- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2512
إيران تستعرض قوتها الصاروخية لتعزيز قدراتها الرادعة
في 11 تشرين الأول/أكتوبر، وفي اليوم نفسه الذي كان فيه المشرعون الإيرانيون يناقشون بحماس موافقة «مجموعة الخمسة زائد واحد» على الاتفاق النووي، أعلن وزير الدفاع الإيراني حسین دهقان أن «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني قام باختبار صاروخ باليستي جديد متوسط المدى، وهي أول مبادرة في حملة دعائية صاروخية أوسع نطاقاً. وبالرغم من أن الاختبار لم ينتهك فعلياً «خطة العمل المشتركة الشاملة» للبرنامج النووي الإيراني، فقد شكل توقيته وطبيعته علامات تحدي واضحة، لا سيما أن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231 يدعو إيران إلى الامتناع عن القيام بمثل هذه الأنشطة في حين أن القرار رقم 1929 الذي لا يزال ملزماً يحظرها رسمياً.
وللتأكد من أن هذه الرسالة خالية من أي التباس، أقدم المسؤلون العسكريون على خطوة غير اعتيادية وقاموا بدعوة الصحفيين المحليين إلى جولة في مجمع تخزين الصواريخ التابع لـ «الحرس الثوري الإسلامي» في موقعٍ سريٍ تحت الأرض. وقد أظهرت اللقطات التي بثها التلفزيون الرسمي في 14 تشرين الأول/أكتوبر عن النفق، ما يشبه صواريخ عاملة من نوع "قدر" مثبَّتَة على منصات متحركة. وفي الواقع، إن مجموعتي "قرب نوح" و"قرب غائم"، وهما تكتلان لتعهدات البناء تابعان للجناح الهندسي لـ «الحرس الثوري الإسلامي» المعروف بـ "خاتم الأنبياء"، قامتا ببناء شبكات أنفاق واسعة النطاق لإيواء قاذفات الصواريخ في جنوب وغرب ووسط إيران. وتفيد بعض التقارير إن شبكات منتشرة حول طهران تخفي منشآت لإنتاج الصواريخ. وتتضمن الطاقة البشرية لـ "خاتم الأنبياء" 135 ألف موظف عسكري ومدني وموارد تضم 17 آلة عملاقة لحفر الأنفاق. وباستطاعة كل آلة من هذه الآلات حفر ثقوب قطرها 15 متراً بمعدلٍ يصل إلى 50 متراً في اليوم الواحد.
وقد تكون لهذه الإفشاءات الأخيرة أهمية عسكرية محدودة. فحتى إذا تضمن الصاروخ الجديد [تقنية] قابلة للتوجيه في منتصف الطريق وفي [الهدف] النهائي كما يُزعَم، وحتى إذا كانت ما يُطلق عليها "مدينة الصواريخ" مدفونة على عمق 500 متر تحت الأرض أو في قلب الجبل، فلا يزال من الضروري إخراج الصواريخ التي تعمل بالوقود السائل إلى العلن، ونصبها وإعدادها فردياً للإطلاق، الأمر الذي يستغرق وقتاً طويلاً ويجعل العملية عرضة [للهجوم]. ويمكن أيضاً الكشف عن صوامع الصواريخ تحت الأرض واستهدافها مسبقاً. ومع ذلك، إن توقيت هذا الاستعراض الذي لم يسبق له مثيل يؤكد على سعي الجمهورية الإسلامية لتعزيز قدرتها في الردع الاستراتيجي. تماماً كما كان عليه الحال منذ أربع سنوات عندما كشف «الحرس الثوري الإسلامي» عن صوامع صواريخ باليستية تحت الأرض، وتوعد قائد القوة الجوية في «الحرس الثوري» الايراني الجنرال عامر علي حاجي زاده أن أي ضربات ضد البرنامج النووي ستُواجه بـ "انفجار بركان من النار".
