- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2533
«حماس» وتنظيم «الدولة الإسلامية»: تزايد التعاون في سيناء
في الأشهر الأخيرة، عززت حركة «حماس» تعاونها العسكري السري مع الجماعة التي يُسميها تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية» بـ "إمارة سيناء". وتُوّج هذا التعاون بزيارة سرية مطوّلة هذا الشهر إلى قطاع غزة قام بها القائد العسكري لتنظيم «الدولة الإسلامية» في سيناء، شادي المنيعي، أجرى خلالها محادثات مع نظرائه في «كتائب عز الدين القسام» - الجناح العسكري لحركة «حماس». يُذكر أن المنيعي يترأس قائمة المطلوبين في مصر منذ فشل محاولة قتله في أيار/مايو 2014.
وفي هذا السياق، لم تتوفر أي معلومات حول المحادثات. كما ونفى بعض مسؤولي «حماس» التقرير الأولي (الذي أدلى به كاتب هذه السطور) والذي ذكر الزيارة. ومع ذلك، يمكن أن نفترض أن رحلة المنيعي، الذي قام بها من خلال عبوره أحد الأنفاق القليلة المتبقية على طول الحدود المصرية، كانت مخصصة لزيادة شحنات الأسلحة عبر هذه الأنفاق وتوسيع المساعدات العسكرية من «حماس» لنشطاء تنظيم «الدولة الإسلامية» في سيناء.
التهريب والتدريب عبر الحدود
على مدى العامين الماضيين، ساعد تنظيم «الدولة الإسلامية» في سيناء حركة «حماس» على نقل الأسلحة من إيران وليبيا عن طريق شبه الجزيرة، مع الحصول على حصته الكبيرة من كل شحنة. وتعتمد «حماس» على توجيهات البدو لتجنب اكتشافها من قبل الجيش المصري ولتتمكن من الوصول إلى الأنفاق القليلة التي نجت من الحملة الشرسة التي شنتها مصر لإغراق الأنفاق بالمياه وإغلاقها. وبهذه الطريقة، حصل تنظيم «الدولة الإسلامية» في سيناء على صواريخ "كورنت" المتقدمة المضادة للدروع التي استخدمها لإغراق زورق دورية مصرية قبالة سواحل العريش وتدمير العديد من الدبابات وناقلات الجند المدرعة المرابطة في القطاع الشمالي الشرقي لشبه الجزيرة. كما وفرت «حماس» أيضاً التدريب لبعض مقاتلي تنظيم «الدولة الإسلامية» في سيناء وساعدت في حملة الجماعة الإعلامية ومنشوراتها على الإنترنت.
إن أحد مسؤولي «حماس» الرئيسيين المشاركين في هذا النشاط هو القائد السابق للواء المنطقة الوسطى في «كتائب عز الدين القسام»، أيمن نوفل. وقبل اعتقاله من قبل السلطات المصرية عام 2008، كان مسؤولاً عن تطوير نظام الأماكن الآمنة السرية التابعة لـ «حماس» والمتعاونين معها في صفوف البدو. وقد تمكن من الفرار من سجن القاهرة عام 2011 أثناء أعمال الشغب التي صاحبت "الربيع العربي"، وسرعان ما استأنف عمله في سيناء.
إحراز تقدم طفيف في مصر رغم التحذيرات
منذ عام 2013، وافقت إسرائيل على إدخال تعديل فعلي على الملحق العسكري لمعاهدة السلام التي أُقرت في عام 1979 من خلال السماح للقاهرة بإدخال مروحيات هجومية وما يتعدى القوات البرية من الفرق الميكانيكية إلى مناطق محظورة سابقاً من سيناء. وعلى الرغم من هذا التصعيد، لم تكبح حملة الجيش المصري جماح فرع تنظيم «الدولة الإسلامية» المحلي. فلا يزال حوالي ألف شخص من البدو المدججين بالسلاح والتابعين للتنظيم يشكلون تهديداً خطراً على القوات المصرية والمكاتب الحكومية في مصر. وتقع الهجمات بشكل شبه يومي على المنشآت الإدارية وحواجز الطرق والدوريات المتحركة، في حين أن العبوات الناسفة للجماعة أصبحت أكثر فعالية.
