- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
بوتين ليس حليفاً في الحرب على الإرهاب في عام 2024
Also published in "19FortyFive"
يجب على إرث علاقات الكرملين مع "حزب الله" وطالبان وغيرهما من الجهات الإرهابية أن يحرر واشنطن من أي أمل في قيام أجندة مشتركة.
في غياب أي أدلة داعمة لمزاعم المسؤولين الروس، فهم يشنون حملة إعلامية دولية لإلقاء اللوم على الأوكرانيين والغرب في الهجوم الإرهابي الذي وقع في قاعة "كروكوس سيتي هول" والذي خلّف ما لا يقل عن 145 قتيلاً وعشرات الجرحى. ولكن على العكس من ذلك، وجهت الحكومة الأمريكية، تحذيراً مفصلاً للغاية لروسيا قبل أكثر من أسبوعين من الهجوم بشأن تهديد إرهابي. إلا أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تجاهل هذا التحذير علناً، واصفاً إياه بـ"الابتزاز الصريح" بهدف "ترهيب مجتمعنا وزعزعة استقراره".
وأعلن "تنظيم الدولة الإسلامية في ولاية خراسان"، وهو جماعة مسلحة تابعة لـ"تنظيم الدولة الإسلامية" في أفغانستان، مسؤوليته عن الهجوم، وقد أكدت المخابرات الأمريكية ذلك. لكن مدير جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، ألكسندر بورتنيكوف، قال بعد ثلاثة أيام من الهجوم: "نعتقد أنه تم الإعداد لهذا العمل من قبل إسلاميين متطرفين، بطبيعة الحال، وساهمت أجهزة الأمن الغربية فيه، وكانت أجهزة الأمن الأوكرانية ضالعة مباشرةً فيه".
وتشكل هذه الردود تذكيراً صارخاً بأن روسيا في عهد بوتين لم تكن قط ولا تستطيع أن تكون شريكاً موثوقاً في مكافحة الإرهاب. فالمسار المزدوج الذي اختار بوتين ورفاقه اتباعه يدعو للسخرية، إذ أعلنت جماعة إرهابية متطرفة مسؤوليتها عن الهجوم، بينما ترفض موسكو الاعتراف بهذا الواقع.
وقبل خمسة وعشرين عاماً، حدث عكس ذلك، حيث سارع المسؤولون الروس إلى إلقاء اللوم على المسلحين من دون وجود أي دليل. ففي أيلول/سبتمبر 1999، خلفت سلسلة من التفجيرات المروعة التي شهدتها الشقق السكنية في جميع أنحاء روسيا أكثر من 300 قتيل وأكثر من 1000 جريح. وألقى المسؤولون الروس اللوم على الفور على المسلحين الشيشان. وسارعت موسكو إلى إعلان الحرب على الشيشان دون إجراء أي تحقيق شفاف في الهجوم، بينما أشارت تقارير موثوقة إلى أن جهاز الأمن الفيدرالي هو الذي دبر الهجوم. وأدى موقف بوتين المتشدد فيما بعد من الإرهاب إلى رفع نسب تأييده وتسليط الأضواء عليه في السلطة.
وربما يعود رفض بوتين والمسؤولين الروس للتحذيرات الأمريكية الشهر الماضي إلى عدم ثقتهم فعلياً في الغرب، أو التركيز على الحرب في أوكرانيا، أو كليهما. ويلعب جهاز الأمن الفيدرالي الروسي دوراً مركزياً محلياً وداخل منطقة ما بعد الاتحاد السوفياتي في جمع المعلومات الأمنية والاستخباراتية، فضلاً عن التخطيط للحرب ضد أوكرانيا. ومن المحتمل أن يكون جهاز الأمن الفيدرالي منشغلاً للغاية بقمع المعارضة الداخلية ضد الكرملين والحرب، بحيث لم يتمكن من التركيز على التهديدات الأمنية الحقيقية، أو كان يخشى بشدة مطالبة الكرملين بأخذ التحذيرات الأمريكية على محمل الجد. أو قد يكون هناك تفسير أكثر خطورة بعد، وهو تفسير يصعب عدم طرحه، على ضوء ما نعرفه عن روسيا ما بعد الاتحاد السوفياتي وتفجيرات الشقق السكنية في عام 1999. وربما رأى الكرملين أيضاً في الهجوم فرصة لتعزيز السردية القائلة بأن الغرب يواصل مهاجمة روسيا باستخدام أوكرانيا، مع دخول الحرب عامها الثالث. فبوتين يحتاج إلى الاستمرار في إقناع المواطنين الروس بأنهم يتعرضون للهجوم من الغرب، وقد زاد التجنيد للقتال في أوكرانيا بشكل ملحوظ بعد هجوم "كروكوس سيتي هول". وبالتالي، يبدو أن توجيه أصابع الاتهام إلى أوكرانيا والغرب يخدم الأولوية الأكثر إلحاحاً للكرملين.
