أطلق التقرير الأخير لفريق خبراء الأمم المتحدة المعني باليمن تحذيرات جديدة حول التهديدات المحتملة لتسوية النزاعات القصيرة الأجل وتحقيق الاستقرار. فبالإضافة إلى التشكيك في تماسك القوات الحكومية وقوات الثوار، يسرد التقرير بشكل مفصَّل تفاصيل ازدهار اقتصاد الحرب، الأشبه بالمافيا، الأمر الذي يخلق عوامل غير مشجعة للسلام لدى الجانبين. وتتضمن استنتاجات الفريق تقييماً جديداً، يدين بشكل خاص حكومة عبد ربه منصور هادي وفروعها المحلية، في الوقت الذي تكرر فيه أيضاً المخاوف القائمة بشأن الائتلاف الذي تقوده السعودية والثوار الحوثيون.
انعدام التماسك
يقدّم الفريق المؤلف من خبراء مستقلين ذوي معرفة متخصصة، تقييماً سنوياً لمجلس الأمن الدولي بشأن تنفيذ العقوبات وحظر الأسلحة المفروض على اليمن على النحو المحدد في قراري مجلس الأمن رقم 2140 (من عام 2014) و 2216 (من عام 2015). ويغطي التقرير الأخير عام 2018، ورغم التفويض المحدود للفريق، إلا أنه لا يقوم بتحليل وقف إطلاق النار أو الاتفاقات الأخرى التي تم التوصل إليها مؤخراً في محافظة الحديدة.
ويرسم التقرير المؤلف من حوالي 300 صفحة صورة قاتمة، تسترعي الانتباه بشكل خاص إلى انعدام التماسك الذي يجعل من الصعب على هادي أو الحوثيين الانتصار في الحرب بشكل حاسم، ناهيك عن الانتقال إلى مرحلة السلام. وفي نهاية المطاف، إذا فقدت الفصائل المختلفة، التي تشكل أياً من الطرفين، العدو المشترك الذي يربطها ببعضها البعض، فقد تنقسم إلى قوى معارضة، مما يؤدي إلى اندلاع سلسلة من الحروب الأهلية الصغيرة في جميع أنحاء البلاد.
فمن جهة، لا تستطيع حكومة هادي بسط سلطتها على المناطق التي تدّعي أنها تسيطر عليها؛ وقد ساهم الامتناع المتكرر عن دفع الرواتب في إثارة سخط القوات، كما تواجه معارضة شديدة وغالباً عنيفة من قبل بعض القوى الجنوبية. ومن جهة أخرى، تُعتبر قوات الحوثي جماعة غير متماسكة أيضاً حيث ترتبط ببعضها البعض من خلال وجود مجموعة من الأعداء المشتركين أكثر من ارتباطها بالمصالح المشتركة. وفي هذا الصدد، يشير الفريق إلى وجود "علامات" على أن الحوثيين أصبحوا أقل شمولاً من الناحية السياسية في صفوفهم القيادية - وهي حقيقة من المرجح أن تزيد من انعدام التماسك الأوسع نطاقاً. وفي الواقع، يشير الفريق إلى أن الحوثيين "يواجهون مستويات متزايدة قليلاً من المعارضة" من قبل القبائل الكبرى وعلى مستوى الشارع. ووفقاً لما ورد في التقرير، تعرّض التوظيف لضربة قاسية نتيجة أزمة العملة التي تسببت في ارتفاع أسعار المواد الغذائية. وأمّا الممارسة المتمثلة في تقديم رواتب منخفضة إلى المجندين الشباب الجياع، والفقراء، والأميين في كثير من الأحيان، فهي بالكاد وصفة لقوى متماسكة.
اقتصاد الحرب والفساد
إلى جانب انعدام التماسك، أدت عوامل مختلفة مزعزعة للاستقرار في اليمن إلى تطوير اقتصاد هام تغذيه الحرب. فلا محالة، أولئك الذين يستفيدون من هذا الاقتصاد هم أقل ميلاً بكثير لتسهيل عملية الانتقال إلى السلام، ويمكن أن يعملوا كمفسدين إذا تهددت مصالحهم. وتشمل هذه العناصر العديد من أصحاب المصلحة المهمّين في الشمال والجنوب، حيث يضطلع بعضهم بدور في هياكل الحكم الخاصة بالحوثيين أو بهادي.
على سبيل المثال، بهدف تمويل الجهد الحربي، يعتمد الحوثيون على الإيجارات والرسوم في صنعاء التي اعتادت الحكومة تحصيلها. ووفقاً لتقرير الفريق من العام الماضي، بلغ إجمالي هذه الإيرادات 407 مليار ريال يمني (1.6 مليار دولار) على الأقل. وعلاوة على ذلك، فإنهم يجمعون ضرائب الاستيراد في موانئ الحديدة والسليف، وعند نقطة التفتيش في محافظة ذمار، التي تمر خلالها جميع واردات البلاد تقريباً، حتى تلك القادمة من نقاط العبور غير الخاضعة للسيطرة الحوثية.
