- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
هل تتجه أذربيجان وأرمينيا نحو السلام؟
Also published in "المجلة"
تعمل عناصر إقليمية ودولية جديدة على خلق الظروف المواتية لإنهاء صراع مستمر بين دول جنوب القوقاز منذ عقود، مع ما يترتب على ذلك من تداعيات مهمة محتملة على إيران، والحرب في أوكرانيا، وتركيا.
على خلفية حرب غزة، ولجوء إيران ووكلائها إلى التصعيد في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، وحرب روسيا في أوكرانيا، يشهد جنوب القوقاز بهدوءٍ تحولاً عميقاً. فأرمينيا وأذربيجان تتجهان ببطءٍ نحو التوقيع على معاهدة سلام. وإذا تحقق ذلك، ستترتب عن هذه النتيجة تداعيات عميقة على جنوب القوقاز وروسيا وأوروبا وإيران.
إن الصراع بين أرمينيا وأذربيجان هو نزاع عرقي وإقليمي على حدٍ سواء، وقد استمر لأكثر من ثلاثين عاماً. وعلى وجه التحديد، يدور النزاع حول ناغورنو كاراباخ (أو أرتساخ كما يسميها الأرمن)، المعترف بها دولياً كجزءٍ من أذربيجان ولكنها حتى وقت قريب كانت خاضعة لسيطرة نظام أرمني انفصالي تدعمه الحكومة الأرمينية.
وهذا هو الصراع الأطول أمداً في منطقة ما بعد الاتحاد السوفيتي، وهو أحد الصراعات العديدة التي تُسمى "الصراعات المجمدة" على أطراف روسيا. وفي السنوات القليلة الماضية، كان المراقبون يعلنون بشكل دوري أن اتفاق السلام بين باكو ويريفان أصبح وشيكاً، إلا أنه لم يتحقق قط. ومع ذلك، هناك عدة أسباب تشير إلى أن هذه المرة قد تكون مختلفة.
إزالة العوائق
أولاً، تم حالياً إزالة أحد العوائق الكبرى أمام السلام، وإن كان ذلك بالقوة العسكرية. فبعد سنوات من فشل الدبلوماسية، نفذت أذربيجان في أيلول/سبتمبر 2023 هجوماً على كاراباخ استمر 24 ساعة.
وأسفر ذلك عن استسلام القيادة الانفصالية في ستيباناكيرت وإخراج القوات الأرمنية من الأراضي الأذربيجانية. كما أدى إلى نزوح سريع وغير متوقع للأرمن العرقيين من كاراباخ. ولكن لطالما كان تخلي أرمينيا عن كاراباخ شرطاً أساسياً للسلام.
ثانياً، أظهرت القيادتان الأرمنية والأذربيجانية التزاماً واضحاً بتحقيق السلام. فسابقاً، كان مثل هذا الالتزام محفوفاً بالمخاطر بشكلٍ خاصٍ بالنسبة للقيادة الأرمنية، التي لم تكن تخشَ رغبة القوى المتطرفة في أرمينيا في استخدام الضغط السياسي فحسب، بل استخدام العنف لمنع السلام أيضاً.
وفي كانون الأول/ديسمبر، أظهرت أرمينيا وأذربيجان علامة نادرة على حسن النية من خلال تبادل الأسرى وإصدار بيان مشترك يعترف باللحظة التاريخية لتحقيق السلام في المنطقة. وأدلى كبار المسؤولين بتصريحات لاحقة قدّمت المزيد من الدلائل على هذا الالتزام. ففي الشهر نفسه، قال كبير مستشاري الرئيس الأذربيجاني علييف للسياسة الخارجية، حكمت حاجييف: "بالنسبة لأذربيجان، لم تعد هناك أي عقبات تحول دون تنفيذ أجندة السلام".
وتبادل الجانبان عدة مسودات لمعاهدة السلام. ففي الآونة الأخيرة، اجتمع علييف ورئيس وزراء أرمينيا باشينيان على هامش "مؤتمر ميونيخ للأمن" في شباط/فبراير من هذا العام، الذي استضافه المستشار الألماني أولاف شولتس. وتبعهما وزيرا خارجية أرمينيا وأذربيجان يومي الأربعاء والخميس الماضيين، إذ عقدا في برلين اجتماعاً استضافته وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك.
وأحد الأمثلة الأخرى هو اختيار أذربيجان لترؤس الدورة التاسعة والعشرين من "مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ" ("مؤتمر الأطراف")، وذلك بسبب عملية السلام مع أرمينيا على ما يبدو. وفي الواقع، وافقت أرمينيا في كانون الأول/ديسمبر 2023 على دعم عرض أذربيجان لاستضافة مؤتمر الأطراف مقابل العضوية في مكتب "مؤتمر الأطراف" التابع لمجموعة أوروبا الشرقية. وفي مقال افتتاحي نُشر مؤخراً، ذكر موختار بباييف، وزير البيئة والموارد الطبيعية الأذربيجاني والرئيس المعيّن لـ "مؤتمر الأطراف" التاسع والعشرين، أن الفضل يعود مباشرةً إلى جهود السلام مع أرمينيا التي سمحت لأذربيجان ترؤّسها حالياً لـ "مؤتمر الأطراف".
الحدود والممرات
وأخيراً، يبدو أن كلا الجانبين يدركان أن عدداً من القضايا المتبقية يمكن حلها بعد التوقيع على معاهدة السلام. وتتعلق هذه القضايا بممرات النقل والجيوب، وخاصةً ترسيم الحدود بين أرمينيا وأذربيجان، وهو ما لم يحدث من قبل.
