- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3135
لبنان وإسرائيل مستعدان للتفاوض: ما هو على المحك؟
بعد سبع سنوات من الجهود الدولية لحل النزاع على الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، تبدو الدولتان على وشك الاتفاق على إطار عمل للتفاوض حول هذه القضية من أجل تسريع عمليات التنقيب عن النفط والغاز في البحر. ونقلت وكالة "رويترز" عن لسان مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى أنه من المقرر إجراء المحادثات في مدينة الناقورة اللبنانية خلال الأسابيع المقبلة.
ما الذي سيتحدثون عنه؟
منذ عام 2012، توسطت الولايات المتحدة في نزاعٍ حول مثلث مساحته 330 ميلاً مربعاً في شرق البحر المتوسط. وأصبحت المنطقة المعنية أكثر أهمية بعد اكتشاف الغاز الطبيعي قبالة سواحل إسرائيل وقبرص في عام 2009.
ونجحت المساعي الدبلوماسية الأمريكية حتى الآن في حث كل طرف على تقديم بعض التنازلات. فقد وافق لبنان أخيراً على تولّي واشنطن دور الوساطة رغم اعتراضات «حزب الله»، بينما وافقت إسرائيل على عدد من الشروط التي وضعتها الحكومة اللبنانية. وعلى الرغم من تصاعد التوترات والحديث عن الحرب، يبدو أن «حزب الله» وإسرائيل لا يريدان صراعاً كبيراً آخر في لبنان في الوقت الحالي، لذلك قد توفر المفاوضات البحرية مجالاً للتنفس يحتاج إليه كليهما.
وفي هذا السياق، أفادت بعض التقارير أن القائم بأعمال مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد ساترفيلد حمل إلى بيروت ردّاً إيجابياً في وقت سابق من هذا الشهر مفاده، أن إسرائيل مستعدة الآن لمناقشة الحدود البرية والبحرية معاً، ويمكن إجراء المحادثات تحت رعاية الأمم المتحدة طالما يُسمح لممثلي الولايات المتحدة بالمشاركة. وقد سبق وأن تم اقتراح مقايضة للأراضي لتسوية النزاعات الحدودية الرئيسية على الحدود البرية، على الرغم من أن المحادثات لن تشمل مزارع شبعا التي تعتبرها الأمم المتحدة جزءاً من مرتفعات الجولان وبالتالي قضية سورية (لا تريد أي من الأطراف إشراك نظام الأسد، في هذه المرحلة).
وعلى الرغم من أن أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصرالله قد حذّر مؤخراً من قبول الوساطة الأمريكية، إلا أن قيادة «الحزب» أعطت موافقتها في النهاية. وتتمثل الخطة الحالية في أن يترأس المحادثات رئيس مجلس النواب والحليف السياسي الرئيسي نبيه برّي بينما يراقب مسؤولو «حزب الله» بدقة [تطور المحادثات] عن بُعد. وفي الواقع، سارع نصرالله إلى تقييد معايير النقاش حين صرّح في 31 أيار/مايو، أنّ "الولايات المتحدة تريد ابتزاز المفاوضات حول ترسيم الحدود من أجل طرح موضوع ترسانة الصواريخ الدقيقة لدى «حزب الله»"، محذراً ساترفيلد بالتركيز فقط على قضايا ترسيم الحدود.
