- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
هل قام الإسرائيليون البغيضون فعلاً بفصل الأمهات الفلسطينيات عن أطفالهن؟
Also published in "تايمز أوف إسرائيل"
لو سأل مراسلو صحيفة "واشنطن بوست" المسؤولين الإسرائيليين قبل نشرهم إحدى التقارير، لَكانوا قد كتبوا قصة مختلفة تماماً.
في 17 تشرين الثاني/نوفمبر، نشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقالاً على صفحتها الأولى بعنوان "حرب إسرائيل مع «حماس» تَفْصل الرضّع الفلسطينيين عن أمهاتهم". وزعم المقال أن بعض أمهات الأطفال حديثي الولادة اضطررن إلى ترك أطفالهن في رعاية ممرضات المستشفى بسبب انتهاء صلاحية تصاريح المرور التي تسمح للنساء الفلسطينيات اللاتي يعانين من صعوبات أثناء الحمل بالعبور من غزّة للولادة في إسرائيل أو الضفة الغربية، وأن اندلاع الحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول حال دون لم شمل الآباء مع أطفالهم الرضّع.
علاوة على ذلك، تضمن المقال تأكيدات من مسؤولي المستشفيات الذين لم تُذكر أسماؤهم بأن الصحيفة لا تستطيع كشف المزيد من التفاصيل - والتي تشمل حتى تسمية المستشفيات التي تتم فيها رعاية الأطفال - خوفاً من تعرّضهم للتنكيل من الحكومة الإسرائيلية. كما زعم أن هذا الخوف كان السبب وراء عدم توجّه المراسلين حتى إلى السلطات الإسرائيلية لطلب تعليقها على مختلف الاتهامات الموجهة ضدها.
وبعد ذلك بأربعة أيام، نشرتُ نقداً مطولاً للمقالة سلطتُ فيه الضوء على العديد من العيوب الصحفية. والأمر الأكثر خطورة من وجهة نظري هو كيف حوّل مراسلو "واشنطن بوست" قصة إخبارية جيدة بشكل أساسي عن الأطفال الذين يتم الاعتناء بهم أثناء الحرب إلى هجوم على إسرائيل يستند إلى حد كبير إلى مصادر مجهولة دون بذل أي جهد للتحقق من صحة تلك الادعاءات مع الجهات الحكومية الإسرائيلية المعنية.
لقد أثّرت القصة الأصلية على راحة بالي، وجعلتني متعطشاً لمزيد من التفاصيل. فهل يمكن للمسؤولين الإسرائيليين أن يكونوا بلا قلب إلى حد فصل الأطفال المبتسرين عن أمهاتهم بعد ساعات قليلة من الولادة؟ هل يمكن للمسؤولين الإسرائيليين أن يكونوا قساة إلى هذا الحد لدرجة أنهم يحرمون هؤلاء الأمهات بشكل متكرر من إمكانية لم شملهن مع أطفالهن؟
لذلك، وعلى مدى الأسابيع الثلاثة الماضية، قمتُ بما لم يفعله ثلاثة مراسلين لصحيفة "واشنطن بوست" - لويزا لوفلوك، وسفيان طه، وهاجر حرب: طلبتُ من الوكالات الحكومية الإسرائيلية ذات الصلة، بما فيها "مكتب منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق"، ووزارة الصحة الإسرائيلية، والسفارة الإسرائيلية في واشنطن، سماع جانبهم من الرواية. هذا ما تعلّمته. ولم يرِد أي من ذلك في القصة الأصلية لـ "الواشنطن بوست.
- إن الإجراء المعمول به لحصول الآباء الفلسطينيين القادمين من غزة على رعاية طبية استثنائية - سواء لأنفسهم، كما في حالة الأمهات اللاتي يعانين من حالات حمل معقدة، أو لأطفالهن الذين قد يحتاجون إلى علاج السرطان أو غسيل الكلى أو علاج متخصص آخر - هو تقديم طلب عبر "السلطة الفلسطينية"، والتي تقوم بعد ذلك بتمرير الطلبات إلى إسرائيل. لذلك تتحمل بيروقراطية "السلطة الفلسطينية" في رام الله جزءاً كبيراً من المسؤولية عن هذا الوضع. (غالباً ما تختلف إسرائيل و"السلطة الفلسطينية" حول كيفية دفع تكاليف الرعاية الطبية لهؤلاء المرضى، لكن هذا الخلاف لا يعيق وصول المرضى إلى الرعاية أبداً، ولا يتحمل المرضى أنفسهم تكاليف هذه الرعاية).
