- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3171
كيف سيرد «حزب الله» على الهجوم الإسرائيلي بطائرات بدون طيار؟
خلال الأسبوع الماضي، شن "جيش الدفاع الإسرائيلي" هجمات ضد أهداف إيرانية أو مرتبطة بها في العراق وسوريا ولبنان. وتم تنفيذ الهجوم الأخير في 25 آب/أغسطس حيث تحطمت طائرتان بدون طيار تابعتان للجيش الإسرائيلي بمبانٍ سكنية واقعة في حي معوّض من ضاحية بيروت الجنوبية. ووفقاً لـ «حزب الله» كانت هاتان "الطائرتان الانتحاريتان" مسلحتان بـ 5.5 كيلوغرام من متفجرات "سي-4"، بينما ذكرت التقارير الإعلامية أن الطائرتين استهدفتا بشكل متعمد صناديق شحن يُعتَقد أنها تحوي آلات لمزج وقود دفعي عالي الجودة يُستخدم في الصواريخ الدقيقة التوجيه. وفي اليوم السابق، أفادت بعض التقارير أن طائرات "جيش الدفاع الإسرائيلي" استهدفت موقعاً إيرانياً في دمشق، مما حال دون تعرّض إسرائيل لهجومٍ وشيك بطائرات بدون طيار كان يخطط له «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني.
وعلى الرغم من أن الهجوم الذي وقع في بيروت لم يسفر عن أي ضحايا، إلّا أن أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله لم يتجاهل الحادث كما اعتاد تجاهُل الضربات الإسرائيلية التي تستهدف مواقع الحزب في سوريا. وبدلاً من ذلك، تعهّد بإسقاط أي طائرة إسرائيلية بدون طيار تحلّق في سماء لبنان.
كما هدد نصر الله بوضوح بالانتقام من الضربة التي وقعت في دمشق وأودت بحياة اثنين من مقاتلي «حزب الله». واتّهم إسرائيل بانتهاك "قواعد الاشتباك" محذّراً من ردٍّ قاسٍ وفوري على الحادثة، على افتراض أن يأتي هذا الرد من الأراضي اللبنانية. ومع ذلك، بدا أن مسؤولي «حزب الله» تراجعوا عن هذا الموقف نوعاً ما في 27 آب/أغسطس، حين صرّحوا لوكالة رويترز أن الحزب يستعد لـ "ضربة مدروسة" على إسرائيل، و"مصمَمة بطريقة لن تؤدي إلى اندلاع حربٍ لا يريدها «حزب الله» ولا إسرائيل".
ومن جانبها، يبدو أن إسرائيل توسّع استراتيجيتها في سوريا لتشمل لبنان والعراق، مستهدفةً الصواريخ الدقيقة التابعة لإيران في كلا البلدين بشكل مباشر وقاسٍ. وخلال خطاب ألقاه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر 2018، كشف عن بعض تلك المنشآت في لبنان بينما ترك المجال للدبلوماسية للتعامل مع هذا التهديد المحدق بأمن إسرائيل. ولكن انطلاقاً من الأدلة التي اكتُشفت في حي معوض، لا يزال «حزب الله» يحاول تحديث ترسانته الصاروخية المحلية بمساعدة إيران، ولذلك تجد إسرائيل نفسها مضطرة للنظر في الخيارات العسكرية. وبينما يمكن توقع المزيد من الهجمات من الجيش الإسرائيلي، تبقى خيارات الرد الانتقامي لدى «حزب الله» محدودة - بغض النظر إذا كانت هذه الخيارات "مدروسةً" أم لا. وفي الواقع، فإن عملية انتقام كهذه قد تفتح المجال أمام المزيد من الضربات الإسرائيلية، وبذلك يُجرّ لبنان أكثر إلى المواجهة بين إيران وإسرائيل. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل سيسلك «حزب الله» هذا المسار على أي حال، وإذا كان الأمر كذلك، فبأي شكل؟
ثلاثة سيناريوهات
