- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2524
استهداف اللاجئين في أوروبا ليس هو الحل
في ضوء الهجمات الإرهابية التي طالت باريس يوم الجمعة 13 تشرين الأول/نوفمبر، تم تسليط الضوء على مسألة اللاجئين السوريين الفارين إلى أوروبا، كما تم تسييسها من قبل السياسيين والمعلقين الأوروبيين والأمريكيين من كافة الأطياف. وفي الواقع، شهد الصيف الماضي زيادة هائلة في عدد الأفراد الذين يقومون بهذه الرحلات الصعبة. وتم تحفيز هذه الرحلات، جزئياً، بسبب نظام الأسد واستمرار اعتداءات حلفائه على السكان المدنيين، وفي الجزء الآخر، بسبب زيادة المكاسب الإقليمية التي حققتها الجماعتان الجهاديتان، تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية» و«جبهة النصرة». وبالتالي، فقد العديد من الأفراد الذين يعيشون في مخيمات اللاجئين الأمل بالعودة في الواقع يوماً ما إلى وطنهم. ونظراً إلى أن معظم اللاجئين يريدون ببساطة حياة أفضل وأكثر أمناً لأبنائهم، وأن وسائل الإعلام الحالية والمناقشات بشأن السياسات لا تنظر في الجوانب المتعددة لهذه القضية، فلا بد من توضيح المفاهيم الخاطئة المتعلقة بـ تنظيم «الدولة الإسلامية» واللاجئين والتحديات المستقبلية المحتملة في أوروبا على وجه الخصوص.
كيف ينظر تنظيم «الدولة الإسلامية» إلى اللاجئين السوريين
بالنسبة إلى أولئك الذين يسعون إلى إلقاء اللوم لوقوع هجمات باريس على اللاجئين، فمن المفيد في هذا السياق إلقاء نظرة على موقف تنظيم «داعش» بشأن اللاجئين. ولا بد من الإشارة بشكل خاص إلى الكيفية التي يتمكن بموجبها تنظيم «الدولة الإسلامية» استخدام هذه الهجمات لاذكاء التوترات بين الأغلبيات العرقية الأوروبية والأقليات المسلمة واللاجئين الذين وصلوا حديثاً. وبنفس القدر من الأهمية، يشكل تدفق المهاجرين ظاهرة مرفوضة بالنسبة لـ تنظيم «داعش»، إذ يقوض رسالة التنظيم بأن ما أسماه بالخلافة هي الملجأ. وإذا كانت الخلافة هي الملجأ، لكان مئات الآلاف من الناس قد استقروا بشكل مؤكد في أراضيها بدلاً من المخاطرة بحياتهم في رحلات يائسة إلى أوروبا. وبالتالي، فإن رد الفعل المعادي للاجئين لا يعزز سوى ادعاءات تنظيم «الدولة الإسلامية» ومخاطر تحفيز التوترات التي يمكن تجنبها في المستقبل.
أما بالنسبة لتحركات تنظيم «داعش» الفعلية المتعلقة باللاجئين، فقد أصدر التنظيم اثني عشر شريط فيديو بين 16 و 19 أيلول/سبتمبر يهدف من خلالها إلى إدخال نفسه في مناقشة تسلّط الضوء على الوفيات في البحر، وخاصة الصورة المأساوية لآلان الكردي، الطفل الذي جرفته الأمواج قتيلاً على الشاطئ التركي. وقد نُشرت أشرطة الفيديو من قبل "الولايات" التابعة للتنظيم في العراق وسوريا واليمن، والهدف منها هو تحذير اللاجئين المحتملين من مخاطر السفر إلى أوروبا وتكاليفها وحثهم على اللجوء إلى خلافة «الدولة الإسلامية».