- تشترط إسرائيل على جميع الفلسطينيين من غزة تقديمهم تصاريح دخول للنزول في المستشفيات التي يتم فيها تقديم الرعاية موضع البحث، والتي تقتصر تقريباً على مستشفيات الضفة الغربية أو القدس الشرقية. ومن النادر جداً أن تطلب "السلطة الفلسطينية" تراخيص عبور إلى مستشفى داخل حدود ما قبل 1967.
- تفضل إسرائيل بشدة أن ترافق الأمهات أطفالهن، حيث كانت هناك حالات في الماضي تخلّى فيها الآباء عن أطفالهم للبحث عن عمل أثناء وجودهم في إسرائيل، أو حتى في حالات أكثر ندرة، وهي مشاركتهم في أنشطة سياسية/أمنية محظورة. وفي حالات قليلة، يرافق الأطفال أفراد آخرون من الأسرة - أجدادهم في أغلب الأحيان. ومن الواضح أنه في حالات الحمل الصعبة، فإن المسألة تتعلق بالأمهات.
عند انتهاء تصاريح السفر، لا يعود المسافر عادةً إلى غزة، وذلك لأنه يمكن تجديد التصاريح إلكترونياً. وبالنسبة للأمهات المقيمات في المستشفى مع أطفالهن حديثي الولادة، يتم التجديد بشكل سريع وتلقائي تقريباً عبر الإنترنت. وكما أوضح لي مسؤول كبير في وزارة الصحة الإسرائيلية: "في جميع الحالات مثل هذه، يتم تمديد التصاريح تلقائياً على أساس أسبوعي دون الحاجة إلى العودة إلى غزة".
- إذا كان تجديد التصاريح يتم بشكل تلقائي، فكيف يمكن فصل الأمهات عن أطفالهن؟ يحدث ذلك عندما تلد الأمهات في مستشفيات الضفة الغربية أو القدس الشرقية ثم يقررن العودة إلى غزة لأسباب شخصية أو عائلية، وعادة لرعاية أطفالهن الآخرين، حيث تكنّ واثقات من أن أطفالهن حديثي الولادة في أيد أمينة. وكما أوضح مسؤول وزارة الصحة الإسرائيلية قائلاً: "إن الأمهات اللاتي يعُدن إلى غزّة في وقت السلم يفعلن ذلك عموماً لرعاية أطفالهن الآخرين الذين تُركوا في المنزل". بعبارة أخرى، فإن الانفصال، عندما يحدث، يكون دائماً تقريباً من اختيار الأم، وليس أمراً مفروضاً بأمر إداري إسرائيلي.
- صحيح أن الهجوم الإرهابي الذي نفذّته "حماس" في 7 تشرين الأول/أكتوبر، وإعلان إسرائيل اللاحق للحرب ضد "حماس"، أدى إلى تعليق الإصدار الطبيعي لتصاريح السفر. ومع ذلك لم تتلق إسرائيل أي طلبات خاصة - سواء عن طريق "السلطة الفلسطينية" أو وكالات الأمم المتحدة المتخصصة مثل "وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" ("الأونروا") أو "مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية" ("أوتشا") - للمّ شمل الأمهات مع أطفالهن.
- وفي غضون ذلك، يظل جميع الأطفال تحت رعاية المستشفيات ذات الصلة، دون أي تكلفة على أسرهم. ولدى "السلطة الفلسطينية" ووزارة الصحة الإسرائيلية سجلات لكل حالة، لذا فإن فكرة عدم تمكن الصحيفة من التحقق من الاتهام بأن المرضى سيتعرضون لـ "أعمال انتقامية" إذا عُرفت تفاصيل إقامتهم في المستشفى، هي، في ظاهر الأمر، منافية للعقل.
خلاصة القول: بعد البحث والاستقصاء، تبيّن لي أن انتهاك صحيفة "واشنطن بوست" لقواعد الصحافة المتعارف عليها كان أكثر فظاعة مما اعتقدتُ في البداية.
- يؤكد المقال أن "الحرب... فصلت الأطفال حديثي الولادة عن أمهاتهم وآبائهم". وفي الواقع، يبدو أن الآباء المعنيين قد اختاروا ترك أطفالهم في رعاية المستشفيات والعودة إلى غزة قبل اندلاع الحرب بوقت طويل. ووفقاً للإسرائيليين، ربما جعلت الحرب من الصعب عليهم لم شملهم، لكن القرار الأصلي بالانفصال كان قرار الوالدين.
- يدّعي المقال أنه "إذا احتاج الطفل إلى البقاء في الحاضنة لفترة أطول، يجب على الأم العودة إلى غزة والشروع في تقديم طلب مجدداً". ووفقاً للإسرائيليين فإن هذا غير صحيح.
