- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2394
فترة تجاوز إيران للعتبة النووية: صحيفة وقائع
ما هو التعريف المقبول عموماً لعبارة "زمن تجاوز العتبة النووية"؟
إنه الوقت اللازم لإنتاج اليورانيوم المستخدم في تصنيع الأسلحة بكمية تكفي لصنع سلاح نووي واحد. ويتطلب إنتاج اليورانيوم المستخدم لصنع الأسلحة تخصيب اليورانيوم (على سبيل المثال، مع أجهزة الطرد المركزي) بنسبة تزيد عن 90 في المائة من النظير القابل للانشطار: اليورانيوم-235. ووفقاً لـ «الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، تبلغ الكمية اللازمة لصنع سلاح واحد من اليورانيوم المستخدم لصنع الأسلحة نحو 27 كلغ من اليورانيوم، وغالباً ما تسمّى هذه الكمية بـ "الكمية المهمة".
ما هو حالياً زمن تجاوز إيران للعتبة النووية ؟
يحتوي اليورانيوم الطبيعي على نسبة 0.7 في المائة فقط من النظير القابل للانشطار اليورانيوم-235، في حين أن الجهد اللازم لتخصيبه بمعدل "كمية مهمة" واحدة من اليورانيوم المستخدم لصنع الأسلحة يتطلب نحو 5000 وحدة "إس في يو" أي "وحدة عمل الفصل". وفي الوقت الحالي، تملك إيران حوالي 9000 جهاز طرد مركزي عامل من الجيل الأول من نوع IR-1، بالإضافة إلى 9000 جهاز آخر لا يتم تشغيله. أما أجهزة IR-1 المستخدمة في منشأتي نطنز وفوردو فتعمل بمعدل 0.75 إلى 1 وحدة "إس في يو" في السنة. واستناداً إلى معدل الأداء البالغ وحدة "إس في يو" واحدة في السنة والذي يسجله أحدث طرازات IR-1، فإن الوقت اللازم لتجاوز العتبة النووية بواسطة 9000 آلة تعمل بتغذية من اليورانيوم الطبيعي يتراوح ما بين ستة وسبعة أشهر. بيد، تملك إيران أيضاً مخزوناً مهماً من سادس فلوريد اليورانيوم المخصب (UF6) بنسبة 3.5 في المائة، بحيث يمكن استخدام هذا المخزون كمادة تغذية بديلة ليتقلص بذلك زمن تجاوز العتبة النووية إلى ثلاثة أشهر.
إذا فعّلت إيران أجهزتها الأخرى من نوع IR-1 البالغ عددها نحو 9000 جهاز، يصبح الزمن اللازم لتجاوز العتبة النووية ثلاثة أشهر مع استخدام اليورانيوم الطبيعي كمادة تغذية، ويتراوح بين أربعة وستة أسابيع إذا استخدم سادس فلوريد اليورانيوم المخصب (UF6) بنسبة 3.5 في المائة كمادة تغذية. كما أن إيران طوّرت أجهزة طرد مركزي أكثر تطوراً من نوع IR-2m وهذه تسجل أداءً بمعدل 5 وحدات "إس في يو" في السنة. وبالتالي، إذا استُخدمت الـ 1,000 وحدة من أجهزة IR-2ms المثبتة في نطنز بالتزامن مع أجهزة IR-1s البالغ عددها 18,000، يتقلص الوقت اللازم لتجاوز العتبة النووية في هذه المجموعتين من الأجهزة بمعدل الثلث.
تفيد التقارير الإعلامية أن الاتفاق النووي المقترح سيخفض عدد أجهزة الطرد المركزي العاملة إلى حوالي 6,500 جهاز. فما الذي سيكون زمن تجاوز إيران للعتبة النووية في هذه الحالة؟
عند استخدام أجهزة IR-1s وتغذيتها باليورانيوم الطبيعي، يصل زمن تجاوز العتبة النووية بواسطة أجهزة الطرد المركزي الـ 6500 إلى حوالي تسعة أشهر. لكن السؤال الجوهري الذي يُطرح هو: ما هي الكمية التي ستبقى في إيران من سادس فلوريد اليورانيوم المخصب (UF6) بنسبة 3.5 في المائة؟ وحتى لو خفّض مخزون UF6 من كميته الحالية البالغة 7.5-8 أطنان إلى 500 كلغ، سيبقى بالإمكان تجاوز العتبة النووية خلال سبعة إلى ثمانية أشهر نظراً إلى قدرات تخصيب بواسطة اليورانيوم الطبيعي التي يتمتع بها البرنامج النووي. وبما أن هذه الأوقات اللازمة لتجاوز العتبة النووية تقل عن الأهداف التي وضعتها الإدارة الأمريكية، من المهم معرفة المعايير التي استخدمتها واشنطن لوضع تقديراتها.
