- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
بإمكان ترامب الاستفادة إلى أبعد الحدود من اتفاقٍ إيراني سيئ
في الشهر الماضي، قال وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون إن السياسة الأمريكية تجاه إيران يجب ألا تبدأ من الاتفاق النووي وتنتهي عنده. فمشاكل واشنطن مع الجمهورية الإسلامية، وفقاً السيد تيلرسون، أوسع من ذلك بكثير، مشيراً إلى انخراط إيران في سوريا والعراق، ودعمها للجماعات الإرهابية مثل «حزب الله».
من المؤكد أنّ وزير الخارجية الأمريكي على حقّ في هذه المسألة. لكنه نسي نقطةً هامة وهي أنه من دون مقاربةٍ مستقرة تجاه الاتفاق النووي، سوف تتسبب الأسئلة المطروحة حول مصير الاتفاق في تشتيت الدبلوماسية الأمريكية الأوسع تجاه إيران، وتجاه القضايا الحاسمة الأخرى في الشرق الأوسط وعرقلتها في النهاية.
وقد أشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب - الذي وعد خلال حملته الانتخابية بتمزيق الاتفاق النووي - إلى أنه في منتصف تشرين الأول/أكتوبر، عندما يحين الموعد النهائي القادم الذي أمده 90 يوماً لإعادة تأكيد امتثال إيران للاتفاق، سوف يكشف مخالفة إيران له. وقد يؤدي ذلك إلى انهيار الاتفاق.
لكن يبدو أن هناك القليل من الأدلة على أنّ إيران تغش بالفعل بشكلٍ ملحوظ. ويبدو أنّ الإيرانيين يستغلون ثغرات الاتفاق ويحاولون تمرير بعض المخالفات فيما يخص القيود التي يفرضها الاتفاق على أنشطة نووية معينة مثل إنتاج المياه الثقيلة وتخزينها. وبالمثل، بيدو أنهم يتجاهلون الأوامر الصادرة عن "الأمم المتحدة" حول إطلاق الصواريخ، والتي لم تُدرج بالفعل في الاتفاق النووي نفسه.
ولا يبدو أن أياً من هذه الأنشطة يشكل خرقاً للاتفاق. ولا تتمثل المشكلة التي تواجهها الولايات المتحدة في التزام إيران، بل في بنود الالتزام بحد ذاتها. والسيد ترامب ليس مخطئاً عندما يصفه بـ"الاتفاق السيئ". فهو ضيق النطاق للغاية، مما يسمح لإيران بالعمل على تكنولوجيا الصواريخ وتكنولوجيا الطرد المركزي الخاصة بها حتى في الوقت الذي يُعلَّق فيه تخصيب اليورانيوم. والأمر الأكثر إثارة للقلق، أنّ الاتفاق مؤقت، إذ إنّ بعض القيود التي ينصّ عليها تبدأ في التلاشي بعد أقل من عقد من الزمن. وحتى ذلك الحين، يمكن لإيران بسط نفوذها في الشرق الأوسط، مثلما تبقى الأدوات المتوافرة أمام الولايات المتحدة لإبقاء إيران ضمن حدودها - ولا سيما العقوبات - محدودة.
ولكن سواء شئنا أم أبينا، لا يمكننا الرجوع في الزمن بسهولة. ويجب أن تتخذ كل سياسة واقعية تجاه إيران هذا الواقع كنقطة انطلاقٍ لها. فعوضاً عن تمزيق الاتفاق الإيراني أو الرضوخ له ببساطة، يتعين على إدارة ترامب تعزيز الاتفاق وإطار السياسة الذي ينتمي إليها على حد سواء. وسوف يمنع استقرار الموقف حول مسألة الاتفاق النووي أي تشتيت وسيوجد فرصة لحشد الدعم الدولي من أجل استراتيجية أفضل تجاه الشرق الأوسط.
ولهذا السبب يجب على الولايات المتحدة العمل مع حلفائها على تفسير نص الاتفاق بدقةٍ أكبر. فبالاضافة الى بريطانيا وفرنسا وألمانيا - التى تُعرف أحياناً باسم "الاتحاد الاوروبى 3" - يتعين على الولايات المتحدة إغلاق أي ثغراتٍ تستغلها إيران، وزيادة التعاون الاستخباراتي حول الانشطة النووية الإيرانية، ودفع المفتشين الدوليين إلى ترجمة سلطتهم بشكلٍ أوسع. كما ينبغي على هؤلاء الحلفاء أن يوافقوا على إنفاذ قواعد "الأمم المتحدة" غير المدرجة في الاتفاق، على غرار تلك التي تحد بشكل صارم تجارة الأسلحة الإيرانية.