ورداً على ذلك، تمتنع القوات المصرية في الوقت الحالي عن القيام بدوريات ليلية، وتتمتْرَس في المخيمات، ولا تتحرك سوى في قوافل مسلحة. وبالمثل، قامت "القوة متعددة الجنسيات والمراقبون" في سيناء بسحب العاملين في إطارها من بعض المواقع الأمامية وأوقفت بعض بعثات التفتيش. يُشار إلى أن قدرة مصر على جمع المعلومات الاستخباراتية في شبه الجزيرة ما زالت ناقصة، كما أن القادة المحليين يترددون في المغامرة في معاقل تنظيم «الدولة الإسلامية» في سيناء مثل جبل الحلال ووادي عمرو، ويفضلون استهداف هذه المناطق من مسافة بعيدة من خلال [إطلاق قنابل] المدفعية، أو إلقاء القنابل من طائرة "إف-16" أو الهجوم بالطائرات المروحية.
لذلك، على الرغم من خسارته لعشرات العناصر، لا يزال تنظيم «الدولة الإسلامية» في سيناء واثقاً بما فيه الكفاية للمضي قدماً بهدفه المتمثل في توسيع العمليات الإرهابية عبر قناة السويس إلى الأراضي المصرية. وفي هذا السياق، ينبغي على المرء أن يأخذ بعين الاعتبار أن مجتمعات كبيرة من بدو سيناء تعيش في القاهرة، ومعظمها من قبيلة الترابين. بالإضافة إلى ذلك، قد يحاول التنظيم بناء تحالف مع الجماعات السلفية التي تعارض الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
تجدر الإشارة أيضاً إلى أن الاستخبارات الإسرائيلية تُنبّه الأجهزة الأمنية الغربية والعربية منذ أكثر من عام حول التعاون المتنامي بين «حماس» و تنظيم «الدولة الإسلامية» في سيناء. وقد كانت هذه التحذيرات، حتى إلى قبل بضعة أشهر، موضع شك لأن إسرائيل كانت مترددة في مشاركة مصادرها مع الأطراف الأخرى. لكن في الآونة الأخيرة أدت هيكلية كافية من الأدلة إلى إعادة تقييم الوضع من قبل "القوة متعددة الجنسيات والمراقبين"، التي يترأسها الدبلوماسي الأمريكي المخضرم ديفيد ساترفيلد، ووكالات الاستخبارات المختلفة. فـ "مديرية المخابرات العامة" المصرية والمسؤولون العسكريون الاستخباراتيون مقتنعون بأن «حماس» تشارك في الجهود المتواصلة لكبح سيطرة الحكومة على سيناء، حتى بينما تسعى الحركة علناً إلى التقارب من القاهرة. وغالباً ما تتجلى هذه القناعة من خلال الخطاب اللاذع المناهض لـ «حماس» في وسائل الإعلام المصرية، وخاصة على شاشات التلفزيون.
الحسابات الداخلية لـ «حماس»
كان التعاون المستمر مع تنظيم «الدولة الإسلامية» في سيناء موضع جدل إلى حد كبير على أعلى المستويات في حركة «حماس»، لأن العديد من القادة قلقون من أن ذلك سيؤدي إلى إلحاق الضرر بعلاقة الحركة بحكومة الرئيس السيسي المتوترة أصلاً. لذا، يبدو أن "مجلس شورى" الحركة و "المكتب السياسي" التابع لها قد امتنعا عن اتخاذ قرار بشأن التعاون مع تنظيم «الدولة الإسلامية» في سيناء. وبدلاً من ذلك، يُقال إن هذا التعاون يتم تحت إدارة عدد قليل من القادة رفيعي المستوى في «كتائب عز الدين القسام» كمبادرة شبه مستقلة، من دون الحصول على موافقة مسبقة من زعيم «حماس» خالد مشعل في قطر أو حتى من نائبه إسماعيل هنية في غزة. يُذكر أن كل منهما يغض النظر عما يحصل من تقارب مع تنظيم «الدولة الإسلامية» في سيناء.
وفي الواقع، تعمل «حماس»على إقامة علاقات مع العشائر والأقليات الفلسطينية في سيناء حتى قبل سيطرتها على قطاع غزة في عام 2007. فهي بحاجة إلى موافقة من العشائر وخاصة السواركة والبريكات والرميلات والترابين، لنقل الأسلحة عبر مناطقها، كما أنها أنشأت تدريجياً شبكة من المتعاونين المحليين لتخزين الصواريخ بغية استخدامها ضد إسرائيل. وقد نظمت بالفعل عملية إطلاق بعض هذه الصواريخ على منتجع إيلات والمناطق الأخرى خلال فترات وقف إطلاق النار السابقة مع إسرائيل. هذا وساهمت إدارة «الإخوان المسلمين» خلال عهد الرئيس المصري السابق محمد مرسي في هذا التوسع الكبير في نشاط «حماس».