حتى الآن، حذّر نصر الله من أن «حزب الله» سيقوم بما يلي: إسقاط أي طائرات إسرائيلية بدون طيار يرصدها الحزب في سماء لبنان، واتخاذ تدابير انتقامية من لبنان رداً على مقتل عناصره في الضربة الأخيرة على سوريا، والرد على هجوم بيروت بواسطة طائرات بدون طيار. وعلى الرغم من أن كل واحد من هذه التهديدات يعتبر عمومياً، فالوفاء بها (أو عدمه) سيسفر عن واحد من ثلاثة سيناريوهات، وكلها تطرح إشكاليةً على قيادة التنظيم:
هجمات «حزب الله» العالية الخطورة على أهداف إسرائيلية حساسة: إذا جاء ردّ «حزب الله» ضد أهداف عسكرية أو اقتصادية أو رمزية عالية القيمة داخل إسرائيل، سيشكّل ذلك ضربةً قوية ومؤلمة لعدوه مع إرضاء قاعدة مناصريه في لبنان. ومع ذلك، سيكون كلا التأثيرين قصيري الأجل، حيث من المؤكد أن ترد إسرائيل بهجمات أضخم وأكثر تدميراً، وربما يؤدي ذلك إلى اندلاع حرب شاملة قد لا يستطيع «حزب الله» عكس مسارها التصعيدي في اللحظة الأخيرة.
ونظراً لأن معظم الأطراف المعنية في هذا الموضوع ستسعى إلى تجنّب مثل هذا الصراع، فإن احتمال وقوعه ضئيل. ومع ذلك، يمكن أن يحدث إذا أخطأ أي من الطرفين في تقدير الأحداث بشكل كاف. بالإضافة إلى ذلك، أرادت إسرائيل منذ بعض الوقت حلّ مسألة منشآت الصواريخ الدقيقة المتبقية لدى "حزب الله" في لبنان، ومن الممكن أن تسنح لها الفرصة إذا تم تصعيد الموقف (مؤقتاً أم لا). وقد يؤدي ذلك إلى اندلاع حرب كاملة أيضاً - بين إسرائيل وإيران في هذه الحالة، وربما أيضاً [بمشاركة] دول أخرى إذا حثّت طهران عملاءها الآخرين من الميليشيات الشيعية الأجنبية على الانضمام إليها.
لكن العواقب المحتملة لأي سيناريو "حرب شاملة" ستكون وخيمة، حيث سيتكبد «حزب الله» خسائر فادحة في الأرواح والمعدات ولن يتمكن من تعويضها لأنه لا يملك حالياً الأموال الكافية لذلك. وسيكون بالكاد قادراً على تعويض أتباعه عن خسائرهم الشخصية وتلبية احتياجات الإعمار لديهم. ولن يتمكن الشيعة المقيمين في جنوب لبنان وسهل البقاع وضاحية بيروت الجنوبية من الهرب من بيوتهم في النزاع المقبل كما فعلوا في حرب عام 2006 (لأن سوريا أصبحت صعبة الدخول، وسيصعب عليهم الالتجاء إلى أماكن أخرى في لبنان بسبب التوترات الطائفية). وربما قد يلومون «حزب الله» على التسبب بالدمار بمهاجمته أهداف إسرائيلية حساسة. باختصار، سيتعرض لبنان لدمارٍ كاسح، ولن تتوفر أموال كثيرة لإعادة الإعمار كما توفرت في عام 2006 في ضوء الضغط الدولي المتزايد حالياً على «حزب الله» وسأم الجهات المانحة بشكل عام.
عدم شن «حزب الله» أي هجمات على الإطلاق: قد يقرر «حزب الله» ألا يردّ على الإطلاق، وأن يتبنّى عوضاً عن ذلك النهج الذي غالباً ما يستخدمه النظام السوري في الجوار: أي التهديد من أنه سيختار الرد "في الزمان والمكان المناسبين"، ثم المماطلة في هذا التهديد الخطابي إلى أن ينسى الجميع ما حدث. والمشكلة في هذا السيناريو هي أن مناصري «حزب الله» لن ينسوا ما حدث. فمصداقية نصر الله في الداخل اللبناني تنبع بشكل أساسي من "الوعد الصادق" الذي اشتهر به، وهي السمة التي زعمها بعد تحقيقه المفترض لـ "النصر الإلهي" الذي وعد به في بداية حرب عام 2006. بمعنىً آخر، عليه الوفاء بوعوده في مرحلة ما، وإلا سيفقد مصداقيته.
