- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3449
استمرار هجمات الحوثيين يهدد النفط السعودي وتعافي الاقتصاد العالمي
في 7 آذار/مارس، أعلن المتمردون الحوثيون في اليمن مسؤوليتهم عن الهجوم الذي وقع في ذلك اليوم على أكبر منشأة لتحميل النفط في العالم في رأس تنورة، في السعودية. واستخدمت المملكة ما قد يعتبره الكونغرس الأمريكي "أسلحة هجومية" للدفاع بنجاح عن محطات النفط الرئيسية، لكن هجوماً أكثر تدميراً لا مفر منه إذا استمرت هجمات الحوثيين بالصواريخ والطائرات بدون طيار.
في 7 آذار/مارس، أغارت طائرة بدون طيار على أكبر منشأة لتحميل النفط في العالم في رأس تنورة، في السعودية، مما أدى إلى ارتفاع أسعار النفط إلى أكثر من 70 دولاراً للبرميل الواحد للمرة الأولى منذ أن تسبب وباء فيروس كورونا ("كوفيد-19") في تدهور الاقتصاد العالمي. وأعلن المتمردون الحوثيون في اليمن مسؤوليتهم عن الهجوم، وأشاروا إلى أنهم أطلقوا عشر طائرات مسيّرة بعيدة المدى وصاروخاً باليستياً لتنفيذ هجمات في شرق السعودية، بالإضافة إلى أربع طائرات بدون طيار قصيرة المدى وسبعة صواريخ دقيقة ضد أهداف عسكرية في المنطقة الجنوبية الغربية من البلاد.
ومن جهة، أظهرت المملكة أنها قادرة على الدفاع عن نفسها بفعالية في وجه هذه الضربات في ظل ظروف معينة، مدّعية بثقة أنها اعترضت جميع الهجمات البعيدة المدى تقريباً البالغ عددها 11 هجوماً والتي استهدفت منشأة النفط الشرقية. على المسؤولين الأمريكيين أن يمعنوا النظر في كيفية تصدي السعوديين للهجمات على البنية التحتية المدنية بواسطة طائرات "أف-15" وصواريخ "إيه آي إم-9 سايدويندر" التي زودتها الولايات المتحدة - وهي منظومات يعتبرها الكثيرون من أعضاء الكونغرس الأمريكي "أسلحة هجومية" لا تزال محط جدل مستمر وتخضع لقيود محتملة.
ومن جهة أخرى، يُعتبر الهجوم بمثابة جرس إنذار واقعي يجب النظر إليه كما هو فعلياً أي محاولة لتكرار الهجوم الفظيع الذي وقع في أيلول/سبتمبر 2019 على موقع تكرير النفط الضخم في بُقيق. ولو نجحت الضربة في رأس تنورة، ربما كان الضرر الذي ستخلّفه على صادرات النفط العالمية موازياً للضرر الذي تسببته تلك العملية المماثلة.
وصف تفصيلي للهجوم
في أحداث 7 آذار/مارس، استخدم الحوثيون أربعة منظومات هجومية، كانت إيران قد وفّرت جميعها جزئياً أو كلياً:
• 10 طائرات بدون طيار من طراز "صمد". إن مدى هذه المنظومة المثبت الذي يغطي 1448 كم يكفي للوصول إلى الشواطئ الشرقية لعدد من دول الخليج انطلاقاً من اليمن. وقد تأكد أن واحدة فقط من هذه الطائرات أصابت الهدف في 7 آذار/مارس، كما أن رأسها الحربي الصغير الذي يزن 18 كغم ألحق أضراراً طفيفة في منشآت تخزين النفط الضخمة الممتدة على مساحة 32 كم مربعاً في رأس تنورة. وإجمالاً، ادّعى السعوديون بثقة أنهم أسقطوا 10 طائرات بدون طيار شملت عدداً من طائرات "صمد-3" - كما يظهر في مقطع فيديو موثق نشرته الرياض لعملتيْ اعتراض مماثلتيْن بواسطة طائرات "أف-15" وصواريخ أمريكية. وربما تم تنفيذ عمليات اعتراض أخرى باستخدام صواريخ "باتريوت" أو "هوك" أرض-جو التي زودتها الولايات المتحدة أو صواريخ "شاهين" الفرنسية.
