- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
خطة إيران لتوسيع برنامجها النووي-- والخطوات الأمريكية التي يمكن اتخاذها لردعها
في السياسة الخارجية نادراً ما يمكن التنبؤ بكارثة قبل عقدٍ من حدوثها. ولكن هذا ما حدث فعلياً الشهر الماضي حين أعدّت وكالة "أسوشيتد برس" تقريراً عن وثيقة لم يتم نشرها سابقاً تصف كيف تخطط إيران لتوسيع برنامجها النووي اعتباراً من كانون الثاني/يناير 2027، عن طريق تركيب الآلاف من أجهزة الطرد المركزي القادرة على تخصيب اليورانيوم بصورة أسرع من نماذجها الحالية.
ومن المعروف جيداً أن الاتفاق النووي الإيراني ما هو إلا تسوية مؤقتة، إذ أنّ إيران ستُعتق من قيودها بعد أقل من عقدٍ الزمن. والسؤال المطروح هو ما الذي يمكن فعله الآن استعداداً لهذا الاحتمال.
إنّ الاتفاق الّذي توصّلت إليه القوى العالمية الستّ مع إيران في شهر تموز/يوليو الماضي دقيقٌ في وصف القيود المفروضة على أنشطة طهران النووية على مدى العقد القادم كخطوات طوعيّة متوافقة مع خطّة إيران الخاصة. والأمر الذي ساعد النظام الإيراني على ما يبدو، على حفظ ماء الوجه هو عدم وضع الأمور في إطار قيودٍ فرضتها القوى الخارجية. ويكمن التحدي هنا في أنّ "التخصيب وخطة التخصيب والأبحاث والتطوير" الإيرانية لا تصف ما يجب على إيران الإمتناع عن فعله في السنوات العشر الأولى من الاتفاق فحسب بل أيضاً كيف تتوقّع توسيع برنامجها النووي بعد ذلك.
وسواء رأى مسؤولون في إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما تلك الوثيقة أم لا، فقد بدا أنهم على علم بنوايا إيران وبالتداعيات [السياسية]. وقد قال الرئيس أوباما لإذاعة "ناشيونل پابليك راديو" الأمريكية في نيسان/أبريل 2015، بعد أن تمّ التوصل إلى وضع إطار الإتفاق النووي، أنّه "[سيكون] لإيران في العام الـ 13 و14 و 15 آجهزة طرد مركزي تقوم بتخصيب اليورانيوم بشكل سريعٍ إلى حدّ ما وفي تلك المرحلة قد تتقلص فترة تجاوز العتبة النوويّة لتصل إلى الصفر تقريباً".
ولا يتّفق المحلّلون وغيرهم من الخبراء على ميزات الاتفاق، لكنهم يقرّون بمشكلة "إنتهاء مدة" الاتفاق النووي الّذي سيكون بعد السنة العاشرة من [توقيعه]. وحتّى أن الرئيس أوباما قال العام الماضي أنّ الاتفاق هو فعلياً "شراء ضمانات لمدّة 13 و14 و15 عامٍ مفادها أنّ فترة العتبة النووية هي على الأقلّ سنة واحدة ... وفي نهاية تلك الفترة ربما يكون قد حصل تغيير [في تفكير الإيرانيين]، وربما لا". وبعبارة أخرى، وصل إلى المماطلة في مواجهة المسألة.
إنّ توسّع البرنامج النووي الإيراني قد يزعزع استقرار الشرق الأوسط بصورة عميقة. وهناك شكوك واسعة الانتشار في المنطقة حول نوايا إيران. ومن المرجح أن يسعى منافسو إيران إلى تطوير وسائل ردع خاصّة بهم، سواء كانت نووية أم لا، وخصوصاً إذا يعتقدون أنّ الولايات المتحدة لا تأخذ الموضوع على محمل الجد.
لقد اقترح الرئيس الأمريكي أنه قد يكون للرئيس المستقبلي للولايات المتّحدة خيارات أفضل، إذا ما اختارت إيران متابعة مسيرتها نحو تطوير الأسلحة النووية. وقد يكون لخلفه "معرفة أكبر حول قدرات [إيران]" وذلك اقتراضاً نتيجة عمليات التفتيش التي ينص عليها الاتفاق النووي.