ليس هناك شك في أن المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي هو الذي أمر بعرض الصواريخ في الوقت نفسه الذي أعطى فيه لـ «مجلس الشورى الإسلامي» بتردد الضوء الأخضر للموافقة المشروطة على تنفيذ الاتفاقية الشاملة للبرنامج النووي الإيراني. وبعبارة أخرى، كان يُقصد من هذه الصواريخ التذكير للعالم أنه على الرغم من الاستعراض الإيراني لـ "المرونة البطولية" خلال المفاوضات النووية، بجب عدم التدخل فيما يتعلق بقدراتها الصاروخية ومواقفها الإقليمية - وهو موقف يبدو أن الرئيس الإيراني حسن روحانى قد وافق عليه في 2 آب/أغسطس، عندما استبعد أي قيود تفرضها «مجموعة الخمسة زائد واحد» على الصواريخ في الاتفاقية وتفاخر حول توسيع إدارته المتسارع للقوة العسكرية الوطنية. وعلى نحوٍ مماثل، أوضح وزير الدفاع دهقان في 23 آب/أغسطس أن إيران ستطور وتُطلق أي صاروخ تراه ضرورياً للحفاظ على قدرة الردع، وأنه لن يوافق على أي قيود على نطاق الصواريخ أو غيره من القدرات. كما أعلن عن برنامج الفضاء الإيراني الذي أمده عشر سنوات - ففي عام 2016 سيقوم الجيش بأول اختبار على مركبات إطلاق الأقمار الصناعية "سيمرغ" (التي يمكنها أن تضع قمراً صناعياً وزنه 200 كيلوغراماً في مدار أرضي منخفض) وسيعقب ذلك إطلاق صواريخ أكبر حجماً في المستقبل، مما يثير القلق حول احتمال توفر صواريخ باليستية عابرة للقارات في المستقبل.
الأمور تسير كالمعتاد
تشكل الصواريخ الباليستية "الاستراتيجية" لـ «الحرس الثوري الإسلامي» الدعامة الأساسية لعقيدة الدفاع الإيرانية، ويأمل القادة العسكريون التأثير على حسابات العدو من خلال تنوع الترسانة ونطاقها ومعدل الفتك الخاص بها ودقتها وقابليتها على الصمود. وأوضح كل من المرشد الأعلى و«الحرس الثوري» الإيراني أنهما لن يترددا أبداً عن السعي لتحقيق الهيمنة الإقليمية، والسيطرة على تسعير النفط، أو مواجهة مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وجنوب غرب آسيا، أو محاربة إسرائيل، أو تعزيز دور طهران القيادي في العالم الإسلامي، [وأنهما لن يترددا] عن استخدام ترسانة الصواريخ عند الضرورة في كل من هذه الحالات.
وفي تصريحات أدلى بها في 26 آب/أغسطس، أوضح قائد القوات البحرية في «الحرس الثوري» الأدميرال علي فدوي أن النزاع القائم بين إيران والولايات المتحدة يدور حول القيم، وليس حول المصالح فقط، ويتعيّن على القوات المسلحة شن تلك المعركة خارج حدود الجمهورية الإسلامية. وكان خامنئي قد رسم هذه الرؤية الاستراتيجية في خطاب ألقاه في 17 آب/أغسطس، وأمر بتنفيذ تدابير هجومية ودفاعية مخططة بحذر لكن غير محددة، ضد النفوذ الأمريكي في المنطقة باستخدام جميع الوسائل العسكرية والثقافية والاقتصادية والسياسية المتاحة. وفي 30 حزيران/يونيو، أصدر مرسوماً يقضي أنه يتعيّن على الحكومة والقوات المسلحة منح الأولوية لـ "برنامج الصواريخ الباليستية للردع بما يتناسب مع التهديدات القائمة" كجزء من خطة التنمية الخمسية القادمة. ونتيجةً لذلك، يُتَوَقع أن يقوم «الحرس الثوري» الإيراني، وهو المشغل الوحيد لصواريخ البلاد "الاستراتيجية"، بتأدية دور سياسي أكثر بروزاً في إيران في السنوات المقبلة.