وفي الواقع، قال حاجييف في كانون الأول/ديسمبر الماضي أنه على الرغم من أن اتفاقية الحدود ستستغرق وقتاً أطول، إلا أنها لا تقف في طريق معاهدة السلام. وهذا أمر مهم لأن حل مسألة ترسيم الحدود قد تستغرق عدة سنوات - وبالفعل، بذلت جورجيا وأذربيجان جهوداً مستمرة لترسيم الحدود منذ عام 1991، لكن البلدين يعيشان في سلام.
إن إحدى القضايا الرئيسية التي لم يتم حلها هي ما يسمى بممر زنغزور، وهو الرابط بين أذربيجان ومقاطعة ناخيتشيفان التابعة لها، كما أنه جزء من طريقٍ بين الشرق والغرب يُحتمل أن يكون مربحاً ويُدعى "الممر الأوسط". وتقع ناخيتشيفان على الحدود مع أرمينيا وإيران. وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2020، وقّعت أرمينيا اتفاقاً ثلاثياً لوقف إطلاق النار مع أذربيجان وروسيا بعد نشوب حرب قصيرة بين البلدين. وكجزءٍ من الاتفاق وافق باشينيان على فتح خط نقل بري عبر الأراضي الأرمينية، وتحديداً محافظة سيونيك.
ويشكل ممر زنغزور رؤية منافِسة لبدائل طرق التجارة بين الشرق والغرب. وهو نموذج مصغر لكيفية دخول الشرق الأوسط وأوروبا وروسيا في اللعبة الجيوسياسية التي تتكشف في جنوب القوقاز.
ومن شأن هذا الممر أن يقرّب أذربيجان من تركيا، وبالتالي من "حلف شمال الأطلسي" وأوروبا لأن تركيا تشترك في الحدود مع ناخيتشيفان. وقد أبدى الرئيس الإيراني رئيسي معارضته لمشروع ممر زنغزور خشية أن يؤدي إلى تقليل التجارة الحرة وحركة المرور بين البلدين، بالإضافة إلى خفض الأرباح الناتجة عن عقود الغاز الإيرانية مع تركيا وأذربيجان. كما أن البعض داخل أرمينيا لا يرون أي فائدة لبلادهم من ممر زنغزور ويخشون فقدان السيادة لصالح أذربيجان بسبب فتحه، لكن باشينيان وافق عليه على وجه التحديد لأنه سيدمج أرمينيا في اقتصاد المنطقة.
الأهمية العالمية
بينما أظهرت القيادتان الأرمنية والأذربيجانية التزامهما بتحقيق السلام، كان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل منخرطان بنشاط على مدى العام الماضي في الجهود المبذولة للتوسط في اتفاق السلام، مع تهميش روسيا. وليس من قبيل الصدفة أنّ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف اتهم الاتحاد الأوروبي في نهاية العام بمحاولة إخراج روسيا من هذه المنطقة، وادعى أن ابتعاد أرمينيا عن روسيا واتجاهها نحو الغرب وتحديداً "حلف شمال الأطلسي" سيؤدي إلى خسارة أرمينيا لسيادتها، في حين أن العكس هو الصحيح.
وهناك محاولة لتبرير فشل الكرملين الدبلوماسي وراء هذا الخطاب. فتجديد أرمينيا لتهديدها بالانسحاب من "منظمة معاهدة الأمن الجماعي"، وهي تحالف عسكري تقوده روسيا، هو تذكير آخر بأن إخفاقات روسيا السابقة في أوكرانيا قد أتاحت الفرص لتغيير التوازن الجيوسياسي في جنوب القوقاز وآسيا الوسطى لصالح الغرب. إن حل الصراع المجمد دون تدخل موسكو في جنوب القوقاز - وهي المنطقة التي تربط أوروبا والشرق الأوسط - من شأنه أن يجعل مكانة روسيا غير مؤاتية استراتيجياً على المستوى العالمي.
ومن جانبها، سيكون لدى أرمينيا خيار إقامة علاقات أوثق مع الغرب بدلاً من الاستمرار في الاعتماد على روسيا وإيران. وبالتالي، من المرجح أن تضعف مكانة هذين البلدين في المنطقة، مما يوفر فرصاً إضافية لتدخُّل الغرب والتصدي لنفوذهما. علاوةً على ذلك، إذا وقّعت أرمينيا وأذربيجان على معاهدة السلام بشروطهما الخاصة، فسيتيح ذلك لأرمينيا والشعب الأرمني فرصة إعادة صياغة نظرتهما لنفسهما وتاريخهما ومكانتهما في العالم.
ويقيناً أن السلام غير مضمون ويظل هشاً. فالمناوشات القاتلة التي حدثت مؤخراً بين البلدين هي بمثابة تذكير بأن أموراً كثيرة قد لا تسير على ما يرام، خاصةً وأن القوى المتطرفة في المنطقة لا تريد السلام. ومع ذلك، إذا وقّعت أرمينيا وأذربيجان على معاهدة سلام، فسوف يتردد صداها عبر قارات متعددة وستعود بالمنفعة المباشرة على المصالح الأمريكية.
وإذا كان واضعو السياسات في الغرب جادين بشأن ضمان انتصار أوكرانيا، فيجب أن يفكروا في التداعيات الأوسع نطاقاً لهذا النصر - وهزيمة روسيا - فيما يتخطى أوكرانيا. كما أن الوقت يُعتبَر عاملاً مهماً للاستفادة من أي فرصة، فقد لا تظل هذه النافذة مفتوحة إلى الأبد.
آنا بورشيفسكايا هي زميلة أقدم في "برنامج مؤسسة دايين وغيلفورد غليزر" حول "منافسة القوى العظمى والشرق الأوسط" التابع لمعهد واشنطن. وتم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع "المجلة".