ولكن بالطبع هناك مخاطرتكمن في مقاربة "الانتظار والترقّب". فالمفتشون النوويون سيكونون مضطرين إلى تفسير أنشطة إيران النووية إذا ما توسعت بسرعة، كما أن حيازة أجهزة الطرد المركزي المتطورة يمكن أن تساعد إيران على إخفاء أعمالها. وسيعتمد فرض أي عقوبات مجددة على القيادة السياسية الأمريكية والأوروبية، وذلك عامل غير مؤكّد، كما قد يواجه معارضة قوية من أصحاب الأعمال التجارية التّي عادت إلى إيران. وتستطيع إيران أن تستفيد من هذا الوقت لتطوير قدراتها العسكرية التقليدية بشكلٍ أفضل لردع أي هجوم - تلك القدرات المتاحة لها من تخفيف العقوبات المفروضة على أسلحتها وصواريخها.
ولمواجهة كل ذلك، يمكن اتخاذ خطوات أخرى الآن لردع إيران من توسيع برنامجها النووي عند انتهاء الاتفاق في عام 2015. أوّلاً، تستطيع الإدارة الأمريكية القادمة أن توضح أنّ معرفة خطط إيران لا تعني الرضوخ لها وأنّه يحقّ لواشنطن أن تعارض التوسع النووي الايراني. كما يجب على الولايات المتّحدة أن تعيد تأكيد معارضتها لقيام إيران في تطوير القدرة على صنع أسلحة نووية فضلاً عن الانتشار العام لتكنولوجيا الأسلحة النووية. وستكسب هذه السياسة مصداقيّة من خلال ردع الولايات المتحدة بفعالية لاستفزازات إيران في المنطقة وأي خرق للاتفاق النووي والرد عليها. ويجب ألا تستبعد هذه السياسة استخدام العقوبات أو القوة إذا ما سعت إيران إلى تطوير سلاح نووي، كما لا يجب أن تستثني التفاوض على اتفاق ملحق يبادِل المزيد من الحوافز بالمزيد من القيود النووية.
وفي موازاة ذلك، تستطيع الولايات المتحدة أن تقود جهداً لمنع انتشار التخصيب وتقنية إعادة المعالجة بشكلٍ عام. وهذا من شأنه أن يوفر أسساً سياسية ثابتة تجمع المعارضة الدولية ضد توسيع إيران لقدراتها النووية. ومثل هذه المنهجية يمكن أن تجعل نظام حظر الانتشار العالمي ("النظام") أكثر تقييداً؛ وتجدر الإشارة هنا إلى أنّه وفقاً لما أشار إليه جورج بيركوفيتش من "مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي"، يسمح هذا "النظام" حاليّاً لدول غير نووية بالإنخراط في أي نشاط نووي تقريباً باستثناء تطوير الأسلحة إذا ما أثبتت وجود هدف مدني معقول لهذا النشاط. كما يمكن لهذا الجهد أن يجعل أنشطة دورة الوقود النووية متعدّدة الأطراف، على سبيل المثال من خلال إنشاء "مصارف وقود" نووية لتفادي حاجة الدول إلى السعي إلى تنمية قدرات التخصيب الخاصة بها.
وعلى الأرجح، تتطلب أي سياسة ناجحة قيام الولايات المتحدة بمتابعة جميع هذه الخطوات، وليس الاختيار من بينها. إن عدم فعل إي شئ من أجل تفادي هذه الأزمة التي بدأت تتشكّل حالياً لا يضمن سوى أنّها ستكون أكبر وأسوء حين تحدث فعلياً.
مايكل سينغ هو زميل "لين سوينغ" الأقدم والمدير الإداري في معهد واشنطن. وقد نُشرت هذه المقالة في الأصل من على مدونة "ثينك تانك" على موقع الـ "وول ستريت جورنال".
"وول ستريت جورنال"