- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
كيف يمكن لأجهزة النداء المتفجرة أن تؤدي إلى الهدوء على طول الحدود بين إسرائيل ولبنان
Also published in "تايمز أوف إسرائيل"
يجب على واشنطن أن تدفع نحو التفاوض حول التوصل إلى تفاهمات حدودية محدودة حالياً - فمن غير المنطقي فتح صراع أكبر وأكثر تدميراً بشكل كارثي إذا كان من المرجح أن ينتهي الأمر في البقاء في نفس المكان.
بعث الهجوم الذي شنته إسرائيل الأسبوع الماضي، باستخدام أجهزة النداء وأجهزة الاتصال اللاسلكي المتفجرة ضد "حزب الله" اللبناني، رسالة مخيفة مفادها أن إسرائيل، التي ظلت صامتة حتى الآن بشأن مسؤوليتها المزعومة، يمكنها قتل أو تشويه أو إصابة آلاف المقاتلين دون إطلاق رصاصة واحدة. فالقتل المستهدف الذي طال تقريباً كامل فريق القيادة من قوة النخبة "رضوان"، التي هي وحدة مغاوير تابعة لـ "حزب الله" يثبت أن نظام الأمن الداخلي للجماعة الإرهابية الذي كان يُمجَد في السابق ما هو إلا قشرة فارغة.
وإذا تم استغلال هذه اللحظة بحكمة، فإن هذا الضعف وانعدام الأمن والهشاشة لدى "حزب الله" قد توفر لإسرائيل - بمساعدة أمريكية - فرصة لإرغام الحزب على اتخاذ خيار استراتيجي: إما الحفاظ على إنجازات منطقة الأمن الفعلية التي تم إنشاؤها داخل شمال إسرائيل أو الحفاظ على أصول برنامج الصواريخ الموجهة بدقة، الذي أقامته إيران على مدى سنوات عديدة، لكن لا يمكن للحزب الاحتفاظ بكليهما. وقد يتيح ذلك ظهور بنية أمنية جديدة على طول الحدود بين إسرائيل ولبنان، تحقق هدفاً رئيسياً لإسرائيل في الحرب وهو السماح للمدنيين بالعودة إلى منازلهم ومجتمعاتهم.
لقد تعاملت إسرائيل مع التحدي الأمني من لبنان على مدى أكثر من أربعة عقود، ولكن المواجهة الحالية تعود إلى هجوم "حماس" في 7 أيلول/أكتوبر على المجتمعات الجنوبية في إسرائيل. ودفع هذا الهجوم الوحشي حوالي 70,000 إسرائيلي إلى إخلاء بلداتهم وقراهم في شمال البلاد خشية أن يكونوا أهدافاً لهجوم مماثل عبر الحدود من قبل "حزب الله". وكانت النتيجة تحقيق "حزب الله" نجاح استراتيجي هائل من خلال جعل إسرائيل تتنازل فعلياً عن إقامة منطقة عازلة داخل أراضيها في شمال البلاد.
وبعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر، لم يشن "حزب الله" ذلك الغزو البري، ولكنه انضم إلى معركة "حماس" بإطلاقه آلاف الصواريخ والقذائف والطائرات المسيّرة على إسرائيل. وسقطت معظمها في منطقة الحدود المهجورة إلى حد كبير ولكن بعضها سقط في عمق إسرائيل، جنوباً مثل صفد وعكا، مما أسفر عن مقتل ما يقرب من 50 جندياً ومدنياً، وتسبب في أضرار بملايين الدولارات، وأشعل حرائق غابات هائلة دمرت شمال إسرائيل.
ويعكس هذا المستوى من الهجوم قراراً اتخذه "حزب الله" - وخاصة راعيته إيران - بالمساهمة في "محور المقاومة" دون استنفاد كل أصوله في الحرب التي بدأتها "حماس". إن السبب الرئيسي لوجود "حزب الله" هو أن يكون رادعاً لإيران ضد أي هجوم إسرائيلي أو أمريكي محتمل - سواء ضد النظام أو جوهرة تاجه، برنامجه النووي. ويبدو أن طهران تريد أن تكسب الفضل في دعم "حماس" مع الحفاظ ليوم آخر على تهديد "حزب الله" الأشد خطورة ضد إسرائيل، وهو ترسانته من الصواريخ الموجهة بدقة والتي يمكنها ضرب عمق الدولة اليهودية.
