- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3518
هل تردع حاملات الطائرات إيران؟
خلال فترات التوتر مع إيران، عمدت الولايات المتحدة إلى إرسال حاملات الطائرات إلى منطقة الخليج العربي، سواء لردع النظام الإيراني أو لتحديد شكل سلوكه أو التعامل مع التداعيات إذا أخفق الردع. بيد، هناك طرق أكثر فاعلية وأقل تكلفة وأكثر استدامة لردع طهران وصياغة سلوكها من عمليات النشر المتتالية لمجموعات حاملات الطائرات الهجومية في الخليج.
منذ عدة سنوات وحتى الآن، كان إرسال حاملات الطائرات إلى منطقة الخليج العربي هو الخيار المعتمَد خلال فترات التوتر مع إيران، سواء لردع النظام أو لتحديد شكل سلوكه أو التعامل مع التداعيات إذا أخفق الردع. ومع ذلك، لا يوجد دليل على أن مثل هذه الإجراءات قد ردعت طهران ووكلائها بشكل فعال - وبدلاً من ذلك، أدّت ممارسة عمليات النشر المتكررة والمطوّلة والمتعاقبة إلى الإفراط في استخدام السفن وطواقمها، وألحقت الضرر بالجداول الزمنية الخاصة بالنشر والصيانة، ومنعت البَحْرية الأمريكية من الوفاء بالتزاماتها المتزايدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. وبينما تعمل الولايات المتحدة على ضبط حجم وجودها العسكري في الشرق الأوسط، أصبحت هذه القضايا مصدر قلق رئيسي لصانعي السياسات العازمين على مواجهة الصين الصاعدة وروسيا التي تبرز من جديد.
منذ حرب الخليج عام 1991، احتفظت البحرية الأمريكية عموماً بحاملة طائرات واحدة على الأقل من بين الحاملات العشر االتي تعمل في المنطقة (وهي منظمة في مجموعة حاملة طائرات هجومية تضم 36-48 طائرة وطراد و 3-4 مدمرات)، إلى جانب واحدة من سفنها الهجومية البرمائية العشر أو نحو ذلك (حاملة طائرات صغيرة منظمة في مجموعة برمائية جاهزة مع 6 طائرات هجومية، ورصيف نقل برمائي، وسفينة إنزال). ولكن لم يسبق أبداً أن شنّت طائرات الحاملات الأمريكية خلال هذه الفترة ضربات رداً على الهجمات المرتبطة بإيران على المصالح الأمريكية، والتي كان هناك الكثير منها - تفجير "أبراج الخبر" عام 1996 في السعودية، المنسوب إلى «حزب الله» اللبناني وإيران؛ والعديد من الهجمات التي شنتها الميليشيات الموالية لإيران والتي قتلت أكثر من 600 أمريكي في العراق بعد عام 2003؛ وعشرات الهجمات الصاروخية على السفارة الأمريكية والعسكريين الأمريكيين في العراق منذ عام 2019، مما أدى إلى مقتل أربعة أمريكيين على الأقل. وفي الواقع، حدثت بعض الأنشطة الإيرانية الأكثر جرأة في السنوات الأخيرة عندما كانت الولايات المتحدة تحتفظ بحاملة طائرات واحدة أو إثنتين في منطقة الخليج:
- حزيران/يونيو 2019: شنّت إيران هجوماً بلغم ملتصق على ناقلتين للبتروكيماويات في خليج عُمان وأسقِطت طائرة بدون طيّار من طراز "غلوبال هوك" في الخليج العربي.
- أيلول/سبتمبر 2019: شنّت إيران غارة بطائرة مسيرة وصواريخ جوّالة على منشآت نفطية سعودية في بقيق وخريص.
- كانون الأول/ديسمبر 2019: كثفت الميليشيات الموالية لإيران هجماتها الصاروخية على القوات الأمريكية في العراق، مما أسفر عن مقتل متعاقد مدني أمريكي.