تقول الإدارة الأمريكية إن أحد أهم الإنجازات التي سيحققها الاتفاق هو إطالة زمن تجاوز العتبة النووية لمدة سنة على الأقل. ما هي الأمور الإضافية التي يجب تضمينها في الاتفاق من أجل بلوغ هذا الهدف؟
يجب النظر إلى المدة القصوى المسموح بها لتجاوز العتبة النووية باعتبارها معادلة تجمع بين وقت الكشف ووقت التفاعل - أي الوقت اللازم لإرجاع إيران إلى طريق الالتزام بالاتفاق. إلا أنه يصعب تقدير هذين الوقتين على وجه التحديد لأن التأخيرات الإدارية والجهود المبذولة لحل الخلافات قد تستغرق بسهولة أشهراً عديدة.
ما هي المدة التي يستغرقها وقت الكشف؟
يتوقف وقت الكشف على التحركات الإيرانية. فإذا لم تحاول طهران أن تخفي أفعالها، قد تتمكن «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» من كشف المخالفة بسرعة نسبية - ربما خلال أسبوعين في أسوأ الحالات. وعندئذٍ تعمد الوكالة إلى تأكيد ما اكتشفته مع السلطات الإيرانية، وبعد ذلك يحتاج مجلس محافظي «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» إلى أسبوع آخر أو أسبوعين لاتخاذ أي تدابير رسمية في هذا الصدد، مثل إحالة القضية إلى مجلس الأمن الدولي. وبذلك يحظى المجتمع الدولي بوقتٍ معقول للتصرف.
وفي المقابل، إذا حاولت إيران التستر على ما تفعله، من المحتمل أن تطول المدة اللازمة للكشف عن أفعالها. فالتقارير الصادرة في السابق عن «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» تبيّن أن العينات البيئية تلعب دوراً محورياً في تأكيد حدوث المخالفات، مما يعني أن النتائج لن تتوفر قبل مرور شهرين على الأقل بفعل العدد الكبير من العينات المستخدمة وعملية التحليل الدقيقة والمعمقة. وإذا أظهرت العينات درجة تخصيب أعلى، سيتوجب أخذ عينات إضافية وتحليلها. ومع أنه يمكن حتماً تسريع العمل على المجموعة الثانية من العينات، إلا أنه ليس من الواقعي توقع انتهاء تلك العملية والحصول بعدها على توضيحات من الجانب الإيراني في أقل من شهر آخر. وبالنتيجة سيكون أمام المجتمع الدولي ما بين ثلاثة أو أربعة أشهر للتحرك، وهذه مدة قصيرة للغاية.
أضف إلى ذلك إمكانية حدوث سوء تفاهم أو حتى تفسيرات مختلفة لما يعتبر انتهاكاً للاتفاق. وفي هذه الحالات، تستطيع إيران أن تماطل بالعملية لأشهر عديدة.
من الممكن أيضاً أن تتبع إيران استراتيجية "تسلل" حيث تبدأ تدريجياً بزيادة مخزونها من سادس فلوريد اليورانيوم المخصب بنسبة 3.5 في المائة، الأمر الذي سبق أن حدث خلال "خطة العمل المشتركة" المؤقتة. فعندما انتهت الخطة في تشرين الثاني/نوفمبر 2013، كان من المفترض أن يكون مخزون سادس فلوريد اليورانيوم المخصب بنسبة 3.5 في المائة أقل من 7.5 طن، وكان يفترض أن يتم تحويل أي مواد إضافية قائمة أو منتجة حديثاً إلى أوكسيدات. ولكن أياً من التقارير التي صدرت عن «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» منذ ذلك الحين لم يشر إلى انخفاض المخزون عن تلك الكمية. وهذا يثبت حاجة الولايات المتحدة وشركائها إلى التيقظ واتخاذ الحيطة عند إلزام إيران ببنود الاتفاق وعدم السماح لها بتوسيع نطاق ما هو مسموح به.
بيد أن المهمة الأصعب هي الكشف عن مخالفة "تسلل" من النوع الذي تستخدم فيه إيران منشآت نووية سرية. فلهذا السيناريو العديد من المتغيرات بما فيها إمكانية قيام دورة تخصيب منفصلة بالكامل وخارج الرادار وتتم في أي مرحلة من المراحل الممتدة ما بين تعدين (التنقيب عن) اليورانيوم وتخصيبه. ولا يمكن استبعاد هذا السيناريو لأن «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» لم تتلقَّ بعد الإذن بالتحقق من اكتمال تصريحات طهران عن المواد والمنشآت النووية لديها.
