- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2457
استئناف "الحوار الاستراتيجي" الأمريكي - المصري
في 2 آب/أغسطس، سيقوم وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بزيارة القاهرة لبدء "الحوار الاستراتيجي" الأمريكي - المصري. وتعكس هذه الزيارة الرفيعة المستوى رغبة البلدين في التشديد على مصالحهما الإقليمية المشتركة لتخطي الخلافات السياسية التي شابت العلاقة بينهما في العامين الماضيين. وبهذا المعنى، تكمن أهمية الحوار أساساً في تحسين صورة العلاقة بين البلدين، إذ إن الجوانب الأكثر أهمية في هذه العلاقة تُدار بالفعل عبر قنوات أخرى أقل علانية.
استراتيجية "الحوارات الاستراتيجية"
تقيم الولايات المتحدة حوارات استراتيجية مع عدد كبير من البلدان، بما فيها الصين والهند وإسرائيل والمغرب ونيوزيلندا وباكستان. وسواء كانت هذه الحوارات تجري على المستوى الوزاري أو على مستويات مساعد الوزير، فهي توفر فرصة للمسؤولين الرفيعي المستوى لدراسة أسس العلاقات الثنائية الرئيسية. وعادة ما تشمل الحوارات عقد جلسات للتباحث حول مجموعة واسعة من القضايا مثل التعاون الأمني، والتجارة، والتبادلات الثقافية، والتنمية الاقتصادية، والإصلاح السياسي، والمخاوف الإقليمية المشتركة.
وبالنسبة إلى واشنطن، إن أهم ما في هذه الحوارات هو قيمتها الرمزية. وفي حين أن المسؤولين ذوي المستوى المنخفض في الكثير من الوكالات الحكومية المختلفة يتولون الجوانب العملية في العلاقات الثنائية على نطاق يومي، فإن تخصيص المسؤولين الأمريكيين الرفيعي المستوى أياماً كاملة [للتعامل مع قضايا] بعض البلدان يوضح مدى الأهمية التي توليها واشنطن لهؤلاء الشركاء. ويمكن للحوارات الاستراتيجية أن ترسل إشارات قوية في زمن الخلافات السياسية، إذ إنها تؤكد متانة العلاقات الأساسية بالرغم من التوترات القصيرة الأمد.
تبادل الحوار على نحو دوري
في الوقت الذي تم فيه وصف "الحوار الاستراتيجي" الأمريكي - المصري على أنه علاقة ثنائية «عادية»، فإن الاجتماعات في القاهرة هذا الأسبوع سوف تكون الأولى من نوعها منذ نحو ست سنوات. ومع ذلك، كانت واشنطن والقاهرة تعقدان جلسات حوار على نحو دوري قبل عام 2009، للتشديد على أهدافهما الإقليمية المشتركة حتى عندما اختلفا سياسياً. وكان أحد الأهداف الرئيسية لتلك النقاشات هو الإشارة إلى الالتزام المستمر بعملية السلام بين العرب وإسرائيل.
وعُقدت جلسة الحوار الأولى على المستوى الوزاري في تموز/يوليو 1998. وحيث تزامن ذلك الحوار مع ذروة عملية السلام التي تم التوصل إليها في أوسلو، فقد كان يهدف إلى «ضمان التعاون الوثيق في المسائل السياسية والدبلوماسية وللفت انتباه الشعب إلى هذا الجانب من علاقتنا الثنائية القوية». وعقدت إدارة كلينتون جولات إضافية من الحوار على المستوى مساعد وزير في كانون الأول/ديسمبر 1998 وشباط/فبراير 1999.
وبالمثل، كانت إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الإبن تعتبر أن العلاقة الأمريكية - المصرية ضرورية لإحراز تقدم في عملية السلام بين إسرائيل وفلسطين، وقد أعلنت في آذار/مارس 2002 أنها سوف تطلق جولة جديدة من اجتماعات الحوار لـ "التنسيق المنتظم في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية". وكررت تلك الدعوة في تموز/يوليو 2004 وشباط/فبراير 2006، إلا أنه لم تعقد في النهاية جلسة حوار أخرى حتى تموز/يوليو 2006، حيث أضيفت مسألة حرب لبنان و تداعياتها الإقليمية إلى جدول الأعمال. ويعكس الحوار أيضاً رغبة الإدارة الأمريكية في تجاوز خلافاتها مع القاهرة بشأن "أجندة الحرية".
