- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
كيف حصلتُ على حقائق عملية تحرير عدن على يد الإمارات العربية المتحدة من مصدرها
Also published in "ذي ناشيونال"
من خلال التحدث إلى جنود إماراتيين والانخراط معهم على مدار سنوات عديدة، تَمكّنَ خبير عسكري في "معهد واشنطن" من تسجيل الأحداث والتحديات التي شملتها عملية غير معروفة لإنقاذ المدينة الساحلية ذات الأهمية الاستراتيجية في اليمن.
كيف كانت تبدو المحاولة الأولى لكتابة التاريخ العسكري لدولة الإمارات في الحرب، باستخدام كلمات الجنود والبحارة والطيارين أنفسهم؟ هذه هي المهمة التي أخذتُها على عاتقي عند تأليف الكتاب الذي سيصدر قريباً تحت عنوان "25 يوماً إلى عدن" (25 Days to Aden)، الذي يروي أحداث الصراع الحاسم لتحرير مدينة عدن الساحلية قبل حلول عيد الفطر في تموز/يوليو 2015.
كانت هذه المعركة الأولى في حرب اليمن التي اندلعت عندما طلبت الحكومة اليمنية الدعم الدولي من "مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة" و"الجامعة العربية". فوضعَ عرب الخليج حداً في مسعى لمنع رجال القبائل الحوثيين المدعومين من إيران من الهيمنة على الطرف الجنوبي لشبه الجزيرة العربية، والاستيلاء على الممرات الملاحية الرئيسية التي تربط نصفَي الكرة الشرقي والغربي عبر البحر الأحمر وقناة السويس.
في الأيام الأولى من الحرب، تدخلت الإمارات لمساعدة مقاتلي المقاومة اليمنية في الدفاع عن مدينة عدن الساحلية الجنوبية، وهي نقطة استراتيجية على المحيط الهندي كانت أكثر الموانئ ازدحاماً في العالَم قبل عقودٍ من الزمن فقط. فلو تَمكّنَ الحوثيون من الاستيلاء على عدن، لكانوا قد اجتاحوا ثاني أكبر مدينة في اليمن (بالإضافة إلى سيطرتهم على العاصمة صنعاء) وكانوا قد سيطروا أيضاً على نقطة عبور بحري تتحكم بنسبة 20 في المائة من حركة النفط العالمية. وكما أخبرني أحد جنود القوات الخاصة، كانت حرب اليمن قصة قوات النخبة العربية التي "قاتلت شبحاً أتى من أعالي الجبال، بجوار أهم ممر بحري في العالم".
تقع على عاتق المؤرخ العسكري مسؤولية كبيرة لأنه يحافظ على ذكرى الأشخاص الذين ضحوا بأنفسهم من أجل بلدهم وأخوتهم في السلاح. وفي الوقت نفسه، يجب أن يتمتع التاريخ بأكبر قدر من الدقة لأنه الهدية التي نقدّمها للأجيال القادمة. ولا يعني ذلك الاحتفال بالانتصارات والإنجازات التي تدعو للفخر فحسب، بل مواجهة الحقائق الصعبة واللحظات الحزينة أيضاً، وتَعلُّم الدروس التي يمكن أن تساعد الوطن وجنوده وبحاريه وطياريه على مواجهة التحديات الجديدة.
ونتيجة لذلك، استغرق إعداد كتاب "25 يوماً إلى عدن" أكثر من خمس سنوات بين بحث دقيق وكتابة وتقصي الوقائع. ومن أجل فهم المعركة حقاً، لا بد من التحدث إلى عدد كبير من الذين شاركوا فيها لصياغة تفاصيل الأحداث التي لم تُسجَّل يوماً بشكل رسمي، ويجب التمعُّن في السجلات للعثور على ما ينساه البشر. ومن المهم أيضاً أن يدرس المؤرخ عن كثب خريطة الميدان، ثم يطأ بنفسه أرض الميدان. وهذا ما فعلتُه في عدن.
على سبيل المثال، لا يمكن أن يفهم المرء فعلاً خطورة التضاريس في النواحي القديمة من مدينة عدن إلا من خلال التواجد على الأرض - أي حرفياً قرب بحيرة بركانية عميقة تحيط بها منحدرات شاهقة يفوق ارتفاعها 300 متر. كما لا يمكنك تقدير مدى أهمية المركبات المدرعة الإماراتية في التغلب على قوة النيران الحوثية التي كانت تدافع عن المطار الدولي، إلا بعد أن تجوب ذهاباً وإياباً الطريق المكشوف المؤدي إلى مداخل ذلك المطار الدولي الذي كان يشكل أهم موقع في عدن.