كما أن استراتيجية التسلل قد تنطوي على منشآت معلنة وأخرى غير مصرح عنها. إذ يمكن لإيران مثلاً أن تنتج سادس فلوريد اليورانيوم منخفض التخصيب في منشأة معروفة ومن ثم تنقل هذه المادة إلى موقع صغير غير معلن عنه من أجل إنتاج اليورانيوم المستخدم لصنع الأسلحة. من هنا تبرز أهمية تمكين «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» ليس فقط من التحقق من اكتمال مخزون إيران من المواد النووية، ولكن أيضاً من تحديد العدد والمواقع الإجمالية لأجهزة الطرد المركزي داخل البلاد كمرجع أساسي.
إذا نجح الاتفاق في تحديد سنة تحذير واحدة كزمن لتجاوز العتبة النووية، هل يمكن معرفة ما إذا كان بالمستطاع الحفاظ على هذا الحاجز طيلة فترة الاتفاق؟ وما الذي قد يغيّر ذلك؟
لعل العامل الأهم في هذا الإطار هو أعمال البحث والتطوير حول أجهزة طرد مركزي أكثر تطوراً على غرار IR-5 أو IR-8. لكن تشغيل هذه الأجهزة على نطاق شبه صناعي سيستغرق على الأرجح ما لا يقل عن ثلاث سنوات. وإذا كانت فعاليتها تتفوق بعشرة إلى عشرين مرة على أجهزة الطرد المركزي الحالية من طراز IR-1 كما هو مقدر، فسيتم تخفيض أوقات تجاوز العتبة النووية بشكل كبير.
كما من الممكن أن يتقلّص وقت التحذير إذا لم يسمح لـ «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» بأن تمارس بالكامل إجراءات مراقبة وتحقق صارمة تتفاوت ما بين عمليات التفتيش الروتينية إلى ما يسمّى بأعمال "التفتيش أينما كان وفي أي وقت كان"، وصولاً إلى إمكانية النفاذ الكامل إلى منشآت تصنيع المكونات بالإضافة إلى الجهود لمتابعة عملية تزويد بعض المواد والمعدات ذات الاستخدام المزدوج للتأكد من وجهة استخدامها النهائية.
هل يمكن استخدام أجهزة الطرد المركزي لتخصيب مواد غير اليورانيوم؟
تشير التقارير الإعلامية إلى أن بعض أجهزة الطرد المركزي في فوردو ستكون مخصصة لإنتاج النظائر المعدة للاستعمال الطبي والصناعي، مع الإشارة إلى أن منشآت التخصيب في أوروبا وروسيا سبق أن بدأت بتنفيذ عملية مشابهة. لكن السؤال الرئيسي هنا يتناول نوع النظائر الثابتة التي سيتم إنتاجها. فإذا أعيد ضبط أجهزة الطرد المركزي لإنتاج نظائر الزينون مثلاً، يمكن بسهولة تحويلها لإعادة تخصيب اليورانيوم، أما إذا استخدمت لإنتاج نظائر الزنك أو الموليبدينوم، فيمكن للتلوث الناتج عنها أن يعيق أي محاولات لاحقة لمعاودة إنتاج المواد المخصصة للاستعمال النووي.
ما هي تجربة المجتمع الدولي السابقة مع تنبؤ زمن تجاوز العتبة النووية؟
لا يخلو التاريخ من المفاجآت. فبرنامج أجهزة الطرد المركزي في روسيا استمر لسنوات دون أن يُكشف على الرغم من الجهود الاستخباراتية الهائلة. كما أن البرنامجين العراقي والليبي لم يُكشفا على الفور، في حين أن دولة جنوب أفريقيا التي صنعت أسلحة نووية قامت في النهاية بتدمير برنامجها النووي قبل أن تلحظه «الوكالة الدولية للطاقة الذرية». وكذلك كان ظهور المفاعل السوري في "الكبار" مفاجئاً بعض الشيء، شأنه شأنه منشأة أجهزة الطرد المركزي في كوريا الشمالية. هذا ويضاف دائماً إلى معادلة الخطر عامل المجهول أو عامل الشك.
أما إيران فتملك مهندسين بارعين إلى جانب الموارد المالية اللازمة، كما أن بنيتها التحتية النووية أكبر بكثير مما تحتاج إليه فعلياً. لذلك فإن خطة المراقبة التي تكون فقط "جيدة بما فيه الكفاية" لن تضمن النجاح في منع إيران من تجاوز العتبة النووية والتمتع بالقدرات اللازمة لإنتاج أسلحة نووية.
أولي هاينونن هو زميل أقدم في مركز بيلفر للعلوم والشؤون الدولية في جامعة هارفارد وكان يشغل منصب نائب المدير العام السابق للضمانات في «الوكالة الدولية للطاقة الذرية». وقد عمل مع زميل معهد واشنطن سايمون هندرسون، في تأليف المجهر السياسي باللغة الانكليزية الذي تم تحديثه مؤخراً "إيران النووية: جدول المصطلحات"، وهي نشرة مشتركة بين المعهد ومركز بيلفر.