- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2739
أولى تداعيات قرار الأمم المتحدة حول المستوطنات
في 23 كانون الأول/ديسمبر، أقر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 2334 القاضي بإدانة مشاريع الاستيطان الإسرائيلية في الضفة الغربية وجهود البناء التي تقوم بها إسرائيل في القدس الشرقية. ونص على أن هذا النشاط "ليس له أي شرعية قانونية ويشكل انتهاكاً صارخاً بموجب القانون الدولي". وقد امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت الذي كانت نتيجته 14-0، مما دفع برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى توجيه انتقاد لاذع إلى واشنطن خلال اجتماع مجلس الوزراء في 25 كانون الأول/ديسمبر. ووفقاً لموقعه الرسمي قال نتنياهو للوزراء، "بناء على المعلومات المتوفرة لدينا، لا شك لدينا بأن إدارة أوباما قد بادرت إلى تمرير هذا القرار ووقفت وراءه ونسّقت صيغه وطالبت بتمريره". وقد وصف القرار أيضاً بأنه "غير متوازن" و "مخجل" و "معاد جداً لإسرائيل"، وأشار إلى أنه أبلغ وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الأسبوع الماضي أن "الأصدقاء لا يأخذون الأصدقاء إلى مجلس الأمن".
لكن المسؤول في البيت الأبيض بن رودس اعترض علناً على الفكرة بأن واشنطن قد قادت هذا القرار. ولفت مسؤولون أمريكيون إلى أن الامتناع عن التصويت يتماشى مع الإدارات الديمقراطية والجمهورية السابقة التي عارضت النشاط الاستيطاني. كما أشاروا إلى أن إدارة أوباما كانت متسقة للغاية [في سياساتها] بشأن هذه المعارضة، وأن إسرائيل وحدها تتحمل اللوم على أفعالها الأخيرة، وأنهم دافعوا عن إسرائيل في الماضي ضد أي إجراءات أحادية الجانب، بما فيها حق النقض على قرار المستوطنات في عام 2011.
وعلى الرغم من الكلمات الساخنة، لم تقل واشنطن أو القدس الكثير عن التداعيات العملية للتصويت. ويبدو أن المسؤولين الأمريكيين لا يريدون فرك الملح على الجرح الدبلوماسي الخطير، في حين تفضل إسرائيل على الأرجح عدم تأجيج منتقديها بمثل هذه التكهنات. وقد جرى التصويت بموجب الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة وليس الفصل السابع الأكثر إلزاماً، لذا فإن أي عقوبات دولية رسمية ليست مطروحة على الطاولة. بيد، يشير تقييم أوّلي أنه من الممكن أن تكون لهذه الخطوة تداعيات سلبية عميقة بالنسبة لإسرائيل على جبهات أخرى، مما قد يؤدي إلى الدعوة إلى فرض المزيد من الضغوط الدبلوماسية وتعزيز مفهوم تدويل الصراع الفلسطيني.
التداعيات القانونية
أولاً، على الرغم من أن شرعية المستوطنات القانونية كانت أساساً محطّ اعتراض بموجب "قرار مجلس الأمن رقم 465" في عام 1980، إلا أن السياق السائد قد تغيّر منذ ذلك الحين بشكل واضح. والأهم من ذلك، أن القرار الجديد يتزامن مع بحث "المحكمة الجنائية الدولية" في اتخاذ تدابير مختلفة بحق مسؤولين إسرائيليين. على سبيل المثال، لطالما اعتبرت إسرائيل أن "اتفاقية جنيف الرابعة" - التي تمنع الدول من نقل أي من سكانها إلى الأراضي المحتلة - لا تنطبق على الضفة الغربية، لأنه لم تكن هناك أي سلطة معترف بها قبل حرب 1967. إلا أن معظم الدول لا توافق على تفسير إسرائيل، وقد تكون "المحكمة الجنائية الدولية" أكثر جرأةً في البحث رسمياً بهذه المسألة في الوقت الراهن بالتزامن مع اعتماد قرار صادر عن مجلس الأمن الدولي ينفي "الشرعية القانونية" للمستوطنات.
