- تحليل السياسات
- تنبيه سياسي
استطلاع جديد يكشف انفتاحاً مفاجئاً على أبرز سياسات ترامب في صفوف المصريين
في الوقت الذي يطرح فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطته لمواجهة إيران، يُظهر استطلاع جديد موثوق في مصر أنّ هذا الموقف يتحلى بدرجة ملحوظة من الدعم الشعبي في هذه الدولة العربية الأكثر اكتظاظاً بالسكان، حيث لا يُصنِّف سوى 1% من المصريين سياسات إيران الإقليمية بشكل إيجابي. أمّا فيما يخص النزاع المستمر بين البلدان العربية مع قطر، فيوافق ثلثا المشاركين في الاستطلاع أنّ "القضية الأهم" تبقى "التوصل إلى أٌقصى درجة من التعاون العربي ضد إيران".
كما ونال حلفاء طهران في المنطقة الذين تستهدفهم أيضاً العقوبات الأمريكية الجديدة حصةً من التعليقات السيئة بأغلبية ساحقة، حيث أعرب 91% من المصريين عن رفضهم لـ «حزب الله» في تحوّل كبير في الصورة المجيدة للحزب التي تمتع بها مباشرةً بعد حربه مع إسرائيل في [تموز/يوليو] 2006. كما وأعربت النسبة العالية نفسها عن وجهة نظر سلبية لحوثيي [«أنصار الله»]، وهي الحركة المحببة لإيران في الحرب الأهلية اليمنية المستمرة.
وعلاوة على ذلك، لم تقل سوى نسبة 14% من الذين شملهم الاستطلاع إنّه من "المهم بعض الشيء" أن تتحلى مصر بعلاقات جيدة مع إيران، في حين أعارت نسبة 56% "أهميةً" للروابط الجيدة مع الولايات المتحدة. ويساعد هذا التناقض الصارخ في النظر إلى مشاعر مصر المعادية للولايات المتحدة من المنظور الصحيح. فبينما ترفض غالبية الجمهور المصري سياسات الولايات المتحدة بشكل عام، إلّا أنها تقدّر بشكل واضح قيمة إقامة روابط رسمية مرضية مع واشنطن.
ورداً على سؤال اختيار الأولوية القصوى بالنسبة إليهم فيما يخص السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، فقد اختار 13٪ فقط من المصريين "الحد من تدخل الولايات المتحدة في المنطقة". وقد شكل خيار الأكثرية، 36% من المشاركين، مجال توافق آخر مع ما تُركز عليه سياسة ترامب، وهو "توسيع دورها الناشط في محاربة تنظيمي «الدولة الإسلامية» و «القاعدة» والجماعات الإرهابية المماثلة". وقد تبع ذلك بنسبة 33% القريبة جداً سياسة أخرى معلَنة للولايات المتحدة، وهي "الضغط أكثر باتجاه التوصل إلى حل للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي".
وفي هذا الصدد، يؤيد المصريون بشدة نظرة إدارة ترامب المختلفة لموضوع صنع السلام، إذ يوافق 72% على أنه "يجدر بالدول العربية أن تؤديَ دوراً جديداً في محادثات السلام الفلسطينية-الإسرائيلية، من خلال تقديم حوافز لكلا الجانبين ليعتمدا مواقف أكثر اعتدالاً". وبإمكان الجهود الدبلوماسية التي تبذلها مصر نفسها من أجل التوسّط في الترتيبات الأمنية الجديدة في قطاع غزة، إلى جانب المصالحة الفلسطينية المحتملة بشروط معتدلة نسبياً، أن تتناسب تماماً مع هذا الإطار.
وقد أعربت الأغلبية في مجتمعات عربية أخرى عن مستويات دعم مماثلة غير متوقعة في هذه المسألة. ولكن، ما يثير الدهشة فعلاً بشأن البيانات المصرية هو الأقلية الكبيرة نسبياً التي أعربت عن موافقتها على اقتراح مثير جداً للجدل حول إسرائيل، حتى من دون أي محادثات سلام، وهو أنّه "على الرغم من الخلافات بين الدول العربية، عليها أن تعمل مع إسرائيل حول مسائل أخرى مثل التكنولوجيا ومكافحة الإرهاب واحتواء إيران". وقد بلغت نسبة المصريين الذين يوافقون على الأقل "بعض الشيء" على هذا التصريح نسبة 29%، وذلك أكثر مما سجّله أي استطلاع عربي آخر أجري مؤخراً. وفي هذا الإطار أيضاً، قد يكون الوقت قد حان لإعادة النظر في عداء الشعب المصري تجاه منافسيه القدامى والبحث عن فرص جديدة لبناء جسور خلّاقة مع الولايات المتحدة.
بيد، يسلّط الاستطلاع أيضاًيسلّط الضوء على أحد المجالات المثيرة للقلق: ففي ظل الركود الاقتصادي والسياسي في الداخل المصري، لا يعتبر المصريون أن أي من القضايا المذكورة أعلاه تشكل أولويةً قصوى، بل يوافق 82% على أنّه "في الوقت الحالي، يتحلى الإصلاح السياسي والاقتصادي الداخلي بأهمية أكبر للبلاد من أي قضية تتعلق بالسياسة الخارجية".
وفي هذا السياق، لا يزال 29% من المصريين يعبّرون عن تعاطفهم مع جماعة «الإخوان المسلمين» بشكل خفي، على الرغم من أن الجماعة محظورة رسمياً باعتبارها تنظيماً إرهابياً. ولم يتغيّر هذا العدد الكبير إحصائياً منذ الاستطلاع السابق الذي أُجري قبل عامين. وتساعد هذه النتيجة في تفسير القلق المستمر للحكومة المصرية بشأن الاستقرار الداخلي قبل كل شيء - ولكنه يشير أيضاً إلى أنّ المعارضة العلنية للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي غير قادرة على حشد أي دعم من قبل الغالبية العظمى من المصريين.
وفي الوقت نفسه، شهد العامان الماضيان ارتفاعاً متواضعاً في نسبة المصريين المؤيدين لفكرة أنّه "يجب الإصغاء لمن يحاول من بيننا تفسير الإسلام على ضوء أكثر اعتدالاً وتسامحاً وحداثة". وفيما قد يكون بشرى أمل أو على الأقل علامة استقرار، أصبحت الموافقة على هذه الفكرة تبلغ الآن 30%.
ملاحظة حول المنهجية: تم إجراء هذه الدراسة الاستقصائية في آب/أغسطس من قبل شركة تجارية إقليمية ذات سمعة طيبة، من خلال مقابلات وجهاً لوجه مع عينة عشوائية مؤلفة من ألف مصري ممثلة على الصعيد الوطني ومراعية للانتشار الجغرافي. ويبلغ هامش الخطأ الإحصائي حوالى 3٪. ونظراً إلى المنهجية المهنية المعتمدة، وصياغة الأسئلة المحايدة، والضمانات الصارمة للسرية، توفّر هذه النتائج صورةً مفصلة، وذات مصداقية، وفي الوقت المناسب عن الرأي العام المصري اليوم على نحوٍ غير معتاد.
ديفيد بولوك هو زميل "كوفمان" ومدير "منتدى فكرة" في معهد واشنطن.