كما يشير الفريق إلى أن الحوثيين يحصلون على مبالغ كبيرة من خلال فرض ضرائب على النفط الذي تتبرع به إيران - ربما عشرات ملايين الدولارات شهرياً. ويتم استيراد النفط عن طريق الحديدة باستخدام أوراق مزورة تشير إلى أن مصدره هو الإمارات العربية المتحدة أو عُمان، على الرغم من أن المصدر الحقيقي هو إيران. ومن خلال اتباع هذا الإجراء، يتعذر على التحالف أو المراقبين البحريين التابعين للأمم المتحدة كشف مثل هذه السفن.
وبالإضافة إلى تمويله الجهد الحربي للحوثيين، خلق اقتصاد الحرب فرصاً كبيرة للفساد لكلا طرفي النزاع. فقد تم تحميل حكومة هادي وفروعها المحلية المسؤولية في تقرير الفريق لهذا العام. فقد استخدم التقريران السابقان كلمة "فساد" مرة واحدة فقط، بينما وردت هذه الكلمة أكثر من عشرين مرة في نسخة التقرير الجديدة - وردت ثماني مرات من خلال صلة مباشرة بالحكومة، ومرتين في صلة بالحوثيين، وتسع مرات على الأقل في صلة بكل منهما. كما قدّر الفريق بأن الفساد يساهم في الأزمة الإنسانية عن طريق رفع الأسعار بصورة مصطنعة وإعاقة استيراد السلع التجارية.
ويحقق الفريق أيضاً في اتهامين آخرين ضد الحوثيين: أولاً، أنهم يحاولون تحويل المساعدات الإنسانية على نطاق واسع إلى المجهود الحربي، حيث تم الاشتباه في قيامهم بذلك مؤخراً في الحديدة؛ وثانياً، أنهم يصطنعون ندرة الوقود لرفع الأسعار في السوق السوداء، التي يُزعم أن إتحاد احتكاري مقرّب من المسؤول الحوثي الكبير محمد علي الحوثي يتحكم بها.
ومع ذلك، كانت إشارات التقرير إلى فساد الحكومة أكثر عدداً. فيذكر الفريق ما لا يقل عن خمسة تحقيقات في حكومة هادي وفروعها المحلية، مع التركيز على الادعاءات التالية:
- "عملية سرقة ضخمة وتهريب النفط الخام" في محافظة مأرب.
- "تحويل الأموال العامة" إلى «مجموعة العيسي»، وهي شركة لنقل الوقود، تٌفيد بعض التقارير أن مالكها أحمد العيسي يقدم المشورة إلى الرئيس هادي. وبالإضافة إلى هذا الاتهام، تستفيد «العيسي» من "عمليات تقديم العطاءات غير الشفافة" التي تمنحها احتكاراً فعلياً لواردات الوقود إلى عدن، وفقاً لتقرير "مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية" في تشرين الثاني/نوفمبر.
- تمرير سياسة حكومية جديدة مصممة إما لـ "تقييد" اقتصاد الحوثيين عن قصد أو مساعدة "الأوساط التجارية النافذة المرتبطة بالحكومة التي أرادت زيادة حصتها في سوق الاستيراد".
- تطبيق آلية استيراد منحت الأفضلية لـ "دائرة أعمال صغيرة قريبة من كبار المسؤولين [الحكوميين]" وساهمت في الانتهاكات الإنسانية.
- الفساد المحتمل في القوات المسلحة اليمنية فيما يتعلق بالإمدادات الغذائية.
نتائج حول القضايا الإنسانية والأمنية
يؤكد التقرير الجديد مرة أخرى قلق الفريق المستمر بشأن انتهاكات القانون الإنساني الدولي. وكما هو الحال في التقييمات السابقة، يوجه التقرير أصابع الاتهام إلى التحالف بسبب الانتهاكات المتصلة بالغارات الجوية الخاطئة والادعاءات المتعلقة بالتعذيب أثناء الاحتجاز، إلى جانب قضايا أخرى. كما يتهم الحوثيين بالقصف العشوائي، والهجمات على قوافل المساعدات الإنسانية، واستخدام الألغام الأرضية، والتعذيب أثناء الاحتجاز، وغيرها من الانتهاكات.
ومع ذلك، يقدم التقرير المتشائم جانبين مشرقين بعض الشيء. أولاً، يشير التقرير ضمناً إلى احتمال تعطيل مسار إمدادات القذائف التسيارية القادمة من إيران لصالح الحوثيين، حيث لم يطلق الثوار أي قذيفة تسيارية باتجاه الرياض منذ حزيران/يونيو 2018، مما وضع حدٍّ لنمطٍ شهد عملية إطلاق واحدة شهرياً. ويعمل الفريق على "رصد ما إذا كان انتشار القوات السعودية مؤخراً في محافظة المهرة قد أثر على سلاسل التوريد" الآتية من إيران.