على سبيل المثال، في فيديو "ولاية صلاح الدين" (في العراق)، يرى تنظيم «داعش» أنه يتوجب على المسلمين ترك أراضي الكافر والتوجه إلى بلاد الإسلام، وليس العكس، وأنه لا يمكن العثور على هذه السعادة سوى في خلافة تنظيم «الدولة الإسلامية». بالإضافة إلى ذلك، أعلن تنظيم «داعش» في رسالة من "ولاية الجنوب" (في العراق)، أنه لا يمكن للمسلمين العيش في دول غير إسلامية أو البحث عن ملجأ فيها وأن ذلك يساوي الردة، مما يؤدي في الواقع إلى إضفاء الشرعية على هدر دماء اللاجئين. أما "ولاية الفرات" التابعة لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» والواقعة على الحدود السورية العراقية، فهي تناهض الهجرة على أساس أن اللاجئين سيخضعون لقوانين وضعها الإنسان بدلاً من الشريعة. ونتيجة لذلك، ووفقاً لـ "ولاية الرقة" (في سوريا)، فإن الأطفال المهاجرين سيتخلون عن الإسلام، على الرغم من أن أعداد المسلمين في أوروبا استمرت في التصاعد في العقود الأخيرة من خلال موجات مختلفة من الهجرة. وهناك ادعاء آخر مفاده أن أوروبا تقبل اللاجئين المسلمين فقط كتكتيك لزيادة عدد السكان الشيعة والدروز والمسيحيين لهزيمة تنظيم «داعش» في سوريا. أما "ولاية البركة" التابعة لـ تنظيم «الدولة الإسلامية»، والتي مقرها شمال غرب سوريا، فهي تعتبر أن قبول اللاجئين يجبر المسلمين، كما تزعم، على العمل في ما يصب بمصالح أوروبا، وبالتالي إضعاف الإسلام.
في شريط فيديو نشرته "ولاية الخير" (شرق سوريا)، يقدم تنظيم «داعش» المشورة لأولئك الذين غادروا بالفعل، مشيراً إلى أنه يجب على المسلمين ألا يختلطوا أو يتآخوا مع الكفار. وبالمثل، يشير أيضاً إلى أنه سيتم إجبار هؤلاء المسلمين على اعتناق المسيحية مقابل المال أو الجنسية وأنه سيتم مصادرة أجرهم في الجنة. ومن جهتها، تظهر "ولاية الفلوجة" التابعة لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» مقاطع فيديو تُظهر تعرض اللاجئين للضرب على يد الشرطة وتدّعي أنه لا يمكن الحصول على السعادة الحقيقية والكرامة الفعلية سوى في بلاد المسلمين. بالإضافة إلى ذلك، ففي رسالة من "ولاية حضرموت" (في اليمن)، يدفع تنظيم «داعش» باللاجئين إلى تصور واقع الحياة عندما يغادرون سوريا، بما في ذلك التعرض للغرق والتهريب البشري، يليه الظلم والاعتداء الذي سيعيشونه في أوروبا. وفي شريط فيديو من "ولاية حمص" (سوريا)، يحذر تنظيم «الدولة الإسلامية» من خطر اعتناق دين غير الإسلام ثم يتحول على النقيض من ذلك إلى وصف كيف اعتنى تنظيم «داعش» باللاجئين من النظام السوري. من جانبها، نشرت "ولاية الجزيرة" (على الحدود السورية العراقية)، مقابلات مع الأفراد الذين فروا من قوات "البيشمركة" الكردية إلى الأراضي التابعة لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» وأثنوا على الحياة الجيدة التي يعيشونها الآن. وبالمثل، أصدرت "ولاية حلب" (شمال سوريا) شريط فيديو يظهر مقابلة ما بين المقاتلين الأجانب المهاجرين إلى أراضي تنظيم «داعش» ومشاهد للاجئين يتعرضون لسوء المعاملة في أوروبا. وأخيراً، تدّعي "ولاية دجلة" (في العراق)، ومن دون أي دليل، أن عدد السوريين الذين يهاجرون إلى أراضي الخلافة أكبر بكثير من طالبي اللجوء في أماكن أخرى داخل العراق أو سوريا، أو في مخيمات اللاجئين، أو في أوروبا.
ما الذي يأمل تنظيم «الدولة الإسلامية» أن يحظى به
إن وجود مجتمع منقسم في العراق وسوريا، يجعل تنظيم «داعش» يأمل بأن يفعل الشيء نفسه في أوروبا من خلال إجبار الأفراد على التحيز، واللجوء إلى المشاعر العشائرية والغريزية، أو القضاء على "المنطقة الرمادية" كما وصفها التنظيم في وقت سابق. وكما يدرك تنظيم «الدولة الإسلامية» وغيره الكثيرين، تكافح أوروبا لدمج العديد من المجتمعات المهاجرة في العقود الأخيرة، مما دفع ببعض سكان الجيل الثاني والثالث إلى العيش في أزمة هوية. وقد نتج عن ذلك فجوات معرفية، عمل المجندون الجهاديون في بعض الأحيان على ملئها من خلال هوية متصورة جديدة وأكثر قوة، فضلاً عن نظرة تقوم بصورة أكثر على مقاربة الأبيض والأسود. لذلك، فإن الشخص الذي لا يشعر أنه باكستاني أو بريطاني تماماً في بريطانيا، أو جزائري أو فرنسي في فرنسا، أو - ربما في المستقبل- سوري أو ألماني في ألمانيا، يمكن التعريف به الآن فقط على أنه مسلم سني.
ونتيجة لذلك، لا بد من اتخاذ خطوات لمنع الأفراد من الاستسلام إلى مشاعر التعاطف التي يمكن أن تزيد من تفاقم معضلة الأمن في أوروبا. وحيث أن هذه المسألة تتعلق باللاجئين، فصحيح أنه يمكن لـ تنظيم «داعش» استغلال الأزمة لإدخال عملاء إلى أوروبا. لكن في الوقت نفسه يجب على المرء أن يتذكر أن التظيم يضم بالفعل الآلاف من الأعضاء الذين يحملون جوازات سفر من دول من الاتحاد الأوروبي إلى جانب مزوري وثائق ماهرين. لذلك، فإن السبب الوحيد لدس عناصر إضافية في تدفقات اللاجئين سيكمن في إثارة ردة فعل عنيفة ضد اللاجئين السوريين وغيرهم، فضلاً عن السكان المسلمين الأوروبيين الأصليين. وحتى لو حدث ذلك، فلا يجب استخدام العدد القليل من الجهاديين الذين اندسوا من أجل الإساءة إلى 99 في المائة الآخرين.
لذلك، ينبغي على الولايات المتحدة ودول أوروبا الاستمرار في الرصد الدقيق للداخلين من حدودها، وفي الوقت نفسه توفير ما يلزم من شبكات الدعم والمساعدة بحيث يشعر اللاجئون الذين وصلوا حديثاً بأنهم موضع ترحيب وجزء من المجتمع الأوسع. ومن دون رؤية طويلة الأجل لدمج اللاجئين، وبالاعتماد فقط على الواجب الأخلاقي، من المرجح أن تواجه الدول الأوروبية مشاكل مماثلة لتلك التي شابت سياساتها تجاه المهاجرين. ومن جهتهم، لا بد للاجئين أن يفهموا طرق اختلاف المسؤوليات والتوقعات كمقيمين ومواطنين مستقبليين في ديمقراطية ليبرالية عن مثيلات هذه المسؤوليات والتوقعات في مجتمع سلطوي. ولن تكون أياً من هذه الخطوات سهلة، ولكن مع الاحترام المتبادل والتفاهم والتعليم، يمكن لأوروبا أن تتطلع إلى صورة أكثر إشراقاً على المدى الطويل. وغني عن القول، أن مستغلي قضية اللاجئين وخطاباتهم وسياساتهم المقترحة ستؤدي إلى غايات تثبت صحتها وتجعل الجميع أقل أمناً.
هارون ي. زيلين هو زميل "ريتشارد بورو" في معهد واشنطن.