- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2655
أوروبا و«خطة العمل المشتركة الشاملة»
"صادف الرابع عشر من تموز/يوليو الذكرى السنوية الأولى لتوقيع الاتفاق النووي مع إيران المعروف بـ «خطة العمل المشتركة الشاملة». وهذا المقال هو جزء من سلسلة من المراصد السياسية التي تقيّم الكيفية التي أثّر فيها الاتفاق على المصالح المختلفة للولايات المتحدة".
على الرغم من جميع الجهود التي بذلتها أوروبا للتوصل إلى الاتفاق النووي مع طهران، لم تلق الذكرى السنوية الأولى لـ «خطة العمل المشتركة الشاملة» الكثير من الاهتمام هناك. فبسبب انزعاج الأوروبيين من قرار بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي ومخاوفهم من حدوث أزمة مصرفية محتملة في إيطاليا - التي يحتمل أن تكون ضربة أكثر خطورة بكثير على عملتهم الموحدة من أزمة الديون السيادية اليونانية - فهم يركزون على القضايا الداخلية، بما فيها مستقبل كتلة الاتحاد الأوروبي نفسها. أما بالنسبة للتهديدات الخارجية، فيدور النقاش الأوروبي الرئيسي حول جرأة موسكو المتجددة، وليس حول برنامج طهران النووي (على سبيل المثال، في البيان الختامي لقمة حلف "الناتو" الأخيرة في وارسو، ذُكِرت روسيا تسعة وخمسين مرة، وايران ثلاث مرات فقط). وعندما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط، يبقى تنظيم «الدولة الإسلامية» والموجات التصادمية - على وجه الخصوص الإرهاب واللاجئين - التي ترسلها الأزمة السورية إلى القارة، القلق الأوروبي الأهم، كونها تهز أسس الاتحاد الأوروبي كمشروع سياسي.
وأمام هذا الواقع، كانت المفاوضات النووية مسعى رئيسي مميّز للدبلوماسية الأوروبية. فالمحادثات مع إيران كانت قد بدأت عام 2002 من قِبل ما يسمى بـ "الدول الأوروبية الثلاث": بريطانيا، فرنسا، وألمانيا (وفي وقت لاحق، وُسَّعت المجموعة لتشمل الولايات المتحدة وروسيا والصين، مما شكل «دول الخمسة زائد واحد»). وفي صيف عام 2012، وبعد سبع سنوات من الجمود، ساعدت سلسلة متوالية من العقوبات الأوروبية المالية وتلك المرتبطة بالنفط التي لم يسبق لها مثيل، إلى جلب إيران إلى طاولة المفاوضات.
وبشكل مؤسساتي، أعطت المحادثات المجال والرؤية الواضحة إلى الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، وهو منصب أُنشئ عام 2009 وشغلته على التوالي كاثرين اشتون و فريديريكا موغيريني. بالإضافة إلى ذلك، عززت بنية مجموعة «دول الخمسة زائد واحد» ظهور دور دبلوماسي أكثر أهمية لألمانيا في أوروبا وخارجها، وذلك على قدم المساواة مع النفوذ الاقتصادي لبرلين. ومن المفارقات، أن المفاوضات النووية مع إيران يمكن أن تُذكر أيضاً كإحدى المساهمات البريطانية الأخيرة في السياسة الخارجية المشتركة للاتحاد الأوروبي.
ولكن الأمور ليس كما هي في الولايات المتحدة وإيران، حيث أصبحت المفاوضات مسيّسة على نحو متزايد مع انتقالها إلى المرحلة الختامية، بل أن المقاربة الأوروبية بقيت توافقية إلى حد كبير وغير حزبية. فعلى سبيل المثال، اتبعت فرنسا نفس السياسة في ظل ثلاثة رؤساء على التوالي يمثلون تيارات سياسية وأساليب دبلوماسية مختلفة: جاك شيراك ونيكولا ساركوزي وفرانسوا هولاند. وتم إطلاع البرلمانات المعنية في بريطانيا وفرنسا وألمانيا بصورة مستمرة حول التقدم في المحادثات، وكذلك شركائها من الاتحاد الأوروبي في بروكسل. ولكن خلافاً لمجرى الأمور في واشنطن وطهران، لم تكن هناك مراجعة تشريعية للاتفاق بعد أن أصبح أمراً واقعاً (وبالتأكيد لم يخرج دخان أبيض من السلطة العليا، كما هو الحال في إيران). فقد تمتع المفاوضون بالسلطة الكاملة لإبرام الاتفاق، وعندما تم التوقيع على «خطة العمل المشتركة الشاملة» في تموز/يوليو الماضي، كانت الصفقة منتهية ومتفق عليها بالنسبة لأوروبا.