ونتيجة لذلك، شهدت عناصر «حماس» بشكل مباشر صعود الجماعات الجهادية السلفية في صفوف بدو سيناء خلال العقد الماضي. فبعد الإطاحة بـ «الإخوان المسلمين» من الحكومة في عام 2013 وبعد أن فرضت مصر حصارها على قطاع غزة، ردت حركة «حماس» على ذلك من خلال مساعدة المنظمات الإرهابية الرئيسية في شبه جزيرة سيناء وهي: "جماعة أنصار بيت المقدس" ["تنظيم ولاية سيناء"] و"مجلس شورى المجاهدين في أكناف بيت المقدس"، واللتان بايع معظم كوادرهما زعيم تنظيم «الدولة الإسلامية» أبو بكر البغدادي العام الماضي، وشكلوا "إمارة سيناء".
بالنسبة إلى «حماس»، يهدف هذا التعاون إلى تخفيف الضغط الذي تسببه التدابير العسكرية المصرية المتشددة لعزل غزة عن سيناء. وعلى الرغم من الخلاف الأيديولوجي العميق بين «حماس» و تنظيم «الدولة الإسلامية» والعداء التقليدي بين جماعة «الإخوان المسلمين» والسلفيين، تنظر «حماس» إلى تنظيم «داعش» في سيناء كشريك لها في منع القاهرة من إحكام قبضتها على شبه الجزيرة (لمعرفة المزيد عن هذه الفروق الأيديولوجية، إقرأ المقالة "ما هي السلفية؟"). وتتشارك الجماعتان العداء العميق تجاه الرئيس السيسي، لدرجة أنهما على استعداد حتى للتغاضي عن تصاعد التوترات مع الجماعات المؤيدة لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» في غزة والتي تعارض سياسة «حماس» المتمثلة في الحفاظ على التهدئة مع إسرائيل. من جهته، لم يقدم تنظيم «داعش» في سيناء التأييد الشعبي لهذه الجماعات، بما في ذلك "سرية الشيخ عمر حديد"، التي تطلق بين الحين والآخر الصواريخ ضد إسرائيل. وبينما ندد زعماء تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا والعراق بحركة «حماس» علناً، امتنع زعماء التنظيم في سيناء عن ترديد هذه التصريحات.
والمثير للاهتمام هنا أن المرشدين في حركة «حماس» يلتزمون الصمت في ما يخص تعامل الحركة مع تنظيم «داعش» في سيناء. ولم تعرب إيران ولا قطر ولا تركيا علناً عن أي قلق من هذا التطور. وقد واصلت طهران شحنات الأسلحة إلى «حماس» عبر البحر الأحمر وسيناء على الرغم من أنه يجب أن تكون قد أدركت الآن أن بعض هذه الأسلحة يصل إلى يد تنظيم «الدولة الإسلامية» في سيناء. ومن جهتها، استمرت الدوحة في برنامج مساعداتها إلى غزة بالتنسيق الكامل مع إسرائيل، بينما لا تزال أنقرة توفر المأوى لبعض عناصر «حماس» العسكريين.
المحصلة
يطرح تعاون «حماس» مع تنظيم «الدولة الإسلامية» في سيناء تحدياً مزدوجاً: فهو يحد من جهود مصر في مكافحة الإرهاب، ويفتح الباب أمام كسب تنظيم «داعش» للمزيد من الأراضي في صفوف الفلسطينيين. وفي الواقع، يمكن لجهود تجنيد إضافية أن تحوّل تنظيم «الدولة الإسلامية» في نهاية المطاف إلى منافس قوي لحركتي «حماس» و «فتح» اللتان تعانيان من تراجع في شعبيتهما. فتحصّن تنظيم «داعش» في شبه الجزيرة سيعرّض أيضاً الملاحة الدولية عبر قناة السويس وخليج العقبة إلى هجمات محتملة.
ويكمن أحد السبل لتجنب هذه السيناريوهات في تشجيع رعاة «حماس» الرئيسيين - قطر وتركيا - على صرف الحركة عن مواصلة التحالف غير المعلن مع تنظيم «الدولة الإسلامية» في سيناء. إذ إن الحركة، إذا واجهت مطالب ملحة لقطع علاقاتها مع التنظيم، قد تضطر إلى التخلي عن مقامرتها الانتهازية القائمة على المنيعي وجهادييه.
إهود يعاري هو زميل "ليفر إنترناشيونال" في معهد واشنطن ومعلق لشؤون الشرق الأوسط في القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي.