- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
لماذا أدرج السعوديون مؤخراً اسمي مقاتلَيْن لبنانيَيْن على القائمة السوداء
في الأسبوع الأخير من أيار/مايو فرضت المملكة العربية السعودية عقوبات على عنصرين رفيعي المستوى من «حزب الله» هما خليل حرب ومحمد قبلان، على خلفية ارتكابهما "أعمالاً إرهابية". فلدى العنصرين سجلان حافلان في سياق انتمائهما لـ «الحزب»، ولكنهما برزا بشكل خاص لاضطلاعهما بأدوار قيادية من ناحية الإشراف على عمليات «حزب الله» في منطقة محددة، وهي الشرق الأوسط. وفي خطوة لها دلالتها، جاء قرار السعودية بإدراج اسمي هذين العنصرين في «حزب الله» على القائمة السوداء في أعقاب التهديدات التي وجهها «الحزب» للسعودية بأنها سوف "تتكبد خسائر فادحة" و "تدفع ثمناً باهظاً" من جراء حملتها في اليمن. ونظراً لضلوع «حزب الله» مؤخراً في توسيع نطاق وجوده وعملياته في المنطقة، يأخذ السعوديون هذه التهديدات على محمل الجد.
واتهم الإعلان السعودي الرسمي حرب بقيادة "الوحدة العسكرية المركزية" التابعة لـ «حزب الله» وكونه مسؤولاً عن أنشطة «الحزب» في اليمن. وأشار إلى دور قبلان في أنشطة إرهابية في مصر واتهمه بـ "نشر الفوضى وزعزعة الاستقرار". وينشط «حزب الله» منذ وقت طويل في الخليج، إلا أن هذا النشاط قد تُرجم بتوتر بلغ ذروته في الوقت الحالي. وعلى الرغم من أن الدول العربية السنية عمدت أحياناً إلى تضخيم الخطر الذي يطرحه خصمها الإقليمي المتمثل بإيران ووكيلها «حزب الله»، تُعتبر العقوبات المفروضة على هاتين الشخصيتين القياديتين في «حزب الله» مبررة. وفي الواقع، أكد مسؤولون في كل من «الحزب» وجماعة الحوثيين - الذين قابلتهم صحيفة "فاينانشال تايمز" في بيروت في وقت سابق من هذا الشهر - على الروابط بين الجماعتين. ووفقاً لأحد قادة «حزب الله»، قُتل ثمانية من عناصر «الحزب» حتى الآن في القتال الدائر في اليمن.
تجدر الإشارة إلى أن حرب هو قائد قديم في «حزب الله» ومستشار مقرب للأمين العام حسن نصر الله. وقد بدأ مسيرته مع العمليات الخاصة كنائب قائد الوحدة العسكرية المركزية في جنوب لبنان في أواخر الثمانينيات. وفي وقت لاحق، تولى حرب قيادة «الوحدة 1800»، التابعة لـ «حزب الله» والمكرّسة لمساندة الجماعات الإرهابية الفلسطينية العاملة في "دول الطوق" المحيطة بإسرائيل والقيام بعمليات تسلّل أفراد إلى داخل الأراضي الإسرائيلية لشن هجمات إرهابية وجمع المعلومات الاستخبارية.
وفي عام 2012، أصبح مسؤولاً عن «الوحدة 3800»، التي أُنشئت في عام 2003 لدعم الجماعات المسلحة الشيعية العراقية في استهداف القوات المتعددة الجنسيات المتمركزة في البلاد، ولكنها سرعان ما توسعت لدعم مجموعات المقاتلين الشيعة في مناطق أخرى من المنطقة أيضاً. وفي وقت لاحق من عام 2012، "أصبح حرب مسؤولاً عن أنشطة «حزب الله» في اليمن وانخرط في الجانب السياسي من الملف اليمني لـ «الحزب»"، وفقاً للحكومة الأمريكية. ومنذ ذلك الصيف، شارك حرب "في نقل كميات كبيرة من الأموال إلى اليمن، عبر المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة". وفي أواخر 2012، "أبلغ حرب زعيم حزب سياسي يمني بأن تمويل «حزب الله» الشهري البالغ 50 ألف دولار جاهز للتسليم".
