- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3848
عام واحد على خريطة أنشطة تنظيم الدولة الإسلامية على الصعيد العالمي
إن احتمال وقوع المزيد من الهجمات الإرهابية من أفغانستان، وتجنيد المقاتلين الأجانب في أفريقيا، والتأثيرات الخطيرة الناجمة عن التعديلات العسكرية الأمريكية في العراق وسوريا، هي من بين العديد من نقاط البيانات والاتجاهات الكاشفة التي توصلت إليها هذه الأداة التفاعلية التاريخية.
في 21 آذار/مارس 2023، أطلق معهد واشنطن خريطة مختارة للأنشطة العالمية لتنظيم "الدولة الإسلامية" ("داعش") كوسيلة لتتبع وضع التنظيم الجهادي العالمي وفهمه بشكل أفضل. ويتضمن المشروع الجاري بيانات عن نشاط التنظيم الدعائي، وتبني مسؤولية الهجمات، والعقوبات المالية، والاعتقالات، وعوامل أخرى، مما يقدم لمحة أكثر شمولية للتنظيم من البيانات المتعلقة بالهجمات وحدها.
وبعد مرور عام، ترسم البيانات مجتمعةً صورة تحذيرية. وعلى الرغم من أن "الولايات" الأساسية لتنظيم "داعش" في العراق وسوريا لا تزال ضعيفة وواهنة، إلّا أن التنظيم تمكن من التنويع عند أطرافه، حيث تقود ولاية خراسان في أفغانستان العمليات الخارجية بينما تبسط ولايات متعددة أخرى السيطرة الإقليمية في أفريقيا. ويواصل أنصار "داعش" التخطيط لهجمات إرهابية كبرى أيضاً، لا سيما في تركيا، ولكن سلطات إنفاذ القانون أحبطت معظمها (باستثناء تفجيرات كانون الثاني/يناير 2024 في كرمان بإيران). ونظراً لهذه التهديدات المتطورة، من المفيد النظر في نتائج مشروع خريطة أنشطة تنظيم "الدولة الإسلامية" بمزيد من التفصيل، لأنها يمكن أن تقدم صورة أوضح عن وضع التنظيم اليوم وسط الدعوات المتزايدة إلى حل التحالف العالمي المكلف بمحاربة "داعش".
ادعاءات المسؤولية
منذ آذار/مارس 2023، أعلنت إدارة الإعلام المركزية لـ"داعش" مسؤولية التنظيم عن 1121 هجوماً. ووفقاً للبيانات الصادرة عنه، أدت هذه الهجمات إلى مقتل أو إصابة حوالي 4770 شخصاً.
وصدرت معظم هذه الإعلانات عن "تنظيم الدولة الإسلامية - ولاية غرب أفريقيا" (المتمركز بشكل أساسي في نيجيريا وجنوب شرق النيجر) تليه ولايات "داعش" في سوريا والعراق وأفريقيا الوسطى (مقرها في جمهورية الكونغو الديمقراطية) وموزمبيق. وقد شهدت ولاية خراسان الهجمات الأكثر ضرراً في المتوسط، إذ أودى كل حادث بحياة حوالي 14 شخصاً.
وظل عدد الهجمات التي أُعلن مسؤوليتها في كل ولاية متسقاً إلى حد كبير مع رقم العام السابق، مع استثناء ملحوظ في خراسان التي تبنّت عدد هجمات أقل بكثير من العامين السابقين (انظر الشكل أدناه). وينبع هذا الاتجاه على الأرجح من تصعيد الإجراءات العسكرية التي تتخذها "طالبان" ضد التنظيم، مما أدى إلى انخفاض هجمات تنظيم "داعش" داخل أفغانستان، ولكنها لم تسفر عن وقف زيادة مؤامراتها الإرهابية في الخارج، كما سيُناقش لاحقاً في هذا المقال.
وظل عدد الهجمات التي أُعلن مسؤوليتها في كل ولاية متسقاً إلى حد كبير مع رقم العام السابق، مع استثناء ملحوظ في خراسان التي تبنّت عدد هجمات أقل بكثير من العامين السابقين (انظر الشكل أدناه). وينبع هذا الاتجاه على الأرجح من تصعيد الإجراءات العسكرية التي تتخذها "طالبان" ضد التنظيم، مما أدى إلى انخفاض هجمات تنظيم "داعش" داخل أفغانستان، ولكنها لم تسفر عن وقف زيادة مؤامراتها الإرهابية في الخارج، كما سيُناقش لاحقاً في هذا المقال.