ثانياً، يُبرز القرار 2334 بوضوح حدود ما قبل حرب عام 1967 على أنها المعالم الأساسية لإقامة دولة فلسطينية، معلناً أن المجلس "لن يعترف بأي تغييرات في خطوط الرابع من حزيران/يونيو 1967 بما في ذلك ما يتعلق بالقدس سوى التغييرات التي يتفق عليها الطرفان من خلال المفاوضات". وبعبارة أخرى، يكرّس القرار فعلياً أكبر مطلب للفلسطينيين، وشرطهم المسبق المستمر لاستئناف مفاوضات الوضع النهائي. بيد، لا يحدّد في المقابل مطلب إسرائيلي موازن حول الوضع النهائي على غرار الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية. ونظراً إلى تاريخ واشنطن في ممارسة حق "الفيتو" ضد القرارات المعادية لإسرائيل، كان بإمكان الولايات المتحدة أن تمارس ضغطاً كبيراً لانتزاع تنازل مهم بقدر اللغة المستعملة حول حدود عام 1967. ويُعتبر قرار إدارة أوباما الواضح بعدم استخدام هذا النفوذ محيراً حتماً.
وبالفعل، هناك اختلاف - وقد يقول البعض تناقض - بين إعلان القرار الصارم "بعدم وجود شرعية قانونية" وبين خطابات الرئيس أوباما المؤثّرة في أيار/مايو 2011 بأن أي اتفاق كُلّي سيتضمن تبادلاً للأراضي تقوم بموجبه إسرائيل بضمّ كتل استيطانية معيّنة محاذية لحدود عام 1967. وفي الوقت الذي لا يعتقد فيه الكثير من المحللين بأن اتفاق سلام شامل ممكن على المدى القريب، إلا أن لغة القرار الشاملة قد تعقّد الجهود الرامية إلى إطلاق تدابير مبتكرة في غضون ذلك تميّز بين المستوطنات بما يتفق مع حل الدولتين.
فضلاً عن ذلك، إن السنوات من الضغوط التي مارستها إدارة أوباما لم تقنع إسرائيل بوقف نشاط الاستيطان في أقسام الضفة الغربية التي ستخضع على الأرجح للمقايضة، لذا من الصعب أن نرى كيف يمكن للضغوط الدولية أن تفي بالغرض. وفي الواقع، يُرجّح أن يفاقم القرار الجديد الأزمة الإسرائيلية-الفلسطينية ويضفي طابع الشرعية على جهود العقوبات التي تركز على المستوطنات. على سبيل المثال، اعتمد لغة كانت محصورة سابقاً بتدابير الاتحاد الأوروبي حيث ميّز "بين أرض دولة إسرائيل والأراضي المحتلة منذ عام 1967"، لذا يبقى أن نرى كيف سيتجلى هذا التمييز في سياق قرار أوسع نطاقاً بكثير يصدر عن مجلس الأمن. وكان قد سبق للاتحاد الأوروبي أن أنشأ نظاماً منفصلاً لوضع علامات على المنتجات الإسرائيلية المصنوعة في الضفة الغربية، بينما يحظّر برنامج البحوث العلمية والتطوير الذي يعتمده المجلس [تقديم] مساعدات اقتصادية إلى مؤسسات إسرائيلية تعمل خارج حدود عام 1967. وحتماً سيشكّك البعض فيما إذا كان القرار الجديد قد يمهد الطريق أمام مقاطعة مستوطنات الضفة الغربية أو فرض عقوبات اقتصادية عليها.
حسابات دبلوماسية
على الرغم من أن بعض المسؤولين الإسرائيليين كانوا قد صرّحوا بأن قرار مجلس الأمن قد أخذهم على حين غرة، كان الفلسطينيون قد أعربوا عن رغبتهم في تمرير قرار مماثل في المجلس اعتباراً من تشرين الأول/أكتوبر، وكانت واشنطن بدورها قد أشارت سابقاً إلى أن استياءها من بعض الخطوات التي اتخذتها إسرائيل قد يخلّف عواقب سلبية. على سبيل المثال، في حين كررت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة سامانثا باور "ازدواجية المعايير" المؤسفة التي تعتمدها المنظمة إزاء إسرائيل ولفتت إلى أن واشنطن لم توافق على كافة أحكام قرار مجلس الأمن رقم 2334، إلا أنها ذكرت أيضاً أن الإدارة الأمريكية مستاءة بسبب تجاهل إسرائيل لتحذيراتها السابقة حول نشاط الاستيطان. وسلّطت الضوء على قانون أولي طُرح في الكنيست الإسرائيلي خلال تشرين الثاني/نوفمبر من شأنه إضفاء الشرعية على البؤر الاستيطانية الإسرائيلية خارج الجدار الأمني في الضفة الغربية. كما دافعت عن القرار باعتباره وسيلة لتمكين إسرائيل من الحفاظ على هويتها كدولة يهودية وديمقراطية، معللةً ذلك بمشاكل ديمغرافية برزت بسبب السماح باستمرار أزمة المستوطنات إلى أجل غير مسمى.
