- تحليل السياسات
- تنبيه سياسي
كيف تستطيع القاهرة أن تساعد في تخفيف حدة الأزمة الإسرائيلية الفلسطينية
خلال الأسبوع الأخير قدمت القاهرة مقترحات لوقف إطلاق النار وأرسلت وفوداً أمنية إلى القدس وقطاع غزة لتخفيف حدة الأزمة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ومن ثم، يجب على واشنطن أن ترحب برغبة مصر في استعادة دورها كوسيط في عملية السلام، لكن ذلك قد يتحقق فقط إذا كانت الحكومتان مستعدتان لصياغة نهج بناء يتجنب تكرار أخطاء عهد مبارك.
في 16 أيار/مايو، أجرى وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن اتصالاً هاتفياً مع وزير الخارجية المصري سامح شكري لمناقشة تطور الأوضاع بين إسرائيل والفلسطينيين. وكانت القاهرة قد قدمت بالفعل مقترحات لوقف إطلاق النار وأرسلت وفوداً أمنية إلى القدس وقطاع غزة، لكن التصعيد الحالي يمنح أيضاً فرصة أكبر للمسؤولين المصريين لاستعادة دورهم في المنطقة بدعمٍ أمريكي.
وفي الواقع، هناك فرص نادرة أمام القاهرة لإثبات أهميتها وفائدتها على هذه الجبهة. فقد تجاهلت إدارة بايدن الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى حدٍّ كبير منذ تولّيها زمام الحكم، [بينما] كان الدور المصري في عملية السلام يتضاءل منذ سنوات. ولم تُجر أي محادثات إسرائيلية - فلسطينية جادة منذ عام 2014، كما قلّصت قطر وتركيا نفوذ مصر على «حماس» من خلال إقدام الدوحة على تمويل الحركة وقيام أنقرة باستضافة أعضائها. وكان لموجة التطبيع العربي الأخيرة مع إسرائيل دور مماثل في تهميش مصر التي لا تستطيع تقديم الحوافز الثنائية الغنية نفسها التي تقدمها دول الخليج. ويبدو في الواقع أن زعماء الخليج يتجنبون عمداً نموذج السلام البارد الذي اتّبعته مصر مع إسرائيل.
ونتيجة لذلك، تم تقليص دور القاهرة إلى التوسط في وقف إطلاق النار على المدى القصير عندما يخرج التصعيد عن نطاق السيطرة. ومع ذلك، على المسؤولين المصريين أن يتشجعوا من واقع إصرار إسرائيل على إبقائهم مطّلعين على المستجدات في هذا الإطار - وإلا لكان بإمكان الدوحة وأنقرة تولي هذا الدور الهامشي أيضاً.
إغلاق كتاب مبارك للتكتيكات الدبلوماسية
حتى الآن، قلّدت حكومة السيسي ما اعتاد الرئيس السابق حسني مبارك فعله كلما اندلعت أعمال عنف بين الإسرائيليين والفلسطينيين في تسعينيات القرن العشرين والعقد الأول من القرن الحالي. فمن جهة، تتضمن هذه الاستراتيجية إرسال وفود أمنية إلى كلا الجانبين للتوسط في اتفاق مؤقت لوقف إطلاق النار، وعرض علاج الجرحى الفلسطينيين في المستشفيات المصرية، وتقديم المساعدات الإنسانية. ومن جهة أخرى، أصدر مسؤولون مصريون تصريحات علنية شديدة اللهجة ألقوا فيها باللائمة على إسرائيل وحدها في التصعيد، بينما انتقد شكري بحدة "العدوان الإسرائيلي" على الأماكن المقدسة في القدس. وردّدت وسائل الإعلام الحكومية هذا الخطاب غير المفيد - ففي 14 أيار/مايو، على سبيل المثال، ألقى الإمام المعروف أحمد عمر هاشم خطبة متلفزة على الصعيد الوطني دعا فيها إلى [قيام] كتلة إسلامية باستعادة السيطرة على "المسجد الأقصى" في القدس بالقوة. وفي غضون ذلك، أصبح الحديث اللاذع المعادي للسامية من قبل مضيفي البرامج الموالين للحكومة والصحف ورجال الدين في مصر أكثر شراسة.
