يقيّم خبراء من دول مختلفة (عربيان وأوروبي وإسرائيلي) احتمالات التطبيع وحدودها، ويناقشون المخاوف بشأن برنامج إيران النووي، وتقليص الدور الأمريكي في المنطقة، والقضية الفلسطينية.
"في 10 أيار/مايو، عقد معهد واشنطن منتدى سياسي افتراضي مع نيكولاي ملادينوف وزوهار بالتي وابتسام الكتبي وكريم حجاج. وملادينوف هو "زميل زائر متميز في زمالة سيغال" في المعهد ومنسق خاص سابق للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط. وبالتي شغل مؤخراً منصب رئيس "المكتب السياسي العسكري" في وزارة الدفاع الإسرائيلية. والكتبي هي مؤسسة ورئيسة "مركز الإمارات للسياسات". وحجاج خدم لمدة 25 عاماً في السلك الدبلوماسي المصري، ويشغل حالياً منصب زميل في "مبادرة الشرق الأوسط" في "كلية هارفارد كينيدي". وفيما يلي ملخص المقرر لملاحظاتهم".
نيكولاي ملادينوف
تتسم "اتفاقيات إبراهيم" بأهمية بالغة، وتنطوي على جانبين جوهريين يستحقان المزيد من الاهتمام. فمن وجهة نظر إسرائيل، يُعرب العالم العربي عن قبوله واعترافه بأن اليهود وإسرائيل هم جزء من ماضي المنطقة وحاضرها ومستقبلها. ومن المنظور العربي، أبرز ما يمكن استخلاصه هو التسامح والتفاهم بين الأديان الإبراهيمية.
وعلى الرغم من إمكان استمرار الاتفاقيات بدون الولايات المتحدة، إلّأ أنه لا ينبغي على واشنطن الابتعاد عن الشرق الأوسط، فالولايات المتحدة تلعب دوراً عسكرياً أساسياً في المنطقة، وتتمتع قيادتها وتوجيهها بأهمية كبيرة أيضاً. وقد ظهرت فرص هائلة لتوسيع هذه الشراكات لتشمل بلداناً أخرى، وهو ما يتضح من العلاقة الرباعية الجديدة بين الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل والهند.
واليوم أصبح المجال متاحاً أمام صانعي السياسات ليظهروا أن الاتفاقيات تُمثل فرصة للفلسطينيين، وليست عقبة. وتضطلع كل من مصر والأردن بالدور الرئيسي في هذا الصدد، بينما تؤدي جميع الأطراف الأخرى دوراً داعماً. وهناك بصيص أمل، فالمشاريع المشابهة مثل تبادل الطاقة الشمسية مقابل المياه بين إسرائيل والأردن الذي تموله دولة الإمارات يمكن أن تحسّن حياة الفلسطينيين إلى حدٍّ كبير.
وعلى الرغم من جمود عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية، ما زال بالإمكان التصرف عندما يكون تركيز العالم منصبّاً على مكان آخر. وفي الوقت نفسه، فإن الوضع معرض دائماً لخطر التدهور في غياب التقدم السياسي. وخير مثال على ذلك هو التوترات الأخيرة في القدس: فرفع أعلام «حماس» فوق المسجد الأقصى أساء بشدة للكثيرين، إذ لا ينبغي تسييس الأماكن المقدسة. وقد أدت قلة الكفاءة التي أظهرتها الشرطة والحكومة الإسرائيلية بشكل دوري إلى إثارة التوترات أيضاً، ولا مفر من تضخّم الأمور بسبب انعدام عملية سياسية. يجب على الإسرائيليين والفلسطينيين إظهار القيادة؛ وإذا فعلوا ذلك، سيحصلون على دعم الدول العربية.
ولحسن الحظ، ستستمر الاتفاقيات حتى في ظل هذه التحديات. فشجرة الغاف التي تمتد جذورها عميقاً في الأرض هي الشجرة الوطنية لدولة الإمارات؛ وإسرائيل جعلت من الصحراء حديقة. إذاً فإن هذه البلدان تصمد وتزدهر في البيئة الصعبة. والمبدأ الرئيسي الذي تقوم عليه الاتفاقيات هو سؤال بسيط: السلام أم الحرب؟ والجواب واضح: لقد سئمت المنطقة الحروب، وجيل الشباب يريد المضي قدماً. واليوم ليس هو سوى الفقرة الأولى من الصفحة الأولى من الشرق الأوسط الجديد - ما سيحدث بعد ذلك هو في أيدي القادة.