لكن في الوقت نفسه، يشير الفريق إلى أن الحوثيين هم أقل اعتماداً على قيام إيران بتزويد أنظمة أسلحة كاملة، مما يدل على أنهم أصبحوا يجمعون الآن بعض الأنظمة محلياً ويلجؤون إلى الخارج فقط عندما يحتاجون إلى "مكونات عالية القيمة". ويتم استخدام العديد من هذه المكونات (على سبيل المثال، أنظمة التوجيه بدون طيار والمحركات) لأغراض تجارية، مما يسمح للحوثيين بتفادي الحظر الذي يفرضه الائتلاف عند استيرادها. وما يثير القلق هو إشارة الفريق إلى امتلاك الثوار حالياً لقدرات معززة فيما يتعلق بالطائرات بدون طيار. ويمكن لبعض طائراتهم المسيّرة بلوغ أهداف تصل إلى مسافة تبعد 932 ميلاً، مما يضع دبي وأبو ظبي والرياض ضمن نطاقها. ويمكنهم أيضاً تحميل أنواع معينة من هذه الطائرات بذخائر متشظية، كما تبيّن من الهجوم القاتل الأخير الذي استهدف قاعدة العند الجوية. وبالتالي، ففي حين أن عدم قدرتهم الواضحة على الحصول على الصواريخ أمر مفيد على المدى القصير، إلّا أن التحول إلى الاكتفاء الذاتي قد يشكل مخاطر على المدى الطويل.
أمّا الجانب المشرق الثاني فيكمن في تضاؤل التهديد الذي يشكلانه تنظيمي «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» و«الدولة الإسلامية» في عام 2018. فوفقاً للنظرة السريعة التي ألقاها الفريق على هذه القضية، ينخرط حالياً العديد من المقاتلين الذين كانوا ينتمون إلى تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» في الأنشطة الإجرامية المأجورة. وفي هذا الصدد، نفّذ تنظيم «الدولة الإسلامية» بعض الهجمات الكبيرة في اليمن في عام 2018. ومع ذلك، من غير المرجح [أن الوقت قد حان] لأولئك الذين يراقبون تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» منذ وقت طويل أن يتنفسوا الصعداء نظراً إلى مهارة الجماعة في البقاء خاملة لتعود وتنهض بعد ذلك من جديد. ويمتلك تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» صندوقاً مالياً كبيراً لدعم الحرب، الذي من شأنه أن يساهم بشكل كبير في تعويض النقص داخل صفوفه القتالية عندما ينحسر اقتصاد الحرب.
الخاتمة
نظراً لأن تقييمات الفريق توفر نظرة شاملة لما يفعله أصدقاء أمريكا وأعداؤها في اليمن، فبإمكانها أن تخدم كبطاقة تقرير سنوي بالنسبة لمقرري السياسات بهدف المساعدة في مواءمة نهج الولايات المتحدة في المستقبل. ويعزز تقرير هذا العام التحذيرات السابقة حول الانتهاكات التي يرتكبها التحالف، في حين يطلق تحذيرات جديدة بشأن سلوك حكومة هادي. يجب على واشنطن أن تلزم هذه الحكومة وشركاءها بالتقيد بأعلى المعايير باعتبارها الممثل القانوني للشعب اليمني على المسرح الدولي. كما ينبغي أن تضغط على عُمان والحلفاء الآخرين المقربين من الحوثيين من أجل إدانة الانتهاكات التي يرتكبها الثوار.
ووفقاً لتوصيات الفريق، يجب أن تنظر الولايات المتحدة، على وجه التحديد، في تقديم المساعدة بالتنسيق مع دولة الإمارات وسلطنة عُمان من أجل تعزيز قدرات مراقبي الأمم المتحدة في الكشف عن وثائق الاستيراد المزيفة. يتعيّن على واشنطن أيضاً توفير التدريب للحكومة اليمنية فيما يتعلق بآليات العناية الواجبة المناسبة للواردات. وينبغي أن تضغط على التحالف الذي تقوده السعودية لكي يكون أكثر استجابة لطلبات الفريق، لا سيّما وأن الباحثين يعملون على كشف القضايا المتعلقة بسلاسل التوريد وتسلسل العُهدة. كما ينبغي أن تدعم واشنطن على الفور تمديد ولاية الفريق لمدة عام آخر عندما تنتهي في أواخر شباط/فبراير، مع توفير التمويل الكافي لإعادة إطلاق نشاطاته.
إلينا ديلوجر، هي زميلة أبحاث في "برنامج برنستاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة" في معهد واشنطن.