لماذا غيّر «حزب الله» رأيه؟
بالنظر إلى اكتساب إيران المزيد من التأثير على القرارات السياسية والأمنية في لبنان بعد الانتخابات النيابية التي أجريت العام الماضي، فلن تتمكن بيروت من المضي قدماً في هذه المفاوضات دون مباركة «حزب الله» - المنظمة الوكيلة الأبرز لطهران [في المنطقة]. فلماذا قرر التنظيم فجأة قبول المحادثات؟ هناك عدة عوامل تساعد في شرح قراره:
تخفيف الضغوط الاقتصادية: يدرك الرأي العام اللبناني أن «حزب الله» قد انتقل حالياً من جبهة المعارضة، حيث كان بإمكانه إلى حد كبير تجنب مسؤوليات الحكم، إلى جبهة المسؤولية، حيث أصبح يتحمل السلطة وعبء صياغة كافة القرارات الوطنية. وفي الوقت نفسه، تغرق البلاد في أزمة اقتصادية عميقة، مع وجود القليل من الأمل في أن يتم حلها في أي وقت قريب. وبما أن «حزب الله» يواجه أزمته المالية الخاصة بسبب العقوبات الأمريكية على إيران الراعية له، يُلقي الكثير من المواطنين اللوم على التنظيم نتيجة مشاكلهم الاقتصادية. وبالتالي، ليس من مصلحة «حزب الله» أن يُعتبر عائقاً أمام صفقات مربحة في مجال الطاقة التي يمكن أن تساعد في تخفيف المعاناة المالية للبلاد. بالإضافة إلى ذلك، أصبحت لدى «الحزب» الآن إمكانية الوصول إلى معظم الوزارات المهمة في لبنان، وبالتالي سيكون قادراً على الاستفادة من أي أرباح نفط وغاز تتحقق في المستقبل.
تفادي حرب كبيرة: على الرغم من تمسّك «حزب الله» بخطابه الناري التقليدي ضد إسرائيل، إلا أنه يدرك جيداً أنه لا يستطيع تحمل خوض حرب في الوقت الراهن. وسيصعب عليه تمويل رواتب المقاتلين والاحتياجات اللوجستية خلال صراع كهذا، ناهيك عن دفع تكاليف إعادة الإعمار بعد ذلك. وبخلاف حرب عام 2006، قد لا يسارع المجتمع الدولي إلى مساعدة لبنان في إعادة البناء بعد أن سيطر «حزب الله» على الحكومة. وقد تكلّفه محاربة إسرائيل مجدداً جزءاً كبيراً من ترسانته، وربما أيضاً سلطته الهشة على المؤسسات اللبنانية.
تجنّب الانتقادات الدولية: لا يريد «حزب الله» أن يعطي أوروبا وروسيا والجهات الفاعلة الأخرى الانطباع بأنه الطرف الوحيد الذي يعيق الحل. فقد أُبرم في نيسان/أبريل 2018 اتفاقٌ مع ائلاتف مؤلف من شركة "توتال" الفرنسية و "إيني" الإيطالية و "نوفاتك" الروسية لبدء أعمال الحفر الاستكشافية في منطقتين قبالة الساحل اللبناني، من بينهما المنطقة (أو البلوك) 9 المتنازع عليها، ومن المفترض أن تبدأ الشركات أعمال الحفر في كانون الثاني/يناير 2020، لذا يشعر «حزب الله» بالضغط من أجل إيجاد حل للنزاعات الحدودية قبل ذلك الحين.
ما فائدة ذلك لبرّي؟
إن نبيه برّي هو نجم هذه العملية. إذ اختاره «حزب الله» لترؤّس المحادثات لأن التنظيم يؤمن بأنه لن يتجاوز أبداً الخطوط الحمراء لـ «الحزب». ولكن بري يخوض معركته الخاصة ويعلم أنه أمام فرصة لتعزيز مكانته السياسية.
وفي أعقاب زيارة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو للبنان في آذار/مارس الماضي ومباشرةً بعدها، ظهرت تقارير مفادها أن الحكومة الأمريكية بدأت مناقشة العقوبات المحتملة على الأوساط الخاصة ببرّي بسبب علاقته الطويلة الأمد مع «حزب الله» وإيران. وذُكرت أسماء زملائه السياسيين في "حركة أمل" وكذلك داعميه الماليين على قائمة المستهدفين المحتملين. ويبدو أن بومبيو نظر في إمكانية فرض عقوبات محددة على خمسةٍ من شركاء بري. وربما ليس من المستغرب أنّ يكون رئيس مجلس النواب قد غيّر موقفه ووافق على الوساطة الأمريكية بعد أسبوعين من ظهور هذه التقارير. ومن الأرجح أن «حزب الله» كان يتوق بنفس القدر إلى تجنيب حلفاء برّي العقوبات، لأن «الحزب» يعتمد عليهم لتحقيق منافع تجارية.
