- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2467
إيران تناقش «خارطة الطريق» لـ «الوكالة الدولية للطاقة الذرية»
في صفقةٍ جانبية لـ «خطة العمل المشتركة الشاملة» التي تمّ التوصّل إليها في فيينا، أبرمت إيران «خارطة طريق» مشتركة مع «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» لتسوية عددٍ من المخاوف القديمة بشأن "الأبعاد العسكرية المحتملة" لبرنامج طهران النووي. وبخلاف الاتفاقات السابقة التي أبرمتها الجمهورية الإسلامية مع «الوكالة الدولية»، يُصرّ المفاوضون النوويون الإيرانيون على الإبقاء على سرية بعض أجزاء هذه «الخارطة»، وهي مسألة أثارت اهتماماً كبيراً ليس فقط في الكونغرس الأمريكي، بل أيضاً في نقاش البرلمان الإيراني حول «خطة العمل المشتركة الشاملة».
الخلفية
تُعدّ فعالية تدابير الشفافية وبناء الثقة التي تقترحها «خطة العمل المشتركة الشاملة» واحدةً من أكثر القضايا إثارةً للجدل في نقاش الكونغرس حول الخطة، لا سيما في ما يتعلّق بالأسئلة التي طُرحت حول مسائل "الأبعاد العسكرية المحتملة" التي برزت خلال تحقيق شامل أطلقته «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» عام 2003 (انظر المرصد السياسي 2269 «معلومات أساسية عن "الأبعاد العسكرية المحتملة" لبرنامج إيران النووي»).
وقبل ساعات من إعلان المفاوضين الإيرانيين ومفاوضي دول «مجموعة الخمسة زائد واحد» عن «خطة العمل المشتركة الشاملة» في 14 تموز/ يوليو، وقّعت إيران و«الوكالة الدولية للطاقة الذرية» «خارطة طريق» تضمّ اتفاقين سريين. يهدف الأول إلى تسوية مسائل "الأبعاد العسكرية المحتملة" التي تطرحها «الوكالة الدولية»، بينما يعالج الاتفاق الثاني المخاوف التي يطرحها مجمّع بارشين العسكري في إيران، حيث يُعتقد أنّه قد تم اختبار مواد شديدة الانفجار ذات علاقة بالأبحاث حول الأسلحة النووية. وتحدّد «خارطة الطريق» "سلسلةً من الأنشطة" التي يجب أن يعتمدها الطرفان لتسوية هذه المخاوف بحلول 15 تشرين الأول/ أكتوبر، تُصدر بعدها «الوكالة الدولية» تقييماً نهائياً بحلول 15 كانون الأول/ ديسمبر. وفي الخامس من آب/ أغسطس، في اجتماعٍ مغلق ونادر مع "لجنة العلاقات الخارجية" في مجلس الشيوخ الأمريكي، أفادت بعض التقارير أنّ المدير العام لـ «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» يوكيا أمانو ادعى أنّه لا يستطيع الإفصاح عن تفاصيل حول هذه «الخارطة»، بموجب قواعد «الوكالة الدولية» حول سرية الضمانات.
وفي إيران، رفعت إدراة الرئيس حسن روحاني نصّ «خطة العمل المشتركة الشاملة» إلى "مجلس الشورى" الإسلامي، أي البرلمان الإيراني، ليراجعه. وفي حين يتعيّن على الكونغرس الأمريكي أن يصوّت على الاتفاق في موعد أقصاه 17 أيلول/ سبتمبر، لم يتم تحديد أي جدول زمني للإجراء القانوني الرامي إلى الموافقة على الاتفاق في إيران، وهو لا يزال قيد النقاش (انظر المرصد السياسي 2460، "مخاوف إيران الأمنية والجدل القانوني حول الاتفاق النووي"). ويفضّل فريق روحاني الموافقة على «خطة العمل المشتركة» عبر "المجلس الأعلى للأمن القومي" (الذي يرأسه روحاني) بدلاً عن "مجلس الشورى" قبل أن تتم الموافقة على الاتفاق رسمياً من قبل المرشد الأعلى علي خامنئي. وفي المقابل، يطالب منتقدو «خطة العمل المشتركة الشاملة» الإيرانيون أن يوافق "مجلس الشورى" عليها، محتجّين على أنّ إدارة روحاني أبرمت «خارطة الطريق» مع «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» من دون إبلاغ البرلمان مسبقاً بذلك.