ولم يساهم تقارب إسرائيل مع روسيا ومصر الذي حظي باهتمام كبير خلال الأشهر القليلة الماضية في عرقلة مسار القرار. وقد تماشى تصويت موسكو بتأييده مع سجلها الحافل بدعم المواقف الدبلوماسية للدول العربية ضد إسرائيل. ورغم أن القاهرة أشارت في اللحظة الأخيرة إلى أنها قد تسحب مشروع القرار الذي قدمته وسط نداءات مباشرة من نتنياهو والرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب إلى الرئيس عبد الفتاح السياسي، إلا أن دول أخرى (نيوزيلندا والسنغال وفنزويلا وماليزيا) تبنت النسخة المصرية في نهاية المطاف وصوّتت القاهرة بتأييد القرار.
من جانبه، وصف رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس التصويت بأنه "نصراً معنوياً". وليس هناك شك في أن القرار سيُعتبر بمثابة الإنجاز الأكثر أهمية في الجهود التي تبذلها السلطة الفلسطينية لتدويل الصراع، لا سيما نظراً إلى الاعتقاد الفلسطيني السائد بأن المحادثات المباشرة لن تحقق شيئاً يذكر - هذا إن حققت أي شيء أساساً - وهي نظرة يعارضها نتنياهو بقوة. ومع ذلك، يبقى أن نرى ما إذا كان بإمكان الفلسطينيين تعزيز زخم التدويل موضع البحث خلال عهد ترامب، لأن الولايات المتحدة ستحتفظ بحق ممارسة "الفيتو".
آخر ملاحظة متنافرة
بينما يستعد أوباما لمغادرة البيت الأبيض، كان نتنياهو صريجاً في إدانته للإدارة الأمريكية. فبالإضافة إلى اتهاماته التي سبق ذكرها، أشار علناً إلى أن التركيز على إسرائيل كان أمراً مثيراً للسخط نظراً إلى أن "نصف مليون سوري يُذبحون في سوريا" و"عشرات الآلاف يُقتلون في السودان". وتابع قائلاً: "إن الشرق الأوسط يشتعل، مع ذلك قررت إدارة أوباما ومجلس الأمن الدولي مهاجمة الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط". كما أمر وزارة الخارجة باستدعاء جميع سفراء الدول الأربع عشرة الأعضاء في مجلس الأمن التي صوّتت لصالح القرار، ومن ثم استدعى شخصياً السفير الأمريكي دان شابيرو يوم الأحد. وحث كذلك الوزراء في الحكومة على تقييد سفرهم إلى الدول التي صوّتت بنعم بالإضافة إلى علاقات العمل معها.
ورغم أن نتنياهو استثنى الولايات المتحدة من هذا التنبيه الأخير، إلا أن مجلس الأمن يضم بالطبع الدول الكبرى الأخرى في العالم، لذا من غير الواضح ما إذا كان طلبه الحدّ من الروابط سيُترجم إلى أفعال ملموسة وكيف سيتم ذلك. وقد ألغت إسرائيل بالفعل زيارة رئيس وزراء أوكرانيا، الدولة العضو في مجلس الأمن - في خطوة قد لا تُفسّر فقط بأنها إشارة إلى استياء إسرائيل من التصويت، بل كمسعى لتعزيز الروابط مع بوتين بغض النظر عن نية نتنياهو. وفي ردّ احتجاجي على إلغاء الزيارة، استدعت أوكرانيا السفير الإسرائيلي في كييف.
وباختصار، قد ينهي تصويت الأمم المتحدة علاقة دامت ثمانية أعوام بين أوباما ونتنياهو بملاحظات متنافرة على وجه الخصوص. وعلى الرغم من التوترات المعروفة حول إيران والمستوطنات وقضايا أخرى، حافظ الزعيمان على روابط أمنية ثنائية قوية جداً، توّجتها مؤخراً مذكرة تفاهم أبرمت في أيلول/سبتمبر بشأن المساعدات العسكرية الأمريكية. ومع ذلك، قد تضعف القيمة الرمزية لمثل هذه الإنجازات إذا كان التصويت في الأسبوع الماضي آخر تواصل رفيع المستوى بينهما.
