"حكومة الإنقاذ" المدعومة من الجهاديين وأزمة "كوفيد-19" في شمال غرب سوريا

في الوقت الذي ركّز فيه الكثير من الباحثين في قضايا الجهاد على كيفية تعامل تنظيم «الدولة الإسلامية» مع وباء كورونا العالمي، إلّا أن تنظيم «داعش» لم يعد يسيطر فعلياً على أراضي في العراق وسوريا. وبالتالي كل ما بوسعه تقديمه في أفضل الأحوال هو المشورة والتوجيه. وعلى عكس ذلك، [يتعيّن] على الجماعة الجهادية «هيئة تحرير الشام»، التي تدعم "حكومة الإنقاذ" المحلية في أجزاء من شمال إدلب وغرب حلب، مواجهة عواقب الوباء على أرض الواقع بما أن هناك أكثر من 4 ملايين شخص يعيشون تحت سيطرتها، من بينهم أكثر من مليوني شخص من النازحين. كما أنها توفر منفذاً فريداً من نوعه يعرّفنا على أسلوب الحكم البديل الذي تتبعه «هيئة تحرير الشام» مقارنةً بالرؤية الاستبدادية لتنظيم «الدولة الإسلامية». وحتى إذا حاولت "حكومة الإنقاذ" اتخاذ خطوة ما لمنع فيروس كورونا من التفشي بين السكان في المنطقة الخاضعة لسيطرتها، فإن المشاكل المتعلقة بنظام صحي مدمَّر وعدم القدرة على تنفيذ حقيقي للتدابير التي من شأنها أن تحد من انتشار المرض تجعل الاحتمالات رهيبة للغاية عندما يصيب الفيروس التاجي السكان المدنيين الضعفاء.

وفي المرحلة التي سبقت تفشي وباء فيروس كورونا، كانت موارد "حكومة الإنقاذ" مرهقة نتيجة الهجوم الذي شنّه نظام الأسد والميليشيات الروسية والإيرانية والشيعية لاستعادة السيطرة على محافظة إدلب. وفي الشهر الذي سبق، كانت غالبية جهود "حكومة الإنقاذ" تتمحور حول نصب خيام جديدة لإقامة النازحين داخلياً نتيجة التهجير الذي تم التسبب به. بالإضافة إلى ذلك، فوفقاً لـ "مدير الدفاع المدني" لـ "الخوذ البيضاء"، رائد صالح، تم تدمير 70٪ من البنية التحتية الصحية / الطبية في المناطق الخاضعة لسيطرة "حكومة الإنقاذ" بسبب الهجوم المستمر على مر السنين. وفي 27 آذار/مارس 2020، أشارت "مجموعة منسقي الاستجابة" السورية إلى وجود 1,689 سريراً فقط، و 243 وحدة للعناية المركزة، و 107 أجهزة تهوية اصطناعية، و 32 وحدة للعزل الصحي في الأراضي التابعة لـ "حكومة الإنقاذ". لذلك، فبغض النظر عن الأمراض والإصابات وغيرها من التأثيرات السلبية للحرب السورية التي ظهرت بالفعل، فإن هذه [التداعيات] يمكن أن تصبح مهمشة في الأسابيع والأشهر القادمة بسبب وباء كورونا، الذي قد يتسبب في وفيات المزيد من الأفراد بشكل غير مباشر.

وبحدود منتصف شباط/فبراير، كانت قد انتشرت شائعات في دوائر وسائل التواصل الاجتماعي السورية بأن فيروس كورونا وصل إلى سوريا عبر إيران ووكلائها من الميليشيات الشيعية، لأن إيران كانت أول ناقل رئيسي للمرض في الشرق الأوسط. وقبل ثمانية أيام من اعتراف نظام الأسد بوجود إصاباتٍ بمرض "كوفيد-19" التي انتقلت إلى البلاد من الخارج، كانت وزارة الصحة في "حكومة الإنقاذ" تقوم في 14 آذار/مارس بتقديم الإرشادات للمقيمين على أراضيها، حول التدابير الوقائية اللازمة للتعامل مع الفيروس بناءً على الفهم الطبي له وفقاً للمعايير الدولية. وشملت هذه الإجراءات القيام بحملة على الإنترنت وأخرى حقيقية لنشر المعلومات وإيصال الرسالة إلى الناس. فضلاً عن ذلك، أنشأت هذه الحكومة في 23 آذار/مارس لجنة استجابة للطوارئ للتنسيق بين جميع وزاراتها، برئاسة عبدالله الشاوي ممثلاً عن رئيس الحكومة علي كده. ومنذ ذلك الحين، زعمت الحكومة أنه تم إجراء عدد من حملات التوعية واتخاذ تدابير وقائية لإعداد سكان المنطقة لاحتمال تفشي الفيروس، من ضمنها:

