتدابير الهادفة الإضافية في إطار السلطات التنفيذية القائمة، لاسيما ضد شبكات المشتريات المتعلقة بالصواريخ الباليستية، أن تساعد على تجنب الضغط على الكونغرس الأمريكي لفرض عقوبات قانونية جديدة، التي يمكن أن تشكل خطراً أكبر على بقاء سلطة «خطة العمل المشتركة الشاملة».
من المرجح أن يؤدي تجنب الإجراءات الجديدة خوفاً من تقويض «خطة العمل المشتركة الشاملة» إلى تشجيع إيران ليس فقط على طلب تنازلات إضافية، بل أيضاً في اعتقادها بأن اعتراضاتها يمكن أن تردع الخطوات الأمريكية بغض النظر عن سلوكياتها الأخرى. وبالتالي، فإن اعتماد الولايات المتحدة موقفاً متشدداً بشأن فرض عقوبات إضافية يوفر على الأقل فرصاً جيدة للحفاظ على «خطة العمل المشتركة الشاملة» بقدر الفرص التي توفرها منهجية الاستيعاب، من دون التخلي عن أدوات قيمة لمواجهة النشاط الإيراني العدواني المستمر.
كاثرين باور هي زميلة أقدم في معهد واشنطن ومسؤولة سابقة في وزارة الخزانة الأمريكية.