- كانون الثاني/يناير 2020: ردّت إيران على مقتل قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني في غارة أمريكية بطائرة بدون طيار من خلال إطلاقها ستة عشر صاروخاً على "قاعدة عين الأسد الجوية" في العراق، مما أدى إلى إصابة أكثر من مائة من الطيارين الأمريكيين بإصابات في الدماغ.
- آذار/مارس 2020: قتلت ميليشيات موالية لإيران ثلاثة من قوات التحالف (أمريكيان وبريطاني) في هجوم صاروخي على "معسكر التاجي" في العراق.
- حزيران/يونيو 2020: وفقاً لبعض التقارير بدأت طهران بمؤامرة لاختطاف الناشطة الإيرانية الأمريكية مسيح علي نجاد على الأراضي الأمريكية وإحضارها إلى الجمهورية الإسلامية.
ومع ذلك، كانت هناك أوقات أدى فيها الاستخدام الجازم لحاملات الطائرات إلى ردع الأعمال الإيرانية. ففي نيسان/أبريل 2015، رجعت قافلة بحرية إيرانية على أعقابها عندما حاولت تسليم أسلحة إلى قوات الحوثيين في اليمن، بعد أن تجمّعت عليها مجموعة حاملات طائرات هجومية ومجموعة برمائية جاهزة. وأرسلت السفن الأمريكية طائرات في رحلات طيران يومية روتينية بالقرب من القافلة لتوليد الضغط المستمر. وأرسلت إيران بعد ذلك قافلة "إنسانية" في استعراض للتحدي بينما اتبعت وسائل أقل خطورة لتوصيل الأسلحة إلى الحوثيين.
ويبدو أن الولايات المتحدة وجدت أيضاً طرقاً أخرى لردع إيران أيضاً. فبعد أن أنشأت قوة أمنية بحرية متعددة الجنسيات في أيلول/سبتمبر 2019 لضمان حرية الملاحة في الخليج العربي (أعقبها جهد أوروبي موازٍ في شباط/فبراير 2020)، انخفضت الهجمات على السفن بشكل هائل. واعتبر قائد "القيادة المركزية الأمريكية" الجنرال كينيث ماكنزي جونيور أن هذا الانخفاض يعود إلى وجود أصول المراقبة المرتبطة بقوات الأمن البحري، مما قلل إلى حد كبير من قيام إيران بشن هجمات قابلة للإنكار - وهو الشكل النهائي للردع عن طريق الإنكار.
وأكثر من أي شيء آخر، فإن ما يبدو أنه ردع بعض الأنشطة الإيرانية المزعزعة للاستقرار منذ أوائل عام 2020 هو المصداقية التي سببها مقتل سليماني. فبعد وفاته، تصرّفت طهران بحذر متزايد - على الرغم من أنها بدأت مجدداً بعد عدة أشهر في التحقيق بعناية في عتبات الاستجابة الأمريكية. وفي أيلول/سبتمبر 2020، ومجدداً في كانون الأول/ديسمبر، هددت الولايات المتحدة بإغلاق سفارتها في بغداد إذا استمرّت الهجمات الصاروخية بالوكالة؛ ويبدو أن الانسحاب المحتمل للطاقم المدني المتبقي هناك كان يُنظر إليه على أنه علامة على استعداد واشنطن للتصعيد عسكرياً. ورداً على ذلك، قلّل وكلاء إيران بشكل كبير من الضربات الصاروخية على السفارة والقوات الأمريكية، لتحلّ محلها هجمات العبوات الناسفة على القوافل اللوجستية للتحالف التي يديرها متعاقدون عراقيون.