ومن المحتمل أن يأمل برّي أيضاً في تعزيز مكانته بين الطائفة الشيعية في لبنان. فعندما تشكلت الحكومة الحالية، أعلمه «حزب الله» أن الجماعة ستتولى الدور التقليدي لـ "حركة أمل" المتمثل في شغل نصف الوظائف والمشاريع الحكومية المخصصة قانونياً للشيعة. وإذا خسر بري هذه الخدمات، سيواجه صعوبةً في الحفاظ على قاعدة مناصريه التي بدأت بالتزعزع فعلاً (كما أُشير عندما فازت "حركة أمل" في مقاعد أقل بكثير من ائتلاف «حزب الله» في انتخابات العام الماضي).
وفي المقابل، إذا نجح بري في المفاوضات المقبلة حول الحدود، سيبدو البطل الذي أنقذ الوضع وساهم في نهوض الاقتصاد اللبناني وحمل الإسرائيليين على الجلوس إلى طاولة المفاوضات والقبول بشروط لبنان. وعلى المدى الأبعد، قد يساعده هذا الأمر في التعويض عن الخدمات التي خسرها لصالح «حزب الله». ذلك أن غالبية البنى التحتية التي أقيمت لمساعدة الشركات الكبرى والمنظمات الأجنبية في مشاريعها على طول الساحل الجنوبي اللبناني تعود لشركات أعمال تابعة للرئيس برّي. من هنا، قد تمر سنوات طويلة قبل أن يبدأ لبنان بتحقيق المكاسب من أعمال التنقيب عن النفط والغاز، ولكن برّي سيكون أول الكاسبين.
الصعوبة تكمن في التفاصيل
إن الخبر السار هو أن المساعي الدبلوماسية قد سارت وسط شائعات متزايدة بوقوع حرب. لكن حتى لو كان «حزب الله» وإسرائيل ملتزمان حقاً بتجنب أي مواجهة مسلحة في الوقت الحالي، فإن هذا لا يعني أن المحادثات بشأن الحدود ستكلَّل بالنجاح.
وكمثال، رفض لبنان الإطار الزمني المقترح لستة أشهر لاختتام المفاوضات، وبدلاً من ذلك، طالب برّي بأن تكون الفترة مفتوحة المدة. وهذه خطوة معبّرة لأن برّي معروفٌ بسجلّه الطويل والناجح في المماطلة والعمل مع كلا الجانبين. وقد تكون أيضاً إشارة إلى أن «حزب الله» غير مهتم بالتوصل إلى حل في حد ذاته، بل في كسب الوقت إلى أن يصبح أكثر استعداداً لمواجهة إسرائيل. لذلك فإن الإصرار على إطار زمني محدد للمحادثات أمر ضروري.
وفي الوقت نفسه، قد تكون هناك فرص لمناقشة الأمور المهمة على الأقل بما يتجاوز التفاصل التقنية لترسيم الحدود. ففي 26 نيسان/أبريل، على سبيل المثال، صرّح وزير الدفاع الياس بو صعب أن رئيس الجمهورية ميشال عون سيدعو قريباً إلى إجراء حوار لبناني بشأن "استراتيجية دفاع وطنية لحصر السلاح بيد الجيش اللبناني". وفي 22 أيار/مايو، أفاد لصحيفة "الشرق الأوسط" أن المحادثات بهذا الشأن ستبدأ مباشرة بعد حل القضايا الأخرى ذات الأولوية. وكان من الممكن أن تصدر هذه التصريحات تحت ضغوط من المسؤولين الأمريكيين الزائرين ويجب ألا يعتبرها الرئيس خطة جادة. ومع ذلك، لا يزال بإمكان المفاوضين استخدامها كأداة للشروع في حوار حول قضايا الدفاع الموطني - والتي بدورها يمكن أن تفرض المزيد من الضغط الداخلي على جهود «حزب الله» لتوسيع ترسانته من الصواريخ والأسلحة المتقدمة الأخرى.
حنين غدار هي زميلة زائرة في زمالة "فريدمان" في "برنامج جيدولد" للسياسة العربية في معهد واشنطن.