ويواجه نصر الله بالفعل سخطاً كبيراً في الداخل لتجاهله إلى حد كبير الهجمات الإسرائيلية على مواقع «حزب الله» في سوريا (وقد حاولت إيران الرد على مثل هذه الضربات في نيسان/أبريل وأيار/مايو 2018 وكانون الثاني/يناير 2019، لكن «حزب الله» لم يشارك في تلك العمليات). وإذا لم يردّ نصر الله بقوة على الهجمات في لبنان، سوف تتّقد قلة الثقة والانتقادات في صفوف مناصريه.
فضلاً عن ذلك، إذا امتنع «حزب الله» عن التصرف، سوف تتناقص إمكانيات الردع المتبقية لديه فيما يتعلق بالحد من العمليات العسكرية الإسرائيلية. فبعد ساعات قليلة من قيام نصر الله بإدانة الضربة على دمشق وشجبها، ذكرت بعض التقارير أن طائراتٍ حربية إسرائيلية هاجمت قاعدة في سهل البقاع تابعة لـ "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة" التي تدعمها سوريا. وعلى الرغم من أن المنشأة لم تكن تابعة لـ «حزب الله»، إلا أنها تقع على الأراضي اللبنانية على مسافة قريبة جداً من المكان الذي بُثّ فيه خطاب نصر الله بثّاً حياً أمام جمهور محلي كبير. إن الامتناع عن الرد حالياً سيكون محرجاً للغاية.
ردّ محدود من «حزب الله»: هذا هو السيناريو الأكثر ترجيحاً، ويعود ذلك جزئياً إلى أن خطابات الحزب توحي حتى الآن بأنه سيسلك هذا المسار، وكذلك لأنه شنّ ضربات محدودة ضد إسرائيل في الماضي. ففي عام 2015، أطلقت عناصر من «حزب الله» صاروخاً مضاداً للدبابات أودى بحياة ضابط في الجيش الإسرائيلي وجندي آخر قرب الحدود. وجاء ذاك الهجوم رداً على اغتيال سبعة عناصر من «حزب الله» (بمن فيهم المسؤول البارز جهاد مغنية) وجنرال إيراني على الجانب السوري من مرتفعات الجولان.
وللرد بشكل متناسب على الهجوم الذي وقع في بيروت بطائرات بدون طيار، قد يرسل «حزب الله» طائرات صغيرة بدون طيار محمّلة بالمتفجرات إلى داخل إسرائيل، أو قد يعمل على استخدام شبكات إرهابية في الخارج لاستهداف المصالح الإسرائيلية. وقد تُرضي هذه الحصيلة مناصري نصر الله وتحفظ له ماء الوجه، دون المخاطرة التي ينطوي عليها الدخول في مواجهة أكبر. ومع ذلك، إذا أصبحت العمليات الإسرائيلية داخل لبنان والعراق هي الوضع الاعتيادي الجديد، فإن رد «حزب الله» المحدود لن يؤدي إلّا إلى تأجيل المواجهة المستقبلية، على الأقل طالما استمر الحزب في تنفيذ مشروعه الصاروخي الدقيق في لبنان (وحالياً، تم إلى حد كبير احتواء تهديدان رئيسيان آخران لـ «حزب الله» موجهان ضد إسرائيل هما، مشروع أنفاق الحزب عبر الحدود ووجوده العسكري بالقرب من مرتفعات الجولان).