وحتى الآن، لم يتبنّ خامنئي، الذي سيقرّر في النهاية ما إذا ما كانت طهران ستنفّذ الاتفاق النووي أم لا، موقفاً علنياً من «خطة العمل المشتركة الشاملة»أو «خارطة الطريق»، مختاراً عوضاً عن ذلك أن يتولّى البرلمان هذا النقاش ليتفادى هذه المسؤولية. وبناءً على ذلك، أصدر روحاني أمراً تنفيذياً نصّ على تطبيق التشريعات التي تلزم وزارة الخارجية و"منظمة الطاقة الذرية الإيرانية" إطلاع "مجلس الشورى" على مجريات تنفيذ الاتفاق النووي كلّ ستة أشهر.
الرد إيراني على «خارطة الطريق»
في خروجٍ غير مسبوق عن الرقابة التي كانت تلفّ سابقاً الملف النووي، بثّت وسائل الإعلام علناً للمرة الأولى جلسة "مجلس الشورى" حول «خطة العمل المشتركة الشاملة» المنعقدة في 26 تموز/ يوليو. وخلال جلسة دامت ساعتين مع نائبَي المفاوضين النوويين عباس عراقجي و ماجد تخت رافانشي، أعرب النواب عن مخاوفهم بشأن سرية «خارطة الطريق» التي أبرمت مع «الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، متسائلين إذا ما ستتجاوز عمليات تفتيش «الوكالة الدولية» الخطوط الحمراء التي رسمها المرشد الأعلى. ورداً على أسئلة حول «خارطة الطريق»، أعلن عراقجي قائلاً: "لا رغبة لإيران في نشر [«خارطة الطريق»]"، مشيراً إلى أنّ «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» "ملزَمة حماية أسرار إيران الاستخباراتية والنووية". وفي اجتماع مع "مجلس الشورى" في 28 تموز/ يوليو، ادّعى رئيس "منظمة الطاقة الذرية الإيرانية" علي أكبر صالحي قائلاً: "إنّ «خارطة الطريق» في حدّ ذاتها ليست سرية. السرية تكمن في كيفية وصول مفتشي «الوكالة الدولية» إلى مواقعنا لدى وصولهم إلى إيران، وهذا أمرٌ شائع جداً في أنحاء أخرى من العالم".
كذلك، أثار اجتماع المدير العام لـ «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» أمانو مع المشرّعين في واشنطن رداً حاداً في طهران. وفي افتتاحية لصحيفة كيهان الناطقة باسم المرشد الأعلى، زعمت الصحيفة أنّ هذه الزيارة "قلّصت الثقة في نزاهة «الوكالة الدولية» ومصداقيتها". وحتى صحيفة همشهري اليومية والأكثر اعتدالاً حذّرت من أنّ "زيارة أمانو قد تؤثّر سلباً في تنفيذ الاتفاق الذي أبرمته إيران مع دول «مجموعة الخمسة زائد واحد»"، وحثّت أن يُطلب منه أن يدلي بشهادته أمام "مجلس الشورى" للتأكد من أنّه لم يكشف أيّ "معلومات سرية".