التصنيفات والعقوبات
منذ آذار/مارس 2023، أصدرت الحكومة الأمريكية أربعة تصنيفات لمعاقبة ما مجموعه 24 شخصاً على خلفية أنشطة مرتبطة بتنظيم "داعش". وقد استهدف التصنيف الأول، الصادر في 8 حزيران/يونيو 2023، شبكة الإدارة التابعة للتنظيم داخل الولايات، أي المديرية العامة للولايات. وشملت التصنيفات عبد الله الرفاعي، "أمير" مكتب بلاد الرافدين التابع للمديرية في العراق، وأبو بكر المينوكي، مسؤول في منطقة الساحل في مؤسسة الفرقان الإعلامية التابعة لـ"داعش".
وفي 27 تموز/يوليو، فرضت وزارة الخزانة عقوبات على عبد الولي محمد يوسف، المدير المالي لـ"تنظيم الدولة الإسلامية - الصومال"، الذي سهّل التحويلات المالية مع فروع أفريقية أخرى. وبعد أربعة أيام، فرضت وزارة الخزانة عقوبات على ثمانية عشر شخصاً من جزر المالديف شاركوا في مؤامرات هجومية محلية وأنشطة تجنيد وجمع أموال لتمويل الأنشطة الإجرامية. واستهدف التصنيف أيضاً أحد المجنِّدين المالديفيين لصالح "تنظيم الدولة الإسلامية - ولاية خراسان" وأفراداً آخرين سهّلوا تدفق المقاتلين الأجانب إلى أفغانستان وباكستان وسوريا.
أما أحدث تصنيف، في 30 كانون الثاني/يناير 2024، فاستهدف ثلاثة ممولين لـ"داعش". قام اثنان منهم، هما الزوجان المصريان مؤمن الموجي محمود سليم وسارة جمال محمد السيد، بتسهيل التبرعات بالعملة المشفرة للتنظيم وتقديم المشورة الفنية لقادة التنظيم وأنصاره. وقام الممول الثالث، فاروق غوزيل المقيم في تركيا، بنقل التبرعات إلى عناصر "داعش" في سوريا.
وعلى الرغم من أن هذه العقوبات تشمل مجموعة واسعة من المواقع والكيانات، فهي ترتبط جميعها بشبكات التمويل والتجنيد التابعة لتنظيم "الدولة الإسلامية" داخل الولايات. ونبع تصنيف كانون الثاني/يناير أيضاً من جهود إنفاذ واسعة النطاق بذلتها وزارة الخزانة ضد تدفقات العملات المشفرة غير المشروعة. لكن بشكل عام، باتت روسيا والصين وإيران وغيرها من التحديات الجيوسياسية تتصدر أولويات السياسة الأمريكية في السنوات الأخيرة، مما حد من التركيز على تصنيف شبكات "داعش"، على الرغم من توسيع التنظيم وجوده في مناطق مختلفة واستبداله المسؤولين الذين قتلوا في عمليات مكافحة الإرهاب.
الاعتقالات
منذ آذار/مارس 2023، تتبعت خريطة أنشطة تنظيم "الدولة الإسلامية" 470 قضية قانونية ذات صلة في تسعة وأربعين دولة مختلفة. وتضمنت 103 قضية من بين هذه القضايا نوعاً من المؤامرة الهجومية المرتبطة بـ"داعش"، وتضمنت 88 قضية نشاطاً على وسائل التواصل الاجتماعي أو شكلاً آخراً من أشكال الدعاية، وتضمنت 55 قضية تحويلات مالية أو جمع تبرعات، وتعلقت 42 قضية بمقاتلين أجانب، وانطوت 38 قضية على أنشطة تجنيد. بالإضافة إلى ذلك، تورط مراهقون أو قاصرون في 30 قضية على الأقل، وقد يكون هذا العدد أعلى بكثير بما أن الكثير من الدول لا تنشر البيانات العمرية للمعتقلين.