وبالتالي، يبدو أن صدمة مقتل سليماني، والتهديد بإغلاق السفارة الأمريكية، والمخاوف من قيام الرئيس ترامب بتوجيه ضربة قبل انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر 2020 أو بعدها، قد غيّرت حسابات المخاطر في طهران. كما أن هذه التطوّرات وضعت إيران ووكلائها أيضاً في حالة اضطراب، وقضت على عميلَين ربما لا يمكن تعويضهما (سليماني وزعيم الميليشيا أبو مهدي المهندس، الذي قُتل في نفس الضربة عام 2020)، وشجّعت أولئك العراقيين الذين يعارضون النفوذ الإيراني على بلادهم - مما يؤكد أن الردع ليس سوى عامل واحد يجب مراعاته عند تقييم فعالية السياسة الأمريكية؛ وقد يكون تعطيل عمليات الخصم واستراتيجيته وسياساته في بعض الأحيان بنفس القدر من الأهمية.
علاوةً على ذلك، تُظهر التجربة أن ما يردع إلى حدٍ كبير ليس حجم القوات المنشورة أو قدرتها، بل مصداقية التهديدات الأمريكية الرادعة. بإمكان واشنطن الإسراع في إرسال قوات إلى المنطقة عند الضرورة، لكنّها لا تستطيع الإسراع في زيادة المصداقية، التي يجب صقلها من خلال إظهار ثابت للعزيمة. ومع تركيز اهتمام الولايات المتحدة وقواتها بشكل متزايد على منطقة المحيطين الهندي والهادئ، يحتاج صانعو السياسات إلى التأكد مما إذا كانت قوة خليجية أقل حجماً بل مستخدمة بشكل أكثر فاعلية قد تردع إيران بشكل أكثر فاعلية من حاملات الطائرات التي تقوم بدوريات الوجود. وفي الوقت نفسه، تُعتبر الولايات المتحدة قوة عظمى لها التزامات عالمية؛ فلا يمكنها الرد على كل تحدٍ من قبل الأعداء الإقليميين، كما يجب ألا تحاول القيام ذلك.
وفي نهاية المطاف، لا يُقاس النجاح في هذه الحالات بما إذا كانت تصرفات الولايات المتحدة تردع كافة الأنشطة المعادية، ولكن بما إذا كانت تردع الأنشطة الأكثر زعزعة لاستقرارها، مما يرغم الخصم على استخدام وسائل أقل تخريباً. وخلال الأشهر الأخيرة من ولاية ترامب، أنجزت إدارته ذلك عندما خففت الميليشيات الموالية لإيران من الهجمات الصاروخية على المواقع الأمريكية وصعدت إلى حد كبير من الهجمات غير المميتة على القوافل التي يديرها العراقيون - وهو نوع من "المقاومة الأدائية" التي مكّنت هذه الميليشيات من اتخاذ وضعية التحدي من دون التعرض لخطر كبير ناتج عن التصعيد الأمريكي. لكن بعد تنصيب الرئيس بايدن، شرع هؤلاء الوكلاء في نشر آفة الهجمات الصاروخية والطائرات بدون طيار التي هددت الجنود الأمريكيين، لمعرفة ما يمكن أن يفلتوا منه.
ومن المرجح أن تتكاثر مثل هذه الاختبارات في المستقبل. فقرار واشنطن بالانسحاب من أفغانستان وتقليص حجم الدفاعات الصاروخية والطائرات المقاتلة الأمريكية في الأردن والخليج قد يشجع طهران على تكثيف الضغط على الولايات المتحدة ومحاولة توسيع نفوذها الإقليمي أكثر فأكثر - خاصة الآن بعد أن تولّى الرئيس المتشدد إبراهيم رئيسي منصبه. ولردع مثل هذه التحديات وتحديد شكلها والاستجابة لها بشكل أفضل، على صانعي السياسات في الولايات المتحدة التشديد على العناصر التالية:
الطمأنة والاستجابة للطوارئ. قد لا تردع حاملات الطائرات طهران بشكل عام، لكن وجودها قد يغيّر حسابات المخاطر ويوفّر منافع أخرى. فنشر مجموعات الحاملات الخفيفة لِسَدّ الفجوة المحتملة بين عمليات النشر المستقبلية لحاملات الطائرات الفائقة الحجم في المنطقة يمكن أن يساعد في صياغة سلوك إيران، وطمأنة الشركاء الإقليميين (مع توجيههم بعيداً عن الإجراءات المزعزعة للاستقرار الخاصة بهم)، وتوفير قدرة نشر متقدمة للاستجابة الطارئة. وستتألف مجموعات الحاملات الخفيفة هذه من سفن هجومية برمائية مع ما يصل إلى 20 مقاتلة شبح من طراز "إف-35 بي لايتنينغ" (ما يسمى بمفهوم البحرية الأمريكية "حاملة لايتنينغ") مصحوبةً بمدمرات مرافقة. وستوفر طائرات "إف-35 بي" خيارات المنطقة الرمادية التي لا تقدمها الطائرات غير الشبح بشكل أساسي على متن حاملات الطائرات العملاقة.