• صاروخ باليستي واحد من طراز "ذو الفقار". عندما فشل الهجوم بالطائرات بدون طيار، حاول الحوثيون ضرب رأس تنورة بنسخة جديدة ذات مدى موسع من صاروخ "بركان 2 إتش" (وهو نظام توصّل حوله سابقاً "فريق خبراء الأمم المتحدة بشأن اليمن" إلى نتيجة بأنه صاروخ إيراني معدّل). وتم تنفيذ الهجوم على مسافة تراوحت بين 1287 و1448 كم، متجاوزاً مدى أي صاروخ باليستي معروف أطلقه الحوثيون (بلغت الضربات السابقة بصاروخ من طراز "بركان 2 إتش" 1,040 كم أو أقل). وقد سقط صاروخ "ذو الفقار" على بعد 366 م من الوحدات السكنية التابعة لشركة "أرامكو السعودية" التي يشكّل العمال المهاجرون الأجانب أغلبية سكانها.
• أربع طائرات بدون طيار من طراز "قاصف-2 كاي". يحاول الحوثيون في كثير من الأحيان إرهاق منظومات الدفاع السعودية بهجمات متزامنة قصيرة المدى ضد أهداف قريبة من اليمن. وفي 7 آذار/مارس، استخدم الحوثيون أربع طائرات بدون طيار من طراز "قاصف-2 كاي" (نسخ من سلسلة "أبابيل" الإيرانية) لضرب وحدات تابعة لسلاح الجو السعودي في "قاعدة الملك خالد الجوية" في خميس مشيط. وتم إسقاط واحد منهم على الأقل بواسطة طائرة "أف-15"، وربما تم اعتراض البعض الآخر باستخدام صواريخ "باتريوت" أو "هوك".
• سبعة صواريخ دقيقة من طراز "بدر". ادّعى الحوثيون أنهم أصابوا أهدافاً بالقرب من اليمن بواسطة هذه المنظومة التكتيكية البعيدة المدى القادرة على توجيه ضربات بدقة كبيرة تصل إلى 153 كم. وعلى وجه التحديد، أُطلِقت الصواريخ باتجاه مناطق عسكرية في مطار أبها المدني وأهداف أخرى في محافظتي جيزان وعسير.
وكان وابل الأسلحة المذكورة أعلاه مجرد دورة واحدة من سلسلة مستمرة من الهجمات. ففي 28 شباط/فبراير، زعم الحوثيون أنهم استهدفوا الرياض بصاروخ من طراز "ذو الفقار" (اعترضته صواريخ باتريوت) وتسعة صواريخ من طراز "صمد-3"، بينما أطلقوا أيضاً ستة قذائف من طراز "قاصف-2 كاي" باتجاه خميس مشيط وأبها. وفي 3 آذار/مارس، أطلقوا صاروخاً جوالاً من نوع "قدس-2" على خزانات النفط في جدة. وفي 9 آذار/مارس، أطلقوا صاروخين من نوع "بركان-2" على منشآت نفطية في ينبع (يبدو أنه تم اعتراض كلاهما بصواريخ باتريوت).
التداعيات السياسية
نظراً إلى قصف الحوثيين للسعودية وهجومهم البري للاستيلاء على أكبر مركز للطاقة في مأرب، في اليمن، يبدو أنهم عازمين على تصعيد أساليبهم إما لتحقيق نصر شامل أو تعزيز مكانتهم على طاولة المفاوضات. وقد تدفع هذه الاستراتيجية الرياض إلى اتخاذ تدابير لحفظ ماء الوجه، بما فيها بذل جهود عسكرية جريئة، وتوجيه عدد أكبر من الهجمات في اليمن (على سبيل المثال، أصابت القوات السعودية منشآت بناء الطائرات بدون طيار والصواريخ في صنعاء في 8 آذار/مارس)، والتردد الواضح في لعب دور بَنّاء في جهود السلام التي تقودها الولايات المتحدة.