ومن جانبها، فكرت إسرائيل في شن هجوم استباقي ضخم ضد "حزب الله" مباشرة بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر - ثم رفضته. وبدلاً من ذلك، وبينما ركزت أولاً على غزة، اختارت مواجهة "حزب الله" بسلسلة دقيقة من الغارات الجوية والضربات بالطائرات المسيرة ضد وحدات "حزب الله" ومنشآته، مما أسفر عن مقتل نحو 500 من مقاتلي الحزب - بما في ذلك العديد من القادة العسكريين من المستوى المتوسط والعالي - مع التسبب في وقوع حد أدنى من الإصابات في صفوف المدنيين. وخلال هذه العمليات، أُجبر أكثر من 100,000 لبناني على إخلاء منازلهم ومجتمعاتهم في جنوب لبنان، وكثير منهم من القاعدة الشيعية الأساسية لـ "حزب الله".
وطوال هذه الفترة ركزت السياسة الأمريكية على منع توسع الحرب بين "حماس" وإسرائيل إلى جبهات أخرى. ولكن في أفضل الأحوال، حقق هذا الجهد نجاحاً جزئياً فقط. ومن الناحية الإيجابية، تم ردع طهران عن المشاركة المباشرة في الصراع المتعدد الجبهات، باستثناء الصواريخ والطائرات المسيرة التي أطلقتها إيران ضد إسرائيل في 13 نيسان/أبريل، والتي تم اعتراضها بشكل فعال من قبل تحالف إقليمي بقيادة الولايات المتحدة. ولكن من الناحية السلبية، أربك الحوثيون، المدعومون والممولون بالأسلحة من إيران، الجهود التي تقودها الولايات المتحدة لحماية الشحن العالمي، وبرزوا بشكل ملحوظ كجهة فاعلة مهمة في صراع يقع مركزه على بعد مئات الأميال من قاعدتهم في اليمن.
وحتى على جبهة لبنان فقط، ورغم الانتشار العسكري الأمريكي المثير للإعجاب والبعثات الدبلوماسية المتكررة، لم تتمكن واشنطن من وقف تبادل النيران عبر الحدود أو تحقيق قدر كافٍ من الهدوء لتمكين المدنيين من العودة إلى منازلهم. ويرجع ذلك جزئياً إلى أن إدارة بايدن أخطأت في قبول مبدأ أساسي من مبادئ حجة "حزب الله"، وهو ربط الهدوء في الشمال بوقف إطلاق النار في الجنوب. ويعود جزء آخر من سبب هذا التراجع إلى أنها لم تحشد بشكل فعال موارد أصدقائها وحلفائها - العرب والأوروبيين على حد سواء - لفرض ضغط حقيقي على "حزب الله". بالإضافة إلى ذلك، يعود جزء آخر أيضاً إلى أن الإدارة الأمريكية تبدو وكأنها كانت تبغي إلى تحقيق أهداف كبيرة للغاية، بحثاً عن اتفاق قد يكون طموحاً جداً في الوقت الحالي.
ووفقاً لبعض التقارير، سعت الدبلوماسية الأمريكية إلى التوصل إلى اتفاق بين إسرائيل ولبنان (أو بالأحرى بين إسرائيل و"حزب الله") يتضمن إحراز تقدم في ترسيم الحدود المتنازع عليها بين الجانبين فضلاً عن بنود من "قرار مجلس الأمن رقم 1701" لعام 2006، وهو قرار وقف إطلاق النار الذي لم يتم تنفيذه مطلقاً وشكل نهاية آخر حرب بين إسرائيل و"حزب الله". ومثل هذه الشروط تتطلب تنازلات كبيرة من جانب كل طرف، وهو أمر من غير المرجح أن يقبله أي منهما في هذه اللحظة المليئة بالتعقيدات السياسية.
إن الوضع المتوتر الحالي غير مناسب لمثل هذا الاتفاق. ولكن الهجوم المفاجئ على أجهزة النداء التابعة لقوات "حزب الله"، والذي أعقبه في اليوم التالي هجوم مماثل عالي التقنية عبر أجهزة الاتصال اللاسلكية، ومن ثم القضاء على كامل كيان القيادة العسكرية المتبقي لـ "حزب الله" تقريباً، قد يكون قد زعزع مكانة "حزب الله" بما يكفي لتوفير فرصة للجانبين للتوصل إلى اتفاق أصغر وأضيق نطاقاً.