- يسمح المقال لمعظم الطواقم الطبية والأمهات الفلسطينيات الذين تمت مقابلتهم بإخفاء هوياتهم "بسبب المخاوف الأمنية للموظفين والمرضى"، مع الإشارة إلى أنه "في أعقاب هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، اعتقلت قوات الأمن الإسرائيلية مئات الفلسطينيين من غزة بشكل تعسفي، من بينهم مرضى المستشفيات الذين يحملون تصاريح وفقاً لجماعات حقوق الإنسان. ثم يورد المقال رابطاً لبيان صحفي واحد صدر في 3 تشرين الثاني/نوفمبر عن مجموعة تدعى "جيشا" - "مركز الدفاع عن حرية الحركة"، يؤكد أن "المئات من سكان غزة الذين كانوا موجودين في إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر، ومن بينهم العمال والأشخاص الذين دخلوا إسرائيل بتصاريح لتلقي العلاج الطبي... تم احتجازهم سراً منذ ذلك الحين من قبل السلطات الإسرائيلية". ومن الواضح أن الصحيفة لم تقدم أي تقرير مستقل عن دقة هذه التهمة. والأهم من ذلك، لم تقم "واشنطن بوست" بإعداد أي تقارير مستقلة لمعرفة ما إذا كان أي من المعتقلين المزعومين هن أمهات لأطفال حديثي الولادة.
- يزعم المقال أن إمرأة من غزة عُرّفت باسمها الأول فقط، صابرين، أنجبت توأماً في 3 آب/أغسطس قبل موعد ولادتها، وبحلول 5 آب/أغسطس "حان وقت رحيلها". ويضيف المقال: "لقد غادرت وهي تبكي، كما قال الموظفون، ولم يُطمئنها إلا وعدهم بتقديم طلب للحصول على تصريح آخر في أقرب وقت ممكن لكي تتمكن من العودة وأخذ توأمها. وأضافوا أن السلطات الإسرائيلية رفضت ذلك دون تفسير. وبعد وقت قصير بدأت الحرب."
لا يستشهد المقال بصابرين بشكل مباشر، لكنه يستند إلى ذكريات نقلتها مصادر أخرى عن كلمات فراقها بعد ثلاثة أشهر من رحيلها. بالإضافة إلى ذلك، لا يذكر المقال سبب مغادرة صابرين فعلياً - هل كان ذلك بسبب افتقارها إلى تصريح ساري المفعول أو لأنها اختارت العودة إلى غزة لسبب شخصي آخر؟
هذه الفقرة هي مفتاح المقال بأكمله، لكن المراسلين لا يسألون ما إذا كانت صابرين قد استفادت من النظام الإلكتروني للتقدم بطلب للحصول على تصريح قبل عودتها إلى غزة، ولا يسألون ما هي الجهود التي بذلتها للعودة إلى أطفالها في الشهرين الفاصلين بين مغادرتها وهجوم "حماس" (على سبيل المثال، هل اتصلت بـ "السلطة الفلسطينية"؟ هل تقدمت باستئناف إلى وكالات الأمم المتحدة المتخصصة ذات الصلة؟)، كما لا يطرحون أي سؤال على السلطات الإسرائيلية للتأكد فيما إذا كان قد تم رفض الطلب أو لماذا.
- يشير المقال إلى أن "الـ «واشنطن بوست» لا تذكر اسم المستشفى أو موقعها حفاظاً على أمن المرضى، حيث يخشى الموظفون انتقام السلطات الإسرائيلية". لكن مراسلي الصحيفة لم يبذلوا أي جهد للتحقق من هذا التأكيد مع أي جهة حكومية إسرائيلية، والتي ترفض جميعها هذا الادعاء بشكل قاطع. كما لم يذكر المراسلون أي أعمال انتقامية محددة حدثت بالفعل ضد أي أم فلسطينية لديها أطفال في أحد أجنحة الأطفال حديثي الولادة الموصوفة في المقال.
- يستشهد المقال بعد ذلك بالأم الوحيدة المذكورة في القصة، وهي حنان البيوك من خان يونس، والتي زُعم أنها قالت "أنها أُجبرتْ على العودة إلى منزلها" في 28 آب/أغسطس، بعد ثلاثين ساعة فقط من ولادة ثلاثة توائم. ويضيف أن البيوك "حصلت على تصريح للعودة لإخراجهم، وكان ذلك مؤرخاً في 10 تشرين الأول/أكتوبر، أي أربعة أيام بعد فوات الأوان." وهنا أيضاً لا يسأل مراسلو "الواشنطن بوست" عن السبب الذي "أَجبر" البيوك على العودة إلى وطنها - هل كان ذلك بسبب انتهاء التصريح أو قضية أخرى في خان يونس؟ - كما أنهم لم يسألوا ما إذا كانت البيوك قد حاولت استخدام النظام الإسرائيلي الإلكتروني لتجديد التصاريح أو إذا طلبت وساطة "السلطة الفلسطينية" أو الأمم المتحدة. وما الذي حدث بالتحديد حتى "فات الأوان" على لم شمل البيوك مع أطفالها؟ لم يكن هذا قراراً عقابياً من قبل الحكومة الإسرائيلية؛ فقد كان هجوم "حماس" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول هو الذي أدى إلى إغلاق كامل للحدود، تماماً كما حدث مع إغلاق الحدود البرية والجوية للولايات المتحدة في أعقاب هجمات 11 أيلول/سبتمبر.