وخلال العام الأول من توليها زمام الحكم، واصلت إدارة الرئيس الأمريكي أوباما هذه الجهود لـ «إحياء» العلاقة بين البلدين. وبعد خطاب أوباما في حزيران/يونيو 2009 في القاهرة، عقدت واشنطن مجدداً جلسة "الحوار الاستراتيجي" على مستوى مساعدي الوزراء، ثم عقدت جولة ثانية في كانون الأول/ديسمبر من ذلك العام. وبعد الاطلاع على وثائق أمريكية مسربة، ذكرت صحيفة «التلغراف» البريطانية إن النقاش خلال تلك الجلسة ركّز على الجهود المشتركة للدفع قدماً بعمليتي السلام الإسرائيلية - الفلسطينية والإسرائيلية- السورية، في حين غطى الحوار أيضاً قضايا مثل الوضع الإنساني في السودان ووحدة أراضي العراق. وقد نظرت الإدارة الأمريكية إلى الحوار في ذلك الحين باعتباره بيئة غير ملائمة لمعالجة المخاوف بشأن السياسة الاستبدادية في مصر، وبالتالي رأت من الأنسب فتح قنوات منفصلة، غير حكومية لمناقشة الإصلاح السياسي.
أولويات جديدة، والتباس جديد
تواجه واشنطن والقاهرة حالياً، بيئة إقليمية مختلفة جداً. ففي السنوات الست منذ إجراء الحوار السابق، انهارت عدة دول، واستولت منظمة إرهابية على أراضي تبلغ مساحتها بقدر مساحة بلجيكا تقريباً، وأشعل نفوذ إيران وهيمنتها سلسلة من الصراعات الطائفية في جميع أنحاء المنطقة. وقد أثرت جميع هذه التطورات كثيراً على مصر، التي شهدت تغيرات متعددة في النظام، [أسفرت عن] نشر قواتها البحرية لحماية مضيق باب المندب من الحوثيين في اليمن التي تدعمهم إيران، واضطرت إلى مواجهة الجهاديين المنتمين إلى تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية» إلى الغرب (في ليبيا) والشرق (في سيناء). ونتيجة لذلك، فإن عملية السلام الاسرائيلية-الفلسطينية الهامدة منذ نيسان/أبريل 2014، لم تعد النقطة المحورية في العلاقات الأمريكية المصرية، على الرغم من أن القاهرة لا تزال تلعب دوراً مركزياً أثناء الصراعات الدورية التي تندلع في غزة.
ولقد تسببت هذه التطورات في حدوث التباسات كبيرة في العلاقة الثنائية. فمن جهة، يتشارك البلدان الكثير من الأهداف الاستراتيجية، إذ إن واشنطن والقاهرة تقفان جنباً إلى جنب في محاربة تنظيم «الدولة الإسلامية»، ومواجهة التوسع الإيراني، وتعزيز الاستقرار السياسي حيثما أمكن. ولكن من جهة أخرى، اختلف البلدان كثيراً حول ضرورة الإصلاح السياسي في مصر. وفي هذا السياق، وبعد إدانة مصر لـ 17 موظفاً أمريكياً يعملون في منظمات غير حكومية داعمة للديمقراطية في حزيران/يونيو 2013، وما أعقبها من أعمال قمعية مارستها حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي، تراجع حماس واشنطن [للحفاظ] على العلاقة مع مصر وبرز عداء كبير تجاه مصر في بعض الأوساط. وعلى نفس المنوال، رفضت مصر دعوات واشنطن المتكررة لإقامة حكم أكثر شمولاً، معتبرة ذلك وصفة لتمكين جماعة «الإخوان المسلمين»، التي تعتبرها الحكومة المصرية منظمة إرهابية. وقد أرخت هذه الخلافات في بعض الأحيان بظلالها على المصالح الإقليمية المشتركة بين البلدين، خصوصاً مع نشوب الأزمة الأشد بينهما بعد تشرين الأول/أكتوبر 2013، عندما أبقت إدارة أوباما الجزء الأكبر من المساعدة المالية العسكرية التي تقدمها سنوياً إلى مصر، والتي تبلغ قيمتها 1.3 مليار دولار، « بانتظار حصول تقدم نحو حكومة مدنية شاملة ومنتخبة ديمقراطياً عبر انتخابات حرة وعادلة».