ومن خلال مزيج مذهل من الجرأة والقوة القاتلة، حققت سلسلة الهجمات التي شنتها إسرائيل الأسبوع الماضي على "حزب الله" نجاحات متعددة. فقد أعادت قدرة الاتصالات لدى "حزب الله" إلى العصر الحجري. كما أزاحت عدداً كبيراً من أفراد وقيادات الحزب من ساحة القتال التي تمتد من جنوب لبنان إلى وادي البقاع وإلى سوريا. وأثارت شعوراً حاداً بالخوف بين من تبقى على قيد الحياة، وكذلك في صفوف المدنيين الذين أصبحوا يرون أن الارتباط بـ "حزب الله" يمثل تهديداً لأمنهم الشخصي. إن تبادل إطلاق الصواريخ من جانب "حزب الله" والغارات الجوية الإسرائيلية التي أعقبت ذلك لم تؤد إلّا إلى تعميق غضب العديد من اللبنانيين تجاه قرار "حزب الله" بجر البلاد إلى الحرب البعيدة ضد "حماس" (في غزة).
وعلى المستوى السياسي، قد تكون صدمة هذه الهجمات المتتابعة قد نجحت في فك ارتباط "حزب الله" بالحرب غير المحسومة في غزة، مما يفتح المجال أمام التحرك الدبلوماسي في لبنان حتى من دون وقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حماس". وفي الواقع، أن الذعر في صفوف "حزب الله" بشأن ما قد يحدث لاحقاً قد يكون قوياً بما يكفي لإقناع قيادته بأن التخلي عن منطقة الأمن الفعلية داخل شمال إسرائيل يشكل ثمناً معقولاً يتعين على الحزب أن يدفعه لتجنب المفاجآت القاتلة التالية. والآن هو الوقت المناسب للدبلوماسية الأمريكية الهادئة لاختبار هذا الاقتراح.
ما الذي قد يبدو عليه مثل هذا الاتفاق الضيق؟ في الوضع الحالي، قد يكون مجرد مجموعة متواضعة من التفاهمات غير المكتوبة، التي يلتزم فيها الجانبان بوقف إطلاق النار عبر الحدود والسماح للمدنيين بالعودة إلى منازلهم - الإسرائيليون إلى شمال بلادهم، واللبنانيون إلى جنوب بلادهم. وكجزء من هذا التفاهم، سيقوم "حزب الله" بسحب جميع الأصول العسكرية المهمة من منطقة تقع شمال الحدود (بين إسرائيل ولبنان)، بينما تتغاضى إسرائيل عن عودة مقاتلي "حزب الله" إلى جنوب (لبنان)، طالما أنهم يرتدون زياً مدنياً، ولا يستخدمون أسلحة ثقيلة، ولا ينتشرون في وحدات أو تشكيلات عسكرية. وبإمكان إسرائيل القيام بذلك لأنها لن تواجه أي قيود على نشر قوات وأصول الجيش الإسرائيلي على الجانب الإسرائيلي من الحدود. لماذا هذا التفاوت؟ لأن الجيش الإسرائيلي - وليس الجيش اللبناني المُخترق من قبل "حزب الله" ولا وحدة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة المتواجدة في لبنان منذ فترة طويلة - سوف يكون مخولاً بفرض الهدوء.
إن ذلك لا يشكل اتفاقاً مثالياً. فعلى الرغم من أن "حزب الله" سيتخلى عن مكاسب منطقة الأمن الفعلية داخل شمال إسرائيل، إلا أنه سيحتفظ بمعظم ترسانته من الصواريخ الموجهة بدقة التي تشكل تهديداً كبيراً. ولكن الوجود الكبير لقوات الجيش الإسرائيلي على طول الحدود الشمالية حالياً ينبغي أن يوفر الردع ضد أي اختراق أو هجوم، وهو ما افتقرت إليه إسرائيل على حدودها الجنوبية في السابع من تشرين الأول/أكتوبر. وقد حددت إسرائيل عودة المواطنين إلى شمال البلاد كهدف من بين أهدافها الحربية، وليس القضاء على التهديد الأوسع نطاقاً الذي يشكله "حزب الله" للبلاد.