زوهار بالتي
يمكن القول إن "اتفاقيات إبراهيم" هي "سلام الشجعان"، ويعود الفضل فيها إلى جميع القادة الذين تفاوضوا بشأنها، فهي أكبر تطور شهده الشرق الأوسط خلال العقود الثلاثة الماضية. وقد بدأت المزيد من الدول تدرك أن إسرائيل هي فرصة وليست مشكلة. ولا تزال الخلافات قائمة، إلا أن الأمور التي تُبنى معاً كثيرة. وبالمثل، لا يزال السلام الطويل الأمد مع مصر والأردن أمراً بالغ الأهمية.
وفي المرحلة المقبلة، يأمل الكثيرون في أن تنضم عُمان وإندونيسيا قريباً إلى الاتفاقيات. ومن الضروري أن تنضم إليها المملكة العربية السعودية أيضاً، على الرغم من أن هذه الخطوة لن تحدث بدون الولايات المتحدة. ولهذه الأسباب وغيرها، لا ترغب إسرائيل في رؤية احتكاكات بين الرياض وواشنطن. فإسرائيل تعتمد على الولايات المتحدة بنسبة 1000 في المائة وتقدر تعاونها.
ولا بد من الإشارة إلى أن الاتفاقيات لا تتعلق بإيران فقط، التي تقع مسؤوليتها على إسرائيل. ومع ذلك، فمن بالغ الأهمية أن تلمس طهران نتائج هذه الاتفاقيات.
كما أن نقل إسرائيل إلى نطاق عمل "القيادة المركزية الأمريكية" التي اعتاد قادتها تجنب [دخول] البلاد، يوفر فرصة هائلة للعمل مع الجيوش العربية. ومع ذلك، يجب على الطرفين التصرف ببطء وحذر، والتعرف على بعضهما البعض بدلاً من التسرع في دخول في شراكة. فعلى المدى الطويل، تعتبر المناطق التجارية والرحلات الجوية المباشرة وغيرها من الروابط أكثر أهمية من الروابط الأمنية؛ وفي حين ستعتني إسرائيل دائماً بنفسها، إلا أنها ستسعد بوجود شركاء أيضاً.
إنّ آخر ما تريده إسرائيل هو وقوع اشتباكات دينية، ولذا تسعى للحفاظ على الوضع القائم في جبل الهيكل (الحرم القدسي الشريف). ولكن لا يمكنها التسامح مع الهجمات على القدس أو الإرهاب في شوارعها. وجنين هي جوهر المشكلة في الضفة الغربية ويجب معالجتها. وبما أن "السلطة الفلسطينية" ضعيفة جداً، يتعين على الأطراف أيضاً مواصلة تطبيق الخطوات الناجحة التي أجدت نفعاً حتى الآن؛ على سبيل المثال، يعمل أكثر من 150,000 فلسطيني من الضفة الغربية و 20,000 من سكان غزة في إسرائيل. باختصار، يجب على الفلسطينيين التركيز على أنفسهم. وعندما يقررون المسار الذي يريدون اتخاذه وكيف يمثلون أنفسهم، ستكون إسرائيل على استعداد للتعاون معهم.
ابتسام الكتبي
يجب أن تكون "اتفاقيات إبراهيم" عبارة عن سلام ودي بين شعب وآخر، وينبغي أن يكون جميع الشركاء متفقين على الأمور نفسها، ليس بهدف ردع إيران فحسب، بل لصياغة خطاب جديد يمكن تداوله بين البلدان التي تشترك في القيم والأعراف نفسها أيضاً. وعلى الصعيد الثقافي، إن الهدف هو جمع الناس معاً. وعلى الصعيد الدفاعي، يجب أن تدرك الأطراف أن الأمن ليس مجرد مسألة عسكرية، بل يشمل أيضاً عناصر الغذاء والمياه والمناخ. وليس الدين هو المشكلة، بل وجود المفسدين والمتطرفين من كلا الجانبين.
