
- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 4018
هل يزداد التقارب بين تونس وإيران حقاً؟

على الرغم من تزايد مبادراتهما الدبلوماسية والاقتصادية بشكل مستمر، فإن العلاقات الثنائية بين البلدين لا تزال محدودة إلى حد كبير في الوقت الحالي، مما يعكس موقفاً مشتركاً مناهضاً للغرب أكثر من كونه تعاوناً استراتيجياً عميقاً قد ينطوي على مخاطر.
في الشهر الماضي، أعلن السفير الإيراني في تونس عن تشكيل لجنة اقتصادية مشتركة بين البلدين عقب مكالمة هاتفية جرت بين وزيري خارجية البلدين. وبعد ذلك بأيام، دعا المشرع الأمريكي النائب جو ويلسون (جمهوري من ولاية كاليفورنيا الجنوبية) إلى قطع المساعدات عن تونس استجابة المخاوف من أنها "تتعاون مع... النظام الإيراني". وفي الواقع، قد يفسر البعض التطورات المتعددة التي حدثت خلال العام الماضي على أنها مؤشرات على تعزيز العلاقات بين البلدين – ولعل أبرزها زيارة الرئيس قيس سعيد في أيار/مايو 2024 إلى طهران، حيث كان واحداً من ثلاثة رؤساء دول فقط حضروا جنازة إبراهيم رئيسي والتقوا مباشرةً بالمرشد الأعلى علي خامنئي. غير أنه وفقا لمعظم المعايير، تظل العلاقات بين البلدين سطحية إلى حد كبير، وتعكس بالأحرى موقف تونس الراهن في السياسة الخارجية أكثر من كونها تهديد عميق للمصالح الغربية.
العلاقات الإيرانية – التونسية بالأرقام (البسيطة)
حافظ البلدان على علاقات دبلوماسية منذ حصول تونس على استقلالها في عام 1956. ورغم تراجع العلاقات في ثمانينيات القرن الماضي بسبب مخاوف الرئيس الحبيب بورقيبة من الإسلام السياسي، إلا أن تونس استعادت قوتها بشكل ملحوظ في عهد خلفه زين العابدين بن علي والباجي قائد السبسي.
ولا تزال العلاقات الاقتصادية محدودة النطاق: فوفقاً لأحدث إحصاءات صندوق النقد الدولي، بلغت قيمة الواردات التونسية من إيران 1.4 مليون دولار في عام 2022، بانخفاض ملحوظ عن مستواها البالغ 4.8 مليون دولار في عام 2015. كما انخفضت الصادرات التونسية إلى إيران أيضاً (من 12.58 مليون دولار في عام 2014 إلى 80 ألف دولار فقط في عام 2023)، رغم أنها كانت متواضعة في البداية. وفي آذار/مارس 2024، التقى الرئيس سعيد مع نظيره الإيراني رئيسي خلال قمة منتدى الدول المصدرة للغاز في العاصمة الجزائرية، حيث أعرب الزعيمان عن رغبتهما المشتركة في تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين.
وفي الوقت نفسه، وُصفت العلاقات الأمنية بين البلدين بأنها "منعدمة"، في حين تبقى الروابط الثقافية متواضعة للغاية. فتونس تعد موطناً لبضعة آلاف من المسلمين الشيعة، أي أقل من 1% من إجمالي مجموع السكان، ويتركز معظمهم في المناطق الجنوبية من البلاد. وقد افتتحت إيران مركزاً ثقافياً في تونس في عام 2007، وهو واحد من حوالي سبعين مركزاً من هذا النوع في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك ثمانية مراكز في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ولكن بعيداً عن الإشارة إلى وجود علاقات ثقافية عميقة، تستخدم الجمهورية الإسلامية عموماً هذه المؤسسات لأنشطة مثل التبشير، والتجنيد السري، وجمع المعلومات الاستخباراتية، والتخطيط لتنفيذ عمليات إرهابية. وقد أقدمت العديد من الدول الأوروبية على إغلاق مراكز مماثلة رداً على أنشطة تجسسية مشتبه بها؛ وفي شمال أفريقيا، قامت السودان بإغلاق ثلاثة مراكز في عام 2014، متهمةً إياها بـ"التبشير بالمذهب الشيعي."
ومن الجدير بالذكر أن تونس قامت في حزيران/يونيو الماضي بتخفيف شروط الحصول على تأشيرة الدخول للمواطنين الإيرانيين، وذلك ضمن إطار تسهيلات عامة شملت مواطني أكثر من ثلاثين دولة. وبصرف النظر عن الفوائد الثقافية والاقتصادية المحتملة، فإن هذه الخطوة قد تزيد من احتمالية تسلل عناصر المخابرات الإيرانية إلى الأراضي التونسية.