وبينما وضع قادة «الحرس الثوري» الإيراني قوات الباسدران في موقع يسمح لها بالاستفادة من جميع النتائج المحتملة للاتفاق النووي، قام هؤلاء القادة جهراً باتهام الغرب باستخدام «خطة العمل المشتركة الشاملة» للبرنامج النووي لتفريق المجتمع الإيراني بالرغم من أن المتشددين والمعتدلين يبدون موحدين بشأن معارضة أي قيود على المشتريات العسكرية المستقبلية للبلاد. ويعتقد معظم المتشددين أن هدف الغرب النهائي ليس لتفكيك البرنامج النووي الإيراني فحسب، بل أيضاً لتغيير طابع البلاد "الإسلامي". وعلى نحوٍ مماثل، إن رسالة التأييد المشروطة التي أرسلها خامنئي إلى "المجلس الأعلى للأمن القومي" والتي دعت إلى الاستمرار في توخي الحذر من "نقاط الضعف الكثيرة" في «خطة العمل المشتركة الشاملة»، حذرت أيضاً من التهديد الوجودي المستمر لإيران من قبل الولايات المتحدة.
وإنطلاقاً من هذا المنظور، فمن المحتمل أن يسرّع الاتفاق النووي سباق التسلح في منطقة الخليج العربي. فإيران تقوم بالفعل في جولة تسوق مع روسيا والصين، ويقال إنها تسعى لشراء طائرات مقاتلة وطائرات نقل ومروحيات وتكنولوجيا أو لإنتاجها المشترك. ومن المحتمل أن تحذو دول الخليج العربية حذوها، فالمملكة العربية السعودية قد أعلنت بالفعل عن شراء أربع سفن قتالية ساحلية من الولايات المتحدة.
جذور الردع في الخطاب الإيراني
قبل ثورة 1979، سعت إيران لردع الخصوم الإقليميين والاتحاد السوفياتي عن طريق زيادة استثماراتها في الأسلحة المتطورة والتدريب، والسعي لإنشاء شراكة وثيقة مع القوى الغربية، وتأمين العضوية أو المشاركة في معاهدات عسكرية متعددة الجنسيات. أما بعد الثورة - التي كان قادتها معادين لطرفَي الحرب الباردة وعملوا بنشاط على تطهير بقايا القوات المسلحة الإمبريالية - فقد تحطم مفهوم إيران للردع، مما حفز الانتهازي الرئيس العراقي السابق صدام حسين على الأمر بغزو الجمهورية الإسلامية. واستغرق الأمر الفترة المتبقية من العقد لكي تستعيد القوات المسلحة الإيرانية قدرتها الجزئية على الردع، وبتكلفة كبيرة.
ومع الأخذ بعين الإعتبار تجربة تلك الحرب غير الحاسمة والتي طال أمدها، حاول النظام تعزيز قدراته العسكرية المحطمة من خلال التركيز على تكنولوجيا الصواريخ وعلى «حرس ثوري» مندفع ومخلص. وفي عام 1998، أطلقت إيران صاروخاً باليستياً من نوع "شهاب-3" متوسط المدى من باب الإختبار، وهو سلاحها الأول القادر على تهديد إسرائيل. وشكل ذلك بداية صراع طويل ضد العقبة التكنولوجية والدبلوماسية لاستحداث ردع قابل للصمود في وجه الأعداء الحقيقيين والمحتملين. وقد أعطت هذه العملية إيران القدرة أيضاً على القيام بالضربة الهجومية الأولى. وانعكس هذا التهديد الهجومي من خلال إطلاق الصاروخ الذي تم اختباره في وقت سابق من هذا الشهر، والذي أُطلق عليه إسم "عماد" نسبةً لعماد مغنية كما يُرجح، وهو القائد في «حزب الله» السيئ السمعة الذي اغتيل في عام 2008 في عملية إسرائيلية كما يُدّعى. ويبدو أن السلاح الجديد يهدف إلى هزيمة نظام "آرو" الإسرائيلي، وهو نظام دفاعي مظاد للصواريخ الباليستية؛ ويعزز هذا الاقتراح ادعاء دهقان أن صاروخ "عماد" يحمل رأساً حربياً مناوراً.