علاوةً على ذلك، إن تسبب ضربات الحوثيين بوقوع إصابات جماعية أو تسرّب نفطي هائل أو حريق ضخم هو مسألة وقت فقط. على سبيل المثال، عندما سقطت الصواريخ على مطار أبها في 11 شباط/فبراير، أشعلت النيران في طائرة مدنية، دون تسببها بوقوع خسائر في الأرواح لحسن الحظ. وبالمثل، يمكن لأي رد انتقامي عسكري سعودي على مثل هذه العمليات أن يتسبب بسهولة في وقوع خسائر فادحة في أرواح المدنيين. كما يخاطر الحوثيون بتوجيه ضربة قاضية لجهود السلام الأمريكية. والطريقة الوحيدة المؤكدة لتجنب هذه الكوارث المحتملة هي إقناع الحوثيين بوقف هجماتهم بالصواريخ والطائرات بدون طيار والقذائف.
في 2 آذار/مارس، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على أحمد علي أحسن الحمزي الذي حددته إدارة بايدن على أنه قائد قوات الصواريخ والطائرات المسيّرة الحوثية الذي تلقى تدريبه على يد إيرانيين، واتهمته بـ"شن هجمات شنيعة أضرّت بالبنية التحتية المدنية في اليمن والسعودية". يجب أيضاً فرض عقوبات على قادة حوثيين آخرين أعلى شأناً إذا استمرت الضربات الواسعة النطاق. وتجدر الملاحظة أنه يمكن عكس الأمر التنفيذي رقم 13611، الذي فرض عقوبات على الحمزي بسبب "تهديده استقرار" اليمن - ويمكن تطبيق هذا الأمر على أي قائد حوثي وفقاً للوضع القائم ومن ثم إلغاؤه عندما يقلع عن السلوك السلبي الذي كان سبب فرض العقوبات.
على السلطات الأمريكية أيضاً استخلاص عدد من الدروس السياسية والعسكرية من حملة الحوثيين المتطورة القائمة على استخدام الصواريخ والطائرات بدون طيار:
• أسلحة هجومية، أغراض دفاعية. إن عدداً قليلاً من الأسلحة ذات آهداف هجومية بحتة، لذا فإن فرض حظر أمريكي شامل على بيع "الأسلحة الهجومية" إلى السعودية يمثل مشكلة بحد ذاته. فمن وجهة نظر بعض أعضاء الكونغرس الأمريكي، إن طائرات "أف-15" وصواريخ "سايدويندر" التي استخدمت لاعتراض الطائرات المسيّرة الحوثية في 7 آذار/مارس هي أسلحة هجومية لا ينبغي أن تحصل عليها المملكة أو تطوّرها أو تقوم بصيانتها بمساعدة الولايات المتحدة. ووفقاً لذلك، على المشرّعين الأمريكيين إجراء مراجعة دقيقة لكيفية استخدام السعوديين فعلياً للأسلحة الأمريكية وكيف يمكن لواشنطن مراقبة وجهة استخدامها النهائية، بدلاً من تركيزهم على فرض حظر على فئات شاملة.
• قيمة الاستخبارات الدفاعية. تمكنت السعودية من الدفاع عن نفسها بفعالية في 7 آذار/مارس، ويرجع ذلك جزئياً إلى رصدها الهجوم في مرحلة مبكرة. ونجحت في جمع هذه المعلومات الاستخباراتية بفضل منصات أمريكية (على سبيل المثال، طائرات الإنذار المبكر المحمولة جواً) وتوفير مباشر للمعلومات الاستخباراتية المنذرة التي جمعتها الأنظمة التي تشغلها الولايات المتحدة. وتُعتبر هذه المساعدة الدفاعية قيّمة ويجب أن تستمر.