ووفقاً لوزارة الخزانة الأمريكية، سافر حرب إلى إيران عدة مرات لتنسيق أنشطة «الحزب» مع طهران. ولا شك بأن تعيين حرب للعمل على ملف اليمن كمسؤول «الوحدة 3800» كان خطوة بديهية وفي محلها بالنسبة إلى قادة «حزب الله»، نظراً لتجربته في العمل مع المنظمات الإرهابية الأخرى، وعلاقاته الوثيقة مع الإيرانيين، وخبرته في العمليات الخاصة والتدريب، ومكانته باعتباره المستشار السابق لنصر الله، الذي من المفترض أن يوكل هذه الساحة الهامة لقائد متمرس.
وبحلول عام 2005، كان قبلان قد أصبح قائداً رفيع المستوى وبات يوجه أنشطة «حزب الله» في مصر. وركزت مهمة «الحزب» الرئيسية في مصر على تهريب الأسلحة والأموال إلى «حماس» وجماعات فلسطينية أخرى في غزة عبر مصر، كجزء من «الوحدة 1800». وتم التخطيط لعدة هجمات إرهابية في مصر بعد اغتيال عماد مغنية في شباط/فبراير 2008، وهو الذي كان مسؤولاً عن عمليات «حزب الله» الخارجية الإرهابية، علماً أنه كان يحظى باحترام كبير داخل «الحزب». وفي حين كان من المفترض استهداف الإسرائيليين، إلا أن الهجمات التي تم التخطيط لها على المنتجعات السياحية المصرية كانت لتولد عواقب اقتصادية وخيمة وتؤدي على الأرجح إلى قتل أو جرح مصريين متواجدين لسوء حظهم في المكان والزمان الخاطئين. بالإضافة إلى ذلك، يبدو أنه تم التخطيط لهجمات أخرى ضد أهداف مصرية على نطاق أوسع، بما فيها البنى التحتية الأساسية مثل قناة السويس. وقد نجحت السلطات المصرية في تفتيت الخلايا في تشرين الثاني/نوفمبر 2008، على الرغم من أن قبلان تمكَّن من الفرار من البلاد.
ووفقاً لأحد عناصر «حزب الله» الذي سبق أن ألقى المصريون القبض عليه في عام 2008، في عهد قبلان، كانت «الوحدة 1800» التابعة لـ «الحزب» تخطط حتى في ذلك الوقت لإنشاء شبكات ليس فقط في مصر، بل في سوريا والأردن أيضاً. ولضمان نجاح المكوّن المصري من الخطة، الذي يمكن القول أنه الأكثر أهمية بالنظر إلى الواقع الجغرافي لحدود غزة مع سيناء المصرية، اختار «حزب الله» قبلان كقائد عام حيث أنه كان قد زار مصر عدة مرات وقضى وقتاً في سيناء. وفي إحدى المرات، قصد قبلان شخصياً السودان "للاهتمام بمسائل لوجستية" مرتبطة بتهريب الأسلحة وحتى بتهريب عدد قليل من المقاتلين الأجانب إلى غزة. وأخيراً، أخبر العنصر الموقوف المحققين المصريين بأن قبلان كان يدرب انتحاريَيْن محتملَيْن من غزة على استخدام الأحزمة الناسفة ويساعدهما على التغلغل داخل إسرائيل في أيلول/سبتمبر 2008 (على الرغم من أن الشرطة الإسرائيلية كانت قد اعتقلت الإثنين قبل أن يتمكنا من تنفيذ عمليتهما).