وبالإضافة إلى هذه التوجهات الاستراتيجية الحديثة، يجب أن لا ننسى أن الإيدولوجية العسكرية للجمهورية الإسلامية متجذرة بعمق في التاريخ الإسلامي. وغالباً ما يستخدم القادة الإيرانيون التحليل ذاته الذي كان يُستخدم خلال العصر الإسلامي في أوائل القرون الوسطى والذي يُدَرَّسْ بشكلٍ شاملٍ في الكليات العسكرية الإيرانية.
وفي القرن السابع الميلادي، وضعت الحكومة الإسلامية المتصاعدة للرسول محمد نصب عينيها التركيز على الإمبراطوريتان الفارسية والرومانية، فكليهما كانتا بحالة ضعف في أعقاب الحرب الساسانية-البيزنطية التي امتدت بين عامي 602 و 628. ولكن، كان على القوات الإسلامية في المدينة المنورة أن تؤمّن لها أولاً موطئ قدم في شبه الجزيرة العربية وسط معارضة القبائل القوية المتمركزة في مكة المكرمة، وذلك باستخدام مزيج من التهديدات العسكرية واتفاقيات السلام. وكان المكّيّون كثيرو المطالب، لذلك قرر المسلمون أن يكونوا مرنين بهدف تحقيق تقدم في المفاوضات مع التركيز على الهدف الطويل الأمد في احتلال شبه الجزيرة والامبراطوريات الواسعة المجاورة. وقد استغلوا الفرصة من اتفاق السلام الذي تم التوصل إليه مع المكيين في النهاية في عام 628 وأمده عشر سنوات، وهو «صلح الحديبية»، من أجل التعامل مع قبائل محلية معارضة أكثر ضعفاً، وتأمين طرق إمداداتهم وإرسال جيوش كبيرة إلى حدود الإمبراطورية البيزنطية. وكما ورد في كتاب دراسي تابع لـ "جامعة الدفاع الوطني الإيراني" صدر في عام 2010، كل ما كان على المسلمين القيام به هو انتظار إخلال مكة بالصلح، الأمر الذي يُقال إنه حصل بعد عام واحد، فقاموا بالتالي بإلغاء الصلح وغزو مكة، وتابعوا انتصاراتهم في شبه الجزيرة وخارجها.
ومنذ حوالي ست سنوات، كتب كبير المفاوضين النوويين الايرانيين في ذلك الحين والرئيس الحالي لـ "لمجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية" سعيد جليلي، مقالاً جاء فيه أن "المرونة البطولية" التي يُظهرها المرشد الأعلى مماثلة لـ «صلح الحديبية»، وهي بمثابة "نقطة تحول استراتيجية من الحرب نحو السلام". وعلى الرغم من أن جليلي سبق وأشار إلى أن هذه "المرونة" القديمة هي تكتيكية فقط، أبدى بعض المتشددون اعتراضهم على صياغته. فوفقاً لهم، لم يغير الرسول محمد استراتيجيته قط من الحرب إلى السلام بل ظل مركزاً على جهادٍ مستمر، مثلما يفعل المرشد الأعلى اليوم. ومن وجهة نظرهم، استخدم المسلمون السلام كتكتيكٍ مؤقت فقط بهدف تحقيق أهدافٍ استراتيجية أعظم.
وفي الوقت الحالي، قد يظهر في النهاية أن مفهوم الجمهورية الإسلامية للردع والتفكير العسكري هو دفاعي في طبيعته. لكن من خلال معرفة أن هذه الرموز التاريخية لا تزال راسخة في أذهان القادة العسكريين والسياسيين، فإن الوقت وحده كفيل بإثبات ما إذا كانوا سيقبلون بتسوية مستمرة، أو سيستخدمون الاتفاق النووي بدلاً من ذلك كتكتيك للمماطلة إلى أن تسنح لهم الفرصة لتحدي الوضع الراهن، كما فعلوا مراراً وتكراراً عبر حروب إقليمية بالوكالة.
فرزين نديمي هو محلل متخصص في الشؤون الأمنية والدفاعية المتعلقة بإيران ومنطقة الخليج العربي ومقره في واشنطن.