الحضور الأصغر حجماً والأكثر نشاطاً. إن وجود قوة مشتركة أصغر حجماً تتكوّن من أصول تابعة للجيش والبحرية والقوات الجوية، يتم توظيفها بشكل أكثر نشاطاً، وتعززها إجراءات الردع غير العسكرية، قد يردع بشكل أكثر فاعلية السلوك الإيراني ويحدد شكله. وفي حالة التصعيد مع إيران، يمكن دفع التعزيزات إلى المنطقة في جميع الأوقات. وستُظهر الاستجابة للتحدّيات بشكل أكثر اتساقاً التزام الولايات المتحدة وعزمها، بينما سيؤدي التصرف بشكل غير متوقع إلى تعقيد جهود إيران لإدارة المخاطر وقد يدفعها إلى التصرّف بمزيد من الحذر. وعند اتباع هذه المقاربة، على الولايات المتحدة أن تستهدف الأصول التي تقدّرها طهران حقاً (فرض تكاليف مادية - وعدم التسبب بقتل الأرواح إلا رداً على زهق أرواح الأمريكيين) من أجل فرض نسبة تكلفة وفائدة غير مواتية على تصرفات إيران. ومن المرجح أن يؤدي الاعتماد على كل من الردع بالعقاب والردع عبر الرفض إلى نتائج أفضل من مجرد الاعتماد على أحدهما أو على الآخر.
إتقان العمل في المنطقة الرمادية. من خلال العمل بشكل أساسي في المنطقة الرمادية - عن طريق أنشطة سرية أو غير معترف بها، غير حركية وحركية على حد سواء - يمكن لواشنطن أن تواجه المسؤولين الإيرانيين بالعديد من معضلات الإسناد والمساءلة نفسها التي لطالما طرحوها على صانعي السياسات الأمريكيين. وبما أنّ مثل هذه الأنشطة يمكن أن تنفّذها قوة صغيرة نسبياً، فمن المرجح أن تكون استراتيجية الردع الأمريكية في المنطقة الرمادية أكثر فاعلية واستدامة من المقاربات التي تعتمد على نشر حاملات الطائرات وقاذفات القنابل الثقيلة في الخليج. ونظراً إلى حدوث الكثير من هذه الأنشطة تحت شاشة الرادار، فمن غير المرجح أن تؤدي إلى إعاقة الدبلوماسية مع إيران، أو تعكير صفو السياسة الداخلية للولايات المتحدة، أو زعزعة استقرار الشركاء الإقليميين، أو اندلاع صراع أوسع نطاقاً - حتى مع تحريرها حاملات الطائرات العملاقة لمواجهة الصين وروسيا.
مايكل آيزنشتات هو زميل "كاهن" ومدير برنامج الدراسات العسكرية والأمنية في معهد واشنطن. هنري ميهم هو مساعد باحث سابق في البرنامج. وتم أخذ أجزاء من هذا المرصد السياسي من منشور المعهد الأخير "ردع إيران في المنطقة الرمادية: رؤى من أربعة عقود من الصراع".