ولا تحتاج المنطقة إلى الولايات المتحدة لضمان الأمن، بل إلى قادة ذوي إرادة قوية وإلى الانخراط الأمريكي. ولا تكمن القضية في عدد البلدان التي تنضم إلى الاتفاقيات، بل في جودة هذه الشراكات. على سبيل المثال، تُعتبر التفاهمات التي تم التوصل إليها بشأن الأمن وقضايا أخرى في أعقاب قمة النقب السداسية تطوراً إيجابياً، لكن ليس من الواضح ما إذا كانت ستكفي لردع إيران إذا خرجت الولايات المتحدة من المنطقة. ويشكل إحراز التقدم على هذا الصعيد أمراً بالغ الأهمية، سواء من أجل الاستقرار أم من أجل إضعاف السردية الإيرانية.
وفي دولة الإمارات، كان لغياب التقدم بشأن القضية الفلسطينية دورٌ كبير في إقناع المسؤولين بمحاولة تحقيق سلام دافئ بين الشعبين من خلال "اتفاقيات إبراهيم". فمهما تفعل الإمارات، يميل القادة الفلسطينيون إلى الشك في أفعالها، ليس محمود عباس و"السلطة الفلسطينية" فحسب، بل «حماس» أيضاً. وقد حاولت الإمارات العمل مع الفلسطينيين عدة مرات لكنها قوبلت بالرفض، حتى أن البعض اتهم الإمارات بتجاوز الفلسطينيين، ولكنّ وقف الأعمال الإسرائيلية لضم الضفة الغربية لا يمكن اعتباره تجاوزاً للفلسطينيين. فالإمارات تريد مساعدة سكان غزة والضفة الغربية وليس «حماس».
وفي نهاية المطاف، ستنجح هذه الاتفاقيات لأنه لا يمكن لأحد أن يقضي كل حياته في صراع. لقد سئم كل مَن في المنطقة من العنف؛ فالسلام هو الأمر الطبيعي وليس الحرب.
كريم حجاج
تختلف فكرة تشكيل كتلة إقليمية عن الانخراط في تعاون عملي مع إسرائيل بشأن مسائل كالتجارة والطاقة والزراعة، وهو ما فعلته مصر قبل سواها. إذ لا يمكن اختزال تعقيدات العلاقات الثنائية بتكتلات إقليمية؛ فالصراعات منتشرة جداً والمصالح متباينة للغاية. و "اتفاقيات إبراهيم" ليست تحالفاً ضد أحد.
إن التعاون العملي بين العرب وإسرائيل ليس بالأمر الجديد - على سبيل المثال، بدأت المناطق الصناعية المؤهلة الأولى في مصر بالعمل في عام 2004، وتربط بين الحكومتين علاقاتٌ أمنية وثيقة. ومن الممكن أيضاً أن ينشأ تعاون أكبر من التحولات الجيوسياسية التي تؤثر على المنطقة، مثل الحرب في أوكرانيا.
ومع ذلك، يجب الاستفادة من التعاون الإقليمي من أجل معالجة الصراعات، وتسليط الضوء على القضية الإسرائيلية الفلسطينية بدلاً من تهميشها. ولا تكمن المشكلة في إسرائيل بحد ذاتها، بل في الاحتلال الإسرائيلي. فالقادة الإسرائيليون ينتظرون منذ عقود أن يتواصل معهم القادة العرب، ولكن الجمود في الصراع الفلسطيني ما زال مستمراً حتى بعد أن حصل هذا التواصل. وتؤيد مصر "اتفاقيات إبراهيم" على أمل أن يؤدي توسيع التعاون العربي الإسرائيلي إلى المضي قدماً بعملية السلام. ولهذا السبب استضافت مصر مؤخراً إسرائيل والإمارات في شرم الشيخ وشاركت في قمة النقب.
وفي هذا الإطار، يجب أن تكون الدبلوماسية الرصينة والمنسقة للحد من الصراع هدفاً رئيسياً، مع تركيز كل دولة على منطقتها (على سبيل المثال، تركيز دولة الإمارات على اليمن؛ ومصر على إسرائيل وفلسطين). يجب على الجميع التركيز على سوريا والعمل على تهدئة التوترات الإقليمية مع إيران.
وتقوم الرؤية التي أرستها الاتفاقيات لمنطقة أفضل وأكثر استقراراً على ثلاث ركائز رئيسية، هي: حل الصراعات، والتعاون الإقليمي، والاعتدال/التعايش. يجب أن تستمر هذه الجهود جنباً إلى جنب، ويتعين اليوم معالجة قضايا مثل الحروب الأهلية والاحتلال لضمان غدٍ أفضل. إنّ المستقبل أمامنا، وما علينا سوى التطلع إليه.
أعد هذا الملخص غابرييل إبستين.