والجدير بالذكر أن دعم «حزب الله» للمتمردين الحوثيين في اليمن ليس بجديد. وتشير تقارير إلى أن عناصر من «حزب الله» ومن «فيلق القدس» أخذوا ينسقون عملياتهم في اليمن منذ فترة، حيث يتكفل «حزب الله» بنقل الأموال وتدريب المتمردين الشيعة، بينما يتكفل «فيلق القدس» بنقل الأسلحة المتطورة مثل الصواريخ المضادة للطائرات. وفي تشرين الأول/أكتوبر 2012، قال جون برينان، الذي كان في ذلك الحين مستشار شؤون مكافحة الإرهاب في البيت الأبيض، وحالياً مدير "وكالة الاستخبارات المركزية" الأمريكية: "لقد علمنا بأن «حزب الله» يدرب مقاتلين في اليمن وسوريا". وأيد "مدير الاستخبارات الوطنية" جيمس كلابير هذه النقطة في تقريره الذي نُشر في كانون الثاني/يناير 2014 حول "تقييم التهديدات حول العالم"، لافتاً إلى أن "إيران ستواصل تقديم الأسلحة ومساعدات أخرى الى الفصائل الفلسطينية والمتمردين الحوثيين في اليمن، والمقاتلين الشيعة في البحرين لتوسيع دائرة النفوذ الإيراني ومجابهة التهديدات الخارجية المتصورة". وفي وقت سابق من هذا الشهر، أوضح مقاتل من «حزب الله» في لبنان ما يلي: "ربما يتعامل الإيرانيون مع بطاريات الصواريخ وأسلحة أخرى. أما نحن فخبراء في حرب العصابات، وبالتالي نسدي النصائح [إلى المتمردين الحوثيين] حول أفضل توقيت للرد على هجوم أو الامتناع عن ذلك".
ويُعد حرب وقبلان من بين العناصر الأكثر شهرة في «حزب الله»، ويعود ذلك جزئياً إلى أن اسميهما قد أضيفا إلى قائمة الإرهابيين المدرجين على لائحة [العقوبات الأمريكية] التابعة لوزارة الخزانة الأمريكية في آب/أغسطس 2013. وفي ذلك الوقت أصدر ديفيد كوهين، الذي كان آنذاك وكيل وزارة الخزانة - والآن نائب مدير "وكالة الاستخبارات المركزية" بياناً تحذيرياً جاء فيه: "ما زال «حزب الله» يشكل تهديداً إرهابياً عالمياً بالغاً، سواء فيما يتعلق بنقل المقاتلين الأجانب إلى الخطوط الأمامية للحرب الأهلية السورية أو إدخال عناصر سرية في أوروبا والشرق الأوسط وأماكن أخرى". وقد أظهرت هذه الخطوة الأنشطة السرية لهؤلاء العناصر بصورة علنية، ولكن من الواضح أنها لم تردعهم من القيام بأعمال مماثلة.
وفي الواقع، يُزعم أن التهديد الذي أشار إليه كوهين في عام 2013 قد ازداد في العامين الماضيين، مع استمرار «حزب الله» بالتخطيط لشن هجمات في جميع أنحاء العالم (المحاولتان الأخيرتان أُحبطتا في تايلاند وبيرو)، وأصبح قوة مزعزعة للاستقرار في المنطقة أكثر بكثير مما كان عليه سابقاً في ضوء أنشطته في سوريا والعراق، وحالياً في اليمن. وكما ورد على لسان قائد في «حزب الله»: "لا يُفترض تسميتنا حزب الله. فنحن اليوم لسنا حزباً بل نرتدي طابعاً دولياً. نحن في سوريا، وفي فلسطين، وفي العراق، وفي اليمن. ونتواجد حيثما يحتاج إلينا المظلومون... «حزب الله» هو المدرسة التي يطمح كل ساعٍ للحرية إلى ارتيادها".
ويبيّن تعيين عناصر ماهرين بمستوى حرب وقبلان وأقدميتهما لدعم المتمردين الحوثيين في اليمن الأهمية التي يعلّقها «حزب الله» على أنشطة الحركة في المنطقة بشكل عام، وفي شبه الجزيرة العربية بشكل خاص. وكما يخشى السعوديون، قد تشمل هذه الأنشطة حالياً استهداف مصالح سعودية، وهو أمر سبق أن قام به «الحزب» فيما مضى. ولكن على ضوء التجربة الماضية، لن تكفي تسمية هذين العنصرين على وجه الخصوص وتعييرهما علناً لمنعهما من محاولة تنفيذ التهديد الذي وجهه «حزب الله» إلى الرياض بأنها سوف "تدفع ثمناً باهظاً" مقابل الحملة الجوية التي شنتها ضد المتمردين الحوثيين.
ماثيو ليفيت هو زميل "فرومر- ويكسلر" ومدير برنامج ستاين للاستخبارات ومكافحة الإرهاب في معهد واشنطن، ومؤلف كتاب "«حزب الله»: التأثير العالمي لـ «حزب الله» اللبناني". (2013).
"ذي هيل"