• إصدار إشعارات التوجيه للمارة والسائقين المحليين فضلاً عن تعليق اللافتات لمساعدة الأفراد على فهم الوباء بشكل أفضل
• إصدار شريط فيديو إعلامي وسلسلة من المقالات التي تشرح فيروس كورونا والتدابير الوقائية المتخذة من قبل وزير الصحة الدكتور أيمن جبس
• [وضع] رسوم تصويرية على الجدران تشرح للأطفال الأمور المسموحة والأخرى الممنوعة للوقاية من الفيروس
• [إجراء] فحص درجة الحرارة عند معبر "باب الهوى" الحدودي مع تركيا وإنشاء مركز حجر صحي مؤقت لمدة 14 يوماً لكي لا ينتشر الفيروس من تركيا
• تعقيم المدارس والمساجد والمباني الحكومية وغيرها من البنى التحتية
• إطلاق حملات توعية للنازحين
• [إعطاء] دروس لرجال الدين والواعظين لفهم واقع الفيروس التاجي وكيفية شرحه لرعاياهم بشكل أفضل
• [إنشاء] منتديات محلية يقودها أطباء وعمداء كليات الطب لشرح حقائق المرض وخطط "حكومة الإنقاذ" لكيفية تعاملها معه
• إغلاق الأسواق والحدائق العامة
• إقامة خيام للحجر الصحي لحاملي الفيروس المشتبه فيهم إلى أن يتمكنوا من إجراء الاختبارات المناسبة
• تعليق الالتحاق بالمدارس (أصدرت إحدى المدارس الشرعية التابعة لـ «هيئة تحرير الشام»، وتُدعى "دار الوحي الشريف"، مقاطع فيديو مسجلة مسبقاً للأطفال تشرح الدروس الخاصة بأربع مستويات تعليمية مختلفة في مواضيع اللغة العربية، التربية الإسلامية والأخلاق، الرياضيات، العلوم، واللغة الإنجليزية)
• تعليق صلاة الجمعة
• بث عرض أسبوعي على "يوتيوب" بعنوان "كورونا والشريعة"
• إزالة المقاعد/ المصاطب المتواجدة في الساحة الرئيسية بمدينة إدلب لمنع الأفراد من التجمع
• افتتاح مركز عزل / وحدة عزل في سرمدا، وجسر الشغور، وكفر كرمين
• إجراء دورة تدريبية للمتطوعين الطبّيين حول فيروس كورونا
• فتح مصنع لصنع الأقنعة للسكان المحليين

واستناداً إلى تنوّع التدابير المتخذة، تبدو "حكومة الإنقاذ" - في الحالات المثلى - جديةً نسبياً بشأن حماية السكان من الإصابة بالكورونا. على سبيل المثال، قامت "المديرية العامة للتجارة والتموين"، بالتعاون مع وزارة الداخلية، بتعليق العمل في أربعة أفران (اثنان في الدانة، وواحد في دير حسن، وآخر في قاح) في ريف إدلب الشمالي، بسبب عدم اتباعها الإجراءات اللازمة للوقاية من الفيروس التاجي. وقد طعن البعض في "الحكومة السورية المؤقتة" المنافسة والمدعومة من تركيا في هذه الادعاءات مجادلاً بأن "حكومة الإنقاذ" قامت فعلياً، ومن خلال مبادرات المنظمات المحلية غير الحكومية، باستغلال المبادرات الممولة من قبل "الحكومة السورية المؤقتة" نفسها في إطار مكافحة فيروس كورونا، ونسبت لنفسها الفضل في نجاح تلك المبادرات.

ومع ذلك، لا تزال هناك تساؤلات حول فعالية التدابير التي اتخذتها "حكومة الإنقاذ" ومدى صدقها في تنفيذها، خاصة وأن هناك أيضاً الكثير من القلق والمشاكل الملحة الأخرى التي تعاني منها الأراضي التي تسيطر عليها. على سبيل المثال، هناك عدد من الحالات التي تم فيها عقد اجتماعات رسمية رفيعة المستوى من قبل "حكومة الإنقاذ" والتي لم يجلس فيها الرؤساء والأفراد على مسافة مترين أحدهم من الآخر ولم يرتدوا خلالها الأقنعة. وحتى رئيس الحكومة علي كده حضر الاجتماعات بدون قناع. وإذا لم يكن المسؤولون في "حكومة الإنقاذ" و «هيئة تحرير الشام» يتقيدون بتوجيهات الحكومة نفسها، فلماذا يتوجب على الآخرين التقيد بها؟ وبالمثل، يعمل العديد من العمال اليدويين الذين يساعدون في مشاريع الحوكمة في إدلب على مسافة قريبة من بعضهم البعض من دون أي معدات وقائية، مما يدل على انعدام التناسق في التطبيق.