تجنب الحرب يستلزم رد أمريكي واضح
يعي رعاة «حزب الله» في إيران تعقيدات أي رد انتقامي في سوريا أو العراق. ففي سوريا، تنسّق روسيا مع إسرائيل عندما يحتاج الجيش الإسرائيلي إلى ضرب أهداف إيرانية، وفي العراق لا تزال بغداد تتمتع بعلاقات عسكرية مهمة مع الولايات المتحدة. وفي المقابل، يخلو لبنان إلى حدٍّ كبير من مثل هذه الاعتبارات المتعلقة بالقوى العظمى، ويبقى القاعدة الأقوى لكل من «حزب الله» وإيران، مما يسمح لهما بشن هجمات من لبنان دون تدخل خارجي كبير إذا أرادا ذلك. وإذا تحوّل لبنان إلى ساحة معركة، فقد يمتد القتال بسهولةٍ ليشمل العراق وسائر المنطقة.
لذلك، فإن احتواء ردود «حزب الله» في لبنان يتطلب مقاربة أمريكية حذقة تجمع بين الرسائل الذكية، الخاصة منها والعامة، وبين المطالب الواضحة إلى المسؤولين اللبنانيين. ويشمل ذلك الجيش اللبناني الذي سبق وأن أطلق النار على الطائرات الإسرائيلية بدون طيار في الثامن والعشرين من آب/أغسطس وقد يحاول عرقلة المزيد من العمليات المستقبلية للجيش الإسرائيلي ضد مخابئ أسلحة «حزب الله». إن الوساطة الأمريكية الناشطة ضرورية في هذا السياق نظراً لعلاقات واشنطن مع إسرائيل ولبنان، والمساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة منذ زمن بعيد للجيش اللبناني. فمنذ عام 2006، قدمت الحكومة الأمريكية مساعدات عسكرية إلى لبنان تفوق المليارَي دولار، وعليها أن تستخدم هذه المساعدات كوسيلة لتحذير الجيش اللبناني من إطلاق النار على القوات الإسرائيلية وتنبيه الحكومة اللبنانية بعواقب الأنشطة الصاروخية لـ «حزب الله». وعلى وجه الخصوص، يجب تذكير المسؤولين في الجيش اللبناني بأنه يُفترض بهم تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 1701 الذي يحظر على الميليشيات مثل «حزب الله» امتلاك قدرات عسكرية في لبنان. وقد أصبح الوضع مهيأً لإجراء نقاش جدي حول هذه القضايا في مجلس الأمن الدولي، الذي سيصوت قريباً على قرارتجديد ولاية "قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان" ("اليونيفيل").
وفي الوقت نفسه، يجب على إدارة ترامب أن تعالج الوضع الحساس في بغداد، حيث يتعرض المسؤولون الأمريكيون للقيود ليس فقط بسبب الطبيعة المتقلبة للسياسة المحلية، بل أيضاً بسبب الاعتقاد السائد في العراق بأن واشنطن سمحت بتنفيذ الضربات الإسرائيلية الأخيرة أو سهّلتها - وهذا ادعاء حرّك وتراً حساساً في الحس القومي العراقي. لذلك، يجب على الإدارة الأمريكية أن تخبر رئيس الوزراء عادل عبد المهدي والرئيس برهم صالح بأن وجود صواريخ دقيقة مرتبطة بإيران على الأراضي العراقية سيدفع إسرائيل حتماً إلى شن المزيد من الهجمات. وهذا بدوره قد يضاعف احتمال حدوث السيناريو نفسه الذي أعلن القادة المدنيون وقادة المليشيات في العراق عن رغبتهم في تفاديه، ألا وهو جرّ بلادهم إلى صراع إيراني مع قوة أخرى.
وأخيراً، حتى إذا لم تؤتِ الجهود الفرنسية الأخيرة لإطلاق المحادثات الأمريكية الإيرانية بثمارها، يجب على واشنطن أن تدرك أن إقناع إيران باحتواء وكلائها في المنطقة هو ضرورةٌ ملحّة. وعند توجيه الرسائل بهذا الشأن إلى طهران، ينبغي على المسؤولين الأمريكيين منح الأولوية لمنشآت الصواريخ الدقيقة في لبنان والعراق، لأن هذه هي القضية التي من المرجح أن تثير صراعاً أوسع نطاقاً.
حنين غدار هي زميلة زائرة في زمالة "فريدمان" في "برنامج غيدولد للسياسة العربية" في معهد واشنطن.