وبقيت التوقعات في القارة الأوروبية حول عواقب الاتفاق محدودة أيضاً. فمعظم الأوروبيون يشيرون إلى حد كبير إلى «خطة العمل المشتركة الشاملة» باسم "الاتفاق النووي" مع إيران، وليس الدواء الشافي الرنان كـ "صفقة إيران"، الأمر الذي يعكس مخاوفهم المستمرة إزاء السياسات المحلية والإقليمية للجمهورية الإسلامية (وعلى الأخص في سوريا). ومن بين إجراءات أخرى، أبقى الاتحاد الأوروبي عقوباته المتعلقة بحقوق الإنسان كما هي في ظل «خطة العمل المشتركة الشاملة». وكانت النتيجة المرجوة هي "تفاهم من خلال التعامل" تقيّد بموجبه طهران برنامجها النووي مقابل حصولها على إغاثة اقتصادية. إن الفكرة بأن الاتفاق ينبغي أو يمكن أن يكون نقطة تغيّر في الجمهورية الإسلامية لم تلق قدراً كبيراً من الاستجابة بين المفاوضين الأوروبيين. فمن وجهة نظرهم، كان ذلك شيئاً من المؤكد أن تعارضه روسيا والصين - ناهيك عن الإيرانيين أنفسهم، الذين شاركوا في المحادثات لإنقاذ اقتصادهم في المقام الأول، بل من أجل الحفاظ على النظام في النهاية.
وإذا أخذنا فرنسا على سبيل المثال، تساعد تلك التوقعات المحدودة على تفسير سبب توخي فرنسا الحذر بشكل خاص من المعايير النووية التي ينص عليها الاتفاق، حيث أنها ستكون النتائج الملموسة الوحيدة. وتتمثل نظرة أوروبا في أنه يجب الحكم على الاتفاق وفقاً لخصائصه النووية الذاتية؛ وقد ارتقت «خطة العمل المشتركة الشاملة» حتى الآن إلى مستوى هذه التوقعات.
بعد مرور عام على التوقيع على الاتفاق، ومرور ستة أشهر من "يوم التنفيذ"، يرتكز هدف أوروبا في تطبيق الاتفاق، وليس إعادة فتحه. وتبقى السلطات الأوروبية يقظة تجاه أنشطة الانتشار الإيرانية المحتملة، كما يتضح من التحذير الأخير لأجهزة المخابرات الألمانية حول جهود المشتريات التي يقوم بها النظام. بالإضافة إلى ذلك، لا تزال لدى بريطانيا وفرنسا ـ الدولتان الأوروبيتان العضوتان في مجلس الأمن الدولي - القدرة على استظهار آلية "العودة المفاجئة" المنصوص عليها في «خطة العمل المشتركة الشاملة» وإعادة فرض العقوبات إذا ما انتهكت طهران الاتفاق.
وفي الوقت نفسه، يجب على الغرب أن يحترم التزاماته الخاصة تجاه إيران. فالأوروبيون يشعرون بالقلق من إمكانية أن تؤدي المبادرات القانونية أو القضائية أو التنظيمية في الولايات المتحدة إلى ردع البنوك الدولية والجهات الفاعلة الاقتصادية الأخرى من الانخراط في معاملات مشروعة مع إيران تتفق مع «خطة العمل المشتركة الشاملة». ومن وجهة نظر أوروبا، هناك حاجة إلى قواعد واضحة وعادلة لكي تتمكن إيران من الحصول على المقايضة المتفق عليها التي تسمح [بفرض] القيود والمراقبة التي لم يسبق لها مثيل على برنامجها النووي - وهذا يعني أن بإمكان الشركات الأوروبية ممارسة أعمال تجارية مع إيران طالما تتبع قواعد «خطة العمل المشتركة الشاملة»- وهي الشركات التي تتحمل التضحيات الرئيسية في ظل العقوبات.
أوليفييه ديكوتينيي هو هو دبلوماسي فرنسي مقيم لدى معهد واشنطن.