- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3048
إيران تخطط لجعل صناعتها النفطية أكثر مرونة
في الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر، نشرت وزارة المالية الأمريكية مجموعة موسعة من العقوبات على إيران بهدف جعل تصدير النفط منها - وبالتالي اقتصادها المعتمد على النفط - في حالة جمود. وكما كان عليه الحال خلال العقوبات السابقة، من المتوقّع أن تتصدى طهران لهذه الإجراءات من خلال استغلال مزاياها الجغرافية وعلاقاتها مع الدول المجاورة، ومن خلال التعويل على خبرتها الطويلة في إدارة "اقتصاد مرن".
ورغم أن هذه الإستراتيجية الاقتصادية ستعتمد بالكامل تقريباً على النشاط المحدد الذي تستهدفه واشنطن - أي صادرات النفط الخام - فقد تبدو الاختلافات هذه المرة ذات أهمية حاسمة. ففضلاً عن اقتراب إيران من تحقيق اكتفاء ذاتي على صعيد الوقود، فهي تقوم ببناء شبكة تخزين إستراتيجية للنفط والمنتجات النفطية والغاز الطبيعي، واضعةً نصب عينيها هدفين، هما: تخزين ما يعادل كمية الاستهلاك اليومية لخمسين أو ستين يوماً والتأثير على الأسواق الإقليمية والدولية من أجل تصدير إمداداتها في الوقت والسعر الأمثل.
العمل نحو الاكتفاء الذاتي في مجال الوقود
تتمتع إيران بواحد من أعلى مستويات استهلاك الوقود للفرد في العالم - أي ستة أضعاف المتوسط العالمي، ويزداد مستوى استهلاكها بنسبة 9 في المائة سنوياً. ومن بين عوامل أخرى، يمكن أن تُعزى هذه المشكلة إلى الإعانات المالية الكبيرة التي تقدمها وأسعار الوقود المنخفضة، التي أطلقت تجارة تهريب مربحة ترسل ما يقدر بـ 8 في المائة من الوقود الإيراني إلى الدول المجاورة. وخلال السنة الفارسية الماضية (التي انتهت في 21 آذار/مارس)، استوردت إيران أكثر من 12.3 مليون ليتر من الوقود يومياً، أو 4.5 مليارات ليتر في السنة. وحتى الآن، انخفض المعدل هذا العام نوعاً ما لكنه لا يزال مرتفعاً: حوالي 9 ملايين ليتر/في اليوم، أو 3.2 ملايين ليتر/في السنة.
ولتعويض هذا النقص، استثمرت الحكومة بشكل كبير في قطاع التكرير الخاص بها خلال السنوات القليلة الماضية، لا سيما في إنتاج البنزين عالي الأوكتان. وأفادت بعض التقارير أنه وصل إلى معدل قياسي قدره 90 مليون ليتر/في اليوم خلال الصيف الماضي، ومن المتوقع أن يصل إلى 107 ملايين ليتر/في اليوم بحلول آذار/مارس 2019، على افتراض أن تعوّض المرحلة الثالثة من مصفاة المكثفات "ستاره خليج فارس" ("نجمة الخليج الفارسي") في بندر عباس التأخيرات وتبدأ بعملياتها. ومن المتوقع أن تبلغ قدرة المنشأة المرتقبة 360 ألف برميل في اليوم عن معدل إنتاج إجمالي للبنزين قدره 36 مليون ليتر/في اليوم.
وإذا حققت إيران هذا الهدف فعلياً، ستكون أقل ضعفاً مما كانت عليه خلال الجولة السابقة من عقوبات الطاقة (2012-2016)، عندما اضطرت إلى استيراد الوقود بمعدل أسرع بكثير. وتشير الاتجاهات الحالية إلى أن متوسط الإنتاج والاستهلاك متعادلين تقريباً ويصل إلى حوالي 80 مليون ليتر/في اليوم.
الاحتياطيات الاستراتيجية للنفط والغاز
لسنوات، وضعت إيران كمية كبيرة من فائض نفطها ومكثفاتها في منشآت تخزين عائمة في الخليج، وبلغت هذه الكميات ذروتها عند 53.7 مليون برميل في صيف 2015. وفي تشرين الأول/أكتوبر 2018، قدّرت "وكالة الطاقة الدولية" أن قدرة البلاد العائمة تتراوح بين 6 و8 ملايين برميل، رغم أنها ارتفعت مجدداً في الأسابيع الأخيرة وفقاً لبعض التقارير وذلك تحسباً للعقوبات النفطية الجديدة. لكن عموماً، تعتقد إيران أن الحفاظ على مخزونات إستراتيجية كبيرة سواء برية أو تحت المياه هي أكثر أماناً وأكثر فعالية من استئجار أسطول من ناقلات التخزين الأجنبية أو الاحتفاظ بأسطولها الخاص - لا سيما في الوقت الذي تحتاج فيه طهران إلى ناقلاتها لتصدير أكبر قدر ممكن من النفط الخام إلى الصين. بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن رصد المخزونات تحت الأرض بواسطة الأقمار الصناعية.
