- تحليل السياسات
- تنبيه سياسي
استطلاع: الشعب القطري يريد حل وسط وليس مساعدة إيران
في ظل دخول الأزمة بين قطر من جهة والسعودية ومصر والإمارات والبحرين من جهة أخرى شهرها الرابع، أظهر استطلاع سياسي زمني مستقل ومتاح للعلن أن أغلبية ساحقة من سكان قطر الذين يناهز عددهم حوالي 300 ألف نسمة يرغبون بتسوية هذا النزاع بطريقة ودية. فقد أعرب 81 في المائة من المستطلعين عن دعمهم لـ "حل وسط تقدّم فيها كافة الأطراف بعض التنازلات إلى بعضها البعض" - بينهم 36 في المائة يؤيدون بشدة هذا الاتجاه. وتُعتبر هذه الرغبة في التسوية لافتة بشكل أكبر نظراً إلى أن أياً من المستطلعين لم يؤيد الحظر الذي تفرضه الدول العربية المعارضة الأربع على قطر.
وما يمثّل مفاجأةً ويكتسي أهميةً بالقدر نفسه هو الآراء المتباينة للمواطنين القطريين حول القضايا الرئيسية [الشائكة] في النزاع بين هذه الدول العربية. أولاً، في ما يخص إيران، يعارض القطريون بشدة - بهامش بلغ 79 في المائة مقابل 16 في المائة - سياساتها الإقليمية الحالية، رغم التهم التي تطلقها دول عربية أخرى بأن العائلة المالكة القطرية مقربة جداً من طهران. وينظر الرأي العام القطري بشكل أسوأ حتى إلى وكلاء إيران الإقليميين: فقد حصل كل من «حزب الله» والحوثيين في اليمن على تقييمات سلبية من 90 في المائة من الشريحة السكانية البالغة في قطر. حتى أن أغلبيةً ضئيلة (53 في المائة) من القطريين تقول إن "أهم قضية في هذا الوضع السائد هو إيجاد أقصى قدر من التعاون العربي ضد إيران".
وفي المقابل، تحظى تركيا اليوم بشعبية كبيرة في قطر: حيث يرحب 81 في المائة من المستطلعين بسياسة تركيا الحالية في الشرق الأوسط، وتعتبر نسبة 90 في المائة أن العلاقات الطيبة مع تركيا قيّمة بالنسبة إلى قطر. إن التفاوت الكبير بين المواقف تجاه تركيا وتجاه إيران جدير بالملاحظة ودلالي إلى حدّ كبير، حيث يشير بوضوح إلى النتائج الدبلوماسية للأزمة التي قد تحظى بموافقة قوية أو رفض كبير من قبل الجمهور.
ومن الأمور غير المتوقعة والمثيرة للدهشة أيضاً هو موقف الشعب القطري السلبي إلى حدّ كبير تجاه عنصر أساسي آخر موضع خلاف في هذه الأزمة بين الدول العربية، ألا وهو: «الإخوان المسلمين». فعلى الرغم من استمرار الحكومة القطرية بدعم هذه الجماعة، إلّا أن الشعب القطري لا يوافق على هذه الخطوة بفارق يتراوح بين 56 و 41 في المائة. وفي تناقض صارخ، حصلت قناة "الجزيرة" التلفزيونية القطرية، التي تمثّل مصدر انتقاد ثالث في هذا النزاع الدولي، على آراء إيجابية من 74 في المائة من القطريين.
ويمثّل دور الولايات المتحدة في المنطقة مسألة أخرى يتحدى فيه الرأي العام القطري الرأي السائد حول "الشارع العربي". وعلى الرغم من أن 11 في المائة فقط من المستطلعين عبّروا عن وجهة نظر إيجابية حول السياسة الخارجية الحالية للولايات المتحدة، تقول أيضاً نسبة أكبر بأربعة أضعاف (42 في المائة) - كما هو الحال في معظم الدول العربية الأخرى التي أُجريت فيها استطلاعات مؤخراً - إنه "من المهم بالنسبة لنا أن تجمعنا علاقات جيدة" مع واشنطن. وما يقارب تلك النسبة (35 في المائة) توافق أن "الدول العربية تحتاج في الوقت الراهن إلى مساعدة من قوى خارجية مثل الولايات المتحدة من أجل تذليل خلافاتها". ومن الجدير بالملاحظة أن 16 في المائة فقط يقولون أن الخطوة الأفضل التي يمكن أن تتخذها الولايات المتحدة هي "الحدّ من تدخلها في المنطقة".
ويقيناً، إنّ قطر ليست دولة ديمقراطية، لذلك فإن لغالبية الرأي العام هناك، تأثير غير مباشر على السياسة العامة. ولكن يتعيّن حتى على هذه الملكية المطلقة أن تولي بعض الاهتمام للمواقف الشعبية. وخلال توقف كاتب هذه السطور في الدوحة الأسبوع الماضي، شاهد جميع الملصقات البطولية للأمير تميم بن حمد آل ثاني المزينة بشعار "اللهم اجعل شعبنا يحبنا كما نحبه"!
وتشير نتائج هذا الاستطلاع غير المسبوق بشدة إلى أنه لكي يحافظ الأمير على شعبيته، سيبلي حسناً بالبحث عن حل وسط للأزمة القطرية الراهنة مع الدول العربية الأخرى. ويبدو أن القبول بالابتعاد أكثر عن إيران، وحتى «الإخوان المسلمين»، سيلقى الاستحسان الأكبر من الشعب في إطار أي تسوية محتملة. كما أن أقلية كبيرة من الشعب ستكون حتى على استعداد للترحيب بأي تدخل دبلوماسي أمريكي في هذا الاتجاه.
وفي ملاحظة منهجية، يُعتبر هذا الاستطلاع فريداً من نوعه، إذ إنه يضم طريقة عشوائية حقاً وذات أرجحية جغرافية، ومقابلات وجهاً لوجه، إلى جانب عيّنة وطنية ممثلة شملت ألف مواطن قطري. وقد أجرته شركة رائدة متخصصة في أبحاث الأسواق العربية في آب/أغسطس 2017، تتمتع بخبرة تمتد على عقود في المجتمعات الخليجية العربية. كما أن التركيبة الديمغرافية للعينة تمثّل إجمالي السكان الأصليين الراشدين: حيث أن 60 في المائة منهم تحت سن الخامسة والثلاثين؛ ويعيش نصفهم في العاصمة الدوحة، وربع في الريان المجاورة، في حين أن الربع المتبقي يتوزع في أنحاء مختلفة من البلاد؛ كما أن 90 في المائة منهم من السنّة و10 في المائة من الشيعة، علماً بأن خُمسهم فقط يملك تحصيلاً جامعياً.
ديفيد بولوك هو زميل "كوفمان" ومدير "منتدى فكرة" في معهد واشنطن. وفي الثمانينيات والتسعينيات، كان المستفتي الرئيسي للحكومة الأمريكية لمنطقة الشرق الأوسط، ومنذ ذلك الحين واصل الإشراف على استطلاعات مستقلة واسعة النطاق في المنطقة.