احتمال اتخاذ خطوات للمتابعة في مجلس الأمن الدولي
خلال اجتماع مجلس الوزراء الإسرائيلي يوم الأحد، حث نتنياهو الوزراء على تجنّب تكرار التصريحات المؤذية التي يدعو فيها اليمين إلى ضمّ جزئي الضفة الغربية رداً على خطوة الأمم المتحدة. ومع ذلك، فهم يدركون تماماً أن الوضع الدبلوماسي لا يزال غير مستقر إلى حدّ كبير. ويشير المسؤولون الإسرائيليون إلى أنهم سيقاطعون الاجتماع الدولي لوزراء الخارجية المقرر انعقاده في باريس في 15 كانون الثاني/يناير، أي قبل خمسة أيام من تنصيب ترامب. ولفت بعض أعضاء مجلس الوزراء إلى إمكانية قيام مجلس الأمن باستخدام القمة كفرصة من أجل الإسراع على الموافقة على بيان بشأن المسألة الفلسطينية، ربما من خلال فرض أطر حلّ الوضع النهائي. يُذكر أنه من المتوقّع أن تتولى السويد، التي اعترفت رسمياً في وقت سابق بفلسطين كدولة مستقلة وكانت علاقاتها سيئة مع القدس على مر السنوات، رئاسة مجلس الأمن الدولي في كانون الثاني/يناير، لذا قد يشجّع الجو الدبلوماسي على اتخاذ مثل هذه الخطوة.
أما بالنسبة للولايات المتحدة، فقد أشار بن رودس إلى أن وزير الخارجية جون كيري سيطرح فكرة الإدارة الأمريكية بشأن فصل الدولتين خلال خطاب مقبل. وفي غضون ذلك، هدّد السيناتور البارز في الحزب الجمهوري ليندسي غراهام بالانتقام من تصويت مجلس الأمن الدولي عبر قطع التمويل الأمريكي إلى الأمم المتحدة.
عامل ترامب
من المرجح أن يسعى نتنياهو إلى التقارب من ترامب بصورة أكثر خلال الأسابيع المقبلة، وجزئياً عبر دعم دعوة هذا الأخير إلى نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس. كما سيحث على الأرجح على إحياء رسالة الرئيس جورج بوش الابن التي وجّهها عام 2004 إلى رئيس الوزراء أريئيل شارون وضح بموجبها دعم الولايات المتحدة ضمّ إسرائيل في نهاية المطاف لعدد من الكتل الاستيطانية، في إطار اتفاق سلام نهائي يشمل تبادل الأراضي (أي ستقوم إسرائيل بالمبادلة لقاء المجموعات الكبيرة من مستوطنات الضفة الغربية الواقعة بالقرب من الجدار الأمني والتي تضمّ 80 في المائة تقريباً من المستوطنين). وكانت العلاقة بين أوباما ونتنياهو قد بدأت تتدهور في عام 2009 حين رفض الرئيس الأمريكي دعم خطاب بوش، وقد يساهم قرار مجلس الأمن الجديد بتعقيد مساعي إحياء هذا الخطاب.
ويثير التصويت أيضاً أسئلة حول آمال نتنياهو التي لقيت دعاية كبيرة بأن العلاقات الهادئة مع روسيا ودول آسيوية وأفريقية وعربية مختلفة ستكتسي أهمية سياسية متنامية داخل إسرائيل على مر الزمن. وقد يؤمن أن بإمكانه الاستفادة من رئاسة ترامب في علاقاته مع هذه الدول بالتوازي مع الخطوط نفسها التي استعان بها مع السيسي الأسبوع الماضي. وفي حين فشلت المناورة المصرية في النهاية، قد يشعر نتنياهو أن وجود ترامب سيعزز فرص نجاحه. والسؤال الذي يُطرح هنا هو إلى أي مدى يرغب ترامب نفسه في التعاون مع هذه الجهود.
الخاتمة
يقول مسؤولون أمريكيون أنهم يأملون أن يكون قرار مجلس الأمن بمثابة جرس إنذار لإسرائيل. غير أن غضب نتنياهو يبيّن بوضوح أن القدس تعتبره خطوة سافرة من جانب واحد اتُخذت من قبل إدارة أوشكت ولايتها على الانتهاء، وأن تعطيل القرار سيكون أسهل عندما تتولّى إدارة ترامب مهامها بنهج مختلف. ونتيجةً لذلك، قد تقوّض الطبيعة غير المتوازنة لنص القرار أي حسابات إسرائيلية داخلية - وهي نفس الحسابات التي أمل الفلسطينيون ومؤيدوهم الدوليون الدفع بها.
ديفيد ماكوفسكي هو زميل "زيغلر" المميز ومدير مشروع عملية السلام في الشرق الأوسط في معهد واشنطن.