سياق السياسة الخارجية التونسية
في ظل حكم الرئيس سعيد، انحرفت تونس عن موقفها التقليدي في السياسة الخارجية المتمثل في إقامة علاقات دولية ودية ومتوازنة، واتخذت بدلاً من ذلك موقفاً مناهضاً للغرب بشكل صريح. ومن هذا المنطلق، قد يعكس الدفء الدبلوماسي الجديد تجاه طهران رغبة سعيد في تأكيد عدم خضوعه للغرب، وهو ما تجلى مؤخراً في قراره قطع الاتصالات مع صندوق النقد الدولي.
ويُعد هذا النهج غير مسبوق بالنسبة لتونس حتى الآن. فمن ناحية، حافظ سعيد على خطابه الحازم بشأن القضايا المتعلقة بالسيادة الوطنية دون أن يقطع العلاقات مع الغرب بشكل كامل - ولا سيما مع إيطاليا المجاورة، أحد أهم الشركاء التجاريين لتونس. ومن جهة أخرى، لم ينجح في إقناع شركاء بديلين مثل الصين بأهمية بلاده. ويلاحظ المراقبون أن سياسته الخارجية تفتقر عموماً إلى التماسك، على الرغم من أن موقفه المعادي للغرب أصبح أكثر وضوحاً على ما يبدو وازداد حدة بسبب حرب غزة.
كما أصبحت تونس أكثر اعتماداً على الجزائر، فقد قدمت الجزائر، التي تتخوف من انتشار عدم الاستقرار والتطرف في المنطقة دعما لتونس من خلال توفير قروض وودائع في البنك المركزي، فضلاً عن صفقات تفضيلية في مجال الكهرباء والغاز. وتستند السياسة الخارجية الجزائرية إلى مبادئ مماثلة من عدم الانحياز والتضامن القوي مع القضية الفلسطينية، وذلك على الرغم من أن الرئيس عبد المجيد تبون يميل إلى إظهار قدر أكبر من الحذر من سعيد. على سبيل المثال، في حين نأى سعيد بنفسه عن التزام تونس التقليدي بحل الدولتين الإسرائيلية والفلسطينية واتخذ مواقف علنية متشددة بشأن حرب غزة، اقترح تبون مؤخراً أن الجزائر قد تنظر في التطبيع مع إسرائيل شريطة إقامة دولة فلسطينية. وإذا ما خفضت الجزائر من دعمها، سيجد سعيد نفسه معزولاً نظراً لمواقفه المثيرة للجدل، سواء في العواصم العربية الأخرى (مثل دعمه للرئيس السوري بشار الأسد) أو في أوساط الحكومات الغربية (فقد كانت ألمانيا، على سبيل المثال، داعماً قوياً للتحول الديمقراطي التونسي بعد عام 2011، لكنها أصبحت مترددة في دعم نهج سعيد الاستبدادي المتزايد).
ربما كان انفتاح تونس على إيران مدفوعاً أكثر من جانب طهران التي تسعى إلى توسيع نفوذها في أفريقيا وتحسين العلاقات مع الدول العربية في إطار "سياسة حسن الجوار" التي بدأت في عهد رئيسي. ومع ذلك، تشير المناقشات مع الخبراء إلى أن "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإسلامي الإيراني - الذي تتمثل مهمته في توسيع نفوذ النظام في الخارج من خلال العمل عبر وكلاء غير حكوميين، عادةً في أماكن غير محكومة أو ضعيفة الحكم - لم يُظهر حتى الآن اهتماماً كبيراً بالانخراط في تونس، وبدلاً من ذلك يركز أنشطته في شمال أفريقيا على ليبيا وربما الجزائر (باعتبارها الراعي الرئيسي لحركة جبهة البوليساريو الانفصالية المسلحة).
سقف الشراكة
على الرغم من أن تنامى العلاقات بين تونس وإيران حقيقي، إلا أن ذلك محكوم بحدود. فتقليد تونس المتأصل المتمثل في الفصل بين المسجد والدولة جعل غالبية المواطنين ينظرون بريبة شديدة إلى جميع أشكال الإسلام السياسي، بدءاً من النظام في طهران وصولاً إلى الحركات المحلية مثل حزب النهضة ذي الصلة بـالإخوان المسلمين والذي كان له حضور بارز سابقاً. وقد ساهم هذا العداء بين العلمانيين والإسلاميين في إبقاء الأحزاب التونسية منقسمة رغم معارضتها المشتركة لسعيد. فعلى سبيل المثال، يقال إن تقارب الرئيس مع إيران دفع عبير موسي، المعروفة بمناهضتها الشديدة للإسلاميين، إلى اتهام "حزب النهضة" بالتحريض على انتقال البلاد "من الإسلام السياسي الإخواني إلى الإسلام السياسي الإيراني". على الرغم من أن خطاب سعيد الرافض للغرب يحظى بدعم كبير بين التونسيين، فإن توجهه نحو تعزيز العلاقات مع إيران لا يلقى تأييداً شعبياً واسعاً.