وينبع ردّ فعل طهران على مسألة السرية من إيمانها بأنّ «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» سرّبت في السابق معلومات عن البرنامج النووي مما فتح الباب أمام التجسس الأجنبي وعمليات التخريب واغتيال أربعة علماء نوويين ارتقوا منذ ذلك الحين إلى مصفّ "الشهداء". على سبيل المثال، في مقابلة مع وكالة "فارس نيوز"، حذّر النائب في "مجلس الشورى" حميد رضا ترقي من أنّ «الوكالة الدولية» قد تستخدم معلومات إيران السرية "لأغراض سياسية وعسكرية"، مضيفاً أنّ "مسألة السرية باطلة ولا معنى لها"، لأنّ إدارة روحاني وقّعت على «خارطة الطريق» من دون أن تبلغ البرلمان أولاً. ومن المثير للاهتمام أنّ أعضاءً من وفد التفاوض التابع لروحاني رددوا سراً مخاوف منتقديهم المحليين في التعبير عن انعدام الثقة بقدرة «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» على حماية المعلومات السرية. وخلال مقابلة أجراها عراقجي مؤخّراً مع إذاعة الجمهورية الإسلامية في إيران، التي تديرها الدولة، أفادت بعض التقارير أنه أعلن قائلاً: ليس لدينا نظرة متفائلة عن [«الوكالة الدولية»]. لا شكّ في أنّهم سيسرّبون المعلومات [التي نبلغهم بها]. يجب أن نكون حذرين في اختيار المعلومات التي نزوّدهم بها... فنحن لا نتعامل مع «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» وهؤلاء الجواسيس فقط، بل أيضاً مع كافة الدول التي تمتلك برامج نووية. هناك صيَغ وأساليب لمنع تزويد مفتّشي «الوكالة الدولية» بالمعلومات. لم نكن نعرف عن هذه الأساليب في الماضي وقدّمنا بعض المعلومات التي لم يكن ينبغي الكشف عنها". وفي الثاني من آب/ أغسطس، ألغت الحكومة الإيرانية تقريراً يتضمّن هذه التعليقات.
وعلى الرغم من انعدام الثقة العميق بـ «الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، يؤكّد إصرارُ إدارة روحاني على مبدأ السرية أيضاً إدراكَها أنّ «خارطة الطريق»، التي وضعتها «الوكالة الدولية» لحلّ مسائل "الأبعاد العسكرية المحتملة"، مستقلّة عن «خطة العمل المشتركة الشاملة»، بخلاف موقف الولايات المتحدة، التي تعتبر أنّ الاتفاقين مترابطان ويعزّز واحدهما الآخر. وقد أكّد عراقجي وصالحي مراراً وتكراراً أنّ اتفاقات إيران مع «الوكالة الدولية» لا تشكّل جزءاً من «خطة العمل المشتركة»، ولا تخضع بالتالي للرقابة الدولية. وعلى الرغم من التوقيع على «خارطة الطريق»، يَعتبر المسؤولون الإيرانيون أنّ حلّ مسائل "الأبعاد العسكرية المحتملة" أقرب إلى الإجراء الشكلي السياسي منه إلى شرطٍ مسبق ضروري لتنفيذ «خطة العمل المشتركة الشاملة».
ويرتبط هذا التمييز باستراتيجية إيران الأوسع الرامية إلى رفض مزاعم النشاط النووي العسكري السابق رفضاً قاطعاً، وإلى تصوير مزاعم وجود أبعاد عسكرية محتملة على أنّها ملفّقة، على الرغم من أنّ طهران وافقت في السابق على العمل مع «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» على إيجاد حلولٍ لهذه المخاوف في العامين 2007 و2013 (حتى أنّ المسؤولين الإيرانيين عمّموا «خطة العمل المشتركة الشاملة» لعام 2007 على كافة الدول الأعضاء في «الوكالة الدولية» وجعلوا النصّ في متناول الجميع). وفي مقابلة مع صالحي في 21 تموز/ يوليو، قال: "نحن لا نقبل بمسألة "الأبعاد العسكرية المحتملة"... إنّنا نحلّ هذه [القضية] في إطار سياسي وفني من أجل أن نجرّد الغرب من كلّ ذرائعه... إذا ثبت أنّ «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» لن تقتنع بذلك عبر سلوك المسار العادي، فإنّها لن تقتنع أبداً، بغضّ النظر عمّا فعلناه". وأضاف قائلاً: "يجري الآن حلّ المشكلات الفنية في إطار سياسي. وضعنا لها إطاراً زمنياً محدداً، وبإذن الله، لا بدّ من إيجاد حلّ لهذه المسألة بحلول 15 كانون الأول/ ديسمبر. باختصار، ستكون [«الوكالة الدولية»] هي الخاسرة، وكما قلت سابقاً، تلقّت هذه القضية الدعم السياسي. يجب أن يكون عمل [«الوكالة الدولية للطاقة الذرية»] معقولاً ولا يمكنهم اتّخاذ أيّ خطوة غير معقولة".
