في 23 تشرين الثاني/نوفمبر، حضر المرشد الأعلى علي خامنئي اجتماعاً لـ"المجلس الأعلى للتنسيق الاقتصادي"، وهو أحد أبرز هيئات صنع السياسات في إيران. وفي الوقت الذي تسجل فيه البلاد معدلات إصابة قياسية بفيروس كورونا، يواصل اقتصادها في التدهور - وفي الواقع، فإن قرار خامنئي بحضور الاجتماع شخصياً وليس عبر الفيديو يسلط الضوء على خطورة الوضع. وخلال كلمته التي وجهها إلى المجلس، سرد المبادئ التوجيهية لما يجب على كبار المسؤولين الاقتصاديين والسياسيين في النظام فعله أو تجنبه لحل صعوبات البلاد، مشدداً على المواضيع التالية:
لا يمكن الوثوق بالغرب. من خلال تكرير خامنئي لروايته المعتادة بشأن جبهة غربية موحدة ضد إيران، ذكّر جمهوره بأن قبضة أوروبا على هذه الحملة لم تشتد إلا خلال حقبة إدارة ترامب. وشدد على أنه لا يجدر بإيران "تعليق الآمال" على أوروبا، التي اتهمها بالتدخل في الشؤون الداخلية والإقليمية للجمهورية الإسلامية. وبدلاً من انتقاد إيران على حضورها في المنطقة وبرنامجها للصواريخ، قال إن على الحكومات الأوروبية "أن تقوم أولاً بتغيير سياسة التدخل المدمر التي تنتهجها في المنطقة". ومثل هذه التصريحات هي تكرار لتعليقات كان قد أدلى بها في وقت سابق من تشرين الثاني/نوفمبر بأن الحضارة الغربية هي ذات طبيعة "وحشية" و"مظلمة"، بما يتماشى مع موضوع "صراع الحضارات" الذي غالباً ما يستخدمه في خطاباته للإشارة إلى أن خلاف إيران (1) ليس فقط مع واشنطن و(2) ليس مجرد صراع سياسي.
طهران تشعر بخيبة أمل بشأن التفاوض على تخفيف العقوبات أو استئناف المحادثات النووية. أشار خميني إلى أنه يمكن تخفيف العقوبات سواء عبر التفاوض مع الولايات المتحدة أو اتخاذ خطوات أحادية الجانب تجعل هذه القيود غير فعالة. وبرأيه، اعتمدت إيران المقاربة الأولى "لعدة سنوات" دون جدوى، لذا عليها الآن التركيز بشكل كامل حتى على الخيار الآخر، أي: زيادة قدرة البلاد على الصمود في وجه الضغوط الخارجية. وأضاف أنه "إذا رأى الطرف الآخر أن العقوبات أصبحت غير فعالة، فسيقوم برفعها تدريجياً".
وفي اليوم التالي، قدم الرئيس حسن روحاني تفسيره لتصريحات المرشد الأعلى. وربما من خلال لعبه دور "الشرطي الجيد، والشرطي السيئ"، ترك مجالاً للمناقشات المستقبلية مع إدارة بايدن، ولكن بشرط العودة إلى الوضع والسياسة اللذين كانا سائدان قبل تولي ترامب الرئاسة. وأشار إلى أن الوفاء بهذا الشرط قد يكون "حلاً رائعاً للعديد من المشاكل ويمكن أن يغيّر مجرى الأحداث والوضع الراهن بالكامل"، مما يمهد الطريق أمام الخطوات التالية في مختلف المجالات.