• التركيز على عمليات الاعتراض البحري. يزيد الحوثيون من الهجمات الصاروخية ضد السعودية لأنهم لا يخشون نفاذها. وكما أشارت إدارة بايدن والأمم المتحدة، يمكن للمتمردين الاستفادة من الشحنات السرية لمحركات الطائرات بدون طيار ومحركات الصواريخ الباليستية والأجهزة الإلكترونية التي توفّرها إيران. على الولايات المتحدة التعاون مع الشركاء الدوليين لتشديد حظر الأسلحة على اليمن استناداً إلى المعلومات الاستخباراتية، مع التركيز ليس فقط على المرافئ التي يسيطر عليها الحوثيون، بل أيضاً على الموانئ الأخرى في اليمن وسلطنة عُمان التي تمرّ عبرها مكونات الصواريخ والقذائف والطائرات بدون طيار. وتشمل هذه مواد ذات الاستخدام المزدوج مثل الألياف الزجاجية، وهي مكوّن يدخل في هيكل الطائرات بدون طيار والصواريخ. يجب تفتيش جميع الطائرات التي تهبط في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، حيث يمكن حتى للطائرات الصغيرة أن تنقل مخزونات كبيرة من المكونات المتخصصة.
• استهداف الشبكة. على واشنطن التفكير في كيفية رسم معالم ضربات سعودية مختارة على مصانع الطائرات بدون طيار والصواريخ داخل اليمن - وهو تكتيك تستخدمه الولايات المتحدة بانتظام ضد الميليشيات في العراق وسوريا. ففي 26 شباط/فبراير، على سبيل المثال، ردّت القوات الأمريكية على هجوم صاروخي سابق شنته ميليشيا عراقية ضد منشآت عسكرية تابعة للتحالف في أربيل من خلال تنفيذ ما وصفته إدارة بايدن بضربة جوية "دفاعية" على منشآت أسلحة تابعة للميليشيات في سوريا. وبطبيعة الحال، يُعد توسيع عمليات الاعتراض البحري للأسلحة المهربة أمراً ضرورياً، نظراً لأن خطر حدوث أضرار جانبية في مثل هذه العمليات يكاد يكون معدوماً. غير أنه في حالات معينة، على الولايات المتحدة مساعدة الرياض أيضاً على تنفيذ ضربات دفاعية مدروسة على نحو أكبر تستهدف "المراحل المبكرة"، أي قبل بناء أو نشر أو إطلاق الصواريخ والطائرات بدون طيار. وقد تساهم مثل هذه المساعدة في الحدّ من الدمار التي يخلّفه الصراع في اليمن في ظل مواصلة تقليل خطر الضربات داخل السعودية.
• أهمية التعاون في مجال دفاعات الصواريخ والطائرات بدون طيار الخاصة بالجيل القادم. تؤكد سلسلة الهجمات التي وقعت في الآونة الأخيرة على أن الدفاعات المضادة للصواريخ والقذائف والطائرات بدون طيار أصبحت الآن الضرورة العسكرية القصوى في الشرق الأوسط. وربما تطورت استراتيجيات السعوديين فتوقفوا عن إطلاق صاروخ "باتريوت" البالغ قيمته 3 ملايين دولار على كل طائرة بدون طيار، إلا أنهم لا يزالون يطلقون صواريخ جو-جو بقيمة 400 ألف دولار على الطائرات بدون طيار التي تبلغ كلفتها 20 ألف دولار أو أقل. أما بالنسبة للصواريخ الباليستية، فعلى واشنطن مساعدة إسرائيل لتزويد السعوديين بمنظومتها الدفاعية "ديفيد سلينغ" التي تُعتبر تكلفتها أدنى من صواريخ "باتريوت" (مليون دولار لكل صاروخ). وفي موازاة ذلك، على المسؤولين الأمريكيين المضي قدماً في ممارسة الضغوط بفعالية لتنفيذ "مشروع مانهاتن" للدفاع الصاروخي الذي يمكن أن يوفر دفاعات فعالة وبأسعار معقولة للطاقة الموجهة (أي ليزر عالي الطاقة وموجة كهرومغناطيسية قصيرة عالية الطاقة) وقذائف مدفعية فائقة السرعة إلى الشركاء في إسرائيل والخليج وآسيا خلال العقد الحالي.
مايكل نايتس هو "زميل برنشتاين" في معهد واشنطن.