وكان من المفهوم أن الحكومات الخليجية تصرفت بشكل عاطفي مع العنف الذي يحدث في المسجد الأقصى أيضاً. ومع ذلك، أصبح موقفها العلني من هذه المسألة أكثر موضوعيةً ودقة بمجرد بدء «حماس» المدعومة من إيران بإطلاق الصواريخ على إسرائيل. على سبيل المثال، كتب أنور قرقاش، مستشار الرئيس الإماراتي الشيخ خليفة بن زايد، تغريدةً أدان فيها المقاتلين المتشددين على "استغلال معاناة الشعب الفلسطيني لحسابات ضيقة لا تليق"، في حين انتقدت شخصيات دينية مؤثرة أمثال وسيم يوسف حركة «حماس» على استخدامها المدنيين كدروع بشرية. وفي وسائل الإعلام، تم كتابة مقالاتٌ تدافع عن القادة الخليجيين ضد اتهامات بتخليهم عن القضية الفلسطينية، كما أعطت بعض المنافذ الإعلامية منبرلمسؤولين إسرائيليين للدفاع عن موقف بلادهم (على سبيل المثال، أفيخاي أدرعي، رئيس الإعلام العربي في "وحدة المتحدث الرسمي" في "جيش الدفاع الإسرائيلي" [الناطق باسم "جيش الدفاع الإسرائيلي" للإعلام العربي]).
وتُعَد مصر شريكاً مهماً للولايات المتحدة في أي محاولة لتهدئة التوتر بين الإسرائيليين والفلسطينيين - وحقيقة أنها تقع على حدود غزة، وتسيطر على معبر رفح، وتقيم علاقات طويلة الأمد مع الفصائل الفلسطينية المختلفة، يمنحها نفوذاً كبيراً لتنظيم وقف إطلاق النار. ومع ذلك، على إدارة بايدن أن تبلغ القاهرة بصراحة بأن تكرار "تكتيكات كتاب" مبارك مع إسرائيل لن ينجح إذا أرادت الاضطلاع بدور بنّاء في محادثات السلام في المنطقة. فالخطاب العدائي برعاية الحكومة لن يؤدي إلّا إلى صبّ الزيت على النار بين الجماهير المصرية والعربية الأوسع. وبدلاً من ذلك، تحتاج القاهرة إلى تبني موقف أكثر توازناً، بحيث تدين صواريخ «حماس» التي تقتل المدنيين الإسرائيليين بقدر ما تدين الأعمال الإسرائيلية.
وإذا استمرت مصر في مسارها الحالي، فسوف يتردد صدى الانعكاسات السلبية في العواصم الخليجية، التي ستواجه ضغوطاً أكبر لتغيير لهجتها. وتنتقد دول الخليج التي أبرمت مؤخراً اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل سلوك «حماس» المتهور - على سبيل المثال، أصدرت الإمارات بياناً متوازناً حداداً على الضحايا الإسرائيليين والفلسطينيين ودعت إلى وقف التصعيد والعمل على التعايش. ومع ذلك، قد تشعر هذه الحكومات قريباً بأنها مضطرة إلى تبنّي مواقف أكثر عدائيةً وغير مفيدة تزيد من الضغط الدولي على إسرائيل وتقوّض المصالح الأمريكية في المنطقة.
يجب على المسؤولين الأمريكيين أيضاً أن يلاحظوا أن لغة الكراهية تجاه إسرائيل واليهود لا تخدم إلا إيران ومعسكرها المزعزع للاستقرار والمناهض للتطبيع. ويبدو أن القادة المصريين يعتبرون مثل هذا الخطاب الإعلامي وسيلةً لتعزيز شرعيتهم في الداخل، لكن هذا الرأي قصير النظر - ففي نهاية المطاف، لم يمنع التحريض الشعبي ضد إسرائيل طوال سنوات إلى قيام الشعب المصري بإسقاط مبارك.
ولقاء تغيير لهجة الخطاب المصري، بإمكان واشنطن دعم القاهرة في تولي دفة القيادة في الأمور الإسرائيلية - الفلسطينية والتقليل من الدور القطري والتركي. وقد يشمل ذلك الترويج لاستضافة مصر المؤتمرات الدبلوماسية المتعلقة بغزة، الأمر الذي من المرجح أن يعزز مكانة السيسي محلياً وإقليمياً. وأخيراً، قد يتم تعزيز جميع هذه الجهود من خلال المزيد من المبادرات الأمريكية البارزة للتشجيع على إبرام اتفاقيات تطبيع إضافية بين إسرائيل والدول العربية/ذات الأغلبية المسلمة.
هيثم حسنين محلل لشؤون الشرق الأوسط وزميل "غليزر" السابق في معهد واشنطن.