- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
اتّفاق إيران النّووي: تحقيق الولايات المتّحدة واجباتها أو تخطيها
أدّى إعلانان صدرا مؤخّراً عن إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما حول تنفيذ اتّفاق إيران النّووي، إلى إثارة الغضب الشديد للمنتقدين للصّفقة. فالإعلان الأوّل هو اقتراح التّساهل فيما يتعلّق بالقيود الماليّة الّتي تفرضها الولايات المتّحدة على شركات البلدان الأخرى الّتي تتعامل مع إيران أو توضيحها. وما زال الغموض يلفّ تفاصيل هذه الخطوة العالقة، كما أنّ المنافع قد تكون في النّهاية ضئيلة. وقد شكا مسؤولون إيرانيّون من أنّ المصارف الأجنبيّة ما زالت تتردّد في التّعامل مع إيران، على الرّغم من أنّ الولايات المتّحدة والاتّحاد الأوروبّي والأمم المتّحدة وغيرهم قد رفعوا معظم العقوبات. وباختصار، إنهم غير سعيدون لأنّ إيران لم تحقق حتى الآن المنافع الاقتصاديّة للاتّفاق النّووي كما يعتقدون بأن عليها أن تحققه.
ثمّ جاءت الأخبار قائلة أنّ وزارة الطّاقة الأمريكية وافقت على شراء 32 طنّاً مترياً من الماء الثّقيل من إيران. ويمكن استخدام هذا الماء لإنتاج الوقود للأسلحة النّوويّة، على الرغم من أنه يدخل في تطبيقات علميّة وصناعيّة. وقد وافقت إيران، كجزء من الاتّفاق الّذي أُعلِن عنه في تمّوز/يوليو الماضي، على إعادة تصميم مفاعل الماء الثّقيل والحدّ من مخزونه على مدى خمسة عشر عاماً.
ولاقت إيران صعوبة في بيع هذه المادّة، وقد تساعدها عمليّة الشّراء الّتي قامت بها الولايات المتّحدة على احترام الحدود الّتي نصّ عليها الاتّفاق النّووي. وقال المتحدّث باسم وزارة الخارجيّة الأمريكية جون كيربي إنّ إزالة الماء الثّقيل من إيران يضمن إمكان استخدامه لتلبية "الشروط المطلوبة للأبحاث والأغراض الصّناعيّة غير النّوويّة". وتثير هذه الحماية التّساؤل حول سبب السّماح لإيران بمواصلة إنتاج مثل هذه المادّة الحسّاسة وفقاً لأحكام الاتّفاق النّووي.
إن الهدف من هذين الإجراءيْن واضحة ومباشرة: فإدارة أوباما تعتقد أنّ الاتّفاق النّووي يخدم مصالح الولايات المتّحدة، وأكثر من ذلك، إنّه يشكّل نموذجاً حول كيفيّة وجوب حلّ نزاعات مماثلة. ولضمان استمراريّة الاتّفاق، يبدو أنّ الولايات المتّحدة مستعدّة للعمل مع الحكومة الإيرانيّة - الّتي يهاجمها نقّاد محلّيّون لا يروقهم الاتّفاق - حتى ولو كان ذلك، كما في هذه الحالات، قد يشمل تجاوز التزامات واشنطن الصّريحة في الاتّفاق النّووي.
وبطبيعة الحال، لواشنطن مصلحة في أن تظهر كشريك دبلوماسي يتمسّك بالتزاماته. ومن المعقول الاستنتاج أنّه على الولايات المتّحدة وإيران وأطراف أخرى أن تتبع حرفياً نص الاتّفاق إذا ما أرادت هذه البلدان استمراره. والأكثر إثارة للشّكّ هو فكرة أنّ الولايات المتحدة ليست ملزمة بالتقيّد بالاتّفاق فحسب، بل بضمان تلقّي إيران المنافع التي أمَلت في تحقيقها أيضاً، أو أنّ القيام بذلك يعود بالفائدة على المعتدلين في إيران أو الولايات المتّحدة. وليست هذه بفكرة قد يتقبّلها القادة الإيرانيّون - الّذين يستبعدون المخاوف بشأن التجارب الصاروخية واستيراد الأسلحة - إذا ما طُبّقت على بلادهم.
ولا يبدو أنّ هذه المقاربة الّتي تتخطّى الاتّفاق ستعود بالفائدة على العلاقات الأمريكيّة -الإيرانيّة أو على المعتدلين الإيرانيّين على المدى الطّويل. فالتّحدّيات الّتي يواجهها النّظام المصرفي في إيران هي إلى حدٍّ كبير من صنعه هو (انظر المرصد السياسي 2600، "إيران تعزل نفسها عن النظام المالي الدولي بينما تلقي اللوم على واشنطن"). إذ لا تلتزم المصارف الإيرانيّة بالمعايير الماليّة الدّوليّة لتفادي غسل الأموال أو منع تمويل الإرهاب. إن جعل الأمر أكثر سهولة لإيران لكي تتفادى تنفيذ مثل هذه المعايير لا يخدم مصالح الإصلاحيين الاقتصاديّين.
وبالنّسبة إلى الماء الثّقيل، يتمثّل البديل عن بيعه في إيقاف إنتاجه، وهي خطوة قد تجعل من الصعب على إيران استئناف أنشطتها ذات الصّلة في المستقبل. كما أنّ الحاجة إلى هذه الصفقة تسلّط الضّوء على التبذير التي تقوم به إيران بصبّها الموارد في القطاع النّووي. وليس هناك معنى للدعم الذي تقدمه الولايات المتّحدة للصناعة النّوويّة الإيرانية الّتي تديرها الحكومة، في حين تمنع واشنطن المتاجرة مع مقاولين من القطاع الخاص، إذا كانت الغاية مساعدة الإيرانيّين ذوي التوجهات الإصلاحية.
وغالباً ما يقول المسؤولون في إدارة أوباما إنّهم نجحوا في استخدام مزيج من العقوبات والانخراط لإنجاح الاتّفاق النّووي مع إيران. وبدلاً من التّسرّع في حلّ مشاكل إيران من دون مقابل، يمكن أن تستخدم الإدارة الأمريكية نفس مزيج المثبطات والحوافز في هذه الحالات وغيرها. وبدلاً من تقديم تنازلات إضافيّة لمساعدة إيران على إدراك منافع تخفيف العقوبات، بإمكان المسؤولين الأمريكيّين أن يشرحوا لإيران الخطوات الّتي بوسعها اتّخاذها لتطمين مخاوف البلدان الأخرى فيما يتعلّق بقطاعها المصرفي، ويشترطوا تسهيلات جديدة عند تنفيذ هذه الخطوات. ويمكن للولايات المتّحدة أن تترك إيران أيضاً لكي تُثبت بنفسها أنّ المساعي النّوويّة مثل إنتاج الماء الثّقيل مجدية اقتصاديّاً، بتقديمها حوافز للتّخلّص من هذه المشاريع بدلاً من الإبقاء عليها. وقد يعرب القادة الإيرانيّون عن معارضتهم لهذه المقاربة الأشدّ حزماً، ولكن مع ذلك يمكن أن تكون مفيدة للأمريكيّين والإيرانيّين على حد سواء.
مايكل سينغ هو زميل "لين سوينغ" الأقدم والمدير الإداري في معهد واشنطن. وقد نُشرت هذه المقالة في الأصل من على مدونة "ثينك تانك" على موقع الـ "وول ستريت جورنال".
"وول ستريت جورنال"