وبدعم من "منظمة الدفاع السلبي الإيرانية"، أطلقت إيران مشروعاً كبيراً في عام 2011 لتأسيس شبكة إستراتيجية من مواقع التخزين فوق الأرض وتحتها، بهدف الوصول إلى قدرة إنتاجية قدرها 15 مليار ليتر من المنتجات النفطية و100 مليون برميل من النفط الخام (بما فيها 10 ملايين برميل كاحتياطيات إستراتيجية) و15 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي بحلول عام 2017. ورغم أن العديد من هذه المشاريع لا تحصل على التمويل الكافي، وتشوبها التأخيرات، ولا تزال بحاجة إلى سنوات لإكمالها، إلّا أنه من المتوقع أن يكون هناك تأثيراً فورياً لتلك المشاريع التي اكتملت بالفعل.
انقر على الجدول للحصول على نسخة ذات دقة أعلى.
وفقاً لتقرير صدر في نيسان/أبريل 2018 من قبل "غلوبال داتا"، من المتوقع أن تنمو قدرة إيران على تخزين النفط إلى أكثر من 87 مليون برميل بحلول عام 2022 بالمقارنة مع 55 مليوناً في عام 2017 - أي بزيادة قدرها 58 في المائة. وبذلك تسجل ثاني أسرع معدل نمو على صعيد التخزين في الشرق الأوسط بعد عُمان.
كما بنت طهران موقعي تخزين كبيرين تحت الأرض ومحصّنين بشدّة في سراجه وشوريجه لتوفير إمدادات الغاز الطبيعي لموسم البرد، بقدرة مصممة تبلغ 3.7 و4.6 مليارات متر مكعب على التوالي. ويبعد حقل شوريجه الغازي حوالى 100 كيلومتر شرق مشهد شمالي شرقي إيران، في حين يقع حقل سراجه على بعد 165 كيلومتراً جنوبي طهران، أي جنوبي شرقي موقع فوردو النووي. أما المقاولان الرئيسيان لهذين المشروعين فهما "مقر خاتم الأنبياء للإعمار" و"منظمة الدفاع السلبي الإيرانية"، الخاضعتان لإمرة «الحرس الثوري الإسلامي».
وقد اكتسبت هذه الجهود زخماً أكبر عندما كشفت الحكومة النقاب عن خطة "الاقتصاد المرن" في عام 2012. وتمثّل الهدف الرئيسي لهذه الإستراتيجية في إيجاد وسائل للتخفيف من الآثار المعاكسة لتباطؤ إنتاج وتصدير النفط الخام، والالتفاف على "التأثيرات الأجنبية غير المتوقعة".
ومن الخطط ذات الصلة البناء المقترح لحوالي 20 صهريج لتخزين نفط تحت المياه ستنفذها جامعة كرمان و"مقر خانم الأنبياء للإعمار". وإذ تصل قدرتها الإجمالية إلى 10 ملايين برميل، من المفترض أن توضع هذه الصهاريج على طول الخط الساحلي الإيراني على عمق يتراوح بين 60 و100 متر، على الرغم من أنه من غير المحتمل أن يحظى المشروع بالتمويل الكافي في أي وقت قريب.
تنويع الصادرات
في عام 1986، وبعد فترة وجيزة من تصعيد العراق لـ"حرب الناقلات"، فكّرت إيران في احتمال نقل عملياتها الدائمة لتصدير النفط من محطة [ميناء جزيرة] خرج المحاصرة شمالي الخليج إلى جاسك جنوباً شرقي مضيق هرمز. وقد شملت هذه الخطة، التي أطلق عليها "مشروع محرم"، البناء المقترح لخط أنابيب بطول 1000 كيلومتر بين غاشساران وجاسك عبر محطة غرة للضخ شمالي خرج.