ليس هناك ما هو جديد فيما يتعلق بالإرهاب وأهداف السياسة الخارجية في روسيا في عهد بوتين، ولكن الغرب يجب أن يكون قد تعلم الآن من خلال التجربة. ففي بداية رئاسته، سارع بوتين إلى الاتصال بالرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001، لتقديم تعازيه، وهو أمر أخذه على محمل الجد. ورفض بوتين الفكرة بأن روسيا والغرب يواجهان التهديد الإرهابي ذاته. وفي السنوات اللاحقة، استمر العديد من صناع السياسة الغربيين في الاعتقاد بأن مكافحة الإرهاب يمكن أن تكون أحد المجالات ذات الأولوية المشتركة مع موسكو. ففي نهاية المطاف، عانت روسيا من هجمات من المتشددين الإسلاميين على أراضيها بعد عام 1999، وعارضت تنظيم "الدولة الإسلامية" رسمياً. وقد ناقش الرئيسان أوباما وترامب إمكانية التعاون مع روسيا ضد "داعش" في سوريا.
ولطالما كان هذا التفاؤل غير مبرر في أفضل الأحوال، إن لم ينم عن خداع الذات. فمن الشيشان إلى سوريا إلى أفغانستان، ساهم بوتين في تشجيع الإرهاب أكثر مما ساهم في محاربته، حيث احتفظت موسكو بعلاقات مع الجماعات الإرهابية من "حماس" إلى "طالبان" و"حزب الله". ولم تستهدف موسكو قط تنظيم "الدولة الإسلامية" بانتظام في سوريا، كما أن وحشية حملاتها العسكرية في الشيشان وسوريا لم تسفر إلا عن تشجيع التطرف.
لقد أثبتت أجهزة الأمن الروسية عدم كفاءتها خلال أزمات الرهائن الكبرى، وأبرزها أزمة حصار مدرسة بيسلان في أيلول/سبتمبر 2004. فقد أدت عملية الإنقاذ الفاشلة التي نفذتها هذه الأجهزة إلى وفاة أكثر من 300 رهينة، معظمهم من الأطفال. وكافأ بوتين المعنيين بهذه العملية بترقيات وأوسمة.
ومن جانبه، من المرجح أن "داعش" قد أراد الثأر على خلفية اصطفافه ضد طالبان في أفغانستان والدعم المادي الروسي لوحدات النخبة التابعة لـ"طالبان"، والحملة الروسية في سوريا. وبالتالي، من غير المفاجئ أن يكون التنظيم قد انتهز الآن الفرصة لشن هجوم في روسيا.
وفي جوهر القضية يكمن اعتقاد الكرملين بأن الغرب هو خصمه الرئيسي. فموسكو تبحث عن فرصة لإعادة فرض نهاية بديلة للحرب الباردة. ولطالما لعبت لعبة مزدوجة مع الغرب عند ادعائها بأنهما يواجهان التهديد الإرهابي ذاته. وعلى مر السنين، اتهم المسؤولون الروس الولايات المتحدة، في العلن وفي السر، ليس فقط بالسعي إلى إضعاف روسيا، بل أيضاً باختراع "داعش" وتمكين المتشددين في جميع أنحاء العالم. واتهم بوتين الولايات المتحدة بشكل غير مباشر بالتحريض على أزمة الرهائن في بيسلان. فقد قال بوتين بعد الحادث: "يود البعض أن ينتزع منا «قطعة لذيذة من الفطيرة». ويساعدهم آخرون، باعتبار أن روسيا تظل إحدى أعظم القوى النووية في العالم، وبالتالي، فهي تبقى تهديداً لهم. ولذا فهم يعتقدون أنه يجب إزالة هذا التهديد. والإرهاب، بطبيعة الحال، هو مجرد أداة لتحقيق هذه الغايات". ومن المفهوم أنه كان يشير بذلك إلى الولايات المتحدة. وبعد سنوات، اتهمت روسيا الولايات المتحدة علناً بمساعدة المتمردين الشيشان خلال حرب الشيشان الثانية، التي أُعلن عنها بعد تفجيرات الشقق السكنية عام 1999.
قد يكون من المغري العودة إلى فكرة أن مكافحة الإرهاب هي أحد المجالات التي يمكن لموسكو والغرب أن يجدا فيها أرضية مشتركة، لا سيما مع سعي صناع السياسة الغربيين بسذاجة عن "مخارج" لروسيا في أوكرانيا. وربما لا نعرف على وجه التحديد السبب الذي دفع بوتين إلى تجاهل التحذيرات الاستخباراتية الشهر الماضي. لكن إلقاء موسكو اللوم على أوكرانيا والغرب في الهجوم الإرهابي لا ينبغي أن يترك مجالاً للشك في أن بوتين ما زال ملتزماً بحرب أكبر. وسيصطف بوتين إلى جانب أي جهة إذا كان ذلك سيساعده على تحقيق أهدافه. ومن هنا، فالعودة إلى الفكرة بأن مكافحة الإرهاب توفر أرضية مشتركة بين الغرب وروسيا ستبقى مثبطة لذاتها.
آنا بورشيفسكايا هي زميلة أقدم في "برنامج مؤسسة دايين وغيلفورد غليزر" حول "منافسة القوى العظمى والشرق الأوسط" التابع لمعهد واشنطن. وتم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع 19FortyFive.