وكانت المناطق التي سجلت أكبر عدد من القضايا هي تركيا (80)، والعراق (63، من بينها 8 في "إقليم كردستان")، و"الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا" (54)، تليها الهند (29)، وألمانيا (26)، وروسيا (20)، وإسبانيا (12)، وأفغانستان (12)، وكندا (11)، والمغرب (11). وعلى الرغم من أن تركيا تميل إلى نشر معلومات متفرقة حول عملياتها ضد تنظيم "الدولة الإسلامية"، إلا أن البيانات تظهر أن 15 من قضاياها منذ آذار/مارس 2023 تتعلق بأنشطة مالية يستفيد منها تنظيم "الدولة الإسلامية"، في حين تتعلق 17 قضية بمواطنين أجانب. وفي العراق وسوريا، كانت غالبية القضايا تتعلق بأعضاء نشطين في خلايا تنظيم "الدولة الإسلامية" أو ميسّرين ماليين/لوجستيين يعملون نيابة عن التنظيم. وفي الهند، كان وجود الخلايا المحلية لتنظيم "الدولة الإسلامية" ملحوظاً بشكل خاص، حيث شملت 18 من أصل 29 قضية تم الإبلاغ عنها في البلاد. وفي روسيا، كانت 6 قضايا من أصل 20 قضية تم الإبلاغ عنها تتعلق بحوادث تطرف السجناء.
التداعيات السياسية
إن تجميع البيانات في خريطة الأنشطة العالمية لتنظيم"الدولة الإسلامية" وتحليل المعلومات بما يتجاوز الإحصائيات الأولية مكّنا كاتبي هذا المقال من تحديد الاتجاهات العامة التي تستوجب اهتماماً أكبر لناحية السياسات. ويصح ذلك حتى في ظل البيئة الحالية القائمة على التنافس الشديد على موارد الحكومة الأمريكية ووقتها.
يجب اعتبار مؤامرات "تنظيم الدولة الإسلامية - ولاية خراسان" أكبر تهديد عالمي يطرحه التنظيم اليوم. وفي العام الماضي، خطط الفرع الأفغاني لإحدى وعشرين مؤامرة أو هجوماً خارجياً في تسع دول، مقارنةً بثماني مؤامرات أو هجمات في العام السابق وثلاث فقط بين عام 2018 وآذار/مارس 2022. ويقوض هذا الاتجاه مزاعم طالبان المتكررة بأنها ستمنع التهديدات الإرهابية العابرة للحدود الوطنية انطلاقاً من أراضيها، وهو تعهد قطعته للمرة الأولى في اتفاقية إحلال السلام في أفغانستان لعام 2020، التي توسطت فيها قطر وواشنطن. فضلاً عن ذلك، أصبح النشطاء من طاجيكستان بمثابة حلقات وصل رئيسية في المحور الإرهابي لـ"تنظيم الدولة الإسلامية - ولاية خراسان". ففي العام الماضي وحده، شارك هؤلاء في ستة من أصل 21 مؤامرة/هجوم مبلغ عنه للتنظيم. ومن منظور عالمي، اضطلع إنفاذ القانون بدور مهم نسبياً في منع تحول المؤامرات إلى هجمات حتى الآن. ولكن إذا استمرت الاتجاهات الحالية، سيتعين على الدول الإقليمية والغربية الاستعداد لاحتمال وقوع هجمات أكثر تطوراً وفتكاً.
ويتمثل اتجاه آخر مثير للقلق بزيادة سيطرة "داعش" على الأراضي بعد سنوات من الهدوء. فقد سُجلت هذه المكاسب في أجزاء من أفريقيا يبدو فيها التنظيم أقوى على الأرض في الوقت الحاضر، وتحديداً في أجزاء من مالي وموزمبيق والصومال. وفي ظل بروز هذه "الولايات" كقوى متشددة قديرة، إلى جانب واقع أن السيطرة على الأراضي ستمكنها من استخراج المزيد من الموارد، يجدر بوزارة الخزانة الأمريكية تصنيف المزيد من القادة والنشطاء من فروع التنظيم هذه. فذلك لن يساهم في الحد من الأنشطة الخطيرة فحسب، بل سيسلط الضوء أيضاً على هوية هذه الشخصيات الجديدة الغامضة.
وتاريخياً، لطالما حفزت السيطرة الإقليمية أيضاً التعبئة الجديدة للمقاتلين الأجانب، وتشير العلامات الحالية إلى هذا الاتجاه. على سبيل المثال:
• كانت ستة من القضايا القانونية المتعلقة بتنظيم "الدولة الإسلامية" في المغرب وإسبانيا خلال العام الماضي مرتبطة بشبكات تجنيد مقاتلين لصالح مالي
• أفادت بعض التقارير أن السويد أصبحت نقطة تجنيد للمقاتلين الأجانب المتجهين إلى الصومال
• ألقت السلطات الصومالية القبض على الكثير من المغاربة والسوريين التابعين لـ"داعش"
• ألقت السلطات الفلبينية القبض على مشتبه بهم بلجيكيين ومصريين وإندونيسيين تابعين لـ"داعش"
• ورد أن عدداً من المشتبه بهم الهنود حاولوا السفر إلى النقاط الساخنة لـ"تنظيم الدولة الإسلامية - ولاية خراسان" في أفغانستان.