ولسد هذه الثغرات، اقترحت القاهرة عقد "حوار استراتيجي" جديد في أواخر عام 2013، ووافق وزير الخارجية الأمريكي جون كيري على ذلك. ويوحي تأخر هذا الحوار لعامين تقريباً بأن واشنطن ما زالت منزعجة من مسار مصر القمعي، فضلاً عن التفات الإدارة الأمريكية نحو مسائل إقليمية أكثر إلحاحاً مثل المفاوضات النووية مع إيران ومحاربة تنظيم «داعش».
الحوار ليس القناة الوحيدة إطلاقاً
في الأشهر الأخيرة، توصلت الإدارة الأمريكية إلى اقتناع بأن مقاربتها الفاترة تجاه القاهرة لم تساهم في تعزيز المصالح الأمريكية الإقليمية ولم تشجع مصر على اتباع مسار أكثر ديمقراطية من ذي قبل. ولذلك، بدأت واشنطن تسعى إلى تحسين علاقتها مع مصر. وقد بدأت هذه العملية في أيلول/سبتمبر 2014،عندما التقى الرئيس أوباما بالرئيس السيسي على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، وازدادت العلاقات تحسناً في آذار/مارس 2015، مع رفع الإدارة الأمريكية حظرها على المساعدات العسكرية.
وتمثل جلسات الحوار الأخيرة الخطوة التالية في تحسين صورة العلاقة بين البلدين، وتعبر أيضاً عن استراتيجية الإدارة الأمريكية في طمأنة الحلفاء العرب السنة في أعقاب الاتفاق النووي مع إيران. وفي النهاية، فحتى مع توقف "الحوار الاستراتيجي" لأكثر من ستة أعوام، بقيت الجوانب الأساسية في العلاقة الثنائية تسير بشكل سليم - فقد استمر التنسيق لمكافحة الإرهاب، وما زالت مصر تمنح الولايات المتحدة امتيازات عبور في قناة السويس وفي مجالها الجوي لإيصال الإمدادات إلى قواعدها العسكرية في الخليج العربي.
لقد نجحت واشنطن والقاهرة في هذه المهمة عبر اعتماد آليات أخرى في إدارة الجوانب الحساسة من العلاقة بينهما. فعلى سبيل المثال، لعبت "القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون" دوراً أكثر مركزية في تنسيق جهود مكافحة الإرهاب في سيناء وإدارة العلاقات المصرية الإسرائيلية، في حين لا تزال الاتصالات بين مسؤولي المخابرات والدفاع المصريين والأمريكيين مستمرة. بالإضافة إلى ذلك، تمكنت واشنطن والقاهرة من الإبقاء على قنوات تواصل رفيعة المستوى لتنسيق السياسات خلال أوقات الأزمات، بما في ذلك إجراء الرئيس أوباما ست مكالمات هاتفية مع الرئيس المصري في ذلك الحين محمد مرسي خلال حرب غزة في تشرين الثاني/نوفمبر 2012، وإجراء وزير الدفاع الأمريكي السابق تشاك هاجل أكثر من ثلاثين مكالمة هاتفية مع وزير الدفاع المصري آنذاك عبد الفتاح السيسي في العام الذي أعقب الإطاحة بمرسي.
ونظراً إلى أن خلافات هامة حول سياسات مصر المحلية سوف تستمر لما بعد "الحوار الاستراتيجي" المزمع عقده الأسبوع المقبل، من المرجح أن تبقى القنوات الأقل علانية لإدارة العلاقة بين البلدين، السمة الأهم بين واشنطن والقاهرة في المستقبل المنظور. بيد، يظهر الحوار أن تلك الخلافات لن تخرب العلاقة بينهما في أي وقت قريب.
إريك تراجر هو زميل "إستير واغنر" في معهد واشنطن. إيتان ساياغ هو باحث متدرب في برنامج السياسة العربية في المعهد.