علاوةً على ذلك، تواصل «هيئة تحرير الشام» توزيع حصص الزكاة وجهاً لوجه مع السكان المحليين دون استخدام أي معدات وقائية لحماية أفراد «الهيئة» أو حماية أولئك الذين يعطونهم المال كما يدّعون. ومن المعقول بالتأكيد ومن المحتمل أيضاً أنه لا يوجد ما يكفي من الإمدادات لتوفير الأقنعة لجميع سكان إدلب، وذلك بسبب النقص في جميع السلع بشكل عام - ويكفي أخذ الولايات المتحدة كمثالٍ على دولة تملك كمية أكبر بكثير من الموارد بينما لا يزال الكثيرون فيها يواجهون صعوبةً في الحصول على الأقنعة - ولكن حتى الأمور التي يتمكن التحكم فيها، كالتباعد الآمن وانعدام التلامس، لا يتم تنفيذها بطريقة فعالة أو جادة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن تدابير "حكومة الإنقاذ" قد واجهت عراقيل أيضاً من جماعة «حراس الدين»، الفرع الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، ومن أصحاب العقائد المشابهين لها في الفكر داخل سوريا (أمثال أبو اليقظان المصري) وخارجها (أبو محمد المقدسي) ومعارضتهم لإغلاق المساجد، لأن أولئك الموجودين في إدلب تجاهلوا هذه التعاميم والفتاوى وواصلوا التردد إلى مساجدهم وإلقاء الوعوظ فيها. وحتى أبو مالك التلي، أحد كبار القياديين في «هيئة تحرير الشام»، استقال لفترة من التنظيم بسبب القرار المتعلق بالمساجد. ومن المحتمل أن يكون ذلك سبب بقاء مساجد «هيئة تحرير الشام» مليئة بالمصلّين الواقفين كتفاً إلى كتف خلال صلوات شهر رمضان. وبالنتيجة، نشرت "حكومة الإنقاذ" في 29 نيسان/أبريل صوراً تثقيفية إرشادية حول الوقاية من فيروس كورونا عند تأدية صلاة التراويح في المساجد خلال شهر رمضان. ونتيجة لذلك، أصدرت "حكومة الإنقاذ" في 7 أيار/مايو إشعاراً تحذيرياً للمواطنين تنبّه فيه حول "ضرورة الالتزام بالتدابير الاحترازية المتعلقة بوباء كورونا، لأن عدم رؤيته حتى الآن لا يعني أننا في مأمن منه".

ومع ذلك، تسلط هذه القيود الضوء على الطبيعة غير الاستبدادية لحكم "حكومة الإنقاذ"، مقارنةً بالآلية التي سيّر بها تنظيم «الدولة الإسلامية» بُنيته الإدارية. وبالطبع، أن تلك الحكومة ليست هيئة ديمقراطية ليبرالية، لذلك لا يجب الإشادة بها بالضرورة لأنها ليست سيئة بقدر تنظيم «الدولة الإسلامية» بالمعنى النسبي، خاصة عندما تكون غير فعالة. وفي الواقع يُساء فهم التوقعات المتعلقة بطريقة عمل الجهاديين بسبب سنوات من الروايات الخاطئة عن عيش الجهاديين في الكهوف أو اهتمامهم بالأنشطة الإرهابية فقط. وقد أصبح الجهاد اليوم عملاً أكثر نضجاً بكثير من ذي قبل وله مجموعة واسعة من النشاطات. وبالطبع لا يزال الجهاديون من غير تنظيم «الدولة الإسلامية» يملكون ميولاً استبدادية. فما زالت «هيئة تحرير الشام» تقوم باعتقال الناشطين والمدنيين المعارضين لها وقتلهم بشكل متكرر - ومن أبرز الحالات الأخيرة مقتل محمد طنو وإطلاق النار على المتظاهرين. وبالمثل، تتّبع "حكومة الإنقاذ" القوانين وفقاً للتفسيرات السلفية الجهادية للدين الإسلامي الذي تتبعه «هيئة تحرير الشام». ومع ذلك، لو لم يُقْدِم نظام الأسد وحلفاؤه على تدمير الكثير من البنية التحتية الصحية في المناطق الخاضعة لسيطرة "حكومة الإنقاذ"، لتسنّت أمام السكان في شمال إدلب وغرب حلب فرصةٌ لمواجهة فيروس كورونا أكبر بكثير مما يسمحه وضعهم الراهن. ومع ذلك، لا ينبغي لأحد أن يعتبر كفاءة "حكومة الإنقاذ" في الحكم استثنائيةً لمجرد أنها تعمل على اتخاذ التدابير الوقائية.

هارون زيلين هو زميل "ريتشارد بورو" في معهد واشنطن. وقد نُشرت هذه المقالة في الأصل على موقع "معهد الدراسات السياسية الدولية".