ورغم أن ذلك المشروع لم يُنجز قط بسبب التكاليف الباهظة، يبدو الآن أن إيران أكثر استعداداً لإكمال مشروع مماثل، وهو: بناء محطة لتصدير النفط بقيمة ملياري دولار على بعد 65 ميلومتراً غربي جاسك. وبالفعل، بدأت أعمال بناء مكونات خط أنابيب بطول 1100 كيلومتر وبعرض 42 إنشاً من غرة إلى جاسك. وقد يؤدي هذا المشروع في النهاية إلى تحميل ما يصل إلى 1 مليون برميل/في اليوم من النفط الخام الخفيف والثقيل في ناقلات ضخمة باستخدام ثلاث وحدات إرساء بحرية بنقطة واحدة بالقرب من جاسك. وأفادت بعض التقارير أن حكومة روحاني منحت أولوية لهذه الجهود وترغب في أن يبدأ المشروع عملياته بحلول عام 2021.
وتكتسي مزرعة صهاريج التخزين المخطط إقامتها في هذه المنطقة، والتي تصل قدرتها الاستيعابية إلى 10 ملايين برميل مع إمكانية زيادتها إلى 30 مليوناً، أهمية مماثلة. ففي أيلول/سبتمبر، تم منح عقد بقيمة 226 مليون دولار لإكمال المشروع في غضون 3 سنوات. ومن شأن مزرعة الصهاريج أن تجعل جزءاً من الاحتياطي الاستراتيجي لإيران أقرب إلى أسواق النفط، وقد تساهم مبادرات المقايضة المستقبلية في ربطه في النهاية بالمنتجين في آسيا الوسطى عبر خط أنابيب من المزمع بناؤه (ولكن لم يتمّ تمويله بعد) بين نكا وجاسك يبلغ طوله 1680 كيلومتراً.
الخاتمة
أعلنت طهران عن العديد من المشاريع في إطار سعيها إلى خفض تعرض البلاد لتقلبات السوق وتدخلات خارجية أخرى. لكن العديد من هذه المشاريع لا تزال بحاجة إلى سنوات لإنجازها ولن تؤثر على التطورات الإقليمية الراهنة.
وعلى نحو مماثل، فإن سعي إيران إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من الوقود قد حقق أخيراً بعض النتائج خلال السنوات القليلة الماضية وأصبح بإمكانها نظرياً الحدّ من مدى تأثرها بالعقوبات المفروضة على الوقود. ومع ذلك، فإن الارتفاع المستمر في استهلاك الوقود محلياً سيوازن هذا الجهد، وربما قد يرغم إيران على النظر في إجراء تعديلات على الدعم، وزيادات في الأسعار، وتقنين.
وتمثّل القدرة الفائضة العالية المتأصلة التي تتمتع بها إيران مشهداً متبايناً مماثلاً. فنمو منشآت نقل النفط وتحميله يخفض درجة تأثر إيران الإستراتيجية مع زيادة مرونة النظام في مواجهة التعطيلات، لكن الشبكة بحاجة ماسة إلى استثمارات. والأهم من ذلك، هناك حدوداً لكمية النفط التي يمكن لإيران إنتاجها إذا لم تستطع بيعها، وتطال هذه القيود التخزين المحلي العائم والتخزين بالاستعانة بمصادر خارجية (في الصين على سبيل المثال). وعلى أية حال، يمكن توقُّع قيام الحكومة بتسريع وتيرة إكمال المشاريع المحلية لتخزين النفط الخام التي تتقدم بوتيرة بطيئة، لا سيما الخزانات الإسمنتية الرخيصة الثمن ذات السعة الاستيعابية العالية.
وفي الوقت نفسه، ومن خلال افتتاح محطة تصدير جديدة في جاسك وخفض اعتمادها على محطة خرج، من المرجح أن تسعى إيران إلى تنويع أسواق صادراتها وخفض اعتمادها على مضيق هرمز. ومن الناحية النظرية، قد يسمح لها ذلك ممارسة المزيد من التأثير فيما يتعلق بالنفط الأجنبي المتدفق عبر المضيق.
وأخيراً، تبحث إيران عن وسائل جديدة لنقل النفط إلى أسواقها التقليدية والتوسّع إلى أسواق جديدة. على سبيل المثال، يمكنها السعي إلى عكس برنامج قزوين للمقايضة - وبالتحديد، بدلاً من (أو بالإضافة إلى) تكرير نفط آسيا الوسطى، قد تحاول إقناع روسيا بشراء الخام الإيراني المخفّض السعر للغاية عبر استخدام البنية التحتية القائمة، التي يجري توسيعها. وتسعى طهران أيضاً إلى تعزيز علاقاتها مع العراق على صعيد الطاقة، بعرضها على بغداد العديد من مخططات المقايضة.
فرزين نديمي هو زميل مشارك في معهد واشنطن، ومتخصص في شؤون الأمن والدفاع المتعلقة بإيران ومنطقة الخليج.