وبالعمل مع هؤلاء الحلفاء نفسهم، يتعين على الولايات المتحدة أيضاً معالجة المسائل التي تم حذفها من الاتفاق النووي، مثل برنامج الصواريخ الإيراني. ومن خلال مجموعةٍ من العقوبات ومراقبة التصديرات وفرض القيود والدفاع الصاروخي، يجب أن يسعى الحلفاء إلى منع إيران من الاستحواذ على صاروخٍ باليستي عابر للقارات ومن مواصلة تصدير تكنولوجيا الصواريخ.
كما ينبغي على الولايات المتحدة و"الاتحاد الأوروبي 3" معالجة مشكلة تاريخ انتهاء صلاحية الاتفاق النووي من خلال الإعلان المشترك حالياً عن اعتزامهما توسيع الاتفاق وتمديده، بدلاً من السماح للأنشطة النووية الإيرانية بالارتفاع بشكلٍ مفاجئ عند انتهاء صلاحيته. وفي موازاة ذلك، ينبغي أن يسعيا إلى تعزيز جهود منع الانتشار العالمية، مما يضمن أنه حتى لو تعذّر تمديد القيود النووية الخاصة بإيران، ستواجه طهران المزيد من التحديات في التسليح [النووي] عند انتهاء الاتفاقية.
ومن الضروري أن يتزامن كل ذلك مع استراتيجية أكبر للتصدي للاعتداءات الإيرانية في الشرق الأوسط. ويبدو أنّ ثقة القادة الإيرانيين بأنفسهم تتزايد يوماً بعد يوم، بتصوّرهم النجاح في سوريا والعراق واليمن. وتوسّع إيران شبكة وكلائها بشكل مستمر. ومن أجل عكس هذه التوجهات، يتعين على الولايات المتحدة الانتقال من العموميات حول مواجهة إيران ونحو معالجة أهداف محددة - على سبيل المثال، منع القوات الإيرانية من الترسخ في مرتفعات الجولان، أو ردع استخدام صواريخ كروز المضادة للسفن في باب المندب قبالة سواحل اليمن. ويتعين على المسؤولين الأمريكيين إيصال هذه الحدود إلى إيران ودعمها بمجموعةٍ من الأدوات، بما فيها العقوبات والدبلوماسية والقوة العسكرية المحدودة إذا لزم الأمر.
وستتطلب هذه الإجراءات مساعدةً من حلفاء أمريكا، الذين لا يتوقون إلى الانخراط في الاتفاق النووي أو مواجهة مشكلة السياسات الإقليمية الإيرانية. وهنا يأتي دور الدبلوماسية. فالدول الأوروبية الحليفة وبلدان أخرى تدرك أن الاتفاق مثير للجدل في واشنطن، وأنها تأخذ تهديدات ترامب بفسخه على محمل الجد. يتعين على صناع القرار في واشنطن أن يوضحوا أن تعاون حلفائهم في الجهود الرامية إلى تعزيز الاتفاق والتصدي لإيران ضروري لتفادي تلك النتيجة. ولا يمكن للولايات المتحدة أن تُخضع سياستها بالكامل تجاه إيران أو الشرق الأوسط للحفاظ على الاتفاق النووي. ويجب ألا تتحمل مسؤولية التصدي للتهديدات الإيرانية وحدها في حين تتمتع أوروبا بمنافع الاتفاق.
وحتى في تلك الحالة، لن يشكل ذلك سوى بداية السياسة الرامية لمواجهة التحدي الإيراني. فإيران خبيرة في استغلال الفوضى، وهي سمةٌ تعمّ الشرق الأوسط. وستحتاج واشنطن إلى اعتماد مقارباتٍ سليمة للحرب في كل من سوريا واليمن، ولهشاشة العراق والتحديات الإقليمية الأخرى مثل النزاع بين قطر وجيرانها. لكن أي من ذلك لن يكون ممكناً إذا كانت هناك أزمة دولية تشتعل كلما حان وقت المصادقة على الالتزام بالاتفاق أو التخلي عن العقوبات.
مايكل سينغ هو زميل أقدم في زمالة "لين- سويغ" والمدير الإداري في معهد واشنطن.
"نيويورك تايمز"