إضافةً إلى تمسكه بالعلمانية السياسية، فإن التقاليد والقيم الوطنية في تونس تختلف اختلافاً جوهرياً عن مثيلتها في إيران من حيث الجوانب الرئيسية. على سبيل المثال، على الرغم من بعض أوجه التشابه بين الإسلام الشيعي وأنواع التصوف التي تمارس من حين لآخر في تونس، إلا أن شريحة واسعة من السكان تنظر بعين الريبة إلى معتقدات الجمهورية الإسلامية الشيعية. وقد تجلّى هذا الارتياب في شباط/فبراير الماضي عقب مهرجان ثقافي تونسي - إيراني في إحدى ضواحي العاصمة، حيث قام السكان، رداً على ذلك، بتعميم عريضة ترفض "تأثير الأنظمة الثيوقراطية". وفي استطلاع للرأي أجري عام 2022 حول سياسات رؤساء دول المنطقة، صنّف التونسيون المرشد الأعلى خامنئي في المرتبة الأخيرة.
والجدير بالذكر أن تقارب سعيد مع شقيقه نوفل - المعروف بولعه ببعض تيارات الفكر الإيراني المرتبط بالثورة الإسلامية - يمكن أن يفسر بعض مبادرات الرئيس الأخيرة تجاه طهران. ومع ذلك، فإن سعيد معروف أيضاً بتقلبه مع مستشاريه، مما يشير إلى أن تأثير شقيقه قد يكون محدوداً.
التداعيات على السياسة الأمريكية
يبدو أن العلاقات بين تونس وإيران تشهد تطوراً ملحوظاً، لكن يبدو أيضاً أن كلتا الحكومتين تفتقران إلى القدرة على تزويد بعضهما البعض بأدوات فعالة لمواجهة النفوذ الغربي. وينطبق ذلك بشكل خاص على الجانب الاقتصادي، حيث تبدو سياسات سعيد الشعبوية غير مستدامة. فبعد مرور أربعة أشهر على بداية ولايته الرئاسية الثانية، سيكون سعيد بحاجة إلى اتخاذ خطوات جادة لوقف التدهور في الظروف المعيشية للمواطنين التونسيين - وهو أمر لا تستطيع إيران تقديم مساعدة كبيرة فيه، نظراً للتحديات الاقتصادية التي تواجهها هي نفسها.
وقد يشكل التعاون الاستخباراتي بين الحكومتين التهديد الأكبر للمصالح الغربية، على الرغم من أن هذا التعاون سيظل على الأرجح مقيداً بالمخاوف الشعبية التونسية من تنامي النفوذ الإيراني. كما أن تقويض سعيد لاستقلالية القضاء، وتشديد القيود على وسائل الإعلام، وغيرها من السياسات القمعية التي يتبناها ستؤدي في نهاية المطاف إلى إضعاف مؤسسات الدولة، مما يعزز المخاوف التونسية من التغلغل الإيراني، ويجعل الحكومة شريكاً أقل فاعلية بالنسبة لطهران.
وباختصار، في حين أن بعض المخاوف التي عبر عنها المشرعون الأمريكيون قد تكون مبررة إلى حد ما، إلا أن العلاقات بين تونس وإيران لا تزال في مراحلها الأولى ولا تشكل مصدر قلق كبير. لذلك، ينبغي على واشنطن ألا تركز على معاقبة تونس، بل أن تسعى إلى الحد من توسع علاقاتها مع طهران في المجالات التي قد تؤثر فعلياً على المصالح الأمريكية. وتستفيد المؤسسات الأمنية التونسية - لا سيما جيشها، إضافة إلى قوات الأمن الداخلي - من دعم غربي كبير، خاصة من الولايات المتحدة، لذا فإن استمرار هذه الشراكة الاستراتيجية طويلة الأمد قد يكون الوسيلة الأكثر فعالية لمنع أي تعاون أمني مستقبلي بين تونس وإيران. وعلاوة على ذلك، فإن مواصلة الدعم الأمريكي للتعليم وغيره من مجالات إعادة بناء البنية التحتية الاجتماعية والاقتصادية المتدهورة في تونس، بدلاً من تقليصه، سيكون عاملاً حاسماً في الحد من أي نفوذ إيراني محتمل.