وفي ما يتعدّى التحدّي على المدى القريب الذي أوجدته «خارطة الطريق»، والمتمثّل في حلّ مسائل "الأبعاد العسكرية المحتملة"، سيتعيّن على «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» أن تصل، في غضون ثماني سنوات، إلى ما يُسمّى بـ"الاستنتاج الأوسع" الذي يفيد بأنّ المواد النووية الإيرانية جميعها لا تزال تخدم الاستخدامات السلمية. ويعتمد الحصول على هذا التأكيد على تنفيذ "البروتوكول الإضافي" تنفيذاً مؤقتاً، وهو عبارة عن نظام تفتيش مُعزَّز يتيح لـ «الوكالة الدولية» حقوقَ وصول أوسع إلى مواقع معلَنة وغير معلَنة. تجدر الإشارة إلى أنّه ليس من المتوقع أن يبدأ التنفيذ قبل عام 2016 وفقاً للجدول الزمني لـ «خطة العمل المشتركة الشاملة». بعبارة أخرى، لن تُطبّق أحكام البروتوكول المعزَّزة التي تنصّ على وصولٍ أوسع في الفترة التي تمتدّ على أربعة أشهر، والتي يجب خلالها أن تؤمّن «خارطة الطريق» الخاصة بـ «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» الحلولَ للمخاوف بشأن "الأبعاد العسكرية المحتملة" ومجمّع بارشين. لذلك، إذا طلبت «الوكالة الدولية» الوصول إلى المواقع أو الموظفين أو المعلومات من أجل حلّ المسألة المتعلّقة بـ "الأبعاد العسكرية المحتملة"، فإنّها ستضطرّ إلى الاعتماد على تعاون إيران الكامل.
المحصلة
على الرغم من أنّ مبدأ السرية الذي تعتمده «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» مكرّس في نظامها التأسيسي وفي اتفاقات الضمانات، كان بإمكان «مجموعة الخمسة زائد واحد» أن تدفع إيران إلى جعل اتفاقاتها مع «الوكالة الدولية» متاحة للجميع كشرط من شروط «خطة العمل المشتركة الشاملة»، مما يسمح بمزيد من الثقة في كيفية حلّ الأطراف مسائلَ "الأبعاد العسكرية المحتملة". وكان بإمكان «مجموعة الخمسة زائد واحد» أن تشير على وجه الخصوص إلى سابقة حصلت عام 2007 عندما وزّعت طهران خطة عملها مع «الوكالة الدولية» حول "الأبعاد العسكرية المحتملة". عوضاً عن ذلك، يبدو أنّها أعطت الجمهورية الإسلامية حلاً لإغلاق ملف "الأبعاد العسكرية المحتملة" تحفظ به ماء الوجه.
أمّا على الجانب الإيراني، فيبدو أنّ إدارة روحاني مصرّة على مبدأ السرية من أجل كبح الانتقادات الداخلية الموجّهة إلى «خطة العمل المشتركة الشاملة» وتعزيز أمن البرنامج النووي. وبقدر ما تعتبر طهران أنّ «خارطة الطريق» مستقلة عن «خطة العمل المشتركة»، يمكن أن تبدّد واشنطن وحلفاؤها الغموض عبر المطالبة بالتزامات إيرانية إضافية بالتعاون مع «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» ومعالجة المخاوف التي تطرحها "الأبعاد العسكرية المحتملة" معالجةً مُرضية قبل انتهاء المهلة في 15 كانون الأول/ ديسمبر. وعلى الرغم من مخاطر الإذعان لسرية «خارطة الطريق»، إلا أن لـ «الوكالة الدولية» وإيران و«مجموعة الخمسة زائد واحد» جميعاً مصلحةٌ راسخة في ضمان أنه، خلافاً لمحاولات سابقة، سوف تُساءل طهران عن الوعود التي قطعتها بالشفافية وأنّها ستبدّد كلّ المخاوف التي تطرحها "الأبعاد العسكرية المحتملة".
نعمة جيرامي هو زميل باحث في "مركز دراسة أسلحة الدمار الشامل" في "جامعة الدفاع الوطني". الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس السياسة الرسمية أو موقف "جامعة الدفاع الوطني"، أو وزارة الدفاع، أو حكومة الولايات المتحدة.