ولكن البعض في إسرائيل يتبنى وجهة نظر مختلفة. فهم يجادلون بأن تقليص النشاط العسكري في غزة، حتى بدون وقف إطلاق النار الذي يعيد الرهائن الإسرائيليين المتبقين، سيسمح لإسرائيل بإعادة تركيز قوتها العسكرية ضد "حزب الله". وقد يتم ذلك إما من خلال عملية لإعادة إقامة منطقة عازلة تسيطر عليها إسرائيل على الجانب اللبناني من الحدود (وهو خيار لم ينتهِ بشكل جيد لإسرائيل في المحاولة السابقة) أو، بشكل أكثر طموحاً، من خلال شن غزو شامل لقطع رأس قيادة "حزب الله" واستنزاف قوته القتالية وتدمير ترسانته الصاروخية. ومن المرجح أن يتضمن هذا التحرك العسكري الشامل إلحاق أضرار جسيمة بالبنية التحتية المدنية في لبنان، وقد يؤدي إلى تدمير جزء كبير من بيروت. وفي الوقت نفسه، من المرجح أن يؤدي أيضاً إلى إطلاق وابل من الصواريخ الموجهة بدقة والتي يستطيع "حزب الله" إطلاقها قبل أن يتم قصفها من قبل سلاح الجو الإسرائيلي. وقد تكون الخسائر البشرية على كلا الجانبين كبيرة؛ وقد تكون النتائج كارثية. ومن الضروري الإشارة إلى أنه لا توجد ضمانات بأن هذه المبادرة الجريئة ستعيد المدنيين الإسرائيليين إلى منازلهم.
ومع كل الدماء التي على أيدي "حزب الله"، ليس هناك شك بأنه يستحق ضربة قوية. ولكن التنظيم الذي وصفه المسؤولون الأمريكيون سابقاً بأنه "الفريق الأول" من الإرهابيين هو قوة أكبر وأكثر قدرة بكثير من "حماس"، التي رغم خسائرها الكبيرة، تمكنت من الصمود لمدة تقارب العام في قتال الجيش الإسرائيلي. وعلى الرغم من الأداء المذهل للخدمات السرية الإسرائيلية وسلاح الجو الإسرائيلي في الأسبوع الماضي، فإن الاعتقاد بأن الجيش الإسرائيلي، الذي أنهكته الحرب واستنزفت قواه بعد عام من القتال، سيكون أكثر فعالية ضد "حزب الله" حالياً مما كان عليه ضد "حماس" - يُعد تحليلاً مفرطاً. ومن المرجح على الأقل أن تجد إسرائيل نفسها في حرب استنزاف على جبهتها الشمالية والتي قد لا تقل تكلفة عن تجربتها في الجنوب. وعندما تهدأ الأمور، فقد لا يكون من المفاجئ أن تسعى إسرائيل إلى التوصل إلى نوع من التفاهمات لإدارة الصراع مع "حزب الله"، والتي من المرجح جداً أن تشبه ما قد يكون مطروحاً على الطاولة حالياً، وهي تفاهمات قد تكون قابلة للتحقيق والتنفيذ دون الموت والدمار وسفك الدماء الذي قد تسببه عملية كبرى.
وبالنظر إلى مسؤولية "حزب الله" عن مقتل مئات الأمريكيين قبل عقود من الزمن، فإن أي إدارة أمريكية لن تذرف الدموع على وفاة قادة "حزب الله" أو تدمير قدراته العسكرية. وهذا هو الحال على الرغم من أن العنوان الحقيقي لصنع القرارات في "حزب الله" هو طهران، وليس مقر الحزب في الضاحية الجنوبية لبيروت - وهو واقع يبدو أن لا واشنطن ولا القدس مستعدتان للتعامل معه.
ولكن من غير المنطقي المرور عبر نفق المواجهة المظلم، مع تكلفته الفادحة على كل من الإسرائيليين واللبنانيين، إذا كان من المرجح أن ينتهي الأمر بالبقاء في نفس المكان - أي مجموعة من التفاهمات المحدودة المتفاوض عليها والتي يمكن أن تحقق قدراً من الهدوء عبر الحدود. والآن هو الوقت المناسب للدبلوماسية الأمريكية لاستكشاف هذه الإمكانية، ويجب على فريق بايدن أن يسعى إلى تحقيقها.
روبرت ساتلوف هو "المدير التنفيذي - زمالة سيغال" و "رئيس كرسي «هوارد بي بيركوفيتش» لسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط" في معهد واشنطن.