في المقابل، يتيح تعبئة المقاتلين الأجانب الجدد إمكانية إنشاء شبكات عمليات خارجية جديدة في المستقبل. فإذا انتشرت مراكز التخطيط هذه، يمكن أن تساعد تنظيم "داعش" على تنويع كيفية تنفيذ مؤامراته الإرهابية في الخارج بدلاً من إضفاء الطابع المركزي على هذه المهمة كما يفعل منذ فترة طويلة (في العراق وسوريا خلال سنوات "الخلافة" الإقليمية، وفي أفغانستان في ظل "تنظيم الدولة الإسلامية - ولاية خراسان" اليوم).
أخيراً، يجب على واضعي السياسات أن يتذكروا أن أي تغييرات محتملة في الوجود العسكري الأمريكي في سوريا أو العراق قد تخلّف تداعيات كبيرة على جهود مكافحة الإرهاب العالمية والأمن الإقليمي. على سبيل المثال، يناقش المسؤولون حالياً ما إذا كان يجب تحويل العلاقة الأمنية الأمريكية مع العراق من علاقة قائمة على "التحالف الدولي لهزيمة «داعش»" إلى علاقة ثنائية حقيقية، ويرجع ذلك جزئياً إلى إمكانية التحكم بالتهديد الذي تمثله "داعش" داخل العراق. لكن هذه الخطوة سيكون لها عواقب على مهمة مكافحة التنظيم في سوريا المجاورة، حيث يرجَح أن تفقد القوات الأمريكية غطاءها القانوني الذي يخولها تنفيذ العمليات أو المحافظة على وجودها العسكري.
وقد يثير انسحاب الولايات المتحدة من سوريا بدوره سلسلة من المشاكل الأمنية الأخرى. من ناحية، سيمنح ذلك "داعش" منصة للعودة إلى السلطة المحلية، ليس بالضرورة إلى المستوى ذاته الذي كان عليه بين عامَي 2013-2017، ولكن إلى مستوى يسمح له بلا شك تجديد قواته، والاستيلاء على أجزاء من الأراضي في سوريا (متجاوزاً نشاطه الحالي في "حوكمة الظل")، وإعادة بناء عملياته في العراق، وبالتالي تقويض النجاحات التي تحققت في مكافحة الإرهاب خلال السنوات الخمس الماضية. وقد تتعزز جزئياً إعادة بروز التنظيم بفضل العدد الكبير لمعتقليه في شمال شرق سوريا، الذين لم تتم إعادتهم إلى بلدانهم الأصلية بالسرعة الكافية لنزع فتيل خطر الهروب الجماعي وعمليات الفرار. بالإضافة إلى ذلك، من المرجح أن يدفع غياب القوات الأمريكية تركيا إلى تسريع حملتها ضد الشريك المحلي الرئيسي لواشنطن على الأرض، أي "قوات سوريا الديمقراطية" التي يقودها الأكراد، والتي ستضطر إلى تحويل المزيد من مواردها بعيداً عن مهمة مكافحة "داعش". وسيكون لدى إيران ونظام الأسد أيضاً مساحة أكبر للسيطرة على الأراضي في شرق سوريا. على ضوء هذه السيناريوهات، من غير المستغرب إذاً ألا يبلغ تنظيم "داعش" على ما يبدو عن الأعداد الفعلية لهجماته في سوريا من أجل تهدئة القوات الأمريكية وقوات التحالف ودفعها إلى المغادرة.
ومهما حدث في العام المقبل، يمكن لخريطة أنشطة تنظيم "الدولة الإسلامية" التي وضعها معهد واشنطن أن تساعد واضعي السياسات والباحثين على البقاء على اطلاع على آخر التطورات فور حدوثها، سواء كان يحركها التنظيم بذاته أو الدول التي تحاربه.
هارون ي. زيلين هو "زميل ليفي" في معهد واشنطن ومؤسس موقع "Jihadology.net". إيلانا وينتر هي مساعدة أبحاث في "برنامج راينهارد للاستخبارات ومكافحة الإرهاب" التابع للمعهد.