بدأ تحرير عدن مع تقهقر المقاومة اليمنية باتجاه البحر قبل أيامٍ من الهزيمة. فأجريتُ مقابلات مع أولئك المقاتلين اليمنيين وعناصر القوات الخاصة الإماراتية الذين تسللوا إلى ذلك الموقع الدفاعي في عدن. وتنطوي قصة معركة عدن على هذه الشراكة بين اليمنيين والإماراتيين، الذين صمدوا أولاً ثم عززوا المنطقة الدفاعية بواسطة حراس الفرسان الإماراتيين والمدفعية الإماراتية للقوات البرية، وشنوا أخيراً هجوماً مفاجئاً على الحوثيين أدى إلى إخراجهم مهزومين من عدن، ومطاردتهم على بُعد مائة كيلومتر في جميع الاتجاهات. وعملت القوات البحرية والجوية وقوات الدفاع الجوي التابعة للإمارات العربية المتحدة على مدار الساعة وفي ظل ظروف مروعة، لإبقاء خطوط الإمداد مفتوحة ومواصلة القصف الدقيق والمكثف على العدو. وشكل ذلك جهداً جماعياً حقيقياً، إذ سعت الأمة بأكملها إلى تحقيق هدف واحد وهو مساعدة اليمنيين على تحرير عدن.
ولا يُسمَح عادةً للغرباء بالتحدث إلى الجنود الإماراتيين عن خدمتهم، لكن عند القيام بالبحوث وتأليف هذا الكتاب، أمضيتُ مئات الساعات في إجراء المقابلات مع الجنود الإماراتيين والعيش بقربهم. وفي حالات كثيرة، جمعتُ قصصهم عندما كانوا منتشرين على جبهات القتال في اليمن خلال زياراتي إلى الخطوط الأمامية، وخصصوا بكل كرم أمسياتهم وأوقات فراغهم لإعادة سرد قصة عدن من وجهات نظرهم. وفي أوقاتٍ أخرى، قمتُ بزيارتهم بعد أن عادوا إلى عائلاتهم في الإمارات. وبدا أن إحياء أحداث الصراع قد ساعدهم على معالجة الأفكار والمشاعر التي دُفنت منذ عام 2015، وآمل أن يستمروا في التحدث عن الحرب مع بعضهم البعض ومع عائلاتهم، بالقدر الذي تسمح به المعايير الأمنية.
عندما يمضي شخص غريب الكثير من الوقت في التحدث مع الإماراتيين حول موضوع حساس مثل الحرب، تجعله هذه التجربة يدرك أموراً جمة عن عقلية الأمة تجاه الصراع. فلا يُسَرّ العسكريون والعسكريات في الإمارات بالتدمير الناتج من الحرب وتُدهشهم دقة الأسلحة الحديثة وقوتها على غرار المحاربين كافة، ولكنني لاحظتُ مستوًى مميزاً من الجدية والنضج لدى الجنود الإماراتيين، الذين يكرهون حقاً ما تُسببه الحرب من موت وبؤس. ومع ذلك، يتمتعون أيضاً بلا شك بقدرات جيدة في الحرب الحديثة: فقد تلقوا تدريباً في خوض صراعات حقيقية إلى جانب أفضل القوات العسكرية الغربية، كما أن القوات الإماراتية تنعم بفهم أفضل للثقافة المحلية في اليمن وبعلاقات ممتازة مع قوات المقاومة اليمنية.
إن قصة "25 يوماً إلى عدن" تخص الرجال والنساء الإماراتيين الذين خاضوا المعركة إلى جانب شركائهم اليمنيين، وهذا الكتاب مُهدى لخمسة جنود إماراتيين قُتلوا في المعركة. ومن المناسب اختتام هذا المقال ذِكر ما قاله أحد الشباب الاستثنائيين الذين قاتلوا (ونجوا) في معركة عدن. فعندما أجريتُ مقابلة معه، كان يسترجع الأحداث بعد مرور بضع سنوات على تجربته الحربية كجندي إماراتي يبلغ من العمر 27 عاماً، كان قد تلقى تدريباً جيداً لكنه كان يخوض معركة للمرة الأولى. فقال لي: "بعد تنفيذ هذه العملية واختبار الحرب الحقيقية، تغيرتْ عقليتي بالكامل. لقد نشأتُ في هذا البلد وكنتُ أتمتع بمستويات معيشية وتعليمية جيدة، ثم أصبحتُ فجأة في منطقة حرب، بعيداً عن أصدقائي وعائلتي وأولادي. شعرت بالوحدة وأصبحت أقدّر الحياة. كما رأيتُ الفقر والمعاناة في اليمن، وقد جعلني ذلك أن أقدّر بصورة أكثر ضرورة حماية وطننا".
مايكل نايتس هو "زميل برنشتاين" في معهد واشنطن. وسيتم نشر كتابه الجديد "25 يوماً إلى عدن: القصة غير المروية لقوات النخبة العربية في الحرب" من قبل "بروفايل بوكس" في وقت لاحق من هذا الشهر وباللغتين الإنجليزية والعربية. وتم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع "ذي ناشيونال".