وكان وصف روحاني للوضع الراهن مع واشنطن مشابهاً لتغريدات وزير الخارجية محمد جواد ظريف في 18 تشرين الثاني/نوفمبر على موقع "تويتر" حين أشار إلى أن "الولايات المتحدة لا تزال عضواً في الأمم المتحدة. وإذا أوفت بالتزاماتها كما هي واردة في قرار مجلس الأمن رقم 2231، فسنفي بالتزاماتنا بموجب «خطة العمل الشاملة المشتركة»" التي أبرمت عام 2015. وكان يقصد ضمنياً أن على واشنطن رفع العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب بعد انسحابها من «خطة العمل الشاملة المشتركة» في عام 2018. وتابع "إذا أرادت الولايات المتحدة الانضمام مجدداً إلى الخطة، فنحن مستعدون للتفاوض بشأن شروط استعادتها لصفة "مشارك في «خطة العمل الشاملة المشتركة»". ورغم أن ظريف شدد على أن إيران لن تدخل في مفاوضات جديدة حول الاتفاق النووي بحد ذاته، إلا أن تصريحاته أثارت انتقادات من المعسكر المتشدد في إيران. وعلى أثر ذلك، قام مدير مكتب رئيس الجمهورية الإيراني، محمود واعظي، بتوضيح موقف الحكومة خلال اجتماع مجلس الوزراء في 25 تشرين الثاني/نوفمبر، مؤكداً أن إيران ليست متفائلة بشأن أي إدارة أمريكية ولن تجري محادثات جديدة بشأن «خطة العمل الشاملة المشتركة».
تحسين الوضع الاقتصادي يتوقف على عدم تفاوض إيران مع واشنطن. في الخطاب الذي أدلى به خامنئي في عيد النوروز في آذار/مارس، أعلن أن تركيز إيران خلال العام الفارسي الجديد (آذار/مارس 2020 - آذار/مارس 2021) يجب أن ينصب على "طفرة في الإنتاج"، وأمر المسؤولين بإحداث "تغيير ملموس" في حياة الناس من خلال الاعتماد بشكل أكبر على الموارد المحلية. وفي تعليقات له في 23 تشرين الثاني/نوفمبر، أقر بأن هذا الشعار لم يتبلور على أرض الواقع كما كان متوقعاً، لكنه وعد بأن خبراء النظام وضعوا خططاً لتحسين الوضع. وأشار كذلك إلى أنه حتى لو واجهت إيران صعوبات في البداية، فإن تنفيذ هذه السياسة سيتيح لحكومة روحاني ضمان "نهاية جيدة" - وربما كان يشير إلى تحسّن الوضع بعد الانتخابات الرئاسية التي ستشهدها البلاد في عام 2021. وبشكل خاص، شدّد على أنه لا يجدر بإيران تعليق الآمال على المساعدات الخارجية أو تغيّر سياسات الحكومات التي تتخبط أساساً بتحديات داخلية خاصة بها. وفي اليوم التالي، كرر رئيس "مجلس الشورى" محمد باقر قاليباف - وهو خصم سياسي لروحاني ومرشح محتمل للرئاسة - كلمات خامنئي، مشيراً إلى أنه من أجل التغلب على العقوبات "علينا تقوية كل فرد من الشعب الإيراني".
وخلال العقود الثلاثة كمرشد أعلى للجمهورية الإسلامية، غالباً ما فضل خامنئي أن يضطلع علناً بدور المرشد وليس الحاكم المطلق، واضعاً رؤية لصناع السياسات في البلاد وموجهاً إياهم نحو القواعد الخاصة بما يجب عليهم فعله وما ينبغي عليهم تجنبه. ومن هذا المنطلق، يمكن اعتبار خطابه الرئيسي الأول منذ انتخاب جو بادين على أنه قائمة توجيهات حول كيفية مشاركة إيران مع الغرب خلال الأسابيع والأشهر المقبلة، وهي:
- عدم الوثوق بواشنطن أو أوروبا.
- إدارة التوقعات المحلية حول الكيفية التي يمكن أن تساعد بها المشاركة، في الإغاثة الاقتصادية للبلاد.
- قصر أي مشاركة على المواضيع التي تقع ضمن نطاق «خطة العمل الشاملة المشتركة».
- استثمار المزيد من الموارد في تحسين قدرة إيران على مواجهة المصاعب بمفردها.
عومير كرمي هو زميل زائر سابق في معهد واشنطن، وقد قاد سابقاً جهوداً تحليلية وبحثية في "جيش الدفاع الإسرائيلي" فيما يتعلق بالشرق الأوسط.