- حالة البيوك هي الحالة الوحيدة التي ورد فيها اسم الأم الكامل في القصة. ورداً على ذلك، قال مسؤول وزارة الصحة الإسرائيلية ما يلي: "بخصوص الحالة الوحيدة المذكورة [بالاسم] في المقال، كانت الأم على اتصال بالمستشفى والسلطات الإسرائيلية، وقد أكمل الأطفال الرضع فترة رعايتهم. وعادت الأم إلى غزة بمحض إرادتها قبل هجمات «حماس» في 7 تشرين الأول/أكتوبر". وبسبب حالة الحرب الحالية التي فرضتها "حماس" على إسرائيل، ليس من الممكن للمدنيين عبور الحدود الإسرائيلية مع غزة في أي من الاتجاهين. وبينما عرضت إسرائيل إعادة الأطفال الرضع إلى أمهم عبر "معبر رفح"، أوضحت الأم أنها لا تملك القدرة على قبول الأطفال الرضع مجدداً في غزة بسبب الحرب المستمرة. وأثناء غيابها، يتم رعاية أطفالها جيداً. وتود دولة إسرائيل أن ترى لم شمل الأم مع أطفالها في أقرب وقت ممكن".
الخلاصة؟ جميع العناصر الأساسية للقصة التي نُشرت في النسخة المطبوعة في 17 تشرين الثاني/نوفمبر واحتلت معظم الصفحة الأولى، كانت إما زائفة، أو لا أساس لها من الصحة، أو على الأقل مرفوضة من قبل تصريحات مسؤولي الحكومة الإسرائيلية الذين رسموا صورة مختلفة تماماً عن تلك التي قدمتها "الواشنطن بوست". ويبدو أن المراسلين اعتمدوا على ادعاءات وتأكيدات ظاهرية قدمتها الأمهات الفلسطينيات ومديرو المستشفى، دون التحقق منها بشكل مستقل. إن عدم حصولهم على تعليق من السلطات الإسرائيلية المختصة يشكل انتهاكاً لأبسط قواعد الصحافة. وعلى أقل تقدير، كان من الممكن أن تنشر "الواشنطن بوست" قصة على غرار "قال/قالت"، والتي تعرض وجهتي نظر متناقضتين لنفس الموقف. وربما يكون السبب وراء عدم إصرار محرري "الواشنطن بوست" على اتباع المراسلين لهذه القواعد هو الجزء الأكثر صعوبة في التفسير في هذه القصة.
إليكم ما قاله لي مسؤول إسرائيلي كبير: "لو سُئلنا، لَوَصفنا الحالات العديدة التي نقدم فيها الرعاية الإنسانية للمدنيين الفلسطينيين، وخاصة الأطفال، حتى أثناء الحرب - والتي تشمل رعاية مرضى السرطان وغسيل الكلى والاحتياجات الطبية الأخرى. ولَكُنّا قد وصفنا أيضاً إجراءات الدخول وتجديد التصاريح، والتي لا تتطلب عودة الأم إلى غزة. وكنا سنرفض تماماً أي فكرة منافية للعقل مفادها أن العاملين في المجال الطبي يواجهون "الانتقام" بسبب مساعدتهم هؤلاء المرضى، كما زعم مدير المستشفى الذي لم يُذكر اسمه في المقال.
وكما كتبتُ في نقدي الأصلي، يبدو أن هذه قصة إخبارية جيدة في جوهرها عن أشخاص ذوي نوايا حسنة يعتنون بالأطفال المبتسرين أثناء المعركة، ولكن "الواشنطن بوست" حوّلتها، ولسبب غير معروف، إلى هجوم غير مثبت، مجهول المصدر أو الإسم، على إسرائيل.
روبرت ساتلوف هو "المدير التنفيذي - زمالة سيغال" و "رئيس كرسي «هوارد بي بيركوفيتش» لسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط" في معهد واشنطن. وتم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع "تايمز أوف إسرائيل".